البث الــتّـلفزي في المغرب زمن الحماية

عَرفت المملكة المغربية البَثّ  التَّلفزي في وقت مبكر، مقارنة مع البلدان العربية والإفريقية. ويَرجعُ الأمْر إلى تركيز الفاعلين في الشَّأن التلفزي بفرنسا اهتمامهم بالمعمِّرين الأوربيين المقيمين بالمغرب، باعتبارهم سُوقًا واعدةً في مجال الإشهار ومتابَعَةِ البرامج التَّلفزية التي ازدهرت بعد الحرب العالمية الثانية. ولأنَّ المعمِّرين كانوا يَعيشون في رَغَد بالمغرب ويتحكَّمون في أغلب القطاعات الاقتصادية والإنتاجية؛ فإنَّهم كانوا يحتاجون لإشهار مُنْتَجَاتهم، ومتابعة أخبار بلدانهم الأصلية. وهكذا تَمَّ تأسيس أوَّل شركة خاصة بالاستثمار في المجال التلفزي أُطْلِقَ عليها اسم “الشركة المغربية للدِّراسات حول التلفزيون”، مُنْحَت امتياز استغلال قطاع التِّلفزيون بالمغرب لمدة 50 سنة.[1]

ففي مارس سنة 1949 ويناير 1950، “جَرت عدة مفاوضات واتّصالات بين مجموعة من ممثلي رأس المال الخاص بــــ”الشركة المغربية للرّاديو وتلفزيون” التي كانت تُعرَف _ اختِصاراً _ بــ(طِـيـلـيما)، وإدارة المكتب الشَّريف للبريد والبَـرق والهاتف، مِن أجل الحصول مِن الدَّولة المغربية على امتياز إنشاء نظام التلفزيون، وتمَّت الموافقة على هذا الامتياز في مايو 1951″[2].

عمل أصحاب مشروع “طيليما” على الانطلاقة مِن حيث تَوَقَّفَت “الشركة المغربية للدراسات حول التلفزيون”، ومُنِحَت حَقّ استغلال الحقوق الحصرية في البث، وتَمَّ بَث أوَّل برنامج على شاشتها في 28 فبراير 1954، أيْ بَعْدَ مرور خمسة أشْهُرٍ على نفي الملك محمد الخامس وأسرته إلى كورسيكا، ومنها إلى مدغشقر.

كانت البداية بجهاز دفْع بالدّار البيضاء قوته 4 كواتس، وأجهزة أخرى في كُلٍّ مِن مُدُن الرباط وفاس ومكناس، وكانت تُزَوِّدُ برامجها مِن الشّركة الأمّ بالعاصمة الفرنسية باريس، أمَّا البرامج المنتجَة محليا فقد كانت محصورة في الوصلات الإشهارية لفائدة شَرِكات فرنسية بالمغرب.

إلاَّ أنَّ قناة (طِيليما)لم تَسْتَطِع أنْ تَسْتَمر في البثّ إلَّا 15 شهرا بسبب تدهور الأوضاع بالمغرب، إذ أصبحت القناة تُشكِّل عِبْئًا ماليا على كاهل الشَّركة الفرنسية الأم.[3] ثمَّ إنَّ قلة أجهزة الاستقبال ووصول المقاومة المغربية مِن أجل الاستقلال إلى ذروتها واندلاع ثورة الملك والشَّعب التي أعْقبَت نفي السُّلطان، والتي دَعَتْ مِن خلالها الحركة الوطنية إلى مقاطعة جميع المنتَجَات الفرنسية، وفي مقدِّمتها البرامج التَّلفزية وأجهزة الاستقبال الفرنسية الصُّنع؛ كانت أسباباً إضافية لتدهور القناة.

غَداة عودة السلطان محمد الخامس إلى المغرب يوم 16 نونبر 1955، وحصُول البلاد على الاستقلال، حاوَل مستثمرون أمريكيون اقتحام السُّوق المغربية مِن خِلال محاولة إحياء “طيليما”، لكنَّ محاولاتهم لم يُكتَب لها النَّجاح، إذ سُرعانَ ما أصْدَر المغرب نصا قانونيا يوم 18 ماي 1959، وفي 12يونيو 1956 تم إصدار مرسوم بتشكيل لجنة استشارية للبرامج العربية، ترأَّسَها كاتب الدولة في الإعلام، وعدد من الأعضاء الذين يمثِّلون مدير الإذاعة وممثلي التعليم والفلاحة والثقافة، وممثِّلين عن هيئات نقابية، وممثل عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ومع حلول يناير 1962 صدر ظهير يمنح هيئة الإذاعة اسم “الإذاعة والتلفزة المغربية”، ويُلْحِقُهَا بوزارة الإعلام ثم الاتصال لاحقا، وينص على تمتيع المؤسّسة بالكفاءة والاستقلال المالي، ويُعَيَّنُ مديرٌ لها بموجِبِ بظهير شريف، وذلك بغرض تَوحيد احتكار البثّ الإذاعي والتَّلفزي في مجموع تراب المملكة.

التلفزة المغربية بعد الاستقلال

بَدأت القناة الوطنية عملية الإرسال يوم 3 مارس 1962، بالأبيض والأسود، ولم يُشْرَع في استعمال الألوان (سيكام-ب-) إلا سنة 1972. أمّا الوضْع القانوني للتلفزة المغربية فقد مَرَّ بمراحِل تدريجية مِن الكفاءة القانونية والاستقلالية المالية وصولاً إلى استحداث مؤسَّسة عمومية، ثم الإدماج في الإدارة المركزية لوزارة الاتصال بميزانية ملحقة. وقد وَقَع اهتمام مُكَــثَّف بالنّـقل التلفزيوني المباشِر انطلاقا مِن مَواقع الأحداث بواسطة عَربة الريبورتاج الخارجي لتغطية المناسبات الرياضية والوطنية، بل وحتى السياسة، “إذ يتذكَّر الذين عاشوا تلك الفترة؛ مبادَرة التلفزة المغربية نَقل وقائع (التَّصويت على ملتَمَس الرقابة) مباشَرَة مِن قاعة مجلس النُّواب المنعقِد آنذاك بقاعة عمومية جامعية، لقد كان الحدث أكبر فُرجة سياسية في تِلْك الفترة”[4].

وانطلاقا من 3 مارس 1993 دَخَلت الإذاعة الوطنية حِقبة البثّ عبر الأقمار الاصطناعية، وذلك عن طريق القمر الاصطناعي “أوتيل سات”، وبذلك تَكون الإذاعة الوطنية قد دَخَلَت العالم الرقمي للبث والتَّسجيل على غرار الإذاعات الدولية.[5] حيث أصبح بإمكان عشرات الملايين مِن المشاهدين في مختلف القارات تتبع برامج باقة القناة الأولى للتلفزة المغربية.

هذا؛ وقد شَجَّعت المبادرات الحرة للمساهمة في الاستثمار في القطاع السمعي البصري ظهور باقة من القنوات ضمن القُطب العمومي، وارتِفاع منسوب الـمشاهَدة.

المراجع
[1] عبد الله شقرون: الإذاعة والتلفزة المغربية، ص 11.
[2] (شقرون) عبد الله: نفس المرجع، ص: 93.
[3] (الغيداني) محمد: "للتلفزة المغربية أعلام؛ تجارب ومسارات وشخصيات بصَمَت تاريخ الإعلام المرئي بالمغرب"، طبعة 2017، ص: 19
[4] الإذاعة والتلفزة المغربية..،مرجع سابق، ص 109.
[5] موقع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة الوطنية. http://www.snrt.ma/presentation.php?lang=ar.