بين يدي التقديم

لا توجد قضية سكنت وجدان المسلمين كما سكنتها القضية الفلسطينية، لأنها جمعت في أبعادها ما هو ديني وتاريخي واستراتيجي وسياسي وإنساني واجتماعي؛ وقد شكّلت على مدى عقود، محور صراع تجاوز المحليّة نحو العالميّة، لتصبح – بعد أن أصبحت مع مرور الوقت- قضية أكثر من مليار مسلم، وقضية الملايين من أحرار هذا العالم.

وقد استقطبت عدالة هذه القضية عطف فئات مختلفة من البشر، رسميين وشعبيين، سياسيين وأكاديميين، مدنيين وعسكريين، أفرادا ومؤسسات، حيث انتصروا لهذا الحق بالرأي والفكرة والدعاء والمال والسلاح…. فتحصّل لهذه القضية من أشكال الدعم والنصرة، ما لم يتحصّل لغيرها، فكان منها السياسي والدبلوماسي والعسكري والمالي والإعلامي والأدبي والفني… وذلك تبعا للمنعطفات التي تستجد من حين لآخر في مسارها، إلى أن صارت حقا وصدقا قضية العرب والمسلمين، وعنوان الكرامة والتحرر بدون منازع. إنها بتعبير الأستاذ المقرئ الإدريسي “المنارة والجرح، والأمل والألم، التحدي والاستجابة. وستستمر المواقف تجاهها فيصلا بين فريقين: النصرة والخذلان، والمقاومة والاستسلام، المقاطعة والتطبيع، الحق والباطل”[1].

ولأن بناء الوعي وسلامة الفهم، يأتي في مقدمة كل أشكال الدعم والنصرة، اخترنا تقديم كتاب: “أفهم القضية الفلسطينية ليكون لي موقف” للأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد. مساهمة منّا في هذا البناء، الذي لا غنى عنه قبل احتضان القضية أو الانخراط في أي شكل من أشكال نصرتها.

تقديم صاحب الكتاب

الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد من مواليد مراكش سنة 1960م، نشأ وترعرع في بيت علم وقرآن، فوالده الفقيه العلامة سيدي عبد الله المقرئ الإدريسي البحياوي محتسب مدينة الجديدة وخطيب مسجدها الأعظم وبعده مسجد الإمام علي، وأمه الحاجة للا فاطمة بنت مولاي أحمد البحياوي شقيقة مولاي المصطفى البحياوي من أهل القرآن؛ فلا غرو إذن، أن ينشأ ابنها أبو زيد محبا للقرآن، متشبعا بتعاليمه، متطلعا لخدمة الإسلام ودعوته، شغوفا بالفكر الإسلامي وقضاياه، لصيقا بهموم الأمة، منافحا عنها كاتبا ومحاضرا ومنظرا.

تخرج الأستاذ أبو زيد من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ثم التحق بسلك تكوين المكونين، وكان طيلة مساره الدراسي الأول في فوجه. عيّن أستاذا بشعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء سنة 1984م، ودرّس بها عددا من المواد منها: النحو وفقه اللغة واللسانيات وعلوم القرآن…

يعدّ الأستاذ المقرئ الإدريسي من أبرز رموز التيار الإسلامي المعاصر في المغرب بله الوطن العربي والإسلامي، وهو محاضر فذ، وأحد دعاة الوسطية ونبذ التطرف والغلو في الدين، اشتهر بالانحياز إلى البعد السّنني، والطرح الفكري القائمين على مراعاة ثوابت الدين ومتغيرات الزمن.

للأستاذ المقرئ الإدريسي تجربة متميزة في العمل السياسي، حيث انتخب نائبا برلمانيا لخمس دورات متتالية امتدت على مدى ربع قرن،من 1997 إلى 2021، اشتغل خلالها عضوا في لجان العدل والتشريع والشؤون الاجتماعية…. كما تولى رئاسة فريق الصداقة المغربي الإيراني. له مشاركات علمية وفكرية عدّة داخل المغرب وخارجه، من مؤلفاته: القرآن والعقل- معضلة العنف.. رؤية إسلامية – الغلو في الدين.. المظاهر والأسباب – عموم الرحمة وعالمية الإسلام – فلسطين وصراع الإرادات – الشراكة والمشاركة السياسية في الوطن العربي- الطائفية وتفكيك الأمة – حروف المعاني في اللغة العربية – أفهم القضية الفلسطينية ليكون لي موقف- الخطاب الدعوي- رهانات الخطاب الإعلامي.

