بين يدي التقديم

شكلت قضية القيم حضورا وازنا في مجالات البحث والدراسة ذات الصلة ببناء الإنسان، وتكوين المجتمعات على اختلاف عقائدها وثقافاتها. وقد تصدى علماء وفلاسفة ومثقفون لهذه القضية بالدرس من زوايا نظر متعددة، مع إجماع على راهنيتها وحاجة الإنسان إليها، إذ لا أحد يجادل في كونها موجهة له عقديا وسلوكيا وثقافيا.

وقد شكلت المرجعية فارقا في مجال البحث في القيم، حيث صدر بعضهم عن رؤية إسلامية تمتح من مصدريْه: القرآن والسنة، في حين فضّل آخرون تبني مرجعيات أخرى تبعا لانتمائهم الفكري أو الإيديولوجي أو الثقافي أو الإثني… وتشكل منظومة القيم في الإسلام منهج حياة تنسجم مع الفطرة الإنسانية، وتراعي حاجياته الروحية والبدنية، وتلبي متطلباته بشمولية وحكمة.

وكتاب “منظومة القيم المرجعية في الإسلام” للدكتور محمد الكتاني واحد من أبدع ما كتب في هذا الباب، قارب فيه الكاتب بمنهجية علمية اعتمد فيها المقارنة والتحليل، مع استحضار ما وصل إليه العقل البشري من مناهج وعلوم.

تقديم الكاتب

ولد الأستاذ محمد الكتاني بمدينة فاس سنة 1934، وتلقى تعليمه الابتدائي بمدينة الدار البيضاء، وفيها أتم تعليمه الابتدائي ليعود إلى فاس سنة 1946، وبها سيتلقى تعليمه الثانوي بجامعة القرويين. حصل على اللسانس في الأدب العربي سنة 1963، ثم على شهادة تكميلية في الأدب المقارن سنة 1964، ثم على دبلوم الامتحان الخاص لولوج الدراسات العليا سنة 1966، وعلى دبلوم الدراسات العليا سنة 1970، وحصل على دكتوراه الدولة في الآداب سنة 1980.

شغل مناصب عدة منها:

التدريس في أسلاك التعليم الابتدائي والثانوي أستاذا ثم عمل مفتشا بقطاع التعليم. ثم أستاذا للدراسات العليا بكل من كلية الآداب بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان، وكلية الآداب بفاس، وكلية أصول الدين (جامعة القرويين)، ثم عميدا لكلية الآداب بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان.

كلف بمهمة بالديوان الملكي منذ عام 1997م، وعيّن عضوا بأكاديمية المملكة المغربية، كما حصل على عدد من الأوسمة تقديرا لجهوده العلمية والتربوية. يعتبر محمد الكتاني أحد ألمع مؤلفي الكتب المدرسية طيلة 30 سنة، وعرف بغزارة وتنوّع إنتاجه، من مؤلفاته: محمد إقبال مفكرا إسلاميا – الصراع بين القيم والجديد في الأدب العربي الحديث – جدل العقل والنقل في مناهج الفكر الإسلامي القديم – معجم التفاسير القرآنية (عمل مشترك)- حقوق الإنسان في الإسلام مقارنة مع القانون الدولي العام – شخصية الحسن الثاني في مناقبها وأبعادها – من تساؤلات عصرنا – منظومة القيم المرجعية في الإسلام – مسارات مغربية في الحضارة والثقافة – ثقافة الحوار في الإسلام – مطارحات منهجية حول الأدب والنقد – رهانات الجامعة المغربية – موسوعة المصطلح في التراث العربي الديني والعلمي والأدبي.

تقديم الكتاب

كتاب “منظومة القيم المرجعية في الإسلام” صدر في سفر واحد من 197 صفحة من الحجم المتوسط في طبعتين اثنتين: الأولى سنة 2008 عن المنظمة الإسلامية للثقافة والعلوم، والثانية (مزيدة ومنقحة)عن الرابطة المحمدية للعلماء سنة 2011، قدّم لها الدكتور أحمد العبادي رئيس الرابطة.

