مقدمة

مدرسة ابن يوسف أو جامعة ابن يوسف في مراكش، من أشهر المدارس والجامعات التاريخية في المغرب، إلى جانب أختها جامعة القرويين، فهي مدرسة من بين أعظم المدارس التي خرجت أفوجا عدة من العلماء عبر العصور في المغرب، وفي تخصصات علمية متنوعة. وتقع المدرسة وسط مدينة مراكش العتيقة، وتحديدا في الحي المسمى “حي ابن يوسف”، باعتباره النواة الأصلية لمدينة مراكش، والذي شيد في عهد المرابطين.

إلى جانب دورها االعلمي، فإن المدرسة اليوسفية تعتبر تحفة معمارية عكست الرقي الذي وصلت إليه العمارة المغربية خاصة في العهد المريني، وهو ما يشير إليه ابن المؤقت المراكشي عندما قال: “المدرسة المرينية المشهورة باليوسفية. وهذه المدرسة في غاية الكمال ونهاية الحسن والجمال، عجيبة البنيان، بديعة الإتقان، تسر الناظر، وينشرح بها الخاطر”.[1]

لقد ظلت المدرسة تقوم بدورها العلمي والثقافي لقرون عدة. أما شهرتها باسم ابن يوسف فلم يكن ذلك إلا لمجاورتها لجامع ابن يوسف الذي بناه علي بن يوسف ابن تاشفين المرابطي عام 541ه/1120م.

من أسس مدرسة ابن يوسف؟

وردت عدة راويات متضاربة ومشوِّشة حول تأسيس مدرسة ابن يوسف؛ فقال البعض أن من أسسها هو علي بن يوسف المرابطي، وذهب البعض الآخر إلى نسبها إلى الأمير الموحدي المرتضى، وذهب رأي ثالث إلى أن يعقوب المريني هو من يعود له الفضل في بناء المدرسة المعروفة، في حين أكد آخرون أن المؤسس الفعلي للمدرسة هو عبد الله الغالب السعدي. ويبقى الرأي الراجح، والذي تؤيده كثير من الشواهد، هو أن من أمر ببناء هذه المدرسة هو السلطان المريني أبي الحسن (توفي 752ه) الذي بنى أيضا عددا من المدارس في مدن أخرى كسبتة ومكناس…[2]، وقد أكد هذا الرأي الرحالة المغربي ابن بطوطة قالا: “وبمراكش المدرسة العجيبة التي تميزت بحسن الوضع وإتقان الصنعة، وهي من بناء الإمام مولانا أمير المسلمين أبي الحسن رضوان الله عليه”.[3]

ويحدث أيضا أن يقع بعض الباحثين والمهتمين في الخلط بين مدرسة ابن يوسف أو جامعة ابن يوسف التي لازالت قائمة إلى اليوم وجامع ابن يوسف الذي كانت بجواره هذه المدرسة. وجامع ابن يوسف أسس سنة 514ه/1120 من طرف الأمير المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين، وقد أمر ببنائه في عز الحركة العلمية التي عرفتها مدينة مراكش أنذاك، وسمي أيضا بأسماء أخرى كجامع السقاية، نسبة إلى إحدى السقايات التي أحدثها الأمير بجانبه، وسمي أيضا بجامع المرتضى، نسبة إلى الخليفة الموحدي المرتضى الذي أعاد بناءه من جديد سنة 654ه/1256م بعد أن خربه الخليفة عبد المومن بن علي الموحدي. وقد وصف الحسن الوزان المسجد بقوله: “وفي وسط المدينة جامع في غاية الحسن بناه علي بن يوسف أول ملوك مراكش، يسمى جامع علي بن يوسف. وقد هدمه عبد المومن من الملوك الذين جاءوا بعد اللمتونيين وأعاد بناءه لغرض واحد، هو أن يمحو اسم علي ويجعل اسمه هو مكانه، فذهب عمله سدى، لأنه لا يجري على ألسنة الناس إلى الآن إلا الإسم القديم: جامع ابن يوسف”[4]. ويبدو أن مصدر هذا الخلط بين جامع ابن يوسف ومدرسة ابن يوسف يعود إلى أن جامع ابن يوسف كان يُتخذ محلا للتدريس من قبل طلبة المدرسة المقابلة له –أي مدرسة ابن يوسف- بينما اقتصرت وظيفة المدرسة على إيوائهم، خاصة في الفترات التي تراجعت فيها وضعية المدارس العلمية بالمغرب، وهو نفس الحال بالنسبة للمدارس المرينية بفاس في علاقتها بجامع القرويين[5]. ورغم أنه في بعض الأحيان كانت تعقد في المدرسة بعض حلق العلم، فإن المدرسة اليوسفية ظلت مسكنا للطلبة خاصة من مناطق سوس والمناطق المجاورة لمراكش.

