المولد والنشأة وشرارات البداية

ولد الأستاذ الراحل إبراهيم أخياط سنة 1941، بدوار إخيّاطن الواقع في سفح جبل من جبال الأطلس الصغير، وتحديدا في قبيلة أيت ويكمان المنتمية لقبيلة أيت صواب، والتابعة حاليا للنفوذ الترابي لعمالة اشتوكة أيت باها، بجهة سوس ماسة. ولعل استقرار أجداد الأستاذ أخياط بهذا الدوار، الذين أسسوه، بعد أن غادروا قرية إمورغت التي يقال إن وباء أصابها وأتى على كل ساكنتها ولم ينج منه إلا من نزحوا خارج القرية.

لقد كان الأستاذ الابن البكر لأمه، التي كانت الزوجة الثانية بعد وفاة الأولى، من أب فقيه هاجر للديار الفرنسية منذ 1912، والتي وصلها عن طريق الهجرة من عمق منطقة سوس مشيا على الأقدام إلى وهران بالجزائر ومنها لمرسيليا بفرنسا، حيث مارس هناك مهمة البناء، قبل أن يرجع لممارسة التجارة بفاس ثم الرباط التي غادرها نحو قبيلته بعد وفاة زوجته الأولى.

تلقى إبراهيم تعليمه الأولي بالكتاب القرآني بالمدينة العتيقة بالرباط، بشارع القناصل السوق التحتي، الذين كان قريبا من مقر سكنى أخيه الأكبر عبد الله، انتقل بعدها لكتاب آخر بباب الملاح بعد انتقاله للسكن مع أخيه امحمد الذي تزوج حينها.

انتقل بعدها لمدرسة “المعطاوية الخاصة”، وحصل منها على شهادة الدروس الابتدائية، لينتقل بعدها لمدارس محمد الخامس لاستكمال الطور الثانوي. كما انخرط في الكشفية الحسنية التي كانت تابعة لحزب الاستقلال، ارتقى فيها إلى أن قلد رتبة قائد الكتيبة، وهو ما أهله للمشاركة في الاستعراض الذي ترأسه الملك الراحل محمد الخامس بطنجة 1957. انخرط بعدها في ممارسة رياضة الزوارق الشراعية بالقاعدة البحرية التابعة للشبيبة والرياضة بالرباط، وتوج فيها سنة 1967، بطلا للمغرب. اشتغل الفقيد موسم 1967 أستاذا لمادة الرياضيات والعلوم التطبيقية في مدرسة تكوين المعلمين بالقنيطرة بداية، ثم ثانوية التقدم بالمدينة نفسها، بعدها بالصخيرات قرب الرباط موسم 1971، ثم بثانوية ابن رشد بالرباط 1972.

إبراهيم أخياط ومخاض تبلور الوعي الأمازيغي

اشتغل الراحل بداية الأمر في دروس محو الأمية 1965، لفائدة التجار الأمازيغ ومساعديهم بغرفة التجارة بالرباط، والتي ساعده فيها علاقات أخوه محمد التي انخرط في التجارة وفي العمل الوطني.

لاحت بواكير النضال الأمازيغي مبكرا في شخصية الراحل إبراهيم أخياط، فقد استطاع سنة 1966، أن يحرر رسالة لمدير الإذاعة والتلفزة “عبد الوهاب ابن منصور”، والتي توجت بلقاء معه، الغاية منها هو تحسين الخدمات التي تقدمها الإذاعة الأمازيغية، وتحسين جودة البث، وتخصيص ساعة كاملة للأمازيغية في التلفزة الوطنية، وهو المطلب الذي يبرز واقع الأمازيغية آنذاك في الإعلام الرسمي.

