توطئة

يحتل الصراع العربي الصهيوني حيزا هاما من القضايا التي تشغل بال الرأي العام العالمي نظرا للممارسات العدوانية المتكررة التي تمارسها “إسرائيل”، منذ قيامها، على الشعب الفلسطيني الذي استمرت مأساته العقود تلو العقود في دوامة من المجازر الهمجية المتعاقبة الواحدة تلو الأخرى، على مرأى ومسمع من العالم الملقب بـ “المتحضر” و”الساهر” المزعوم على حماية حقوق الإنسان والتصدي لمن ينتهكها إذا كان من غير الإسرائيليين.

وكتاب “من كنعان إلى إسرائيل مقاربة تاريخية مبسطة” لمحمد الأمين الفشتالي، لا يدعي البحث التاريخي الذي يعالج الموضوع معالجة أكاديمية، بل إنه مجرد تسجيل لبعض أهم المراحل المؤلمة التي مرت منها فلسطين وما حل بشعبها في عز القرن العشرين من مآسي وما تعرض له من مذابح. كل ذلك إرضاء لتنفيذ مشروع استعماري إمبريالي يتستر وراء أسطورة تدعو إلى انتزاع فلسطين من أصحابها وتسليمها إلى غرباء عنها لأنها “عطاء إلهي لبني إسرائيل”.

قدم للكتاب النقيب محمد مصطفى الريسوني رئيس جمعية هيئات المحامين سابقا، رئيس مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي، عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ويقع في 334، وهو من منشورات دار النشر المغربية سنة 2010م.

دواعي التأليف

يأمل الكاتب أن يؤدي هذا المؤَلَّف، رغم بساطته إلى تيسير فهم ملابسات الصراع العربي الإسرائيلي ومخططات قوى الاستعمار والإمبريالية والمزيد من التعبير للشعب الفلسطيني عن عظيم الإعجاب والإجلال لصموده البطولي ونضاله المثالي المتواصل، يوما بعد يوم، على مدار أزيد من قرن من الزمن.

ثم إن الاطلاع على مواضيع هذا الكتاب، حسب قوله، تجعلنا نتعرف على من هو المعتدي، لنشجب عدوانيته، ومن هو المعتدى عليه لننصره ونتضامن معه ونحمد الله أن في العالم اليوم، من بدأ يقف إلى جانب المجلود، ويستنكر الجلاد مهما كان نفوذه (الكتاب ص 22). كما توخى تقريب كتابه من القراء، على اختلاف مستوياتهم الثقافية من خلال البساطة في التعبير والتبسيط في السرد، والتشويق في الحكي والموضوعية في التحليل، والتنويع في المصادر حتى يسهل الربط بين الأحداث التاريخية والملابسات التي تحيط بالقضية الفلسطينية من كل جوانبها .

من هو المؤلف

بعد حصوله على البكالوريا فرنسية، ودبلوم اللغة العربية عمل بسلك التدريس، سنة 1937 التحق محمد الأمين الفشتالي بجريدة الطليعة، لسان حال المنظمة النقابية “الاتحاد المغربي للشغل”. وفي سنة 1958م أصبح عضوا مؤسسا للجنة النقابية الدولية للتضامن مع عمال والشعب المغربي وانخرط في العمل النقابي، كما ساهم في إصدار جريدة «التحرير» سنة 1963. وهو عضو مؤسس للجنة الدولية للتضامن مع عمال وشعب الفيتنام. وفي سنة 1964 انتخب أمينا عاما مساعدا بالمنظمة النقابية العربية مسؤولا عن العلاقات الخارجية، وعين عضو دائما بوفدها في المؤتمرات السنوية لمنظمة العمل الدولية بجنيف، وانتمى للاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1967، وسنة 1969 أصبح عضوا مؤسسا للجنة الدولية للتضامن مع عمال وشعب فلسطين، شارك في العديد من الندوات واللقاءات بين القيادات الطلابية العربية والقيادات النقابية الأوروبية والأفريقية للتعريف بالقضايا العربية. انتمى إلى العديد من المنظمات الدولية والعربية، له مقالات حول الحركة النقابية في المغرب في صحف مصرية وسورية ولبنانية. ومقالات في صحف نقابية فرنسية ومجلة الفيدرالية النقابية العالمية (FSM) حول الحركة النقابية العربية والإفريقية والقضية الفلسطينية. ومحاضرات حول القضية الفلسطينية في داخل المغرب وفي فرنسا.

وقد صادف أثناء إقامته في مهمة نقابية بالقاهرة، الهجوم الإسرائيلي الغادر على مصر في 5 يونيو 1967 فعاش المؤلف مرة أخرى النكبة الثانية في أعنف تجلياتها. فانكب على البحث والتنقيب في التاريخ اليهودي، وفي تحليل العقيدة التي بنت عليها الصهيونية مشروعها العدواني، انطلاقا من الاختيار الإلهي المزعوم، والادعاء بالامتياز والتفرد، والحق في امتلاك فلسطين، كل فلسطين، طالما أن الاستعمار الجديد لا يبخل عليها بالدعم والمساندة، وطالما أن الأقطار العربية توجد في حالة عجز عن دحر الهجوم الصهيوني.

