مقدمة

يعتبر رباط/مدرسة أكلو (أو زاوية سيدي وكاك)، من أقدم المدارس العلمية التي تأسست في المغرب بعد الفتح الإسلامي، وكان ذلك في بداية القرن الخامس الهجري (11م) على يد الشيخ وكَاكَ (وجاج) بن زْلّو اللمطي. إضافة إلى دوره العلمي لعب دورا جهاديا وروحيا مركزيا في منطقة جزولة ببلاد سوس، وفي المغرب بصفة عامة، بل وتجاوز إشعاعه المغرب إلى المنطقة المغاربية[1]. فقد لعبا دورا محوريا في انطلاق الحركة المرابطية في منطقة الصحراء المجاورة، والتي قادها أحد تلامذة هذه المدرسة والشيخ وكاك؛ ويتعلق الأمر بعبد الله بن ياسين التمنارتي زعيم ومؤسس الحركة الحركة والدولة المرابطية. وتعود وقائع انطلاق الحركة المرابطية يوم التقاء الشيخ وكَاكَ بن زْلّو اللمطي بالزعيم السياسي لقبائل صنهاجة يحيى بن إبراهيم الكدالي بتوصية من العلامة أبي عمران الفاسي لانتداب أحد تلاميذه ليصحبه معه إلى قومه ببلاد صنهاجة في الصحراء، وهكذا أرسل معه الشيخ وكَاكَ تلميذه عبد الله بن ياسين.

تأسيس زاوية/مدرسة سيدي وكاَكَ

تشير كلمة “الرباط”  (تجمع على ربط ورباطات) إلى مكان للمواجهة العسكرية الدفاعية على الخصوص، ثم صار اسما لمكان يجتمع فيه حول ممارسات تتصل بالوعظ ورياضات التزهد. لذلك؛ فالرباطات تقع في أغلب الأحيان على حدود معينة يتجمع فيها المتطوعة للجهاد[2]، كما يكون لبعضها دور في التعليم ونشر العلم.

قبل أن يؤسس مدرسته ورباطه بأكلو، خرج وكاك بن زلو في رحلة علمية قادته من سوس إلى فاس، وكذا إلى القيروان، كما ذكرت بعض الروايات أنه ارتحل أيضا إلى الأندلس، وبعد عودته من القيروان عرج على أغمات بنفيس، كما ذكر ابن خلدن أنه كان بسجلماسة. وخلال رحلته العلمية تلك تتلمذ على يد عدد من علماء عصره وخاصة ابن أبي زيد القيرواني وأبي عمران الفاسي. وذلك قبل أن يستقر في منطقة أكلو حيث بنى بها زاوية (رباطا) ومدرسة علمية سماها ب”دار المرابطين” لطلبة العلم والقرآن وكان المصامدة يزورونه ويتبركون بدعائه وإذا أصابهم قحط استسقوا به[3]. وكان هدفه من وراء ذلك هو استكمال نشر الإسلام بين القبائل، وكذا تطهير المنطقة من تأثيرات ونفوذ برغواطة، ومحاربة الشيعة البجلية بتارودانت، وذلك قبل قيام الدولة المرابطية[4]، خاصة وأن له سابق تجربة في قتال برغواطة عندما كان بأغمات في وادي نفيس.[5]

وتقع مدرسة أكلو أو مدرسة سيدي وكاك (زاوية أكلو) على ساحل المحيط الأطلسي الواقع شمال غرب مدينة تزنيت على بعد 13 كلم، جنوب ميناء ماسة التاريخي. أما من الناحية البشرية فتهيمن على المنطقة أربعة مجموعات بشرية وهي: أيت راغوية أو (أيت أكَلو) وأيت إمجّاط وأيت إمي نكتيركَ وأيت سيدي باركة.[6]

مدرسة/رباط أكلو.. أدور دينية وعلمية وجهادية

إن استقرار وكَاكَ بن زلو وتأسيس مدرسته ورباطه في أكلو جعل من هذا الأخير مركز دينيا وعلميا وجهاديا هاما استقطب إليه مريدين وطلبة من جميع الآفاق، وقد كان من بين أشهر هؤلاء التلاميذ عبد الله بن ياسين مؤسس الدولة المرابطية. ومن المؤكد أن هذا الأخير في سعيه لتأسيس الدولة المرابطية قد استلهم أفكار شيخه الإصلاحية من جهة، كما استفاد من حيوية وحركية الرباطات المنتعشة في عصره، وخاصة رباط وكاك بأكلو، الذي لعب مؤسسه دورا كبيرا في انتقال عبد الله بن ياسين من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة عندما استقدمه لفتح سجلماسة، وإزاحة كل الصعوبات أمامه عند زحفه نحو الشمال، ويتجلى اعترافه بأهمية رباط أكلو كمركز روحي وعلمي ما دأب عليه من تخصيص قسط من خمس الغنائم بعد انتصاراته الأولى في الصحراء، لصالح طلبة وفقهاء منطقة جزولة بما فيها رباط أكلو.[7]

