ما هي الطريقة الأغماتية؟

الأغماتية الهزميرية أو الغماتية الهزميرية، طائفة صوفية كانت نشأتها بمدينة أغمات ونواحيها في منتصف القرن السابع الهجري/القرن الثالث عشر الميلادي. ويعود الفضل إلى تأسيس هذه الطائفة الصوفية إلى أسرة الهزميريين، نسبة إلى قبيلة هزميرة المصمودية، وهي أسرة عرفت بالولاية والصلاح منذ قرون. وهي أول طائفة صوفية تظهر بالحوز ودير الأطلس الكبير الغربي. أما مؤسسها فهو الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الهزميري (توفي 678ه/1265م)، وذلك قبل أن يخلفه أخوه أبو زيد عبد الرحمن الهزميري (توفي 706ه/1307م) على رأس الطريقة.[1] وقد نشأ مؤسس الطريقة في “بيئة أغمات المتدينة ودرس على علمائها. وكان له –ككل أتباع أبي محمد صالح- ولع خاص بكتب الغزالي التي انكب بنفسه على دراستها. فشارك والده في تربية النشء وتعليمه، وانتهت إليه بعده الرياسة في علوم الطريق”،[2] وهو من أتباع أبي محمد صالح بن سعيد بن ينصارن الماجري مؤسس الطريقة الماجرية (الطائفة الدكالية أو طائفة الحجاج) بآسفي، وقد أخذ عن عبد السلام بن مشيش العلمي، عن أبي مدين، عن علي بن حرزهم، عن أبي بكر بن العربي، عن الغزالي.[3]

وقد نسب ابن قنفذ القسنطيني (أبو العباس أحمد الخطيب) في “أنس الفقير وعز الحقير” الطريقة الغماتية إلى أبي زيد عبد الرحمن الهزميري قائلا: “أما الطائفة السادسة فهم الغماتيون وهم طائفة الشيخ الولي الشهير أبي زيد عبد الرحمن الهزميري ولهم أخوة محدثة بطائفة أبي زكرياء وسائر الطوائف لهم أخوة بطائفة أبي محمد صالح. وقبر أبي زيد هذا داخل باب الفتوح من أبواب مدينة فاس في روضة الأنوار بإزاء جامع الصابرين”.[4]

تأسيس الطريقة وانتشارها

تزامن ظهور الطريقة الغماتية بداية فترة الدولة المرينية، مع صاحب ذلك من اضطربات عدة في المنطقة، ويمكن وضع نشوء هذه الطائفة في سياق تميز بأزمة دينية واجتماعية بأغمات كان عنوانها الأبرز شيوع الإعتقاد بظهور الشيخ المنقذ. وظهور مثل هذه الطائفة بمدينة أغمات أمر غير مستغرب إذا علمنا أن المدينة عرفت حركة علمية وصوفية نشيطة قبل تأسيس مدينة مراكش نتيجة هجرة علماء القيروان إليها بعد سقوط مدينتهم. ومن ضمن هؤلاء العلماء الذين لجأوا إلى المدينة نجد: أبو عبد الله محمد بن سعد بن علي القيرواني، وأبو محمد عبد السلام التونسي، وأبو محمد عبد العزيز التونسي وهو زميل وكاك بن زلو اللمطي في الدراسة، كما نجد أخت عبد العزيز التونسي، والشيخ محمد بن عبد الكريم الهزميري مؤسس الأغماتية، وغيرهم من العلماء والصوفية.[5]

وقد امتد اشعاع ونشاط الأغماتية خاصة في المناطق المحيطة بأغمات باعتبار المدينة هي مركز ثقل الطائفة، وإيغيل نويلان وامغيوز ورباط شاكر وماسة ومراكش.[6] وممن صحب الشيخ أبي زيد عبد الرحمن نذكر: أبو عبد الله محمد بن تِكَلات صاحب “إثمد العينين ونزهة الناظرين في مناقب الأخوين”، وأبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي المعروف بابن البناء المراكشي العددي (توفي 761ه/1359م) الذي نقل تعاليم الطريقة إلى مدينة مراكش، ومحمد بن أحمد بن شاطر الجمحي المراكشي (توفي 678ه/1279م).[7]