السعديون وتجديد جامعة ابن يوسف

في عهد الدولة الزيدانية (السعدية) تم تجديد المدرسة وذلك على عهد السلطان عبد الله الغالب السعدي عام 972ه/1564م-1565م، وإلى ذلك يشير الإفراني في “نزهة الحادي…” بقوله: “… وهو (يقصد عبد الله الغالب) الذي جدد أيضا بناء المدرسة التي بجوار جامع علي بن يوسف اللمتوني. وليس هو من أنشأها كما يعتقده كثير من الناس، بل الذي أنشأها أولا هو السلطان أبو الحسن المريني رحمه الله تعالى، حسبما ذكره ابن بطوطة في رحلته”[6].  ويبدو أن التجديد الذي خضعت له المدرسة من طرف عبد الله الغالب السعدي أدى إلى إزالة أي أثر يشير إلى بانيها الحقيقي، حيث تم تعويض النقوش والزخارف والكتابات التي تمدح بانيها الحقيقي السلطان أبو الحسن المريني، وتم تعويضها بنقوش وزخارف وكتابات تشيد بالسلطان عبد الله الغالب، وهذا ما يبرر أن مدرسة ابن يوسف الحالية لا أثر فيها يمث إلى أبي الحسن المريني بصلة.[7]

مكونات مدرسة ابن يوسف

تتخذ مدرسة ابن يوسف شكلا مربعا، وتبلغ مساحتها 1680 متر مربع، وهي نفس مساحة المدرسة البوعنانية بفاس، كما أنها تشبهها في تفاصيل كثيرة. وتتكون المدرسة من أقسام متعددة؛ فمباشرة بعد مدخل المدرسة وأروقتها، نجد فناء المدرسة الذي يتوسطه صهريج ماء. ومن الفناء يتم الولوج إلى باقي مكونات المدرسة من صحون وحجرات وغرف؛ بمثابة حجرات لإقامة الطلبة. كما أن للمدرسة بيتا للصلاة، وميضأة (بيت الوضوء) مزودة بحوض مربع الشكل.[8]

كما كانت المدرسة تتوفر على خزانة للكتب، أسسها السلطان السعدي عبد الله الغالب حوالي عام 965ه/1558م لما جدد المدرسة، وكانت تضم، إلى جانب الكتب التي أوقفها على المكتبة، المؤلفات التي كان العلماء والأغنياء يتنافسون في وقفها عليها.[9] ورغم أن بناية المدرسة اليوم لا تشتمل على المكتبة، فإن موضعها من المدرسة معروف إلى اليوم، فالقسم الأكبر من خزانة المدرسة قد حازته مكتبة جامع ابن يوسف.[10]

مدرسة ابن يوسف.. أدوار متعددة ومتنوعة

بالإضافة إلى إيواء الطلبة والحلقات العلمية، كانت المدرسة فضاء يلتئم فيه عدد من الأنشطة الأخرى. فقد كانت المدرسة تعرف كل يوم جمعة سوقا أسبوعية للمخطوطات بصحن المدرسة في إطار ما يعرف ب”دْلالة الكتب”، والذي كان يرتاده جامعو الكتب والباحثون عن النوادر التراثية، بالإضافة إلى طلبة المدرسة والعلماء. كما أن رحبة المدرسة كان محلا لنسخ الكتب العلمية.[11]

بالإضافة إلى الدروس العلمية وجمع الكتب والمؤلفات، واستنساخ وجمع المخطوطات، فقد كان طلبة مدرسة ابن يوسف يروحون عن أنفسهم بأعمال ترفيهية كان أشهرها “حفلة سلطان الطلبة” المعروفة أيضا في صفوف طلبة القرويين بفاس.