وقبل مرحلة التأسيس الفعلي لأي إطار جمعوي، ساهم لقاءه مع الراحل علي صدقي أزايكو، خلال مرورهما سنة 1965، ببرنامج “أنبكي ن ئيملاس” أي ضيف الأسبوع الذي يقدمه أحمد أمزال بالإذاعة الوطنية، في إطلاق شرارة الوعي الثقافي الأمازيغي، وهو ما تعزز باللقاء مع الطليعة الأولى في النضال كأحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حاليا، والراحل بوجمعة هباز، وأحمد بونفور، وعلي الجاوي، وعبد الفاضل الغوالي وأحمد أكواو وهم حينها طلبة جامعيون بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.[1]

تأسست بعدها “الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي” يوم 10 نونبر 1967، بدار الشباب مدغشقر بالرباط، وقد اختير اسم الجمعية بدقة للتعبير عن بعدها الوطني، وذلك للتأكيد على أن الأمازيغية لا تهم منطقة دون أخرى، فهي بذلك قضية وطنية تهم جميع المغاربة وليس فئة مخصوصة، وهذا الوعي المبكر هو الذي أهّل الجمعية لنحت شعارها التعدد في إطار الوحدة، وهي الفلسفة التي أطرت عمل الجمعية لعقود واستطاعت أن تكرسها في سلوكها، هذه الفلسفة هي التي سيستلهمها المشرع ويكرسها في دستور 2011، الذي جاء في فصله الخامس: “تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء”[2]، وقد ضم أول مكتب إداري للجمعية كل من الراحل إبراهيم أخياط رئيسا، والدكتور أحمد بوكوس نائبا للرئيس مكلفا بشؤون الآداب والتبادل الثقافي، وعبد الفاضل الغوالي نائبا للرئيس مكلفا بالشؤون الاجتماعية، وعبد الله بونفور نائبا للرئيس مكلفا بالفلكلور، وعلي صدقي ءازايكو كاتبا عاما، وأحمد أكواو كاتبا عاما مساعدا، وعمر الحلفاوي أمينا للمال، وعلي الجاوي نائبا له[3].

وقد كانت الأمازيغية لدى الأستاذ أخياط قضية استراتيجية أكثر منها مسألة كما يعتقدها البعض ممن يريد تبسيطها وكأنها شيء عابر في مستوى المسائل التي لا ترقى لمرتبة القضايا الكبرى التي لها أبعاد استراتيجية في حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية، غير أن فلسفته للقضية لا تنظر إليها كقضية عرقية تستند على الإثنية أو الجهوية، بل كان ينظر إليها كقضية تخترق الفضاء الثقافي الوطني من أقصاه إلى أقصاه. كما كان يرى في الأمازيغية لوحة مشرقة تعبر عن حقيقة الهوية الوطنية والتي ترسخت في الوجدان المغربي وحفرت في ثناياه أخاديد مملوءة بشحنات ثقافية رصينة لا يمحوها الزمن أو جحود المعارضين.[4]

سنة 1969 سيقرر رفقة الراحلان أخياط وصدقي ءازايكو تنظيم زيارة لفرنسا للتواصل مع الجالية هناك، هذه الزيارة التي كانت ملهمة لصدقي ءازايكو وكتب قصيدة “جانفيليي” التي تغنى بها الفنان الأمازيغي الراحل عموري امبارك.[5]

أسس الراحل بمعية رفاقه دورية سنة 1974، اختير لها بداية اسم “نشرة وثائقية” باقتراح من علي صدقي أزايكو، ليتحول اسمها بعد ذلك ل “أرّاتن (كلمة أراتن هي جمع “أرّا”، ومعناه المستند الكتابي أو الوثيقة المكتوبة ): نشرة دورية تهتم بالثقافة الأمازيغية، وهذا الإسم كذلك كان من اقتراح الراحل ءازايكو[6]

يحكي الأستاذ ضمن مذكراته أن الدورية بعد صدورها خلقت نقاشا واسعا، وقد خاف آنذاك أن تصل فكرتها محرفة للفقيه السوسي الكبير “سيدي الحاج الحبيب” فقيه تنالت، وقد كان له تأثير قوي على الأمازيغ خاصة بسوس، وهو الأمر الذي حدا به للقيام بزيارته صيف 1974، رفقة الدكتور عمر أفا أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس، وهي الزيارة التي كان لها أثر كبير على الجمعية.