تعاليم الطائفة الأغماتية

تأسست الطائفة الغماتية على خمسة عناصر وهي: اجتناب المحارم وأداء الفرائض، وترك الدنيا، والصدق، والإخلاص. كما شكلت الملامتية وتعاليم الجنيد وآراء الغزالي الإطار المرجعي للخط الصوفي للطريقة الأغماتية. أما على مستوى الطقوس والتقاليد الصوفية للطريقة فإن الأوراد والأذكار والخرقة والاعتناء باللون الأبيض والأخضر، والخلوة والمصاحفة والسياحة فهي أهم التقاليد والممارسات التي ميزت الأغماتية. ويؤمن الأغماتيون بضرورة الشيخ في النشاط الصوفي، والإيمان بثبوت كرامات الأولياء، وممارسة الإطعام، واشتراط الاستئذان في الذهاب إلى الحج.[8] أما المربد فيشترط فيه التلطيف والتأدب مع شيخه، وعدم إنكار أحواله والاعتراض عليه، مع دوام الانتباه من الغفلة، والتبري من الخطرات المذمومة، والتدرج في أحوال محددة، إلى أن يؤذن له بتلاوة الأذكار.[9] ومن شروطها أيضا الخلوة لمدة معينة، وجواز السماع.[10]

أما التكوين البشري للطريقة الأغماتية فتميز بالتأثير الواضح  للإطار الجغرافي في منقطة دير الأطلس الكبير وحوز مراكش، وهو ما تجلى في غلبة العنصر الأمازيغي وخاصة العنصر المصمودي؛ كقبائل هزرجة وهيلانة ودرعة، وفي غلبة الطابع القروي على الطريقة. أما التركيب الاجتماعي للأتباع فهناك الفلاح والحرفي والمعلم والمسؤول المخزني. وعلى العموم فقد أولت الطائفة اهتماما خاصة للوسط القروي، وهو ما يفسر ضعف إشعاعها داخل الحواضر والمدن، مع غلبة العنصر المصمودي على أتباع الطائفة.[11]

خاتمة

بالنظر إلى مميزات المجال الجغرافي والبشري الذي احتضن الطائفة الأغماتية، فإنه يمكن اعتبار هذه الأخيرة مشروعا دينيا واجتماعيا كان يهدف إلى تنظيم جانب كبير من مجتمع مصمودة على أساس تصوف طائفي، وهو ما تجلى في اختيار مجال بعيد عن مركز حكم المخزن المريني وعن مناطق زناتة التي تمثل الأساس القبلي لحكم بنو مرين، حيث حاولت لم شمل وحدة قبلية أنتجت دولة الموحدين فأصبحت تعيش حالة ضياع الجاه والسلطة. لكن هذا المشروع لم يكتب له النجاح وهو ما ظهر في سرعة فتور الطائفة باختفاء أبي عبد الله وأبي زيد، ثم محدودية إشعاعها الجغرافي، يضاف إلى أن المجال عرف دخول تصوف بديل طائفي شكله الحاحيون بقيادة أبي زكرياء الحاحي، وتصوف فردي مثلته المرابطية لالة عزيزة السكسيوية.[12]

المراجع
[1] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، ج2، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ودار الأمان،  ط2، 2014، ص 541.
[2] جلاب حسن، الحركة الصوفية بمراكش وأثرها في الأدب، ج1، ط1، مراكش، 1994، ص 106.
[3] جلاب حسن، معلمة المغرب، ج 22، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2005، ص 7508.
[4] ابن قنفذ القسنطيني، أنس الفقير وعز الحقير، تحقيق محمد الفاسي وأدولف فور، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي –جامع محمد الخامس بالرباط، 1965، ص 66.
[5] جلاب حسن، الحركة الصوفية بمراكش وأثرها في الأدب، مرجع سابق، ص 36.
[6] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 542.
[7] جلاب حسن، الحركة الصوفية بمراكش وأثرها في الأدب، مرجع سابق، ص 106-107.
[8] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 542/ جلاب حسن، الحركة الصوفية بمراكش وأثرها في الأدب، مرجع سابق، ص 107.
[9] جلاب حسن، الحركة الصوفية بمراكش وأثرها في الأدب، مرجع سابق، ص 107.
[10] جلاب حسن، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7508.
[11] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 542.
[12] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 542.