المحتويات
توطئة
على نهج العلامة عبد الله كنون في كتابه “النبوغ المغربي في الأدب العربي” اختار الباحث عدنان بن صالح عبارة “النّبوغ المغربي” جزءا من عنوان كتابه “النبوغ المغربي استِكشافا واسْتِئنافا” متوسّعا خارج نطاق الأدب المغربي الذي دَرسه الراحل عبد الله گنون، صوب نطاقات الحضارة المغربية الزاخرة.
يُعَدّ الكتاب مُثابَرة لإبراز الشخصية المغربية في سيرورة تاريخ المغرب الأقصى إلى اليوم، وتَدَاعٍ في سُنّة الطلب، بحثاً في التاريخ الاجتماعي والثقافي والديني والعلمي والإصلاح، غرضه حُسْن تَلقّي الناشئة والطلبة والأسر ومَن لهم رغبة في معرفة تاريخ بلادنا ومسارات الثقافة والمجتمع والفكر والشريعة والسياسة من خلال عيّنة مِن نبغائنا، عساها تجد ما يدلُّها على تحقيق تلك الرغبة، وأن تعتني بهذه التراجم والسير وتُقبِل على التمثُل بقيمها وأخلاقها ونضالها وتميّزها واجتهادها.
النّطاق التاريخي للعمل
من منتصف القرن الخامس الهجري (ق 11م) إلى القرن الرابع عشر الهجري (ق 21م)، يكون هذا الكتاب قد استوفى تغطية مَسيرة عشرة قرون من تاريخ المغرب الأقصى، مِن خلال سير ومسارات رجال عمُرت بهم أندية الأدب ومجامِيعها، ومجالات العلوم على اختلاف أنواعها، والقصور السلطانية وخصوصياتها، ومساجد البلاد وزواياها ورباطاتها، وساحات المعارك وأهوالها، وراضوا صعاب المعارف و خاضوا بحارها، ساقها المؤلف على الوجه الذي سيُطالعه عليه القرّاء، ليتحقّق لديهم العلم بما للأوائل علينا وعلى بلادنا من مفاخر، وما كان لهم من السبق والتبريز في أكثر من مجال وميدان كابرا عن كابر، فبلاد المغرب أنجبت من الأئمة الأعلام والرجال العظام ما يستوجب العناية بهم.” (الكتاب، ص: 324)
مضامين الكتاب
إنّ أعلام المغرب الأقصى فوق العَدّ والحصر، رجالا ونساءً، ماهدين غابرين ضَمَّتْهُم القبور وكادت تنساهم الذاكرة، وحاضرين يواصلون تأثيث مسارات الثقافة والفكر والعلوم والشريعة والتربية والنضال الوطني والعمل السياسي، ويُحققون الإشعاع لمملكة النبوغ.
والكتاب لمْسة برور بالسادة الأعلام، سابقين ومعاصرين، ورغبة بحثية في تاريخ المغرب دفعت الباحث عدنان بن صالح للحفر في الماضي قصْد إعادة التعريف بالمغمورين والمشهورين من رجالات العلم والفكر والسياسة والشريعة والشعر والمقاومة، والكشف عن هائل تراثنا المكتوب والمخطوط مما لا يزال يَنتظر همة الباحثين المُجدّين لتحقيقه وتدقيقه، وإخراجه للناس من بين فرث ودم علماً نافعاً، “مترجِمًا حقيقةَ ما كان عليه نبغاء المغرب مِن تَحَقُّق بالعلم والاجتهاد، ورسوخ في المبادئ والكفاح والاعتقاد، وتميّز في الإبداع، وإمتاع للنظار و أعمالهم وإشباع، لتكون لنا فيهم وفي تراثهم وأعمالهم وتضحياتهم؛ خبرة وخِبرة”، حسب تعبير الكاتب. (الكتاب، ص: 04)
وقد اجتهد المؤلف في دراسة أغوار التاريخ الاجتماعي والثقافي والديني والعلمي والذهني للمغرب من عصر المرابطين إلى زمن محمد السادس، واستحضَر سياقات ومسارات من رصيد المقاومة والتحرير وحركات الإصلاح والتنوير، وتقصّى عن المغمور من حياة وإضافات الأفذاذ الذين عمُرَت بهم أندية الأدب وساحات العلوم وردهات القصور السلطانية ومساجد البلاد وزواياها ورباطاتها، وازدهرت لهم وبأعمالهم وإنتاجاتهم وجوه الرُّتَب. كما اجتهد في السعي إلى صيانة الذاكرة التاريخية الجمْعية ليَعلَمَ اللاحقون ما للأوائل علينا وعلى بلادنا من مفاخر..، وليُحي ما وسِعَه ذلك، جملة القيَم التي حرّكت المواهب والإمكانات العلمية والنبوغ في أولئك.
