صدر عن معهد الشارقة للتراث بالإمارات، كتاب:”سبع حكايات من ساحة جامع الفنا”، الذي يقع في 101 صفحة من القطع المتوسط، للدكتور حسن بحراوي المترجم والروائي والباحث في النقد الأدبي والتراث الشفوي، الطبعة الأولى: 1443 هـ/ 2022م/الشارقة.

وفي مقدمة الناشر يقول الدكتور عبد العزيز المسلم:”القراءة ثم الكتابة، ثم يكون كلُّ شيء، هذه هي المكوّنات الأولى التي تُبنى بها الحضارات…، من هنا نبدأ، من هذه الإصدارات النوعية التي نختارها لكم بعناية، كي نرسم طريقاً واضحاً للثقافة الشعبية، إصدارات ديدنها الثقافة، وفحواها المعارف التقليدية. وميزتها الولوج إلى القلب دون تكلّف أو تجهّم”.

وفي نفس الصدد يضيف رئيس معهد الشارقة للتراث: أن “مكتبة الموروث” حلم أردنا تحقيقه في معهد الشارقة للتراث؛ لنكون مكتبة متخصصة في التراث الثقافي العربي والعالمي، مكتبة لا يمنعها مانع، ولا يعوقها حد، مكتبة رحبة غنية، تصل إلى القلوب وإلى العقول بالوهج والود ذاتهما.

وعن دوافع تأليف الكتاب يقول الدكتور حسن بحراوي في مقدمة الكتاب بأن: تزامن ميلاد الساحة الشهيرة مع ميلاد مراكش نفسها، التي أنشأها السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، وبدأ استعمالها كموقف لجيوشه الجرارة، وهي تتأهب للمغادرة إلى ساحات المعارك في المغرب والأندلس. ويضيف أيضا، بأن اليوم لا تزال ساحة جامع الفنا هي قلب مراكش النابض، وأيقونتها الشعبية والاحتفالية من دون منازع، وتقع عند نقطة تلاقي المدينة القديمة (القصبة)، والملاح (حي اليهود)، ومواقع البدو القادمين من الضواحي، وتقوم في مواجهة القصر الموحدي وصومعة الكتبية الشهيرة، وقد جرى توسيعها بانتظام عن طريق هدم الثكنات القديمة (القشلات)، وإحاطتها بالبيوت الواطئة ذات الساكنة المتواضعة، والأسواق الشعبية ومحال بيع التحف والتذكارات السياحية.

سبب تسمية الساحة ب”جامع الفنا”

يقول الباحث حسن بحراوي: … وهي حقيقة أثبتها الرحالة الغربيون الذين زاروا المغرب في تلك الحقب المدلهمة، وهم يحكون كذلك أن اسمها يحيل على مسجد كبير شرع سلطان الدولة السعدية أحمد المنصور الذهبي في تشييده، تحت اسم “مسجد الهنا”.. غير أنه في أعقاب سلسلة الحوادث التي عصفت بالمدينة، ومنها وباء الطاعون الذي أفنى نصف الساكنة، سوف يقلع عن استكمال بنائه، ويبقى بعد وفاته عبارة عن أطلال أطلق عليها العامة “مسجد الفنا” في إشارة إلى المآل الحزين الذي انتهى إليه.

ويكمل المترجم بحراوي، على أن الأبحاث التي أجريت في الموقع لم تستطع تأكيد أو نفي هذا الزعم، وعموما، فقد اشتهرت الساحة بهذا الاسم (ساحة جامع الفنا) ابتداء من القرن الثامن عشر، وبوساطته عرفت في الكتابات الرحلية والتاريخية المغربية والأجنبية، وفيما بعد صار هذا الاسم يطلق على تلك الساحة العمومية الشهيرة. الواقعة في الجنوب الغربي للمدينة القديمة بمراكش، والتي يبلغ عدد زوارها سنويا ما يربو على المليون، بين زائر وسائح.

ويشير البحرواي لنقطة مهمة مفادها أنه، خلال الحماية الفرنسية على المغرب (1912- 1956)، أعطى المقيم العام المارشال ليوطي تعليماته لإصدار ظهير وزاري يصير للساحة بموجبه وضع خاص، طالما كانت معروفة باجتذاب الساكنة والسياح، لشهود فرجاتها المتنوعة، وفي مقدمتها فن الحلقة، حيث يتجمهر الناس حول راو يحكي لهم قصصا بين صلاتي العصر والمغرب، وذلك إلى جانب أشكال متنوعة من الألعاب البهلوانية، وعروض الموسيقى والرقص والكوميديا الشعبية.

ويرى الباحثون أنها صارت تشكل علامة على تعدد الهويات المغربية وحضور مختلف الثقافات التي تمثل المغرب، من عرب و”بربر” وزنوج، مما جعلها تعد منذ سنة 1985 تراثا عالميا من طرفة منظمة اليونسكو، كما حصلت الساحة على صفة (تراث ثقافي غير مادي) سنة 2008.

ويبرز بحراوي في كتابه، أن الساحة عرفت زيارة كتاب عالميين كثيرين، خلدوا مباهجها النهارية والليلية، كما فعل الإنجليزي جورج أورويل والألماني إلياس كانيتي والفرنسي كلود أوولي والإسباني خوان غويتيصولو.. وهذا الأخير اتخذها مقرا لسكناه إلى آخر حياته، كما كان في مقدمة المدافعين على نيلها تلك الصفة العالمية الفريدة.

