الأصول الهندية للجماعة

تعود أصول جماعة الدعوة والتبليغ إلى مؤسسها الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي (1886م-1945م) الذي بدأ نشاطه الدعوي مع نهاية عشرينيات القرن العشرين، وبالنظر للأوضاع التي كانت تعرفها الهند تحت الاستعمار البريطاني، ورغبة منه في تجنب القمع والمنع من قبل السلطات الاستعمارية، وأيضا تجنبا للمعارك الجانبية مع باقي التيارات الإسلامية، عمل الشيخ محمد إلياس على وضع منهاج دعوي يقوم على ركيزتين؛ إكرام المسلمين وعدم الاشتغال بالخلافات، وهو المنهج الذي سيعمل على ترسيخه من بعده ابنه الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي (1917م-1965م) صاحب كتاب “حياة الصحابة” الذي يعد أحد الكتب المرجعية بالنسبة للجماعة.[1] ويقع مقرها الرئيسي في “نظام الدين” بدلهي، ومنه تدير الجماعة شؤون الدعوة في العالم، وتعقد الجماعة تجمعات ضخمة لأتباعها في دلهي، حيث يجتمع حوالي مليون شخص من الهند وباقي المناطق.[2]

سياق تأسيسها محليا

يرجع تاريخ تأسيس فرع جماعة الدعوة والتبليغ بالمغرب إلى بدايات ستينيات القرن الماضي وبالضبط سنة 1964 على يد الشيخ محمد الحمداوي (1935م-1987م)،[3] وهذا معناه من الناحية التاريخية أننا إزاء أقدم حركة إسلامية بالمغرب. وتعتبر جماعة الدعوة والتبليغ المغربية جمعية قانونية تأسست وفق ظهير الحريات العامة بالمغرب.[4] ويعتبر الشيخ الحمداوي هو المؤسس الفعلي للتنظيم، وهو خريج القرويين اشتغل بمجال التعليم، والتحق بجماعة التبليغ سنة 1962م كما التقى بأميرها الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي. وقد استمر الشيخ الحمداوي في قيادته للجماعة إلى حين وفاته في 19 مارس من سنة [5]1987م. ليتولى بعده الشيخ البشير اليونسي مسؤولية الجماعة، وهو الأستاذ الذي انتمى للجماعة في أوائل الستينيات من القرن العشرين، وكان يشتغل بالتعليم إلى حين تفرغه الكامل لشؤون الدعوة والتنظيم بعد ذلك[6]. وقد استمر الشيخ اليونسي مرشدا للجماعة بالمغرب إلى حين وفاته يوم 03 أكتوبر 2023، دون أن يتم الإعلان عن خليفته إلى حدود كتابة هذه الأسطر، خاصة وأن جماعة الدعوة والتبليغ لا تملك أي موقع إلكتروني أو أي وسيلة تواصلية أخرى وهو الأمر الذي يجعل من المعطيات التي تهم التنظيم وأنشطته وبرامجه وقراراته أمرا متعذرا بالنسبة للمتتبعين والمهتمين.

وتغطي مراكز جماعة الدعوة والتبليغ أغلب المدن المغربية، ومن أهم مراكزها النشيطة بالمغرب مسجد النور ببوسجور بالدار البيضاء ومسجد دوار الحاجة بحي التقدم بالرباط ومسجد الفتح بالقصر الكبير. أما في البوادي والقرى المغربية فتقوم الجماعة بأنشطتها في المساجد الرسمية والأهلية.[7]

وقد سبق للجماعة أن شاركت في جامعات الصحوة الإسلامية والتي نظمها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الكبير العلوي المدغري في الفترة ما بين 1990 و1998، والتي كان لها أهداف متعددة من بينها تأكيد الصبغة الدينية للدولة المغربية، وتوفير الغطاء الرسمي لاستكمال وإنضاج المراجعات النقدية التي دشنتها بعض الحركات الإسلامية منذ مطلع الثمانينات، ثم العمل على التقريب بين الإسلاميين وتيارات فكرية ومذهبية أخرى. وقد شارك الشيخ البشير اليونسي بصفته مرشدا للجماعة في أشغال هذه الجامعات، وشارك في مجريات النقاش خلال الدورة الأولى سنة 1990 والتي كانت حول موضوع: الصحوة الإسلامية واقع وآفاق. كما ألقى كلمة في الجلسة الافتتاحية خلال الدورة الثانية سنة 1991 والتي كانت حول موضوع: دور التوجيه التربوي في بناء المجتمع الحديث. كما ألقى كلمة في الجلسة الافتتاحية للدورة الرابعة باسم الجمعيات الإسلامية المغربية المشاركة، والتي نظمت سنة 1997 حول موضوع: الإسلام والمسلمون بأوروبا.[8]