ساهم الراحل، وكان قطب الرحى، في تأسيس مجموعة “أوسمان” الموسيقية، بعد التقائه مع الفنان الراحل عموري امبارك سنة 1973، بمدينة تزنيت حيث كان يحيي عرس صديق أخياط، وقد التأم شمل الفرقة بعد انضمام كل سعيد بيجعاض وسعيد بوتروفين وبلعيد العكاف، الذي وثق لهاته التجربة الهامة في كتاب حمل عنوان “مجموعة أوسمان الأسطورة.. حديث الصورة”، عن منشورات، أرشيف المغرب، 2022، بعد صدور كل من كتاب: “الموسيقى الأمازيغية وإرادة التجديد: مجموعة أوسمان” منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، 2002، وكتاب “مجموعة أوسمان الأمازيغية” عن منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لعضو الفرقة الموسيقية طارق المعروفي، الذي التحق مع اليزيد القرفي لتكتمل بهما كوكبة المجموعة، والتي استطاعت أن تؤسس لمدرسة فنية لا تزال تأثيراتها جلية في الساحة الفنية الأمازيغية. ومن الصدف الجميلة في حياة الراحل أن حفل زفافه سنة 1976 ستحييه هذه الفرقة الموسيقية. كما كانت لمسات الأستاذ الراحل حاضرة في إصدار دورية “التبادل الثقافي”، حيث صدر عددها الأول سنة 1978.

ساهم الراحل كذلك بديناميته المعهودة بتأسيس جمعية الجامعة الصيفية بأكادير سنة 1979، والتي ترأسها الأستاذ لحسن كاحمو، وتم تنظيم أول دورة لها سنة 1980، تحت شعار “الثقافة الشعبية الوحدة في التنوع”. وقد شكلت الجامعة الصيفية فضاء فكريا وثقافيا احتضن الكثير من النقاشات الفكرية والثقافية التي أطرت الخطاب الأمازيغي لسنوات كثيرة. كما ساهم أيضا في تأسيس مجلة “تاوسنا” سنة 1986، والتي عين الدكتور أحمد بوكوس مديرا لها، لكنها لم تصدر أي عدد رغم إعداد ملفها القانوني والإداري، وذلك راجع للصعوبات المالية وغيرها. لتتجه الجمعية لتأسيس جريدة سميت “تامونت”، التي صدر منها 14 عددا، أولها ذلك الذي صدر فبراير 1994، وآخر أعدادها في أبريل 1998.

لم تكن الصعوبات التي واجهت العمل الأمازيغي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، لِتَفُتّ في عضد الراحل أخياط، بل كان الراحل يستغل كل الواجهات لتعزيز النضال الأمازيغي، وهو ما جعله يشتغل بحكم علاقاته الواسعة مع وزير الإسكان، في حكومة عز الدين العراقي، الراحل “عبد الله بوفتاس” ضمن جمعية “إليغ للتنمية والتعاون”، وهي الجمعية التي تأسست في سياق ما سمي حينها جمعيات السهول والوديان، وهي الجمعيات التي أسست بإيعاز من الملك الراحل الحسن الثاني، لتقوم بمهمة مزاحمة الأحزاب السياسية في تأطير المجتمع، خاصة في ظل العلاقة المتوترة بين الدولة والأحزاب الشعبية ساعتها.