فضاء الحلقة

يقر حسن بجراوي في كتابه على أن الحلقة تعد آخر الفنون الفطرية التي استطاعت نسبيا أن تنجو من الفناء الشامل والمحقق الذي نال من جميع الفرجات الشعبية المسماة “ما قبل المسرحية”، وهي كما يوحي بذلك اسمها، عبارة عن فضاء دائري يتشكل من متفرجين متحلقين حول القائم بالحلقة المسمى “الحلايقي”، والذي تكون مهمته تنشيط أدوار الفرجة التي يقترحها على جمهوره، سواء كانت سردا لسيرة شعبية، أو تقديما لوصلات ساخرة أو غنائية أو حتى رياضية.. ومثلما تتعدد موضوعات وأغراض الحلقة بحسب البيئة والسياق. فإن شكلها كذلك يتنوع تبعا للموضوع الذي تقوم عليه، فتكون دائرتها فسيحة ومتسعة إذا كانت الفرجة المعروضة تتطلب مكانا يستوعب حركة المشخصين. وتلبي حاجتهم إلى الفضاء المفتوح، أو تضيق مساحتها إلى الحدود الدنيا، عندما يفترض في المتفرجين التقاط كلام القائم بالحلقة أولا بأول، والاستفادة من جو الحميمية الذي تنطوي عليه، كما هو الأمر بالنسبة لرواة الحكايات التي نقدمها في هذا الكتاب.

ويكمل الدكتور بحراوي على أن الحلقة ليست نوعا واحدا يكرر نفسه في جميع الأوقات الممكنة، بل هي أشكال وألوان يعنينا منها نحن تلك التي تنطوي على مظهر فرجوي؛ أي مسرحي بهذا القدر أو ذاك، وحتى النوع الأخير تتعدد موضوعاته التي تتجه كلها إلى الترفيه على المتفرج، والترويح عنه دون أن يعني ذلك خلوها تماما من الفائدة والطرافة.

ويختم بحراوي كلامه عن الحلقة بالقول أن فضل هذه الميزات التي انفرد بها فن الحلقة بالمغرب، مال بعض الباحثين إلى اعتبارها طرازا بدائيا من المسرح الدائري، حيث يحضر التعبير الجسدي وتشخيص المشاهد، وربما حضرت بعض مظاهر المحاكاة والممارسة التنكرية. ثم هناك ظاهرة إشراك الجمهور في العروض التي تجعلها شيئا ما قريبة من التغريب البريشتي، غير أن غياب الحوار المكتوب وسيادة الأداء العفوي، وانعدام المهام المسرحية الأخرى، كالسينوغرافيا والإخراج مثلا، يجعلان الحلقة تبقى في دائرة اللعبة الفرجوية غير المقننة، وتظل بالتالي شكلا ما قبل مسرحي، يفتقر إلى الجوهر الدرامي الذي هو شرط أساسي في كل تعبير مسرحي.

خصوصية مكان فن الحلقة

وإذا انتقلنا إلى الحديث عن المكان المناسب لقيام فرجة الحلقة، يبرز الدكتور حسن بحراوي أنه لا يخرج عن الأماكن العمومية كالساحات العامة في المدن والأسواق الأسبوعية في الأرياف ومواسم الأولياء على طول البلاد وعرضها، وتوفر هذه الفضاءات المفتوحة للحلقة إمكانية استقطاب جمهورها من بين المتسوقين والعابرين، وكل من يقوده الفضول إلى غشيان عالمها والمشاركة في طقسها. وفي المغرب ساحات معروفة ومازالت تقدم فرجاتها التي طبقت شهرتها الآفاق، مثل ساحة جامعة الفنا بمراكش وساحة باب عجيسة بفاس وساحة سيدي عبد الوهاب بوجدة، وأخرى دب فيها الخمول أو تلاشت تماما تحت تأثير المد العمراني مثل ساحة الهديم بمكناس والبحيرة بالدار البيضاء

خصوصية زمان فن الحلقة

وبخصوص زمن الحلقة يشير بحراوي إلى أن هناك أوقات مألوفة لانعقاد الحلقة، تنحصر في العادة بين صلاتي العصر والعشاء؛ أي عمليا من فترة الزوال إلى بداية المساء، هذا بالنسبة للأيام العادية للسنة، أما خلال المواسم والعطلة الصيفية وشهر رمضان، فقد تتواصل فرجة الحلقة خلال الليل تحت أضواء المصابيح استفادة من الطقس الملائم، وتلبية لرغبة الجمهور في السهر والمتابعة.

سبع حكايات من ساحة جامع الفنا

فيما يتعلق بالحكايات التي يتضمنها كتاب: “سبع حكايات من ساحة جامع الفنا”، يوضح حسن بحراوي كون هذا الكتاب موجه أساسا إلى صغار قراء العربية، فقد رواها السيد أحمد بنشكرة، أحد أبناء مدينة مراكش وهو من مرتادي ساحة جامع الفنا، إلى صديقه الكاتب الإنجليزي طوني بورطون، الذي تولى تحريرها ونشرها على هذه الهيئة اللطيفة، ونقلتها إلى الفرنسية المترجمة مارتين دولاتر، ورسمت صورها الفنانة هيلين باكهاوس.. وأعادها إلى أصلها العربي المترجم والناقد المغربي الدكتور حسن بحراوي.

ويضم الكتاب بين ثناياه، سبع حكايات من ساحة جامع الفنا على الشكل الآتي:

  1. الرجل وسط حلقته
  2. خالد الحالم
  3. صرصور
  4. الأمير أحمد
  5. ميمون الحطاب
  6. القنفذ والذئب
  7. شفيق البحار