والكتاب من مقدمة للمؤلف، واثني عشر فصلا. الفصل 1: ضرورة القيم. الفصل 2: الحق باعتباره قيمة مطلقة. الفصل 3: العلم باعتباره منهجا لمعرفة الحق. الفصل 4: الدين منهجا للهداية الربانية. الفصل 5: الإيمان رديفا للعلم بالحق. الفصل 6: الصدق أساسا لتطابق الظاهر مع الباطن. الفصل 7: من الحرية مفهوما إلى التحرر ممارسة. الفصل 8: المسؤولية أو أمانة الإنسان الكونية. الفصل 9: الشريعة منظومة مقاصدية متكاملة. الفصل 10: العدل قانونا للطبيعة والمجتمع. الفصل 11: الوسطية وقاء من التطرف والصراع. الفصل 12: حقوق الإنسان في الإسلام.

ويمكن اعتبار الفصل الأول مؤسسا لما تلاه من فصول، إذ أكد فيه من خلال أسئلة منهجية على أنه يريد “الانطلاق في هذا الكتاب من إثبات (ضرورة القيم للإنسان) على أساس أن الإنسان لا يمكن أن يكفّ عن التعلق بالمثال ونشدان الكمال في عالم الواقع”[1]. وبناء على هذه الرغبة حدد مجموعة من المنطلقات، وساق عددا من القناعات والتصورات، جميعها تخدم فكرة الحاجة إلى القيم، وأن لا حياة للإنسان بدونها.

وقد حرص الكاتب على امتداد صفحات الكتاب على أن ينتصر للقيم المرجعية في الإسلام، مستعرضا إياها على ضوء الوحيين: القرآن والسنة. ليتوقف بإسهاب عند قيم: الحق والعلم والدين والصدق والحرية والمسؤولية والشريعة والعدل والوسطية وحقوق الإنسان، معتبرا أنها قيم تندرج ضمن منظومة متكاملة مترابطة ومتفاعلة.

والكتاب – كما تحدث عنه دارسون – أطروحة متميزة في مسألة القيم، لفت فيها الكاتب النظر إلى الإسلام باعتباره منظومة متكاملة قدّمت جهازا مفاهيميا للقيم، تَمّ اعتماده في بناء الإنسان ليقوم برسالة الاستخلاف في الأرض. كما يقدم مشروعا فكريا قادرا على جعل القيم نفَسا يسري في ذواتنا ومؤسساتنا. قادرا على تجاوز التحديات المعاصرة التي تعترضنا، وذلك من خلال دراستها والتعاطي معها دونما خوف أو وجل، لأن منظومتنا القيمية بمرجعيتها الإسلامية صلبة قوية، قادرة على الانفتاح بكل ثقة على باقي المنظومات، بل قادرة على التفاعل معها من أجل بناء حضارة إنسانية راشدة.

على سبيل الختم

الكتاب إضافة نوعية في بابه، وإنجاز فريد في مجاله، إنه حقا وصدقا كتاب “يقدم بأسلوب سلس، ومنهج علمي رصين، وأمثلة صادقة، وترابط وشيج بين مختلف المواضيع، يقدم نسق القيم القاعدية في الإسلام، مما يجعل منه مرجعا متيسر التناول، متعدد الفوائد، كافيا في الإجابات عن مقدار صالح من الأسئلة والإشكالات المتعلقة بكونية القيم، ومدى تجذر هذه القيم الكونية في المنظومة الإسلامية”[2].

المراجع
[1] محمد الكتاني، منظومة القيم المرجعية في الإسلام، ص 13.
[2] محمد الكتاني، منظومة القيم المرجعية في الإسلام، تقديم أحمد عبادي: ص 7.