تقديم

يعد هذا المؤلف تفصيلا لسابقه “المدخل لدراسة الشريعة”، وقصد منه مؤلفه العلامة محمد رياض التعريف بدراسة الشريعة الإسلامية بوجه عام، وركز عليه لأن التعريف يساعد على متابعة الاهتمام بهذه الشريعة وبعلومها، ومقاصدها، والتعمق في كل ذلك حين يتسع الزمان، وتغتنم الفرص، انطلاقا من الرغبة الباطنية، والطموح العلمي الوثاب الذي يجب أن يتحلى به كل طالب .

مضامين الكتاب

ركز الدكتور محمد رياض في هذه الدراسة على إبراز معالم الشريعة الإسلامية كمنهاج رباني، وفصل في بعض خصائصها التي رأى أنها من أهم مقوماتها الأساس، مبرزا تفوق الشريعة على باقي الشرائع، وهو ما اعتمده في “المدخل لدراسة الشريعة”، ووقف على نطاق الشريعة، وبالأخص فيما يتعلق بالعقيدة، إذ التوحيد هو الأصل الذي تنبني عليه الأعمال، وتتعلق به الآمال، إذ كل عمل دون توحيد ليس له أثر في الدنيا وإن نفع وهو في الآخرة لا يفيد.

وبعد التوحيد أردف الكلام عن أصول الأخلاق الإسلامية بأبحاث إضافية، إذ لابد من تصور المسلم لما ينبغي لخالقه من تعلق وأدب، وصدق عبودية في توحيده وعبادته، وما يليق بالإنسان كموجود منعم عليه بالإيجاد، وكمخلوق خلق من تراب. ثم ما يجب أن يتصف به وهو يخطو خطواته عبر هذا الوجود إلى أن يلق الرب المعبود من آداب وأخلاق، ثم التذكير بمآله وهو الموت والفناء، وكيف ينظر إلى هذا المآل الذي، لابد منه، نظر مسلم متشبع بالإيمان والاطمئنان راض بحكم الرحمان. ثم النظر الإيماني الصحيح لحقائق الدنيا ككل، وحقائق الآخرة. وقد بحث جميع ذلك في إطار الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة.

وخصص بابا مستقلا للفقه الإسلامي لتشعب الكلام فيه. ولأن الفقه ميزان الشريعة، والقلب النابض لها، إذ في ميدانه تتحرك الأحكام، ويظهر روح النظام، فعرف بالفقه وخصائصه، وبأحكامه وفروعه، وقابل الفروع بفروع القانون الوضعي، وما يجب النظر في أحكام هذا الفقه طبق الواقع الذي نعيشه، والزمان الذي تطور حتى نعت الفقه الإسلامي أنه فقه أصبح لا يساير هذا الواقع ولا ينسجم معه. وهي دعوى مغرضة، وادعاء صادر من أعداء الإسلام الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. ولو كانت النية صالحة والقصد سليما من التحيز والإعراض، لكان للفقه مقامه الأسمى في الحياة العامة، وهذا راجع لخبرة الكاتب بالمجال واطلاعه عليه وهو القاضي والمحامي الممارس لا المنظر فقط.

كما أن صاحب الشرع الحكيم وهو الله العظيم له من المقام الأسمى في القلوب، ولنبيه الكريم عليه أزكى الصلاة والتسليم من التقدير والتبجيل في نفوس المؤمنين به، فإن ضعف ذلك الإيمان، وذلك التقدير يضعف بالتبع العمل بكلامه، وحكم من تعلق به الايمان، وهي خسارة كبرى لا تعوض في الدنيا والآخرة.

وفي باب الفقه درس أدوار الفقه الإسلامي بطريقة مخالفة تبرز استمرارية هذا الفقه وتؤكد فعاليته عبر العصور، فلا تنحصر فائدة هذا الفقه في عصر دون عصر، ولا تموت ولا تضمحل أهميته في مصر دون مصر، ولذا اقتضى النظر تقسيم أحكام الفقه إلى محاور كبرى تستوعب أدواره وتحافظ على هيكلته ولا تغض من جانبه وهو تقسيم أفقي يمتد إلى قيام الساعة، وهو أحكام إتباع، وأحكام اجتهاد وفتوى.