وقد اكتسبت الجماعة موقعا متميزا في الحقل السياسي والاجتماعي بالمغرب بسبب نوعية خطاب الجماعة الذي يتميز بالبساطة والتأكيد على قيم التقوى والورع وإصلاح الفرد، بعيدا عن التسييس والدخول في الصراعات السياسية.[9] وتجدر الإشارة إلى أن هذه الوضعية قد عرفت بعض الاهتزازات في سياق الحرب على الإرهاب خاصة بعد تفجيرات 16 ماي بمدينة الدار البيضاء، حيث لم تعد تتحرك الجماعة بالحرية التي عرفتها في السابق، حيث تم إغلاق عدد من المساجد التابعة لها، وهي التداعيات التي طالت كافة الحركات الإسلامية وعموم الفعاليات الجمعوية التي تشتغل في الحقل الدعوي.

كما تجدر الإشارة إلى أنه وبخلاف مبدئها القاضي بـ”ترك ما لا يعني” فقد نظمت الجماعة في ذروة الحراك السياسي لحركة 20 فبراير مهرجانا دعويا خطابيا بالطريقة التقليدية المغربية حيث تم نصب الخيام وإطعام الطعام بإحدى الساحات العمومية بمدينة الفنيدق يوم الجمعة 25 يونيو 2011، دعا خلاله مرشد الجماعة حينها الشيخ البشير اليونسي الحاضرين إلى دعم استقرار البلد، والتعاون مع السلطة لخدمة الصالح العام.[10]

الأصول الفكرية للدعوة والتبليغ

يستمد النسق الفكري لجماعة الدعوة والتبليغ بالمغرب مفرداته من ثلاثة كتب يمكن أن نستشف منها عناصر الرؤية الإصلاحية للجماعة، فنجد كتاب “حياة الصحابة” للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي الأمير السابق للجماعة بالهند، وهو كتاب يركز على سيرة الصحابة وأعمالهم في نصرة النبي والإسلام. ثم يأتي الكتاب الثاني وهو “رياض الصالحين” للإمام النووي، وهو كتاب درجت على اعتماده جل الحركات الإسلامية في أدبياتها وبرامجها التربوية. أما الكتاب الثالث فيتعلق بكتاب “فقه السنة” للسيد سابق. وعلى الرغم من كون هذه الكتب الثلاثة مجتمعة لا تكشف عن فكر إصلاحي شامل، إلا أن الجماعة تزعم بأن إصلاح حال المسلمين وتحقيق سمو القرآن والسنة لا يمكن أن يتحقق إلا باتباع الصحابة أولا، ثم امتلاك الحد الأدنى من الفقه ثانيا، وتبليغ ذلك للأمة ثالثا. وبناء عليه تعتقد جماعة الدعوة والتبليغ بأن إصلاح الفرد مقدم على إصلاح الجماعة، وعلى هذا الأساس تنبني أنشطتها وبرامجها الدعوية والتربوية.[11]

منهجها الدعوي

لم تجد جماعة الدعوة والتبليغ المغربية صعوبة بالغة في مغربة منهجها الدعوي ذي الأصول الهندية، وذلك بالنظر إلى رسوخ ثقافة الوعظ والإرشاد في الثقافة المغربية سواء في البوادي أو المدن على حد سواء، بل إن الأمر يعد جزءا من التقاليد المغربية التي ترافق المغاربة في أفراحهم وأحزانهم وسائر أحوالهم الاجتماعية. ولذلك فقد ساعد هذا السياق الثقافي انتشار دعوة الجماعة وتوسع نشاطها وازداد عدد أتباعها. ويقوم المنهج الدعوي والتربوي لجماعة الدعوة والتبليغ بالتركيز على التدين الفردي والاهتمام بالتطبيق العملي للنصوص مع مراعاة احتياجات الناس التربوية في نطاق معيشهم اليومي، وهو نهج يناسب ارتفاع معدلات الأمية في الأوساط الشعبية.[12]

وتعتمد الجماعة على مبدأ التطوع في نشر دعوتها من خلال آلية “الخروج في سبيل الله” لدعوة الناس لسماع “البيان” وتنظيم حلقات تعليمية تهم أساسا تعليم الوضوء وكيفية الصلاة والأذكار. وبالنسبة لمرتكزات خطابهم الدعوي فيستند أساسا على الترغيب والترهيب والتأثير العاطفي، وإكساب الناس قدرات ومهارات في الحديث والدعوة، كما يستلهم النموذج التبليغي في الدعوة بعض قيم ومبادئ النموذج الصوفي من خلال التواضع والتطوع لخدمة الآخرين وإلغاء كافة أشكال التراتبيات.[13]

