مقدمة

أغمات (غْمَاتْ)، من المدن والعواصم والمواقع التاريخية التي لعبت دورا كبيرا في تاريخ المغرب السياسي والإقتصادي والديني للمغرب، ولمنطقة الغرب الإسلامي بصفة عامة، منذ أقدم العصور وخاصة في الفترة الوسيطية، وذلك قبل تأسيس مدينة مراكش، وخاصة في فترة الدولة الإدريسية والدولة المرابطية. وقد اشتهرت المدينة خاصة لما اتخذها المرابطون عاصمة مؤقتة لهم قبل تأسيس مدينة مراكش، كما اتخذوها في فترة توحيدهم للأندلس منفى لعدد من ملوك الطوائف وخاصة الملك والشاعر المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، وزوجته اعتماد الرميكية أم الربيع، وكذلك عبد الله بن بلكين بن زيري صاحب غرناطة، وأخوه تميم بن بلكين صاحب مالقة.[1] وبسبب ذلك تحولت أغمات إلى مقصد لمن يريد زيارة المعتمد بن عباد في منفاه، خصوصا أصدقاؤه القدامى من الشعراء والوزارء كالشاعر ابن حمديس، والأديب ابو بكر بن عيسى بن اللبانة.[2]

كما أن أغمات تعتبر مدينة واحدة من أشهر نساء المغرب؛ وهي زينب النفزاوية، التي كانت متزوجة من شيخ المدينة يوسف بن علي بن عبد الرحمان بن وطاس، وذلك قبل أن يتزوجها زعيم المغراويين لقوط المغرواي بعد وقوع المدينة في يد إمارة مغراوة. وبعد دخول المرابطين للمدينة تزوجها أبو بكر بن عمر اللمتوني. وبعد تطليق هذا الأخير لزينب النفزاوية على إثر اضطراره للرجوع إلى الصحراء تزوجها يوسف ابن تاشفين بناء على وصية أبو بكر بن عمر اللمتوني.

الأصول والنشأة

أغمات، كلمة تعود أصولها اللغوية إلى اللغة الأمازيغية، وخاصة لسان قبائل مصمودة التي تقع في مجالها، وأصلها ونطقها الصحيح هو: غْماتْ (بتسكين أول وآخر الكلمة)، وقد تنطق الغين وكأن عليها سكونا وضما: غُماتْ وليس فيها همزة القطع، وبذلك فهي فعل أمر. والمرجح أن أغمات أو غْماتْ أمر جمع من فعل “غْمْ” الذي يعني عند الأمازيغ المصامدة خضّب.[3] أي أن كلمة غْماتْ معناها: خضِّبوا أو اصبغوا، وتوجد أسماء أماكن أخرى بصيغة مماثلة.[4]

ويقع موقع مدينة أغمات، على بعد 30 كلم من الجنوب الشرقي لمدينة مراكش، وقد أسست عند قدم السفح الشمالي للأطلس الكبير وعلى الضفة الغربية لوادي أوريكة (واد غمات)، ويتبع حاليا لجماعة أغمات التابعة لإقليم الحوز –جهة مراكش آسفي. ويتميز هذا الموقع بتوسطه لمنطقة سهلية وجبلية مع يوفره ذلك من تنوع في الموارد، مع توفر تربة خصبة وموارد مائية غنية ومتعددة. ينضاف إلى ذلك أن موقع أغمات الذي يعتبر منطقة التقاء لمجموعات قبلية متنوعة، ونقطة بارزة في خريطة المسالك التجارية الإفريقية المتوسطية خلال القرنين 11م – 12م/5ه-6ه.[5]

ومدينة أغمات في حقيقة الأمر، مدينتان: أغمات أوريكة وأغمات أيْلان (هيلانة) لكن المؤرخين والجغرافيين اختلفوا حول تحديد المسافة بين المدينتين. وقد قال أبو عبيد الله البكري عنهما: “وهي (يقصد أغمات) مدينتان أحدهما تسمى أغمات أيلان والأخرى أغمات أوريكة وبها مسكن رئيسهم وبها ينزل التجار والغرباء وأغمات أيلان لا يسكنها غريب وبينهما ثمانية أميال.[6]

أَغْماتْ أوْريكَة:

نسبة إلى قبيلة أوريكة المصمودية التي تستتوطن المنطقة خصوصا شرق وغرب مدينة أغمات. ولا تسعف المصادر التاريخية في تحديد ظروف تأسيس المدينة وتاريخ ذلك، وتبدو الدوافع التجارية من أهم الدوافع التي دفعت إلى تأسيس مدينة أغمات أوريكة، خاصة وأن المصادر التاريخية أعطت أهمية خاصة للجانب التجاري في أنشطة أغمات، فكان من غير المستبعد أن تكون الرغبة في الحفاظ على النشاط التجاري في المنطقة هو الدافع لتأسيس مراكز حضري.[7] كما كانت أيضا مركزا ثقافيا مهما في المنطقة بالنظر إلى كونها تحتضن أقدم المساجد في هذه المنطقة من المغرب، ومنها انطلق الدعاة والمجاهدون، وكانت لها صلات بالقيروان والأندلس، وفيها استقر المرابطون قبل بناء مدينة مراكش في منتصف القرن الخامس الهجري.[8]

أغمات أَيْلان:

نسبة إلى قبيلة أيلان أو هيلانة المصمودية، والتي كان انتشارها يمتد من شرق مدينة مراكش إلى ما وراء أغمات ونفيس، وهي مركز حضري عرف منذ بداية الفتوحات الإسلامية في المغرب، حيث أسس بها مسجد سنة 85ه/704م. وتقع أغمات أيلان شمال شرق أغمات أوريكة، وبسبب اندراس المدينة واختفاءها في فترة مبكرة تعود إلى بعد القرن 7ه/13م،[9] فقد صعب تحديد موقعها بدقة، فلم يبق من المدينة إلا أنقاض تعرف بأُوخْرِيبْنْ نايْتْ وايْلانْ أي أطلال او أنقاض هيلانة بعد أن اضمحلت هذه القبيلة وحلت محلها قبيلة إِمْسِّيوان (مسفيوة).[10] وتشير مجوعة المعطيات التاريخية إلى أن هذه المدينة لم تكن سوى مركز حضري صغير حيث كانت محرمة على الغرباء. وقد كانت المدينة تتميز باحتضانها للعنصر اليهودي بشكل مهم، خصوصا في عهد الدولة الإدريسية، كما كانت المركز المفضل لاستقرار يهود الأطلس الكبير الغربي. كما أن تحريم المرابطين على اليهود المبيت في مدينة مراكش قد يكون وراء الحضور الكثيف لليهود في المدينة، وقد يكون أيضا لهذا الحضور دور فعال في ازدهار النشاط التجاري في المدينة.[11]

وخلاصة القول، فإنه لا توجد معطيات كافية ودقيقة حول ظروف تأسيس مدينة أغمات، رغم قدمها، حيث ذكرتها المصادر التاريخية ضمن المدن التي فتحها عقبة بن نافع في ولايته الثانية حوالي 681م/62ه، عندما خرج لفتح المغرب الأقصى، وقد وجد بها جماعة من النصارى، فحاصرها وفتحها.[12] كما ذكرتها بعض المصادر باعتبارها من المدن التي شاركت في ثورة الخوارج بقيادة مسيرة المطغري. ثم خفت ذكرها، ولم تعد أخبارها تذكر إلا في عهد الدولة الإدريسية، حيث كانت تحت نفوذ عبد الله ابن إدريس الثاني (القرن 8م). وفي القرن العاشر للميلاد دخلت المدينة تحت حكم الإمارة المغراوية الذين اتخذوها عاصمة لإمارتهم، وذلك إلى أن سقطت في يد الحركة المرابطية سنة 450ه/1058م بقيادة عبد الله بن ياسين الكزولي، بعد فرار زعيم مغراوة لقوط بن يوسف بن علي المغراوي إلى تادلة.[13] وفيها أقام عبد الله بن ياسين وأبو بكر بن عمر اللمتوني قبل تخطيط مدينة مراكش، بعد أن ضاقت المدينة بساكنتها.