تقديم الكتاب

صدر الكتاب في طبعته الأولى سنة 2015عن مطبعة “النجاح الجديدة” بالدار البيضاء ضمن منشورات “مؤسسة الإدريسي الفكرية للأبحاث والدراسات”، في 189 صفحة من القطع المتوسط، وهو من مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة، وأربعة ملاحق. وقد سلك المؤلف مسلكا عجيبا في عرض رؤيته للعاملين لصالح القضية، وهي رؤية تكوّنت معالمها من خلال عمليات التتبع، ورصّدها من خلال سنوات من القراءة المتنوعة والعميقة. والكتاب من فصول ثلاثة:

– الفصل الأول: “فلسطين بعيون المنصفين” وطّأ له بتقديم بيّن فيه ميزة ومكانة فلسطين والقدس والأقصى، هذا الأقصى الذي “مجرد شوكُهُ بشوكة، كفيل بأن يحرك مشاعر المسلمين، فكيف باغتصابه واحتلاله، وحرقه، والسعي إلى تهويده والاستيطان فيه”[2]. وعن سؤال: فلسطين حق لمن؟ أجاب عنه المؤلف بثلاثة مباحث: 1 – فلسطين والدليل الأركيولوجي 2 – فلسطين والدليل التاريخي 3 – فلسطين والشرعية الدينية. حيث قدّم من خلالها دفوعات قوية تثبت جميعها أن فلسطين للفلسطينيين منذ خمسة آلاف سنة، وأن الوجود اليهودي وجود طارئ، وأن انخراط المسيحية المتصهينة في دعم إقامة الكيان واستمراره، إنما يقوم على دعاوى واهية لا أساس لها من الصحة.

– الفصل الثاني: “فلسطين بعيون المعتدين”،وطّأ له متأسفا كون أمتنا تعاني “في ظل السياسات الرسمية للتعليم والإعلام والثقافة، من عمليات مسخ حقيقية، وغسيل دماغ، وتخريب للذاكرة، وإلا لكنا في غنى عن هذا الفصل”[3]. وفي الفصل مبحثان اثنان. أولا: (المسيحيون وفلسطين): وفيه فضح أسرار التحالف الذي يجمع بين المسيحية والصهيونية، وتوقف عند الحركة التدبيرية وجذورها وبعض معتقداتها، وخاصة (نزول المسيح)، كما بسط فيه مستوى نفوذ هذه الحركة وتغلغلها في السياسات الأمريكية وخاصة اختيار الرئيس. أما المبحث الثاني: (اليهود وفلسطين) فميز فيه بين يهود صهاينة وآخرين غير صهاينة وهي فئة قليلة غير مؤثرة ولا يد لها في القرار، ممّا جعله يستدرك أن “بدعة التفريق بين اليهودي والصهيوني، لا تقوم على أساس أي منطق إذا ما استثنينا هذه الفئات الهامشية، لأن الصهيونية انطلقت من المقدس في التوراة والتلموذ وكتابات الحاخامات وتراث يهود القبالاه”[4]. وعليه فإن الخلفية الدينية حاسمة في الفكرة الصهيونية، والدليل على ذلك أن مئات الألوف من يهود الشتات إنما اجتذبتهم الصهيونية إلى الاستيطان من ثقافتهم الدينية.

الفصل الثالث: وهو فصل خصه للتطبيع تحت عنوان: “التطبيع بعيون اليقظين”، وفيه تتبّع مستويات الاختراق الصهيوني في أوربا والعالم العربي والإسلامي، كما فضح الأطماع التوسعية لإسرائيل في إفريقيا، ووقف مطولا عند حظ المغرب من هذا الاختراق، وكيف أنه في عدد من الدول يبدأ تحت مسمى الانفتاح والتكامل التجاري، لينتهي بالمساومات واختلاق القلاقل والثورات بل والانفصال أحيانا.