اختياراتها المذهبية والتنظيمية

لم يؤثر ارتباط جماعة الدعوة والتبليغ المغربية بالتنظيم المركزي في الهند في اختياراتها المذهبية والتنظيمية، فمغربة منهج اشتغال الجماعة شملت مستويات عدة، وعلى رأسها تسمية شيخ التنظيم بالمرشد عوض صفة الأمير كما درج عليه التنظيم العالمي، هذا الوصف الذي قد يثير حساسية بالغة في بلد يحمل ملكه لقب أمير المؤمنين. ثم أنه من حيث الاختيارات المذهبية فتوجيهات الجماعة تتطابق مع التأويلات السنية المعمول بها في المغرب،[14] والتي لا تشكل أي تهديد أو خطر على وحدة العقيدة، كما أنه لم يثبت أن نازعت جماعة التبليغ في باقي مكونات الثوابت المذهبية للمغرب ومنها المذهب المالكي والتصوف الجنيدي والعقيدة الأشعرية.

ولا يخفى على أي متتبع لشؤون الجماعة الطابع الصوفي الذي يميزها، حيث ترد على ألسنة شيوخها وأتباعها أسماء الكثير من أعلام التصوف، كما تجعل من تزكية النفس المرتكز الأساسي في عملها الدعوي والتربوي، ولذلك لا نجدها تنشغل بالجانب الفقهي بالقدر الذي نجده مثلا عند التيارات السلفية، حيث ترى هذه الجماعة بأن على أتباعها تقليد أئمة الفقه، ولذلك لا يجد المنتمون لهذا التنظيم الحرج في التمذهب بالمذاهب المنتشرة في بلدانهم.[15]

كما تعتمد الجماعة ما يسمى في أدبياتها بـ”الأصول الستة” وهي الأصول التي وضعها شيخها المؤسس محمد يوسف الكاندهلوي، ويعتبر الالتزام بهذه الأصول أمرا ضروريا للانتساب للجماعة وهي: الكلمة الطيبة لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ العلم والذكر؛ إكرام كل مسلم؛ الإخلاص؛ الخروج في سبيل الله.[16]

المراجع
[1] مهند مبيضين وزيد عيادات، جماعة التبليغ والدعوة: حالتا الأردن وفلسطين، ضمن كتاب: الحركات الإسلامية في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، 2013، ص 887.
[2] محمد المغراوي، (2014). مادة التبليغ (جماعة تقوم بالدعوة الإسلامية). في معلمة المغرب. الرباط: الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ودار الأمان. (الجزء 7). ص 2266.
[3] محمد المغراوي، (2014). مادة التبليغ (جماعة تقوم بالدعوة الإسلامية). مرجع سابق. ص 2267.
[4] خالد يايموت، الدعوة والتبليغ: بركة الهند تصل إلى المملكة المغربية، نشر على موقع هسبريس بتاريخ: 22-10-2010، تم الاطلاع عليه بتاريخ: 11-10-2023 عبر الرابط الآتي: https://tinyurl.com/4bxujf23.
[5] محمد المغراوي، (2014). مادة التبليغ (جماعة تقوم بالدعوة الإسلامية). مرجع سابق. ص 2267.
[6] محمد المغراوي، (2014). مادة التبليغ (جماعة تقوم بالدعوة الإسلامية). مرجع سابق. ص 2267.
[7] محمد المغراوي، (2014). مادة التبليغ (جماعة تقوم بالدعوة الإسلامية). مرجع سابق. ص 2267.
[8] حميمنات، سليم. (2018). السياسة الدينية بالمغرب (1984-2002): أصولية الدولة وإكراهات التحديث السلطوي. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق. ص 216- 220 -221- 222.
[9] مجموعة مؤلفين، (2009). تقرير الحالة الدينية بالمغرب 2007-2008. الرباط: طوب بريس. ص 204-205.
[10] عبد الرحمن الشعيري منظور. النخبة الدينية في النسق السياسي المغربي، نشر بتاريخ 07 فبراير 2018 على موقع هسبريس، تم الاطلاع عليه بتاريخ: 14-10-2023 عبر الرابط الآتي: https://tinyurl.com/33jn7yj6 .
[11] خالد يايموت، (2010). النسق الفكري لجماعة التبليغ فرع المغرب. دراسة منشورة على موقع: https://tinyurl.com/uej2xbtb .
[12] مجموعة مؤلفين، (2009). تقرير الحالة الدينية بالمغرب 2007-2008. مرجع سابق. ص 203.
[13] مجموعة مؤلفين، (2009). تقرير الحالة الدينية بالمغرب 2007-2008. مرجع سابق. ص 204.
[14] مجموعة مؤلفين، (2009). تقرير الحالة الدينية بالمغرب 2007-2008. مرجع سابق. ص 203.
[15] محمد المغراوي، (2014). مادة التبليغ (جماعة تقوم بالدعوة الإسلامية). مرجع سابق. ص 2266.
[16] محمد المغراوي، (2014). مادة التبليغ (جماعة تقوم بالدعوة الإسلامية). مرجع سابق. ص 2266 -2267.