مقدمة

فريد الأنصاري، من علماء المغرب، ومن الشخصيات العلمية والفكرية التي ساهمت في إثراء ميدان الفكر الإسلامي في المغرب، وفي العالم الإسلامي. وهو أيضا من الشخصيات الدعوية الذي عرفت حياته الفكرية والدعوية تعدد المسارات التي نحتت شخصيته العلمية ومنحته مؤهلات علمية ومنهجية رصينة. كما كان عالما موسوعيا؛ حيث جمع بين علم أصول الفقه والحديث والتفسير والفكر الإسلامي وقضايا الدعوة والتربية. فأغنى المكتبة المغربية بعدد غير يسير من المؤلفات والأعمال العلمية في فروع علمية عدة، وخاصة في مجال الدراسات المصطلحية. كما كان العلامة فريد الأنصاري يتمتع بموهبة أدبية كبيرة، وهو من انعكس في أسلوب كتابته الراقي وفي إبداعاته الأدبية المتعددة. وبالإضافة إلى الروح الأدبية الواضحة في مساره الغني فإن للعلامة فريد الأنصاري وقفات فنية في مجال الرسم، حيث درس دراسة سريعة الفن التشكيلي بقواعده[1].

الولادة والنشأة

هو فريد بن حسن بن محمد بن الفقيه والعالم حسن الضرير بن محمد بن المكي القاضي، وهذا الأخير كان يقيم في الأصل بمنطقة بْحاير الأنصار، وبسبب فيضان لحق بها انتقل إلى منطقة “الجْرف” بتافيلالت (جنوب شرق المغرب). أما والده فهو حسن الأنصاري الخزرجي السجلماسي نسبة إلى مدينة سجلماسة، أما أمه فهي عائشة مهاجر، وهو أصغر إخوته السبعة؛ ثلاثة ذكور وأربع إناث.[2] ولد فريد الأنصاري في قرية “أنيف” بإقليم الراشيدية  يوم الجمعة 19 ربيع الثاني من عام 1380ه/ 14 أكتوبر عام 1960م. ونشأ فريد الأنصاري في “قصر الترعة”  ب”الجرف”، نواحي مدينة الراشيدية (قصر السوق)، بين أحضان أسرة متدينة؛ فأبوه حسن الأنصاري كان خريج القرويين ويعمل معلما في إحدى مدارس الجرف، ووالدته عائشة مهاجر التي تربت في حجر جدتها لأمها الأمازيغية التي لم تكن تفتر عن الذكر. وقد نشأ في صغره، يجيد الأمازيغية ويتكلم بها، واحتفظ بقدرته على فهمها في كبره، وإن كان نسي الإفصاح بها.[3]  وفي هذه الفترة جمع إلى الدراسة في المدرسة العصرية حفظ القرآن الكريم في المسيد (مسجد القرية)، وذلك إلى جانب عمله في حقول الأهل من وقت إلى آخر، خاصة في عطل نهاية الأسبوع والعطل المدرسية الأخرى.[4]

في سنة 1974م أتم التلميذ فريد الأنصاري مرحلة التعليم الإبتدائي، فانتقل إلى مدينة أرفود القريبة لمواصلة دراسته الإعدادية. وخلال نفس الفترة ظهر على التلميذ ميل كبير نحور قراءة كتب الأدب من شعر ورواية؛ ككتاب في الشعر الجاهلي، وروايات المنفلوطي وجورجي زيدان…، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في نبوغه الأدبي فيما بعد وهو ما ظهر في مختلف إبداعاته الشعرية والروائية التي أبدعها. وفي سنة 1978م انتقل الأنصاري إلى مرحلة الدراسة الثانوية في مدينة “كلميمة”، وخلالها وقع له أول احتكاك مع فكرة الدعوة الإسلامية، فنشط بشكل عفوي صحبة بعض أصدقائه من التلاميذ في المجال الدعوي من خلال الإحتماع على بعض الكتب الإسلامية وأشرطة تسجيلية للشيخ كشك، كما بدؤوا في تحرير مجلة بسيطة كان يشرف عليها فريد الأنصاري بنفسه.[5]