ولأن الأمم تنهزم باستسلام نخبها، فقد عرض الكاتب نماذج من النخبة المطبّعة، وعرض مواقف مشينة لعدد من المطبعين، وخلص إلى قاعدة مفادها أنه: “عندما يؤمن الحاكم والمفكر والاقتصادي والشاعر والإعلامي باستحالة مواجهة إسرائيل، فإن التطبيع يصل ذروته”[5]. ويختم بقاعدة أخرى كون قيام إسرائيل خطر ماحق يهدد الأمة، وأن التطبيع إبادة حضارية.

جاءت فكرة الملاحق الأربعة تكملة مهمة لمتن الكتاب، حيث بسط الأستاذ أبوزيد في الملحق الأول “ستين طريقة لنصرة فلسطين العزيزة” وهي عبارة عن واجبات خاصة بالفرد والأسرة والتجار ورجال الأعمال والإعلامين والصحفيين والمثقفين والعاملين في قطاعات التعليم والأئمة والخطباء والدعاة والجمعيات والهيئات الخيرية والأطفال والشباب ومستخدمي شبكة الإنترنت والنقابات المهنية والأندية، وبذلك تكون هذه الواجبات تغطي أنشطة كل فئات المجتمع، وبالتزام كل فئة بواجباتها يمكن تشكيل جبهة صلبة لمكافحة الاختراق الصهيوني ونصرة فلسطين. الملحق الثاني: “حصاد الهشيم” أورد فيه ملخصا لتقرير يفضح الخراب الصهيوني في مصر بعد 14 عاما من التطبيع، بغرض إنعاش الذاكرة وإيقاظ الوعي وتنبيه الأمة للحقائق البشعة المتوقعة من أي تساهل قد يفضي إلى كارثة التطبيع. الملحق الثالث: ويضم قائمة بـ “كتب لا بد أن تُقرأ” أورد فيها عناوين لكتب ومؤلفات ذات صلة بالقضية في أبعادها التاريخية والإستراتيجية والتاريخية فضلا عن التطبيع ومخاطره. أما الملحق الرابع والأخير فهو تحت عنوان: “مشاهداتي في غزة (أكتوبر 2010) أورد فيه سردا مشوقا لعدد من الوقائع والأحداث التي عاينها خلال زيارته لغزة في إطار حملة “أميال من الابتسامات” في طبعتها الخامسة.

على سبيل الختم

لقد أراد الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد من كتابه – بدءا بعنوانه – أن يكون موجها إلى سمع وبصر وذهن وانتباه القارئ، ليشده ويعلم أنه ليس بصدد كتاب فكري نظري تاريخي محض، يشتغل بالجانب المعرفي فقط، وإنما هو يهدف إلى أن يستثير لدى القارئ الرغبة في ترك موقع المتفرج والانتقال إلى موقع المتحرك” فكان له ذلك، حيث لقي الكتاب قبولا في الساحة المغربية، وطبع مرّات، ونفع الله به أفرادا ومؤسسات، وكان موضوع ندوات ودورات تكوينية فلله دره من كاتب وكتاب.

المراجع
[1]  المقرئ الإدريسي أبو زيد، أفهم القضية الفلسطينية ليكون لي موقف، دار النجاح الجديدة، ط 1 ـ 2015، ص 20.
[2] المقرئ الإدريسي أبو زيد، أفهم القضية الفلسطينية ليكون لي موقف، ص 20.
[3] المقرئ الإدريسي أبو زيد، أفهم القضية الفلسطينية ليكون لي موقف، ص 51.
[4] المقرئ الإدريسي أبو زيد، أفهم القضية الفلسطينية ليكون لي موقف، ص 68.
[5] المقرئ الإدريسي أبو زيد، أفهم القضية الفلسطينية ليكون لي موقف، ص 83.