أخياط والطفرة النوعية للعمل الأمازيغي من المضمر إلى العلني

في خضم الانفراج الحقوقي نوعا ما الذي عرفه المغرب مطلع تسعينيات القرن الماضي، عملت الحركة الأمازيغية وفي قلبها “الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي”، في التفكير في طرح القضية الأمازيغية بشكل علني، والتخلي عن شعار “الثقافة الشعبية”، الذي كان الغطاء الذي تختفي وراءه الجمعية لتصريف خطابها، وهكذا سيتم تنظيم “أيام الثقافة الأمازيغية” سنة 1990، كأول مرة يتم فيها استعمال الثقافة الأمازيغية، وقد توجت هذه الدينامية بالتفكير في ضرورة وضع ميثاق يحدد الإطار الفكري للعمل الثقافي، وهي الفكرة التي طرحها الدكتور أحمد بوكوس، وقام بصياغة أرضيتها الدكتور الحسين المجاهد الأمين العام الحالي للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وقد توجت أشغال الدورة الرابعة للجامعة الصيفية بأكادير غشت 1991، بالتوقيع على ميثاق أكادير من طرف ست جمعيات وهي: الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي – الرباط، و جمعية الجامعة الصيفية بأكادير – أكادير، وجمعية أغريس الثقافية – كلميمة، و الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية –الرباط وجمعية إلماس الثقافية – الناظور، والجمعية الثقافية لسوس – الدار البيضاء. وقد شكل الميثاق نقطة تحول هامة في مسار القضية الأمازيغية. كما كان بمثابة إيذان بدخولها مرحلة العمل الجماعي بأرضية واضحة، بدل العمل الفردي المنعزل. وقد شكل هذا الميثاق/الوثيقة أرضية مهمة يمكن الوقوف عليها لرصد تحول الوعي والعمل على القضية الأمازيغية، خاصة وأن الميثاق جاء بعد ما يزيد عن ربع قرن على تأسيس أول إطار مدني مهتم بالأمازيغية.

كما شارك الراحل في أشغال المجلس الوطني للثقافة، سنة 1993، الذي أسسته وزارة الثقافة، وقد تمكن الأستاذ أخياط بحسه النضالي ومبادراته المتعددة في المساهمة الفعالة في أشغال المجلس عبر اقتراح توصيات هامة ومبادرات مهمة. كما ساهم الراحل كذلك في المناظرة الوطنية للإعلام والاتصال، التي نظمتها وزارة الداخلية والإعلام مارس 1993. وفي سياق هذه الدينامية ساهم الراحل بشكل مقدر في إعداد النداء الموجه للهيئات السياسية والفعاليات الوطنية والرأي العام حول اللغة والثقافة الأمازيغية مايو 1993، وهو النداء الذي ساهمت فيه ثمان جمعيات، وكان الغرض منه هو وضع الجميع أمام مسؤولياته للنهوض بالأمازيغية ورفع الإقصاء والحصار عليها. ولتقوية الجبهة الأمازيغية كان له دور محوري في إنجاح التنسيق بين الجمعيات الأمازيغية، والذي توج بانتخابه أول منسق وطني للجمعيات الأمازيغية بالمغرب فبراير 1993[7].

ساهم الفقيد أيضا في تأسيس “مؤسسة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي للدراسات والأبحاث” سنة 1995، وقد شغل بها مهمة نائب الكاتب العام، والتي سرعان ما تم محاصرتها من طرف السلطات التي رفضت الترخيص لها سنة 1996 بتنظيم الذكرى 75، لمعركة أنوال التاريخية، لتقوم السلطات حينها بتأسيس هيئة مماثلة تحت اسم “مؤسسة محمد بن عبد الكريم الخطابي“، من طرف بعض أبناء المجاهد بالدار البيضاء، ومنحها صفة المنفعة العامة، وهو ما يعتبر قطعا للطريق عن المؤسسة الأولى والحيلولة دون استمرار نشاطها.

وفي سياق المراجعة الدستورية لسنة 1996، ساهم الراحل بمعية كل من حسن إد بلقاسم ومحمد الشامي وعبد المالك أوسادن وأحمد الدغرني، بتوجيه رسالة للملك الراحل الحسن الثاني في يونيو 1996.  كما ترأس أشغال الكونغرس العالمي الأمازيغي المنعقد بمدينة ليون الفرنسية صيف 1999، كما ساهم في تأسيس “مسيرة تاوادا” سنة 2001. هذه الدينامية خلال ثلاث عقود توجت بتعيين الراحل عضوا بالمجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي تم تأسيسه عقب خطاب الملك محمد السادس بأجدير (قرب مدينة خنيفرة) بتاريخ 17 أكتوبر 2001.