النبوغ العملي والأدبي لفريد الأنصاري

بعد حصول على شهادة الباكالوريا في عام 1981م ولج فريد الأنصاري إلى الدراسات الجامعية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس –كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز، فتخصص في الدراسات الإسلامية، فحصل على شهادة الإجازة سنة 1985م، فالتحق بما كان يسمى نظام تكوين المكونين (1985-1987)، حيث بدأت مسيرته مع مجال البحث العلمي، فكان أبو إسحاق الشاطبي موضوعا لأول بحث ينجزه تحت إشراف العلامة الشاهد البوشيخي، كما أنجز بحثه حول: “الأصول والأصوليون المغاربة؛ بحث ببلوغرافي”. وتحت إشراف العلامة الشاهد البوشيخي دائما سجل بحثه لنيل دبلوم الدراسات العليا (الماجستير) في موضوع: “مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات”. وقد سار على نفس النهج في مرحلة الدكتوراه (1991-1999)، والتي توجها سنة 1999 بالحصول على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية -جامعة الحسن الثاني-، بعد مناقشة بحثه في موضوع: “المصطلح الأصولي عند الشاطبي” تحت إشراف العلامة الشاهد البوشيخي.

المسيرة الوظيفية

عمل الشيخ فريد الأنصاري منذ سنة 1987 أستاذا لأصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة المحمدية –جامعة الحسن الثاني-، وذلك قبل الانتقال إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس -جامعة المولى إسماعيل- سنة 1994م كأستاذ ورئيس لشعبة الدراسات الإسلامية، حيث أشرف على عشرات الرسائل والبحوث الجامعية، كما فتح خلالها وحدة للتكوين والبحث في موضوع: “الفتوى والمجتمع ومقاصد الشريعة”، ووحدة للدكتوراه في موضوع: “الإجتهاد المقاصدي التاريخ والمنهج”. كما كان عضوا مؤسسا لمعهد الدراسات المصطلحية التابع لكية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس –جامعة محمد بن عبد الله-، وعضوا برابطة الأدب الإسلامي العالمية، وخطيبا بمسجد محمد السادس بمكناس ورئيسا للمجلس العلمي بنفس المدينة منذ عام 2006. كما أنه سبق له أن درس بدار الحديث الحسنية ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين بالرباط.

المسيرة الدعوية

بدأ الشاب فريد الأنصاري مرحلته الجامعية متشبعا بالفكر السلفي وبفكر تقي الدين الهلالي، رغم أن الطابع السائد في محيطه العائلي كانا طابعا صوفيا على نهج الطريقة التجانية. وكان أول لقاء له مع ميدان الدعوة المنظم من خلال الإلتقاء مع شباب جماعة الدعوة والتبليغ، وذلك قبل اللإلتقاء بعناصر من الشبيبة الإسلامية التي كان يقودها عبد الكريم مطيع، والذين صاحبهم لبضعة أشهر. كما خالط شباب الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير.[6] وانخرط بجمعية الدعوة الإسلامية بفاس، وذلك قبل أن تتوحد هذه الأخيرة مع جمعيات أخرى وتنشئ “رابطة المستقبل الإسلامي” التي كان يترأسها العلامة أحمد الريسوني، والتي اندمجت مع حركة الإصلاح والتجديد سنة 1996 لتشكلا حركة التوحيد والإصلاح. لكن المسار الدعوي للدكتور فريد الإنصاري توقف مع التوحيد والإصلاح بداية الألفية الثانية ليختط لنفسه مسارا خاصا عبر اجتهادات خطها في مؤلفات عدة ألفها بعد الإستقالة من حركة التوحيد والإصلاح، مسار يرتكز على الدعوة العامة وتجديد الفكر الدعوي والتربوي. كما كان يحمل في ذهنه مشروعا إسلاميا مبنيا على القرآن الكريم أساسا.[7]

