مولده ونسبه

ولد عبد الرحمن اليوسفي يوم 08 مارس عام 1924 بحي الدرادب بضواحي مدينة طنجة القديمة، وقد كانت مدينة طنجة آنذاك خاضعة لنظام دولي. والده هو أحمد اليوسفي والذي ينحدر من قرية دار زهيرو بمنطقة الفحص التي تبعد عن مدينة طنجة ب 25 كلم، وبعد نزوحه إلى طنجة بحثا عن العمل استقر في الأخير بجبل طارق، حيث عمل بإحدى القنصليات الأجنبية هناك، وبعد عودته من جبل طارق عمل بطنجة في إحدى الشركات البنكية الأجنبية، كما اشتغل وكيلا معترفا به لدى السلطات المحلية[1]. أما ووالدته هي فاطمة بن عبد السلام الفحصي، والتي تنحدر من المنطقة ذاتها التي ينحدر منها والده، وتوفيت رحمة الله عليها سنة 1981. وقد كان سابع أشقائه وشقيقاته، مع أخ آخر وأخت أخرى من الزوجة الثانية لأبيه[2].

المسار التعليمي والانتماء لحزب الاستقلال

تابع دراسته في مدرسة مغربية فرنسية في حي مرشان بطنجة التي حصل منها على الشهادة الابتدائية سنة 1936، وفي السنة الموالية التي توفي فيها والده، وبعد تعذر الالتحاق بثانوية مولاي يوسف الشهيرة بالرباط، اضطر التلميذ عبد الرحمن اليوسفي إلى الانتقال إلى مدينة مراكش لمتابعة دراسته الثانوية هناك، وخلال هذه الفترة توفي شقيقيه محمد ومصطفى واختفى إلى الأبد شقيقه عبد السلام نتيجة اختطافه من قبل سلطات الاحتلال الإسباني بعد احتلالها لمدينة طنجة سنة 1943[3]. وفيما بعد التحق عبد الرحمن اليوسفي بالرباط تحضيرا لنيل شهادة الباكالوريا، وخلال هذه الفترة تعرف عن قرب على المهدي بن بركة الذي كان أستاذا للرياضيات بثانوية غورو Lycée Gouraud وفي المدرسة المولوية التي كان يتابع فيه الأمير مولاي الحسن دراسته (الملك الحسن الثاني فيما بعد). وقد كان التلميذ عبد الرحمن اليوسفي ضمن الشباب الذي استضافهم المهدي بن بركة في بيت والدته بالرباط سنة 1943 ليعرفهم على أفكاره وخطط السياسية، وقد تم تتويج مساره مع بن بركة بأداء اليمين على المصحف الكريم، هو ومجموعة من رفاقه في ثانوية مولاي يوسف، في دجنبر 1943 كإعلان على انخراطهم في حزب الإستقلال[4].

بواكير النضال ضد الاستعمار

وبين سنتي 1944 و 1947 استقر  بمدينة الدار البيضاء، وهناك نشط بشكل كبير في صفوف الطبقة العاملة، وأسندت له مهمة الإشراف على أنشطة الخلايا الحزبية التي تتكون من عمال معمل السكر كوزيمار في الحي الصناعي، كما تكلف بتقديم حصص محاربة الأمية لهم وإعطاء دروس لأولادهم كغطاء لعمله التأطيري في صفوف العمال[5]. كما كان مشرفا على منطقة الحي المحمدي لحزب الإستقلال، واهتم بالمجال التعليمي وإنشاء المدارس كمجال من مجالات الصراع ضد الإستعمار، هذا بالإضافة إلى إنشاء العديد من الجمعيات والمنظمات لتأطير الشباب في مجالات متعددة كالمسرح والكشفية والرياضة؛ فقد كان عبد اليوسفي مثلا من المساهمين في تأسيس فريق الإتحاد البيضاوي لكرة القدم بالحي المحمدي (الطاس)، وانتخب أول كاتب عام للعصبة المغربية لكرة القدم والتي نظمت أول دوري لكأس العرش في كرة القدم بتاريخ 18 نونبر 1946[6].

