مقدمة

زين للناس الاشتغال بعدة مجالات محمودة في الحياة، كل واحد برع في مجال وبرز فيه، أبدع وطور وجدد من خلاله ما يحتاجه الانسان في هذا العصر، وخير من ذلك اشتغالا ـ وليس معناه أن ما قبله شرـ الاشتغال بالقرآن الكريم روح الأمة وسر حياتها، ولا شك أن جهود أهل الإسلام في العناية بالقرآن الكريم ضاربة في التاريخ، شهد على ذلك كتب ومؤلفات التفاسير القرآنية بمختلف أنواعها. والكتاب الذي بين أيدينا حلقة فريدة من حلقات جهود العناية بالقرآن الكريم. فما الجديد الذي حمله إلينا؟ وما أهم محتوياته؟ وما هدفه ومنهجه؟ وما أبرز المزايا التي طبعته؟ وما هي أهم الملاحظات حوله؟ أسئلة وغيرها نحاول تقديم الجواب عنها من خلال قراءة كتاب “مجالس القرآن، مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ – الجزء الأول”. ويقع الكتاب، لصاحبه فريد الأنصاري، في 405 صفحة من الحجم المتوسط، وهو من منشورات “دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة”، وقد نشرت طبعته الأولى سنة 2015.

محتويات الكتاب

تألف الكتاب من مقدمة وقسمين. ففي المقدمة أبرز الكاتب مشروعه الفريد “مجالس القرآن” ولماذا الحاجة إليه؟، وما هي أهدافه والسياق الذي دعا إلى تأليف الكتاب.

وفي القسم الأول من الكتاب والموسوم ب “مدخل إلى مجالس القرآن” تناول الكاتب مجموعة من العناصر الكبرى نجملها كالآتي:

  • حاجتنا إلى القرآن الكريم: بين فيه مدى حاجة الإنسان إلى القرآن حتى تستقيم أحواله، وهو في ذلك لا يعدو أن ذكر بهذه الحقيقة لمن غفل عنها.
  • مفهوم القرآن الكريم: ومن خلاله وقف الكاتب عند تعريف العلماء للقرآن الكريم، ولم يكتف بذلك التعريف بل قدم تعريفا آخر لكتاب الله تعالى، يقول رحمه الله تعالى: “ذلك هو القرآن.. كلام من أحاط بمواقع النجوم خَلقا، وأمرا، وعلما، وقدرة، وإبداعا.” وفي تعريفه هذا إشارة منه إلى أن القرآن لا يمكن حصره في كلمات محددة مسكوكة من قبل أحد من أهل العلم.
  • القرآن العظيم وقضية الأمة (كلمات الله في معركة السلام): وخلاصته أن الأمة التي تأخذ بالقرآن لن تنهزم في معاركها في الحياة كلها.” فلا غلبة إذن لمن واجهه القرآن المبين، لا غلبة له البتة، وإنما هو من المهزومين بكلمة الحق القاضية…”.
  • “مجالس القرآن “مفتاح المشروع: وفيه تعريف بمجالس القرآن وفلسفتها عند صاحب الكتاب كما أنه قسمها إلى قسمين: مجالس القرآن الأسرية و”صالونات القرآن” وبين طريقة اشتغالهما.
  • جلساء الملائكة: وفيه بين بالأدلة الشرعية أن أهل مجالس القرآن هم جلساء الملائكة.
  • الخطوات المنهجية الثلاث لتدارس القرآن: وفيه شرح وبيان لهذه الخطوات تأصيلا شرعيا وتطبيقا عمليا في حياة الإنسان المسلم. وهذه الخطوات هي كما يلي: الأولى “تلاوة القرآن بمنهج التلقي، الثانية: التعلم والتعليم بمنهج التدارس، والثالثة: التزكية بمنهج التدبر، كما أفرد عنوانا جزئيا خصصه لبيان الفرق بين التدارس والتدبر.
  • في المنهج العملي لإقامة مجالس القرآن. وضمنه مجموعة من ” الضوابط المنهجية، ذات الطابع التنزيلي في الغالب”، وقد حصرها في عشرين ضابطا. وقد احتوى هذا العنصر من عناصر القسم الأول على التزامات ثلاث اعتبرها الكاتب في عهد الفعل من أجل إقامة مجالس القرآن، وتابعها بأربع التزامات أدخلها ضمن ما سماه ب (عهد الترك).