وعرفت مدينة أغمات حركة علمية وصوفية نشيطة قبل تأسيس مراكش نتيجة هجرة علماء القيروان إليها بعد سقوط مدينتهم. ومن ضمن هؤلاء العلماء الذي اتخدوا من المدينة ملجأ نجد: أبو عبد اله محمد بن سعد بن علي القيرواني، وابو محمد عبد السلام التونسي، وأبو محمد عبد العزيز التونسي وهو زميل وكاك بن زلو اللمطي في الدراسة، كما نجد أخت عبد العزيز التونسي، وغيرهم من العلماء والصوفية. كما عرفت المدينة ظهور حركة صوفية سميت ب”الطريقة الأغماتية” والتي أسسها محمد بن عبد الكريم الهزميري.[14]

مكونات مدينة أغمات

ورغم كون أغمات في حقيقة الأمر مدينتين، فإنه بسبب اندثار أغمات أيلان، فإن اليوم يتم وصف أغمات أوريكة بأغمات فقط، أي أن المراد عند الإطلاق هو أغمات أوريكة فقط[15]. وهي بدورها اندرست واندثرت في بداية القرن 16م. ولم يبقى منها سوى قرى متفرقة مركزها مكان عامر تقام به سوق أسبوعية، وبجانب هذا المركز مقبرة أغمات التاريخية.[16]

أما عن مكونات مدينة غمات أو أغمات، فقد تحدثت كثيرا المصادر التاريخية عن أغمات ومنشأتها المتعددة، حيث كانت مدينة تتوفر على كل المرافق الضرورية للساكنة ولتطور المدينة خاصة بعد تأسيس مدينة مراكش. فبالإضافة إلى مساكن ودور الساكنة بمختلف طبقاتهم الإقتصادية والإجتماعية، فنجد سور المدينة، ومنشآت مخزنية كالقصبة ودور المخزن، كما نجد منشآت دينية كالمساجد؛ خاصة مسجد الفيل والمسجد الجامع وهو جامع وطاس، ومقر الزاوية التي بنتها الطائفة الغْماتية أو الأغماتية. كما أشارت بعض المصادر إلى المدرسة التي بنيت في عهد السلطان أبي الحسن المريني. كما توفرت أغمات على منشآت اقتصادية كمحلات الحرف وأسواق والدكاكين وحوانيت الكَزارين وغيرها.[17]

لقد كانت إذن أغمات مدينة مزدهرة ومتكاملة متوفرة على كل شروط مركز حضري مهم ومزدهر في مغرب العصر الوسيط. وقد أورد غير واحد من المصادر التاريخية والجغرافية حالة الإزدهار والتي كانت عليها أغمات، كما هو الشأن مع أبو عبيد الله البكري في المسالك والممالك، وصاحب “معجم البلدان” ياقوت الحموي، والإدريسي في “نزهة المشتاق…”، وصاحب “الإستبصار في عجائب الأمصار”، ولسان الدين ابن الخطيب في “نفاضة الجراب”، وغيرها من المصادر[18]. حيث كانت محطة أساسية ضمن شبكة خطوط التجارة الرابطة المغرب والسودان الغربي والحوض المتوسطي. ويعود ذلك إلى المؤهلات التي كانت المدينة تتمتع بها. فبالإضافة إلى موقعها الذي حولها إلى مركز تجاري مهم في المغرب، فإن توفرها على مصادر طبيعية غنية أهلها لتكون مدينة مزدهرة، حيث توفرت المدينة على أراضي فلاحية خصبة وعلى مصادر مياه وفيرة، الأمر الذي سمح لها باحتضان نشاط فلاحي مهم سواء في الزراعة أو تربية الماشية. لقد ساهمت هذه المؤهلات في جعل أغمات تعرف رواجا اقتصاديا كبيرا، الأمر الذي يفسر اتساع أسواقها ووفرة المنتجات بها وتنوعها، فانعكس ذلك على المستوى المعيشي للساكنة. وقد ساهم هذا الرواج في تشكيل تقاليد للإدخار والإستثمار بين سكان هذا المجال،[19] وهو ما أشار إليه أبو عبيد الله البكري في كتاب “المسالك والممالك” بقوله: “وأهل السوس وأغمات أكثر الناس تكسبا وأطلبهم لرزق ما يكلفون نساءهم وصبيانهم التحرف والتكسب”[20].