الدراسات العليا في فرنسا

في الفترة التي قضاها اليوسفي في الدار البيضاء تمكن من الحصول على شهادة الباكالوريا وتسجل بكلية الحقوق وتمكن من اجتياز امتحانات السنة الأولى والثانية في الكلية. وبعد إلحاح بعض إخوانه في الحزب توجه لفرنسا من أجل استكمال دراسته في الحقوق. وفي سنة 1951 حصل من باريس على الإجازة في القانون.

وفي بباريس التقى بعبد الرحيم بوعبيد سنة 1949-1950.وعمل إلى جانب باقي المناضلين المغاربة هناك على التعريف بالقضية الوطنية ونضالات الشعب المغربي لدى وفود عدد من الدول والشخصيات والصحفيين. وبسبب نشاطه ذاك ألقي القبض عليه من طرف الشرطة الفرنسية وصدر قرار بنفيه من باريس إلى مدينة بواتيي Poitier. وفي سنة 1950 استقبله الملك محمد الخامس أثناء الزيارة التي قام بها لفرنسا[7].

العودة إلى المغرب والعمل في المحاماة

بعد عودته إلى المغرب قرر عبد الرحمن اليوسفي الإستقرار في طنجة رغم إلحاح بعض إخوانه في حزب الإستقلال على التحاقه بالدار البيضاء. وفي دجنبر من سنة 1952 تسجل رسميا في نقابة المحامين بطنجة، وانضم كمحامي متدرب إلى مكتب الأستاذ ليموسين Limousin. وهناك مارس المحاماة إلى سنة 1960.

وفي سنة 1959 أصبح نقيبا لهيئة المحامين بطنجة، وهي نفس السنة التي تعرض فيها للإعتقال لأول مرة بعد الإستقلال. كما تميزت هذه الفترة من استقراره بطنجة بنشاطه المكثف في عمل المقاومة المغربية خاصة في مجال التسليح. وقد صدر أمر باعتقاله ابتداء من 25 يوليوز 1955، لكنه تمكن من الإفلات من الاعتقال واللجوء إلى العاصمة الإسبانية مدريد، وهناك أدار “دار المغرب”، كما سمح له ذلك بربط العلاقات بين حركات التحرير في المشرق والمغرب[8].

وفي سنة 1954، وبعد الكشف عليه من طرف أحد الأصدقاء الجزائريين وهو الدكتور إسعاد، اكتشف وجود ثقبين كبيرين في رئته اليمنى، فقرر السفر إلى تطوان ومنها إلى مدينة مدريد الإسبانية، وهناك أجرى عمليتين جراحيتين استأصل على إثرهما الطبيب رئته اليمنى، وقد كان هذا السفر إلى مدريد من أجل العلاج سببا للحيلولة دون اعتقاله على إثر أمر الاعتقال الذي أصدرته فرنسا في حقه 1955[9].

عبد الرحمان اليوسفي وتأسيس الإتحاد الوطني للقوات الشعبية

شارك إلى جانب المهدي بن بركة ومحمد البصري وعبد الله الصنهاجي والمحجوب بن الصديق وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم في تأسيس الحزب اليساري الإتحاد الوطني للقوات الشعبية يوم 6 شتنبر 1959 بعد الانفصال عن حزب الإستقال ابتداء من يناير 1959، وقد ترأس عبد الرحمن اليوسفي المؤتمر التأسيسي للحزب، والذي تم عقده بسينما الكواكب بالدار البيضاء.