أما القسم الثاني والمعنون “المدارسات القرآنية” فقد ضمنه المؤلف تمهيدا ذكر فيه مجموع السور التي كانت محل مدارسة هذا الكتاب وهي على التوالي: الفاتحة، الفرقان، يس، الحجرات.

أما طريقة “عرض مادة هذه الرسالات” التي استخلصها من تلك السور، فتتلخص فيما يلي: تقديم، المجالس، كلمات الابتلاء، البيان العام، الهدى المنهاجي، مسلك التخلق، خاتمة. وفي القسم الثاني، وبعد التمهيد، عرض الكاتب المدارسات القرآنية للسور المذكورة سالفا، مطبقا من خلالها طريقة عرض مادة الرسالات.

هدف الكتاب ومنهجه

يندرج الكتاب الذي بين أيدينا ضمن مشروع قرآني: “من القرآن إلى العمران” يروم هذا المشروع، تجديد علاقة الانسان بالقرآن على نحو جديد، يقوم على إحياء كتاب الله في النفوس البشرية المسلمة عساها تنهض من جديد، فتسهم في العمران البشري. يفهم ما ذكرناه من الغاية من الكتاب من خلال قوله “فهذه مدارسات في القرآن الكريم، تعرض مشروع “مجالس القرآن” بصورة عملية يرجى لها أن تجعل المؤمن يندمج في فضاء القرآن، ويتلقى آياته كلمة كلمة، تلاوة وتزكية وتعلما. وهي لذلك تمثل صلب المنهاج الفطري الذي ندعو به وإليه، كما بيناه مفصلا في كتاب الفطرية”.

يمكن القول بأن منهج التحليل والنقد، بينهما ترابط متين فلا تكاد تجد نقدا إلا ومعه تحليل في نفس الآن، وهذا ما نجده حاضرا بقوة في كتاب مجالس القرآن، وأنت تتصفح متن الكتاب تصادفك مجموعة من المقاطع التي تشير إلى حضور النقد لدى الكاتب، ومن تلك المقاطع نذكر على سبيل المثال لا الحصر: “فيا حسرة عليك أيها الانسان، هذا عمرك الفاني يتناثر كل يوم…” وقوله: “ماذا حدث لهؤلاء المسلمين؟ أين عقولهم؟ أين قلوبهم؟…ففيم التردد والاضطراب إذن” وفي موطن آخر: “… ويأبى أكثر الناس إلا تمردا وكفورا، فوا أسفاه على هذا الإنسان…” ومنه كذلك قول الكاتب: “وعليه فتعريف البلاغيين ” الخبر” ….، تعريف غير مانع أبدا، بالمعنى الوجودي لكلمة (خبر)” فهذه بعض المواطن، من مجموع مواطن كثيرة لا يتسع المقام لعرضها جميعها، نجد فيها إشارات واضحة لإعمال الكاتب منهج النقد بعد التحليل للقضايا ومناقشتها.

ونلمس منهج التجربة والمشاهدة حاضرا لدى الكاتب “وذلك بناء على يقين حصلناه بالمشاهدة والتجربة”.

علاوة على اعتماد الكاتب النقد، حفل الكتاب بمنهج الاستنباط بشكل كبير، والدليل على ذلك نصوص نختار منها: ” لا شك أن القرآن العظيم رأس الذكر، … قال تعالى ” وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَٰرِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجْنُونٌ،وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَٰلَمِينَ” (القلم، 51ـ 52).

والقرآن أيضا به يكون الذكر قال سبحانه “ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ” (ص، 1).” فالذي يتضح أن الكاتب يستنبط مَعَان وحِكَمًا وأَحْكَامًا من الآيات القرآنية.

إشكالية الكتاب

تتمحور إشكالية الكتاب حول كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟” لا شك أن السر كامن في منهج التعامل مع القرآن، وذك هو سؤال العصر، وقد كتب غير واحد من أهل العلم والفضل حول إشكال: (كيف نتعامل مع القرآن؟).