أمغار أخياط.. الأديب والشاهد الأمين على مسار الأمازيغية بالمغرب

أصدر الأستاذ الراحل عدة مؤلفات ابتداء من مجموعته الشعرية الأولى بعنوان “تابرات” (الرسالة) بالأمازيغية عام 1992، إلى جانب مجموعة الدراسات السياسية والتاريخية؛ من بينها: “لماذا الأمازيغية؟” (1994)، و”رجالات العمل الأمازيغي: الراحلون منهم” (2004)، و”الأمازيغية هويتنا الوطنية” (2007)، و”النهضة الأمازيغية كما عشت ميلادها وتطوّرها” (2012)، والتي شكلت حينها حدثا ثقافيا متميزا باعتبارها شهادة ذات أهمية بالغة في مسار التوثيق والتأريخ لمسار الحركة الأمازيغية.

خاتمة

وفي ختام هذه الترجمة لهذا العَلمِ الأشم،  أسوق شهادة الدكتور محمد المدلاوي حول الراحل ابراهيم أخياط، حيث قال: “هو ذلك الأستاذ، أستاذ الرياضيات الذي طلـّـق الوظيفة العمومية على المستوى الاجتماعي في عز شبابه وفي أوج طلب الدولة عليها في عز تألقها بالنسبة لمادة الرياضيات على الأخص، فأنشأ مقاولته (وفي ذلك وحده عبرة للجيل الحالي)، ثم تفرغ، على المستوى الفكري والمدني، لملف إعادة بناء توازنات ولم شتات الهوية المغربية بشكل يحقق تصالح المغرب مع ذاته، وذلك منذ تأسيسه في الستينات من القرن الماضي لـ”الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي”، حين كان الجميع، من أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، مقتنعا قناعة صخرية بأن ذلك الملف قد بُتّ في أمره بتا مبرما، أو أنه ملف فارغ على الأقل لا يهم لا الفكر ولا السياسة”. كما يمكن اعتبار الراحل إبراهيم أخياط ذاكرة حية، إذ لا يتجادل اثنان حول ما ساهم به كقيمة مضاف للثقافة المغربية عامة والثقافة الأمازيغية خاصة، حسب الأستاذ الحسين أيت باحسين الذي وصفه الراحل في مذكراته بأمين سر الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وذاكرتها الحية، والذي يشغل حاليا رئيس مجلس حكماء الجمعية.

ومما يجب التأكيد عليه ايضا في الختام، هو أن القضية الأمازيغية عند الأستاذ ابراهيم أخياط هي “في مضمونها وفي فلسفتها هي ثورة ثقافية عميقة وباعتبارها كذلك، فهي ثورة حضارية سياسية لأنها تهدف التغيير من الداخل. إن القضية الأمازيغية هي ثورة تتحول بها أنانية الفرد إلى أنانية حب الوطن والثورة على التاريخ لتصحيحه وإعادة كتابته كتاريخ شعب لا تاريخ أنظمة وأشخاص، ثورة سياسية تنصب على المصلحة العليا للوطن لا على المصالح الضيقة الفئوية والجهوية. ثورة فكرية تخلص المثقف من التبعية واحتقاره لذاته وتحوله إلى مثقف يفكر انطلاقا من الذات”[8]، وهنا أستحضر حديثا لي مع الشاعر الأمازيغي محمد مستاوي، في جنازة الراحل، الذي قال” أن الحركة الأمازيغية بفقدانها للأستاذ الكبير إبراهيم أخياط قد فقدت زعيمها ومجمع كلمتها، والمبادر في كل محطاتها، ولا أخاله إلا صادقا معبرا عن حقيقة لا يمكن أن تمحى من ذاكرة التاريخ. وأن مما أفتخر به في مساري ضمن الفعاليات الأمازيغية هو تلك الدمعات الغاليات التي سقطت من عين الراحل أستاذ الأجيال حينما قرأ مقالي الذي كتبته عنه عرفانا وسميته “الأستاذ ابراهيم أخياط قيدوما للعمل الأمازيغي وعنوانا للنضال والوطنية.[9]

وللإشارة فزوجته الراحلة محجوبة واعزيز قد كان لها فضل كبير في هذا المسار، وقد تحملت فيه متاعب جمة، كما يُقر بذلك الأستاذ إبراهيم عرفانا لها.