وقد تحول إلى جانب المهدي بن بركة إلى أكبر المعارضين للنظام، خصوصا بعد ترأسه لهيئة تحرير جريدة “التحرير”، فبدأت مرحلة جديدة من حياته السياسية. وفي سنة 1959 تعرض للتوقيف والإعتقال بسجن لعلو بالرباط باعتباره رئيسا لتحرير جريدة “التحرير”، إلى جانب الفقيه محمد البصري المدير المسؤول عن نفس الجريدة، وذلك بسبب مصادرة عدد من الجريدة يوم 14 دجنبر 1959 ومنعها من التوزيع، والذي تضمن مطلب الحزب بمسؤولية الحكومة أمام الشعب وليس أمام الملك. وقد اتهم بالإساءة للملك والتحريض على الجريمة ضد الأمن الداخلي للدولة والعمل على زعزعة النظام العام، وبسبب وضعه الصحي تم إطلاق سراحه بعد 15 يوما من الاعتقال. يشار إلى أن افتتاحية هذا العدد من “التحرير” جملة تقول:”إذا كانت الحكومة مسؤولة أمام جلالة الملك، فإنها أيضا مسؤولة أمام الرأي العام”[10].

وعندما اعترضت المقاتلات الفرنسية يوم 22 أكتوبر 1956 في عرض السواحل الجزائرية طائرة تابعة للشركة المغربية “أطلس للطيران”، وأرغمتها على النزول بمطار الجزائر العاصمة، وكان على متنها خمسة زعماء من قادة الثورة الجزائرية هم: أحمد بن بلة، محمد خيضر، محمد بوضياف ومحمد الأشرف، لعب عبد الرحمن اليوسفي دورا هاما ،كمحامي منتدب من طرف الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية للدفاع عنهم، في ربط التواصل بينهم وبين باقي إخوانهم في الثورة الجزائرية[11].

وبعد المشاركة القوية في التعبئة ضد أول دستور للملكة سنة 1962، ساهم عبد الرحمن اليوسفي في تأسيس النقابة الوطنية للصحافة في يناير من سنة 1963، حيث قام بتحرير وثيقتها الأساسية. كما شارك في الانتخابات التشريعية التي نظمت سنة 1963، لكنه لم ينل مقعده البرلماني عن مدينة طنجة بسبب التزوير، وهي الانتخابات التي تصدرتها “جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” (الفديك FDIC) التي أسسها وزير الداخلية آنذاك أحمد رضا كديرة[12].

معاناة النضال في ظل الاستقلال

في يوليوز سنة 1963 اعتقل إلى جانب جميع أعضاء اللجنة الإدارية لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية وأدين بسنتين سجنا مع وقف التنفيذ بتهمة التآمر على النظام بعد محاكمة استمرت أربعة أشهر، وقد جاء هذا الاعتقال خلال انعقاد اللجنة المركزية للحزب للبث في القرار النهائي بشأن المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات البلدية والقروية لتلك السنة.

وبعد اختطاف القيادي الاتحادي المهدي بن بركة يوم 29 أكتوبر 1965، غادر إلى باريس سنة 1965 للمشاركة في التنسيق بين أطراف الدفاع المدني في محاكمة مختطفي المهدي بن بركة، ووقوفا عند نصيحة قيادة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية قرر عدم العودة إلى المغرب واختار البقاء في فرنسا لمدة 15 سنة منفيا[13]. وخلال تلك الفترة توبع غيابيا بتهمة التآمر خلال محاكمات مراكش الكبيرة، والتي جرت بين 1969 و1975، وخلالها طالبت النيابة العامة بالحكم عليه بالإعدام. وخلال نفس الفترة انضم إلى عدد من منظمات حقوق الإنسان، وخاصة الإتحاد العربي للمحامين، الذي تحمل فيه نائب الكاتب العام من سنة 1969 إلى سنة 1990، والمنطمة العربية لحقوق الإنسان، والمعهد العربي لحقوق الإنسان، والمنظمة الدولية ضد التعذيب. كما كان يتولى الدفاع عن المناضلين الفلسطينيين أمام المحاكم الأوربية، وذلك بتكليف من منظمة التحرير الفلسطينية أو بعض التنظيمات الفلسطينية الأخرى. كما كان عضوا في المحكمة الدولية ضد الجرائم التي ترتكب في الفيتنام (محكمة راسل) خلال الستينيات من القرن الماضي[14].