ومن أجل قيام المدرسة بأدوارها المختلفة بفعالية كان للمدرسة اليوسفية أحباس وأوقاف متعددة تساهم في توفير الأموال اللازمة لأداء أجور الأساتذة وتكاليف عيش الطلبة الآفاقيين الذي يسكنون في المدرسة، حيث كانت للمدرسة أوقاف خاصة بها وأخرى مشتركة بينها وبين مرافق أخرى بمراكش.

العناصر المعمارية لمدرسة ابن يوسف

إن من أهم مميزات مدرسة ابن يوسف بمراكش خصوصياتها المعمارية والفنية والهندسية والتي جعلت منها تحفة معمارية وفنية، تعكس أصالة وجمال المعمار والفن المغربي، ويتجلى ذلك في مختلف الزخارف والنقوش التي تغطي مختلف أركان وأقسام المدرسة، والتي استعملت فيها مختلف المواد من خشب الأرز المجلوب من جبال الأطلس المتوسط، والرخام الإيطالي، وكذا الجبس والزليج المغربي. وقد استعملت هذه المواد من أجل تزيين مختلف مكونات المدرسة من القبب الفخمة، وقاعة الصلاة، وسقوف الممرات، وكذا الإفريزات، والأعمدة والأرضيات، بالإضافة إلى الواجهات والممرات والأدراج والصحون والغرف[12]. كما أن جدران المدرسة تم تزيينها بنقوش لآيات قرآنية وكتبات شعرية ونثرية، وبعضها نقش على الخشب والرخام، وبعضها الآخر نقش على الزليج والجبس.[13]

خاتمة

لقد كانت مدرسة ابن يوسف من بين أعرق المدارس العلمية بالمغرب، ومن أفخمها، وقد استمرت في القيام بوظائفها منذ تأسيسها في العهد المريني، وتجديدها في العهد السعدي، فساهمت بتنشيط الحركة العلمية والثقافية بمدينة مراكش، وفي المغرب عموما، إلى جانب جامعة القرويين بفاس. والمأمول اليوم هو عودة المدرسة للقيام بتلك الأدوار العلمية والثقافية، خاصة بعد قيام الجهات الرسمية بترميمها، وذلك في أفق إحياء دورها التاريخي في إيواء الطلبة وإحياء مجالس العلم والدرس في رحابها.

المراجع
[1] ابن المؤقت المراكشي، السعادة الأبدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية، ج1، المطبعة والوراقة الوطنية، ط1، 2002، مراكش، ص 59-60.
[2] العفاقي رشيد وأيت أومغار سمير، تاريخ مدرسة ابن يوسف بمراكش، مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، مراكش، ط1، 2016 ص 35.
[3] محمد بن عبد الله ابن بطوطة، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، عني بشرحه والتعليق عليه: طلال حرب، دار الكتب العلمية –بيروت. 1413ه/1992، ص 683.
[4] الوزان الحسن، وصف إفريقيا، ج1، ترجمه عن الفرنسية محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي-بيروت، ط2، 1983، ص 127.
[5] العفاقي رشيد وأيت أومغار سمير، تاريخ مدرسة ابن يوسف بمراكش، مرجع سابق، ص 46.
[6] الإفراني محمد الصغير، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تحقيق، عبد اللطيف الشادلي، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء، ط1، 1998، ص 107-108.
[7] العفاقي رشيد وأيت أومغار سمير، تاريخ مدرسة ابن يوسف بمراكش، مرجع سابق، ص 38.
[8] العفاقي رشيد وأيت أومغار سمير، تاريخ مدرسة ابن يوسف بمراكش، مرجع سابق، ص 59-64.
[9] حجي محمد، الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين، ج1، مطبعة فضالة-المحمدية، 1977، ص 185.
[10] العفاقي رشيد وأيت أومغار سمير، تاريخ مدرسة ابن يوسف بمراكش، مرجع سابق، ص 49.
[11] العفاقي رشيد وأيت أومغار سمير، تاريخ مدرسة ابن يوسف بمراكش، مرجع سابق، ص 50-52.
[12] العفاقي رشيد وأيت أومغار سمير، تاريخ مدرسة ابن يوسف بمراكش، مرجع سابق، ص 65-66.
[13] العفاقي رشيد وأيت أومغار سمير، تاريخ مدرسة ابن يوسف بمراكش، مرجع سابق، ص 80 وما بعدها.