ومجمل القول؛ إن للراحل إبراهيم أخياط مواهب متعددة، وخصال فريدة يجمع كل من عاشره عليها، أهمها قدرته على التجميع ونبذ الفرقة وكان مهموما بتوحيد الصف الأمازيغي، كما كانت للراحل موهبة ربما تفرد بها عمن جايلهم وهي قدرته على الإبداع وطرح المبادرات، فكان يكفيه -رحمه الله- أن تَنْقدحَ الفكرة في ذهنه حتى يحولها بقدرة هائلة لعدد من المبادرات والأفكار المبدعة. ومن أهم خصاله أيضا هي شخصيته العامة وعلاقاته الواسعة التي تخترق مختلف التيارات الفكرية والمجتمعية، وهي التي أهلته بلا منازع أن يوفر مساحات مهمة واسعة للقضية الأمازيغية، في سياق صعب كان الجميع ينظر بعين الريبة والتردد للأمازيغية، بدء من السلطة إلى مختلف التيارات السياسية والفكرية.

توفي الراحل 7 فبراير 2018، وقد حضر جنازته بمسجد الشهداء بالرباط، جمع غفير من محبيه ورفقاء دربه في النضال، إضافة لمسؤولي الدولة يتقدمهم سعد الدين العثماني رئيس الحكومة آنذاك، وعدد من قيادات الأحزاب السياسية. ووري جثمانه الثرى بمقبرة الشهداء بالرباط. وقد أعلن نجله ياسين أخياط بمعية أخته توف ئتري أخياط عن تأسيس مؤسسة إبراهيم أخياط للتنوع الثقافي، «لتكون حاضنة لجزء من مسار حياته». وكذا كمؤسسة للاشتغال على التعدد الثقافي واللغوي ببلادنا وتثمينه، وهو الأمر الذي كرس له الأستاذ أخياط كل حياته، وبذل في سبيله الغالي والنفيس، من مال وجهد وأوقات. وقد أطلقت المؤسسة مبادرة متميزة متمثلة في جائزة إبراهيم أخياط للتنوع الثقافي والتي نظمت منها دورتين آخرها المنظمة بالرباط 2021.

المراجع
[1] - إبراهيم أخياط، النهضة الأمازيغية هكذا عشت ميلادها وتطورها، ط1، مطبعة المعارف الجديدة، 2012، ص 30.
[2] - الدستور المغربي، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر 30 يوليوز 2011،( https://bit.ly/3ExttL9 ).
[3] - الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، ربع قرن من العمل الثقافي الأمازيغي، مطابع البوكيلي، القنيطرة، 1993.
[4] - إبراهيم أخياط، أي مستقبل للأمازيغية بالمغرب، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي،2009، ص 77.
[5] - إبراهيم أخياط، النهضة الأمازيغية هكذا عشت ميلادها وتطورها، مرجع سابق، ص 35.
[6] - الحسين وعزي، نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب، مطبعة المعارف الجديدة، ط1، 2000، ص 104.
[7] - إبراهيم أخياط، النهضة الأمازيغية هكذا عشت ميلادها وتطورها، مرجع سابق، ص 249.
[8] - إبراهيم أخياط، النهضة الأمازيغية هكذا عشت ميلادها وتطورها، مرجع سابق، ص 7.
[9] جريدة المساء المغربية عدد 3212، بتاريخ الثلاثاء 16 جمادى الأولى 1438 الموافق ل 14 فبراير 2017