مضامين الكتاب محاولة متميزة لقَص أخبار ووقائع ومسارات رجال طوى ذكر بعضهم عدم التنبيه إليهم، و غياب حضور مصنّفاتهم في مناهجنا التعليمية، وضمور أعمالهم الرائدة عن إنتاجاتنا الإعلامية والوثائقية، حتى كادت تصير أسماؤهم مهجورة، وأعمالهم مقبورة كأن لم يكونوا. فجاء العمل متمحّلاً إمكانَ سدّ النقص الحاصل في التعريف بالأعلام المغاربة، بِلغة قريبة مِن إدراكات القراء على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الثقافية والعلمية، جامعة بين الأخذ من المصادر الأصلية، والمراجع الموثوق بصحة معطياتها، والانفتاح على المادة الإلكترونية المدققة والمجلات العلمية المحكمة، مع اعتماد التركيب والسرد وفق وحدة بنائية من أول المادة إلى آخرها، وعناوين فرعية في كلّ مادة بقصْد تنظيم المعلومة لدى القارئ، وتوخّى في صياغة الكتاب بلاغة لغة الضاد إمتاعاً وإبداعا، بعيداً عن نمط كتب التراجم والسير، وبعض المواد التي يجدها القرّاء والباحثون مبثوثة في بعض المنصات الإلكترونية مُجانِبة لدِقة المعلومة وصحة المعطى، أو المصادر والكتب التي تطرقت لحياة الأعلام بالغرب الإسلامي، حيث تعتمد تقسيمات أقل ما يقال عنها، مملة، حين تقديمها لشخصية من الشخصيات البارزة في حضارتنا. (الكتاب، ص: 05-06)
لقد تعرَّض المؤلَّفُ، الذي يقع في 344 صفحة، الصادر عن مؤسسة جسور للإنتاج والخدمات الإعلامية في طبعته الأولى سنة 2024؛ لمسار 56 علما من أعلام المغرب، يتِم وضع الشخص في سياق تاريخ المغرب، مع بيان إضافاته وجهوده وتبريز جوانب نبوغه وما أفاد به الحضارة المغربية في رحلتها التاريخية من القرن الحادي عشر الميلادي إلى القرن الواحد والعشرين.
إنّ هذا الكتاب عنوان ومضمون مُعَبِّرٌ عن مسيرة النبوغ المغربي في نطاقاته الكبرى، من العلوم إلى السياسة فالتصوف والأدب والمقاومة والفقه والدبلوماسية والتأليف والشعر والترجمة والطبّ والفكر؛ اكتشافا لعدد من الأعلام المغاربة الذين تُنوسوا مع توالي السنين، وتعريفاً بآخرين عاصرونا من قريب.
خاتمة
لقد جاء هذا العمل منْبَنِيا على أزيد من 111 مصدرا من الدرجة الأولى، ومراجع ودواوين شعرية وموسوعات، تنوعت لتستجيب لغِنى وكثافة الفعْل الحضاري للأعلام البشرية المغربية، ولتوفِّر للقارئ كتابا في مجمله “سيرة مُنتقاة تحت طائلة الضرورة ومقتضيات المقام، تدعونا لننبري بأقلامنا لجمْع شتات تاريخ بلادنا، حواضره وقُراه، وشارد أخبار علمائه ونبغائه، ولَمّ مُتفرَّقَات مُصنّفاتهم وأعمالهم، جمْــع عناية ورعاية ومُصابَرة ناشئة عن نبوغ، للتعريف بنبغاء آخرين لا نكاد نحصيهم – الله يحصيهم-، والمقبِل الآخِد من سِيَرِهِم وإنجازهم خير مِن المُدبِر التّارك”. (الكتاب، ص: 325)