كما لعبت مدرسة أو زاوية أكلوا دورا مهما في نشر الدعوة إلى الإسلام ونشر العقيدة الصحيحة بين الناس والتمكين للتقاليد السنية المالكية في منطقة سوس الأقصى، خصوصا وأن المنطقة عرفت تنافسا حادا بين عدة تيارات دينية ومذهبية؛ خاصة الخوارج والشيعة البجليون والبرغواطيون، حيث “ظل الإسلام بسوس بين مد وجزر موزعا بين المذاهب المتصارعة حتى القرن الخامس الهجري، حيث قامت حركة توحيدية بكامل المغرب قبيل ظهور المرابطين، يقودها فقهاء مالكيون تتلمذوا للفقيهين الكبيرين أبي زيد القيرواني وأبي عمران الفاسي، ثم تفرغوا لنشر المذهب ومحاربة المذاهب الأخرى من شيعة وبرغواطيين[8]. ومن العوامل التي أهلت رباط أكلو للقيام بهذا الدور الديني هو أن مؤسسه وجاج بن زلو كان عالما متضلعا في علوم عصره من فقه وعربية وحديث وأصول وغيرها، وهو ما شهد به شيخه أبي عمران الفاسي عندما خاطب يحيى بن إبراهيم الكدالي قائلا: “إنني أعرف ببلاد نفيس من أرض المصامدة فقيها حاذقا تقيا ورعا، لقيني وأخذ عني علما كثيرا وعرفت ذلك منه، وإسمه وكَاكَ بن زلو اللمطي من أهل السوس الأقصى وهو الآن يتعبد ويدرس العلم ويدعو الناس إلى الخير في رباط هنالك، وله تلاميذ جمة يقرءون عليه العلم”[9].  كما كانت زاوية أكلو مقصدا لساكنة المنطقة وغيرها من مناطق سوس لقضاء حوائجهم الدنيوية، كإيواء المظلومين والتدخل بالصلاح بين القبائل المتصارعة. هذا إضافة إلى إيواء الطلبة وتعليمهم، والمساهمة في نشر التعليم بسوس عبر بعث عدد من طلبته إلى مناطق عدة في الجنوب المغرببي لنشر العلم وتعليم الناس وإرشادهم.[10]

خاتمة

لقد أثمرت الجهود التي كرسها وكاك بن زلو اللمطي عندما أسس رباطه ومدرسته بأكلو، سواء على المستوى الروحي أو العلمي أو الجهادي، حيث تمكن تلامذته من بعده من القيام بدور مركزي في التمكين للمذهب المالكي في المنطقة، وهو الأمر كرسه تلميذه عبد الله بن ياسين بقيادة حركة إصلاحية تمكنت من توحيد المغرب سياسيا ومذهبيا، ففتح ذلك مجالا ليعرف المغرب، لأول مرة، تأسيس دولة مركزية، بل وإمبراطورية ممتدة الأطراف، تمكنت مع مرور الأيام من وضع المغرب على طريق كثير من الإنجازات الحضارية التي لم يكن لها أن تتحقق دون وجود كيان سياسي مركزي قوي يوحد كافة مناطق المغرب، وهو ما تحقق في عهد الدولة المرابطية.

المراجع
[1] المنوني محمد، المؤسسات التعليمية الأولى بسوس، مجلة المناهل، عدد 34، 1986، ص 39.
[2]- التوفيق أحمد، في تاريخ المغرب، ط1، 2019، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، ص184.
[3] ابن الزيات التادلي، التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي، تحقيق أحمد التوفيق، منشورات كلية الآداب والعوم الإنسانية بالرباط، 1984، ص 89.
[4] بومزكَو أحمد والحسين جهادي وعبد الله واكريم، معلمة المغرب، ج22، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2005، ص 7609-7610.
[5] ابن الزيات التادلي، التشوف إلى رجال التصوف...، مرجع سابق، هامش رقم 24، ص 89.
[6] ناعيمي مصطفى، معلمة المغرب، ج2، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ودار الأمان، ط2، 2014، ص 626.
[7] بومزكَو أحمد والحسين جهادي وعبد الله واكريم، معلمة المغرب، ج22، مرجع سابق، ص 7610.
[8] السعيدي المهدي بن محمد، المدارس العتيقة وإشعاعها الأدبي والعلمي بالمغرب: المدرسة الإلغية بسوس نموذجا، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 2006، ص 25-27.
[9] ابن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرب بروض القرطاس...، دار المنصور للطباعة والوراقة، 1972، الرباط، ص 123.
[10] السعيدي المهدي بن محمد، المدارس العتيقة وإشعاعها الأدبي والعلمي بالمغرب: المدرسة الإلغية بسوس نموذجا، مرجع سابق، ص 27.