توطئة

كان المسلمون أول من اهتم بعلم التراجم أو علم تراجم الرجال، منذ بداية الرسالة المحمدية، هذا العلم الذي يتناول أحوال الشخصيات والأعلام الذين وضعوا بصمات قوية في المجتمع، حيث يبحث في مختلف طبقات الناس مثل الرسل والخلفاء الراشدين والملوك والعظماء والزعماء، وأيضا العلماء والفقهاء والشعراء، حيث يختص العلم بكافة تفاصيل الحياة والأمور الشخصية، هذا إلى جانب مواقفهم في الحياة العلمية والعملية، ويمكن اعتبار علم التراجم أحد فروع علم التاريخ. وتعددت تقسيمات علم التراجم، وانبثقت عنها علوم عدة، كعلم الإسناد مثلا، وعلم مصطلح الحديث، وعلم الرجال. كما اهتم علم التراجم أيضا بأمور أخرى منها العدالة والتوثيق والضبط وعلم الجرح والتعديل وغيرها من العلوم الأخرى. الكاتب أحمد متفكر بدأ اهتمامه مبكرا بعلم تراجم الرجال، ومنهم علماء دكالة، فجاء كتاب «الإعلام بتراجم علماء دكالة الأعلام” ثمرة لملف سبق للمؤلف أن اهتم به، وتطلب منه، بعد البحث والتجميع، سنوات، ليستوي ويشتد عوده، ويخرج كتابا مفيدا للمهتمين والمحبين للعلماء .

تقديم المؤَلِّف

أحمد متفكر من مواليد مراكش سنة 1943 بحي ضبشي، درس بمدرسة القنارية ليغادرها بعد فترة وجيزة لإتمام دراسته بمؤسسة عرصة المعاش التي كانت لغة التدريس بها أساسا هي اللغة الفرنسية. وبحلول سنة 1961 تابع دراسته بكلية ابن يوسف للتعليم الأصيل إلى حين حصوله على شهادة البكالوريا.

خلال سنة 1967 بدأ عمله بهذه المؤسسة معيدا دون أن ينسى متابعة دراسته، بطريقة حرة بكلية اللغة العربية بمراكش إلى غاية سنة 1971، حيث حصل منها على شهادة  الإجازة. اشتغل بعدة مؤسسات تعليمية بهذه المدينة وبغيرها، إلى أن أحيل على التقاعد برئاسة جامعة القاضي عياض التي كان يعمل بها في إطار الإلحاق.

محتوى الكتاب

صدر كتاب « الإعلام بتراجم علماء دكالة الأعلام” حول أعلام منطقة دكالة، الذي أشرفت على نشره دار المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش. هذا الكتاب الذي تطرق فيه الكاتب إلى حياة 172 علما من أعلام دكالة، اعتمد فيه على إبراز شخصيات بارزة من أهل العلم بالمنطقة، وهو ما يعد ثمرة لسنوات من البحث والجهد المتواصل.