وفي سنة 1975 وبعد تغيير اسم الحزب إلى الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في مؤتمر استثنائي، اختير عبد الرحمن اليوسفي كمندوب دائم في الخارج، وأصبح عضوا في المكتب السياسي للحزب في مؤتمره الثالث سنة 1978. بعد نيله العفو عاد إلى المغرب في غشت 1980. وفي سنة 1992 أصبح كاتبا أول لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد يوم 8 يناير 1992.

قيادة سفينة حكومة التناوب التوافقي

وبعد سنتين من المنفى الاختياري في مدينة كان الفرنسية بين سنتي 1993 وسنة 1995، والذي جاء كاحتجاج على تزوير الانتخابات التشريعية لسنة 1993، عاد عبد الرحمن اليوسفي للمغرب بعد ضغط من رفاقه في الحزب، وفي أفق فتح صفحة جديدة من الإصلاحات الديمقراطية في البلد، وبعد قرار العفو العام الذي أصدره الملك الحسن الثاني سنة 1994 وإطلاق المعتقلين السياسيين وحل مشاكل الجوازات بالنسبة للمنفيين واللاجئين بالخارج، فاستأنف مهمته ككاتب أول للحزب.

بعد الانتخابات التشريعية لسنة 1997، التي أعطت المرتبة الأولى لحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عين عبد الرحمن اليوسفي يوم 4 فبراير 1998 وزيرا أول على رأس الحكومة الرابعة والعشرين والتي سميت بحكومة التناوب التوافقي، وذلك من طرف العاهل المغربي الملك الحسن الثاني، وتم تنصيبها يوم 14 مارس 1998. وقد استمر في مسؤولياته إلى غاية إجراء انتخابات 27 شتنبر 2002، والتي أعطت مرة أخرى المرتبة الأولى لحزبه الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لكن الملك محمد السادس عين بعده السيد إدريس جطو وزيرا أول، وهو التعيين الذي وصفه الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية آنذاك بالخروج عن “المنهجية الديمقراطية “. وفي 27 أكتوبر سنة 2003 قدم عبد الرحمان اليوسفي استقالته من عضوية حزب الإتحاد الإشتراكي ومن كل المهام ذات العلاقة بما فيها الكتابة الأولى للحزب، وقرر اعتزال العمل السياسي[15].

وكان عبد الرحمن متزوجا من السيدة هيلين HELENEK، والتي تعرف عليها بالصدفة بمدينة الدار البيضاء سنة 1947، وهي بنت عائلة من أصل يوناني معروفة تحمل إسم كيسيسوكلو KESSISSOGLOU ، وقد ولدت بمدينة ليون الفرنسية، واستقرت عائلتها بمدينة الدار البيضاء سنة 1947 وكان والدها يعمل خياطا. وبعد خطبة طويلة جدا تزوجا أخيرا سنة 1968 بعد أن غادرت عائلة هيلين المغرب والاستقرار في كان الفرنسية [16].

وفي يوم 29 مايو 2020 وعن عمر 96 سنة توفي السيد عبد الرحمن اليوسفي، رحمة الله عليه، في إحدى مصحات مدينة الدار البيضاء، بعد إصابته بوعكة صحية، ووري الثرى بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء بجوار رفيقه في النضال السيد عبد الله إبراهيم.

المراجع
[1] اليوسفي عبد الرحمن، أحاديث في ما جرى شذرات من سيرتي كما رويتها لبودرقة 1، إعداد امبارك بودرقة (عباس)، دار النشر المغربية، ط 1، 2018، ص 25.
[2] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 28.
[3] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 29-30.
[4] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 41-42.
[5] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 48.
[6] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 56.
[7] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 61.
[8]- Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, faculté des lettres et des sciences humaines Rabat, 2015, p 330.
[9] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 66.
[10] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 81.
[11] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 85.
[12] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 90-91.
[13] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 123.
[14] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 124.
[15] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 213.
[16] اليوسفي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 126-127.