وذلك التقسيم حسب رياض يحافظ على كيان هذا الفقه، ويضمن هيبته، وامتداده دون أن يتقيد بمرحلة من المراحل. وهو بهذا يخالف التقسيم الذي اتبعه أكثر الدارسين لهذا الفقه عن تقليد، هو تقسيم عمودي. وآخذ على المدعين السعي للنهوض بالفقه، حيث شبهوا هذا الفقه بوليد نما وترعرع ثم شب فاستوى على سوقه، وبعد ذلك أصابه الوهن والضعف فأصبح شيخاً هرماً، ثم أدركته ألطاف عقول علماء هذا العصر فانتعش ودبت فيه الحياة، مع أنه لم يصب الفقه بهذا الركود والجمود إلا في هذا العصر، ولولا بعض الحياء -إن كان مازال هناك حياء- لقالوا إنه مات ثم ردوا إليه الحياة.

إن الفقه ثابت مستقر بأصوله وفروعه منذ الوهلة الأولى من نزول الوحي، وما أسسه رسول الله من أحكام، ومازال هذا الفقه بهذه الأحكام مستمراً، وما اجتهد فيه المجتهدون من الصحابة الكرام، والأئمة الأعلام. وما ألفوا فيه من كتب ودواوين تشهد أن هذا الفقه محافظ على أحكامه وفروعه إلى قيام الساعة.

وحتى في المرحلة التي ينعتون فيها هذا الفقه بالجمود والانحطاط، كان هناك علماء مجتهدون وفطاحل لم يجد الزمان بمثلهم، وكان سلطان الفقه قائما وكلمته هي العليا. ولم يعرف الفقه انحطاطا أكبر من انحطاط هذا العصر الذي ادعى فيها البعض أنهم يحاولون النهوض به فلم ينهضوا هم وبقى الفقه ثابتا يتوقف على العمل به وفتح باب الاجتهاد في وجهه لا أننا نحييه بعد أن كان ميتاً، وجاء الاستعمار ومازال فقتل الهمم.

وقد قسم العلامة محمد رياض الكتاب بعد المقدمة إلى ما يلي:

الباب الأول: التعريف بالشريعة الإسلامية ومصادرها

الفصل الأول: التعريف بالشريعة الإسلامية..

الفصل الثاني: خصائص الشريعة الإسلامية.

الفصل الثالث: مصادر الشريعة الإسلامية.

الباب الثاني: نطاق الشريعة الإسلامية ” التوحيد ــ وأصول الأخلاق الإسلامية”.

الفصل الأول: علم التوحيد.

الفصل الثاني: أصول الأخلاق الإسلامية.

الباب الثالث: الفقه الإسلامي وأدواره.

الفصل الأول: التعريف بالفقه الإسلامي وفروعه.

الفصل الثاني: أدوار الفقه الإسلامي.

خاتمة

إن الغاية الكبرى من ذكر مؤلفات الشريعة هو أن يعرف طالب العلم مصادر العلوم حتى يبحث ويطالع، ويجتهد ليزداد علما على مر السنين والأعوام، إذ العلم لا يتقيد بالأوقات ولا ما يكتب في الأوراق والصفحات، ولا ينحصر في عمر دون آخر، ولا يحد بمرحلة، “ومعرفة الكتب علم ثان” كما يقال.

وهذه الدراسة ما هي إلا تعريف كلي وبرهان إجمالي من أجل إبراز محاسن هذه الشريعة الغراء في جوهرها وآفاقها، وكيف يجب التعامل معها بالجوارح والقلوب.

والمتتبع لهذا المؤلف -الذي يقع في 517 صفحة،  يجد فيه إضافات مهمة على كتاب “المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية “،حيث نتج عنه تأليف كتاب “أصول الأخلاق الإسلامية من خلال الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة ” (سنة 1424ه/2003م)، وهو متضمن في الباب الثاني من المؤلف عنـــــــــونه ب: “نطاق الشريعة الإسلامية ( التوحيد ــ وأصول الفقه الإسلامي) “.