المولد والنشأة[1]

الفقيه النحوي الشاعر الأديب الداعية المربي الحسين بن العربي بن محمد بن عبد الرحمان  مرداس، “العيساوي” نسبة إلى قبيلة “أولاد عيسى” بإقليم شيشاوة، “السباعي” نسبة إلى قبيلة الشرفاء أولاد “بن سباع” الشهيرة. ولد سنة 1933م بدوار أولاد عيسى، مشيخة الهلالات جماعة السعيدات بوجمادة إقليم شيشاوة. ترعرع بقريته في ظروف قاسية جدا طابعها اليتم والفاقة والحرمان، فلم يكن له سبيل للخروج من هذا الوضع إلا بالإقبال على القرآن الكريم الذي شرع في حفظه متأخرا وقد ناهز الثالثة عشرة من عمره. مقتديا بأخيه غير الشقيق الذي كان يعيش حياة كريمة “مشارطا” في ابن أحمد.

تنقل مترجمنا بين عدد من القرى والدواوير طيلة ثلاث سنوات إلى أن أنهى تطوافه بسيدي الزوين ضواحي مراكش حيث أنهى حفظ القرآن الكريم وهو ابن ست عشرة سنة.

مرحلة “الشرط”

عاد مترجمنا إلى قريته “مشارطا” إماما ومدررا، فاستشعر قيمة العلم والدراسة بعد أن عاين عن قرب مدى احترام ساكنة الدوار لحملة القرآن الكريم، فغادر الدوار بعد سبعة أشهر تقريبا نحو ابن أحمد، فشارط فيها مدة ستة أشهر، ثم التحق بالدار البيضاء سنة 1950م، فاشتغل أولا بالتجارة مع “السي بيه” أحد إخوته لأبيه، ثم شارط في مسجد صغير، وخلال هذه المرحلة تعرف على بعض رجالات الحركة الوطنية، فانتمى إلى حزب الاستقلال سنة 1952م، ثم شده الحنين إلى أهله فعاد إلى مسقط رأسه سنة 1953م، لكن نفسه كانت تواقة طيلة هذه الفترة نحو المعالي، فقد تولدت لديه رغبة كبيرة في طلب العلم، فوقع الاختيار على مدينة فاس وفي قلبه حب جامح لجامع القرويين.

وارتحل الفقيه مرداس إلى فاس سنة 1953م، وانتظم في سلك الدراسة بالقرويين مدة ثلاث سنوات أبان خلالها عن رغبة كبيرة في التحصيل، فاستفاد علوما وفنونا عديدة إلى أن تخرج منها سنة 1956م.

العودة إلى الدار البيضاء

عاد مترجمنا إلى الدار البيضاء فانخرط في سلك التعليم، وكانت البداية في مدرسة النصر الحرة، التي اشتغل فيها أستاذا لمادة اللغة العربية سنة 1956م، وفي نهاية هذا الموسم، اجتاز مباراة التعليم العمومي، فحالفه الحظ لينخرط في مسار التربية والتعليم سنة 1957م بنفَس جديد وروح تواقة إلى العطاء، فتم تعيينه بمدرسة “ألبير دوري”، مدرسة “الحطيئة” حاليا بدرب غلف، التي قضى فيها 14 سنة، ثم انتقل سنة 1971م إلى مدرسة “المنظر العام” التي اشتغل بها إلى حدود إحالته على التقاعد سنة 1993م.

الجهود العلمية والدعوية

كانت البداية الدعوية سنة 1966م، حيث تعرف على نشطاء من “جماعة الدعوة والتبليغ” بمسجد عين الشق- الدار البيضاء، فأعجب بسمتهم ومنهجهم وقرر المشاركة معهم في رحلة دعوية سنة 1969م، زار خلالها عددا من البلدان الأوربية والآسيوية، ثم أقام مدة في مركز الجماعة بمدينة “ديوبند” بالهند، وقد استغرقت هذه الرحلة عاما وبضعة أشهر. وبعد عودته إلى الدار البيضاء واصل نشاطه الدعوي في صفوف هذه الجماعة إلى حدود 1975م حيث سيقطع صلته بها.

مارس مترجمنا الخطابة والوعظ والإرشاد والتدريس طيلة أربعين سنة، وكانت دروسه مشهودة في عدد من مساجد الدار البيضاء منها المسجد الكبير بعين الشق، ومسجد الهدى ومسجد الياقوت، وكانت معظم دروسه في تفسير القرآن الكريم والسيرة النبوية والفقه، كما درّس بعض علوم الآلة في مدرسة الفلاح منذ سنة 1972م وكان له اهتمام خاص بالدرس النحوي، حيث درّس لسنوات عديدة: الألفية والأجرومية ولامية الأفعال وغيرها.

الحسين مرداس شاعرا

اهتم مترجمنا بقرض الشعر في سن متأخرة بعد رؤيا رآها، يرويها مترجمنا قائلا: “إن أحد شيوخ بلاد رْسْموكة بسوس وضع فوق رأسه قصعة كبيرة مملوءة بالحليب مخلوطا بـ “بلبولة الشعير” وكان الناس يغرفون منها، فاستيقظت وأنا أتساءل عن  تأويل هذه الرؤيا؟ وبعد أيام ألهمت كتابة الشعر، فشرعت في نظمه بدءا بالأناشيد المدرسية والقصائد الوطنية والرحلات السوسية… كما نظمت في أغراض المدح والتعزية والتأبين لبعض الإخوة والشيوخ الأعزاء رحمهم الله”.

وقد شارك مترجمنا في عدد من المناسبات الوطنية والدينية فاعتلى منصات ومنابر مختلفة في الدار البيضاء وحوز مراكش وسوس وغيرها. وفي خزانته اليوم ديوان ضخم ينتظر من يعتني به ويعده للطبع.

الآثار العلمية

ألّف مترجمنا كتباً في مواضيع مختلفة، لكن الدرس النحوي استأثر باهتمامه، ومن كتبه المنشورة:

  • معاني حروف الجر للبلغيثي، إعداد وتقديم. دار الهدى للنشر والتوزيع/  الدار البيضاء ـ المغرب. ط1/ 2002.
  • القبس الصرفي، أو حل الإشكال من لامية الأفعال لابن مالك. دار الكلم الطيب/ دمشق ـ بيروت ط1/ 2004
  • القبس النحوي في شرح نظم الزواوي للشيخ أبي الفداء زيّان بن فائد الزواوي. دار الكلم الطيب/ دمشق ـ بيروت ط1/ 2004.

كما حرّر أعمالا أخرى مازالت تنتظر من يعتني بها وينشرها.

وفاته

توفي -رحمه الله- يوم 28 نونبر 2018 ودفن بمقبرة الغفران –الدار البيضاء بعد الصلاة عليه بمسجد عين الشق، وحضر جنازته عدد من العلماء والدعاة وتلامذة ومحبي الشيخ، وقد أبّنه على شفير القبر السادة: النعناع والفقيه عبد العزيز الغراوي والفقيه الراوي وابنه الداعية عبد الصمد.

المراجع
[1] أنظر كتابنا: الإدريسي مولاي أحمد صبير. (2020). مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء. دار الرشاد الحديثة. الدارالبيضاء. صص: 70-73.