وقد اهتم المؤلف بأعلام دكالة منذ اشتغاله بمدينة الجديدة: “… يعود اهتمامي بعلماء دكالة إلى سنة 1395هـ/ 1975م لما عينت ناظراً بثانوية أبي شعيب الدكالي، وأحببت أن أعرف أكثر عن حياة الشيخ الحافظ أبي شعيب الدكالي، وأثناء البحث كانت تصادفني أسماء لعلماء منطقة دكالة لم يسبق لي التعرف على حياتهم أو سمعت بهم، فخطر ببالي فتح ملف لهؤلاء العلماء، وكلما عثرت على اسم أضيفه إلى سابقه، ومع مرور الأيام والسنين تجمعت لدي مجموعة من أسماء العلماء، وبقي هذا الملف رابضاً بين الملفات التي تنتظر الاشتغال عليها وإخراجها إلى النور، إلى أن أصدرت كتابي علماء قلعة السراغنة وإشعاعهم الفكري، ضمن منشورات المجلس العلمي المحلي لقلعة السراغنة، فراودتني فكرة العودة إلى ملف علماء دكالة الذين كان لهم اعتناء كبير بالقرآن وحفظه وتحفيظه بالروايات المشهورة والمتداولة، وبعد تصفحه وجدت مادة تصلح لكتاب يضم بين دفتين علماء أجلاء كان لهم إشعاع علمي وفكري داخل المغرب حيث بثوا علمهم في العديد من مدن المغرب كبيت بني إبراهيم الدكاليين بفاس الشهير بالعلم والعلماء، وفي مراكش، ومكناس، والرباط، ومليلية وغيرها. كما هاجر العديد من العلماء إلى أصقاع المعمور فنجدهم في: تونس، والقيروان وسوسة وبجاية، وليبيا، ومصر، والاسكندرية والشام، وحلب، وبغداد، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، والسودان والهند. فكانوا سفراء المغرب في نشر العلم وبثه في أهله، وتهذيب العقول وتنقيتها من كل المعتقدات الخاطئة الفاسدة، خصوصاً أن المغرب مر بمرحلة حاول الاستعمار فيها تجهيل الناس، وإبعادهم عن دينهم ولغتهم العربية لغة الضاد، لكن الله قيض لهم علماء وقفوا في مواجهة هذا الغزو الاستعماري وأسسوا مدارس علمية أصيلة تحافظ على اللغة العربية، وعلى التعاليم الإسلامية “. (الكتاب ص 6/7)

ومن بين الذين عرف المؤلف بهم نجد: أبو بكر بن عبد الرزاق الدكالي، الذي توفي شهيدا بمكة المكرمة عام 827 ه/1424م، ودفن بالمعلاة. وحافظ المغرب المحدث السني الشيخ أبي شعيب ابن عبد الرحمان الصديقي الدكالي، كما تناول أيضا بالتفصيل حياة علماء أجلاء: كأحمد بن التونسي الرحايلي الغطوسي العوني الدكالي، والحاج أحمد بن صالح الحسني الإدريسي الجديدي المدعو مول النخل، وأحمد بن محمد الحطاب، وعبد الرحمان بن أبي شعيب الدكالي الصديقي، وعبد السلام بن محمد الزموري، وعبد القادر بن قاسم الجلالي الركراكي الدكالي المراكشي، ومحمد بن أبي فارس الجزولي الزموري، ومحمد بن أحمد بن دحو الأزموري، ومَحمد (فتحا) ابن أحمد بن عبد الله الفاضل الرافعي الأزموري الدكالي، ومحمد بن أحمد بن المعطي الحطاب الدكالي الفرجي، ومحمد بن إدريس بن محمد القادري، و محمد السعيد الصقلي الحسني الغربي الدكالي، و محمد بن عبد الله بن بوبكر البحبوحي الحسني، والمهدي الدكالي العوني أبو عيسى الدكالي… وغيرهم كثير. (فهرس الكتاب من ص 153 الى 160)

خاتمة

لقد كانت دكالة وما زالت رائدة في تأسيس المدارس العتيقة في جميع أنحاء المنطقة، تخرج منها أفواج عديدة دفعهم طموحهم العلمي إلى قلعتين صامدتين في وجه الاستعمار ومن يسير في ركبهم، ألا وهما: جامعة ابن يوسف بمراكش، وجامعة القرويين بفاس، اللتين انطقت منهما الشرارة التي اكتوى بها الاستعمار الفرنسي وأرغمته على الامتثال لصوت الشعب المغربي المطالب بحريته وكرامته، ورجوع ملكه الشرعي فقيد العروبة محمد الخامس وأسرته الشريفة من المنفى.

والكتاب الذي جمع بين دفتيه تراجم علماء دكالة الأصلاء، أو من سكنها، أو دفن بها، دون التعرض للأولياء والصالحين جدير بالدراسة والبحث، يؤرخ لأهل الله وخاصته، ومن نافحوا عن العقيدة والدين، وعرفوا بالإسلام في هذه البقعة المباركة من المغرب. وسيبقى المؤَلَّف دون شك، مرجعاً أساسياً للدارسين، و فرصة عظيمة لدراسة تراثنا العلمي والأدبي.