أبرز مزايا الكتاب

  1. تطرق لموضوع قديم (كيف نتعامل مع القرآن؟). برؤية ومنهجية جديدة فريدة مادة ومنهجا، ومما يدل على ذلك “خطوات مدارسة سور القرآن”.
  2. الحضور القوي للكاتب من خلال محتوى الكتاب، فالمتتبع لمضمون الكتاب يجد أغلب مادته صنعة أصيلة خاصة بالكاتب. وما عدا ذلك فهي نصوص قرآنية وأحاديث نبوية. ولا أدل على ذلك ما نجده من قوة التحليل والمناقشة التي يعبر عنها الكاتب بأسلوب متين وأخاذ، هذا كله يدل على الثراء الفكري الذي حصله المُؤَلِّفُ.
  3. القوة في النقد للأفكار والتأصيل لذلك العمل النقدي من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية.
  4. هيمنة الآيات القرآنية وبعض الأحاديث النبوية على متن الكتاب، وليس إلا انسجاما مع “مشروع مجالس القرآن” الذي جعل المؤلف منه المادة الأصلية التي تنسج خيوط الكتاب، فهو يولي عناية كبيرة لأمر القرآن حتى يترسخ في عقل وقلب القارئ، أننا بحاجة ماسة إلى العودة إلى القرآن ليتحقق لنا العمران على هدى من الله، ” ألم يكن القرآن مفتاحا لعالم الملك والملكوت؟ ألم يكن هو الشفاء وهو الدواء؟ “وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا” (الإسراء، 82).”
  5. سلاسة أسلوبه بحيث يستطيع كل قارئ فهم مقصود الكاتب، فهو ليس كتابا موجها إلى نخبة معينة بل هو لأكبر عدد من عموم المكلفين (العاقلين)، لذا نجده جاء بتلك الشاكلة الاسلوبية السهلة.
  6. اعتماده رواية الإمام ورش عن نافع في القراءة القرآنية، وهو ما يعكس عنايته بالاختيارات المغربية في مجال القراءة القرآنية.
  7. انفتاحه على التراث الذي أنتجه العقل المسلم خاصة ما تعلق منه بجهود العلماء المتعلقة بالبحث في موضوع” كيف نتعامل مع القرآن”، بحيث نجده يذكر ويثني على أهل الفضل في هذا المجال كالإمام الغزالي رحمه الله، والشيخ القرضاوي حفظه الله.
  8. اختصاره لأقوال المفسرين، في معرض خطوة البيان العام للسور بما ييسر على القارئ ويحقق الهدف من الكتاب، وهو التركيز على الجوانب الجديدة فيه والمتمثلة في الهدايات المنهاجية للسور القرآنية.
  9. فتح المجال أمام المهتمين من الباحثين والدارسين من أجل استئناف البحث في باقي سور القرآن التي لم يحط بها الكاتب في مؤلفاته الثلاث، وفق منهجية صاحب الكتاب أو تطويرها متى ترجح للباحثين من القواعد والطرق الأخرى التي تحقق الهدف من مشروع مجالس القرآن. فإنه لا عصمة لباحث ولا ناظر في كتاب الله تعالى.
  10. يمكن اعتبار الكتاب إضافة نوعية في الحقل التربوي التعليمي إذ نجده تضمن سورا مقررة دراسيا في منهاج مادة التربية الإسلامية، بالمغرب، ومن هذه السور سورتا “يس ” و”الحجرات”، فيمكن للمدرس والمتعلم الاستفادة من هذا الكتاب على حدا سواء من أجل تجويد العملية التعليمية التعلمية.

خاتمة

وختاما، فهذه محاولة، نروم من خلالها قراءة كتاب مجالس القرآن من خلال العناصر السالفة الذكر، ولا تدعي القراءة أنها أحاطت بكل جانب من جوانب الكتاب، وإنما هو جهد من أجل تقريب القارئ من الكتاب الفريد من نوعه مادة ومنهجا، وقبل ذلك كانت الغاية استفادة القارئ نفسه من علم العلامة الفقيه الأصولي والداعية الإسلامي فريد الأنصاري، لعلي أنال شرف خدمة أهل الفضل من العلماء ومنهم شيخنا الجليل رحمه الله تعالى.