خاتمة

رغم الأدوار الكبيرة التي لعبتها هذه المدينة خلال فترات طويلة من تاريخ المغرب، فإنها تعتبر من المدن المغربية المندرسة، التي لم يبقى فيها إلا بقايا شاهدة على الفترات التي عرفت فيها ازدهارا حضاريا كبيرا، بعدما اندرست أغلب مكوناتها. وقد تحولت رغم ذلك إلى مزار لعدد من الشعراء ومشاهير رجال الدولة من المؤرخين لزيارة قبر المعتمد بن عباد، كابن اللبانة (توفي 507ه/113م)، وأبو بكر بحر بن عبد الصمد، وعبد الواحد المراكشي (توفي 669ه/1270م)، كما زارها الوزير لسان الدين ابن الخطيب (توفي 776ه/1374م)، وأحمد بن محمد المقري التلمساني (توفي 1041ه/1631/) صاحب كتاب “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب”.

وقد تحول الموقع الأثري لأغمات إلى مسرح لأبحاث أركيولوجية منذ سنة 2005 مع إطلاق “المهمة الأركيولوجية لأغمات” ، والتي أطلقت بالتعاون بين المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث وجامعة Vanderbit الأمريكية، وسعت إلى الكشف عن مختلف خبايا هذه المدينة التاريخية التي تم إهمالها منذ نهاية القرن 14م، وذلك في أفق العمل على صيانة وتثمين بقايا وفتحها أمام الجمهور، لتعلب دورها في المساهمة الحفاظ على جزء من الذاكرة الجماعية للمغاربة، وكذا المساهمة في التنمية المحلية للمنطقة. وقد ساهمت بالفعل هذه ألأعمال، والمستمرة إلى حدود الآن، في الكشف عن جزء من مكونات هذه المدينة، وخاصة حمامها العمومي المشهور، وكذلك المسجد الجامع، وأحد القصور وبقايا سور المدينة… وتغطي أعمال التنقيب مساحة تناهز 3000 متر مربع.

المراجع
[1] شاهندة سعيد محمود، مدينة أغمات من الفتح الإسلامي وحتى سقوط دولة المرابطين في المغرب (63-541ه/682-1146م) دراسة تاريخية، مجلة المؤرخ العربي، ع 28، المجلد الثاني، 2020،  ص 18.
[2] شاهندة سعيد محمود، مدينة أغمات من الفتح الإسلامي وحتى سقوط دولة المرابطين في المغرب (63-541ه/682-1146م) دراسة تاريخية، مرجع سابق، ص 26-27.
[3] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، ج2، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ودار الأمان، ط2، 2014، ص 539.
[4] التادلي أبي يعقوب يوسف، (ابن الزيات)، التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي، تحقيق أحمد التوفيق، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ط1، 1984، ص 84.
[5] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 539.
[6] البكري أبو عبيد الله، المسالك والممالك، ج2، تحقيق جمال طلبة، منشورات دار الكتب العلمية، ط1، 2003، بيروت، ص 338.
[7] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 539.
[8]  التادلي أبي يعقوب يوسف، (ابن الزيات)، التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي، مرجع سابق، ص 84.
[9] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 141.
[10] التادلي أبي يعقوب يوسف، (ابن الزيات)، التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي، مرجع سابق، ص 142.
[11] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 541.
[12]  مجموعة مؤلفين، تاريخ المغرب، تعريب محمد الغرايب-عبد العزيز بل الفايدة ومحمد العرجوني، مطبعة الرباط نت، ط1، 2018، ص 83.
[13] شاهندة سعيد محمود، مدينة أغمات من الفتح الإسلامي وحتى سقوط دولة المرابطين في المغرب (63-541ه/682-1146م) دراسة تاريخية، مرجع سابق، ص 21-25.
[14] جلاب حسن، الحركة الصوفية بمراكش وأثرها في الأدب، ج1، ط1، مراكش، 1994، ص 36.
[15] السملالي العباس بن إبراهيم، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، راجعه عبد الوهاب ابن منصور، ج1، ط2، المطبعة الملكية، الرباط، 1993، ص 100.
[16] التادلي أبي يعقوب يوسف، (ابن الزيات)، التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي، مرجع سابق، ص 84.
[17] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 539-540.
[18] السملالي العباس بن إبراهيم، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، مرجع سابق، ص 100 وما بعدها.
[19] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 539-540.
[20] البكري أبو عبيد الله، المسالك والممالك، مرجع سابق، ص 350.