مضامين الكتاب

عنون الكاتب الفصل الأول ب:  بنو إسرائيل واليهود في التاريخ القديم، والفصل الثاني الشتات، والفصل الثالث: اليهود في الجزيرة العربية، الفصل الرابع:  اليهود في الدولة الإسلامية، الفصل الخامس: معاناة اليهود في الممالك المسيحية، الفصل السادس: شعب… الله المختار أم شعب الله… المختار، الفصل السابع أسطورة الأرض الموعودة، الفصل الثامن: اليهودية دين أم جنس وقومية؟، الفصل التاسع: إشكالية الهوية اليهودية، الفصل العاشر: ظاهرة ازدواجية الولاء، الفصل الحادي عشر: معاداة السامية، الفصل الثاني عشر: الصهيونية،  الفصل الثالث عشر: نحو اغتصاب فلسطين، الفصل الرابع عشر: بالسيف والأساطير، الفصل الخامس عشر: 1948 النكبة الكبرى، الفصل السادس عشر: عرب 48، فلسطينيون يتشبثون بالأرض والهوية، و مواطنون إسرائيليون غير مرغوب فيهم .

وللفشتالي طريقة خاصة في استقصاء الأحداث واستنباط الحقائق وترجمة كل ذلك إلى واقع ملموس يعيشه القارئ وكأنه عايش أحداثه ووقائعه. وهذه ميزة قلت في الكتابات التاريخية التي تعتمد في الغالب أسلوبا سرديا قد يدفع القارئ إلى الملل، أو أسلوبا ملتويا يستهدف تضليله بالتأويلات المغرضة وتكييف حكمه ورأيه. ويعود اهتمام الأستاذ محمد الأمين الفشتالي بالقضية الفلسطينية وشغفه بالاطلاع على كل ما يرتبط بها، وولعه بجمع وتدوين كل أحداثها ووقائعها إلى مطلع شبابه، وهو الذي تربى في أحضان عائلة وطنية، ونشأ، سياسيا، في خلايا حزب الاستقلال سواء أيام دراسته الثانوية بالليسي الفرنسي بمكناس أو بعد  تخرجه منه.

يحلق بنا كتاب “من كنعان إلى إسرائيل مقاربة تاريخية مبسطة” عبر عشرات القرون من الهجوم على بلاد كنعان إلى تأسيس “دولة إسرائيل”، في شكل مقاربة مبسطة لتاريخ العبرانيين وبني إسرائيل واليهود، ومعاناة هؤلاء في الممالك المسيحية بعد شتاتهم، ولتعريضهم إلى أبشع أساليب البطش والاضطهاد بتهمة “صلب المسيح”، في الوقت الذي كانوا فيه معززين مكرمين في الدولة الإسلامية على ضوء تعاليم الدين الحنيف، بداية من معاملة الرسول الأكرم عليه السلام والمتسمة بالإخاء في وحدانية الله، والأخوة في الإنسانية، إلى يومنا هذا، مرورا بالخلافة ر الإسلامية أموية وعباسية وعثمانية.

خاتمة

كشف الكتاب بعض أهم الأحداث التاريخية والملابسات التي أحاطت بميلاد الكيان الصهيوني، وذلك دون أن يكون فيه هجوم على شعب من الشعوب، على خلفية مشاعر عنصرية، ودون أن يتبنى الأحكام المسبقة والآراء العنصرية المحجرة الجارحة. بقدر ما هو مجرد مقاربة تاريخية استعرض جزءا من تاريخ أحداث وقعت في الماضي، على فترات متتابعة، نعيش مضاعفاتها في الحاضر حتى لا يكون التاريخ عبئا يثقل الذاكرة الجماعية للإنسانية. بل تسجيلا يذكر بما حدث في الماضي لكي لا يحكم علينا أن نعيش أحداثه من جديد. ويحق لنا، بعد كل هذا أن نتساءل، مع الكاتب، إلى متى ستستمر “إسرائيل” في تذبيح الشعب الفلسطيني والمزيد من قضم أراضيه، ومحاولات خنقه بشتى الإجراءات والوسائل، وإلى متى وهي تتصرف وكأنها دولة لا كباقي دول العالم، تواجه الشرعية الدولية بالتنطع والاستعلاء والغطرسة والاستخفاف؟… فإلى متى ستستمر إسرائيل في مناوراتها لتقليص سيادة الفلسطينيين على الأراضي التي يعيشون فوقها وتناور العرقلة كل اعتراف لهم بحقهم في الحرية والاستقلال والعيش الكريم كباقي شعوب العالم؟، وإلى متى ستستمر أمريكا والغرب في دعم  “إسرائيل” ماليا وعسكريا؟.