أثاره العلمية والفكرية والأدبية

خلف العلامة فريد الأنصاري –رحم الله- آثار علمية وأدبية ودعوية وتربوية متعددة:

  • الفطرية، بعثة التجديد المقبلة: من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام،
  • الدين هو الصلاة والسجود لله باب الفرج،
  • المصطلح الأصولي عند الشاطبي (أطرحة دكتوراه)،
  • التوحيد والوساطة في التربية الدعوية (في جزأين)،
  • أبجديات البحث في العلوم الشرعية: محاولة في التأصيل المنهجي،
  • قناديل الصلاة: مشاهدات في منازل الجمال،
  • بلاغ الرسالة القرآنية: من أجل إبصار لآيات الطريق،
  • مجالس القرآن من التلقي إلى التزكية (ترجم إلى اللغة الفرنسية)،
  • مدارسات في الهدى المنهاجي لآية الكرسي،
  • جمالية الدين: معارج القلب إلى حياة الروح،
  • ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله،
  • مفاتح النور: نحو معجم شامل للمصطلحات المفتاحية لكليات رسائل النور لبديع الزمان النورسي،
  • سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة (ترجم إلى اللغة الفرنسية)،
  • كاشف الأحزان ومسالح الأمان،
  • البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي (نحو بيان قرآني للدعوة الإسلامية)،
  • الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب،
  • مجالس القرآن: مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ (ج1)،
  • مجالس القرآن مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ (ج2)،
  • مجالس القرآن مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ (ج3)،
  • مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية،
  • منزلة اليقظة،
  • ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله،
  • رجال ولا كأي رجال،
  • الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب: دراسة في التدافع الإجتماعي،
  • ديوان “القصائد”،
  • ديوان “الوعد”،
  • ديوان “جداول الروح” (عمل شعري مشترك مع الشاعر عبد الناصر لقاح)،
  • ديوان “الإشارات”،
  • ديوان “مشاهدات بديع الزمان النورسي”،
  • ديوان “المقامات”،
  • ديوان “المواجيد”،
  • ديوان “من يحب فرنسا” (عمل شعري مشترك مع الشاعر عبد الناصر لقاح)،
  • رواية “كشف المحجوب” (1999)
  • رواية “آخر الفرسان”،
  • رواية “عودة الفرسان”،
  • قصيدة “كيف تلهو وتلعب”،

كما كتب رحم الله عددا من المقالات نشرها في العديد من المجلات والمؤتمرات والندوات الوطنية والدولية، وسجلت له عدد كبير من الخطب والدروس والمحاضرات الرقمية؛ المرئية منها والصوتية في موضوعات علمية وثقافية وفكرية ودعوية متعددة، وهي آثار تعدد بالمئات.

توفي رحمة الله عليه يوم الخميس 17 ذو القعدة عام 1430 موافق 05 نونبر سنة 2009 بإحدى مستشفيات دولة تركيا (مستشفى سماء) بعد رحلة علاج طويلة ، ووري جثمانه بمقبرة سيدي عياد بحي الزيتون بمدينة مكناس يوم الأحد 08 نونبر 2009.

 

المراجع
[1] الأنصاري عبد الحميد، أبو أيوب الأنصاري في رحلة العمر، جريدة المحجة، عدد 330-331، 02 يناير 2010، ص 22-33.
[2] الأنصاري عبد الحميد، أبو أيوب الأنصاري في رحلة العمر، مرجع سابق، ص 22-33.
[3] الأنصاري عبد الحميد، أبو أيوب الأنصاري في رحلة العمر، مرجع سابق، ص 22-33.
[4] الأنصاري فريد، كشف المحجوب، ص 32.
[5] الأنصاري عبد الحميد، أبو أيوب الأنصاري في رحلة العمر، مرجع سابق، ص 22-33.
[6] الأنصاري عبد الحميد، أبو أيوب الأنصاري في رحلة العمر، مرجع سابق، ص 22-33.
[7] التركي بوعبيد، معلمة المغرب، ج 25 ملحق (ج2)، 2010، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، ص 25-26.