في معاني وأصول كلمة الأمازيغ

أمازيغ مفرد كلمة إيمازيغن، يطلق هذا الاسم للدلالة على العديد من المجموعات البشرية التي سكنت منطقة شمال إفريقيا والصحراء الكبرى منذ عصور قديمة، وهذه المنطقة تشمل بالتقسيمات السياسية الحالية دول: المغرب الكبير، ومصر ومالي والنيجر وبوركينافاسو والتشاد وغرب السودان.

أما مؤنث كلمة أمازيغ فهي تامازيغت، التي تعني اللغة الأمازيغية –وتعني أيضا في المغرب تعبير من التعبيرات المحلية للامازيغية– أو المرأة الأمازيغية. أما لغويا فرغم الإختلافات الملاحظة بين اللغويين والباحثين بشأن كلمة أمازيغ، فإن هذه الإسم يحمل معنى النبل والشهامة والإباء، سواء في المغرب أو عند التوارك في الصحراء الكبرى. وعلى هذا الأساس فأمازيغ تعني لدى إيمازيغن (السكان الأمازيغ) الرجال الأحرار النبلاء[1].  أما عند قبائل التوارك (الطوارق) المنتشرة في قلب الصحراء الكبرى، فيسكن الزاي في كلمة “أمازيغ” ويقلب إما هاء عند التوارك الجزائيين فتنطق اللفظة “أماهغ”، أو يقلب شينا عند التوارك الماليين فتنطق اللفظة “أماشغ”، او تقلب جيما عند التوارك النيجريين فينطقونها “أماجغ”.

أما من الناحية اللغوية، فكلمة أمازيغ إسم فاعل، وقد اشتقت كلمة أمازيغ من الفعل “يوزغ” (ينطق عند التوارك “يوهغ”) والذي يعني غزا وأغار. وعلى العموم فكلة “أمازيغ” تحمل في معناها معاني النبل والشهامة عند جميع المجموعات الأمازيغية[2].

وبهذا الإسم عرف سكان شمال إفريقيا (إيمازيغن) منذ العصور القديمة، من طرف جيرانهم المصريون القدماء، وكذا المؤرخون الكلاسيكيون مع بعض التحريفات التي تلحق بالكلمة لأسباب لغوية محضة. فقد أطلق عليهم هيكاتي الميلي Hécaté de Millet كلمة المازييس Mazyes. أما هيرودوت فقد سماهم بلفظ الماكسييس Maxyes. ويرد عند بعض الكتاب الآخرين بألفاظ مماثلة مع اختلاف في الرسم: كالمازاس أو المازاك، المازيس Mazices، المازيك Mazikes، والمازاكس Mazax، والماواواس…[3].  كما أطلق عليهم المؤرخون القدماء تسمية الليبيين، والأفارقة، ويصنفوهم إلى ليبيين ونوميديين وموريين، انطلاقا من الشرق وانتهاء بالمغرب الحالي[4].

لماذا سمي الأمازيغ بالبربر؟

تعود كلمة “البربر” إلى الأصل اليوناني وهي كلمة البربري Babari، والتي تعني الناطق بغير اللغة اليونانية. فقد كان اليونان يطلقون هذه الكلمة على غيرهم من الشعوب، بدءا باللاتينيين. فكما يطلق العرب على غيرهم العجم، فالأمازيغ يطلقون على غير الأمازيغ “إِكَْناوْنْ”، وهي التسمية التي لزمت شعوب إفريقيا الغربية، وأصل الكلمة هو “أَكَْناوْ” التي تجمع على إكناون، ومعناها الأعجم والأبكم والأخرس. وقد اخد الرومان عن اليونان كلمة البربري، وكانوا يطلقونه على الشعوب خارج المجال الحضاري اليوناني اللاتيني. لذلك فقد كان الأمازيغ من بين الشعوب التي تنعت بهذا النعت، لاسيما أنهم قاوموا روما مقاومة شديدة حربيا وثقافيا، خصوصا أن جل قبائلهم ظلت خارج المناطق الشمالية الخاضعة للنفوذ الروماني والبيزنطي. وبعد الفتح الاسلامي للمنطقة شمال افريقيا أخد العرب عن الرومان كلمة بربري وجعلوها “بربر”. ولقد ظل الأوروبيون يسمون أفريقيا الشمالية بارباريا Barbaria, Barbarie, أو الدول الباربارية إلى أوائل القرن التاسع عشر. وبعد الإحتكاك بأهالي المغرب والجزائر الناطقين بالعربية العامية، سمعوا منهم اسم البرابر، فنقولها إلى لغاتهم في شكل Berbers أو Berbères  [5]. وعموما فقد تجاهل الأمازيغ اسم البربر في لغتهم طوال العصور واحتفظوا باسمهم الأصلي إِمَازِيغْنْ.

أصول الأمازيغ بين الأسطورة والعلم

لقد دون الكثير بشأن أصل الأمازيغ، لكن هذا الموضوع تتنازعه بصفة عامة نظرتين أساسيتين، تصدر الأولى عن المؤرخين العرب في العصر الوسيط، الذين كادوا يجزمون أن “البربر” من أصل يمني، أي من العرب العاربة الذين لم يسبق لهم أن كانوا عجما. وعلى نفس المنوال سار المنظرون للإستعمار الفرنسي الإستيطاني في القرن 19م وبداية القرن 20م، حيث صاروا يكلفون أنفسهم للبحث عن دلائل لإثبات أن الأمازيغ أوربيو الأصل، خاصة الشقر والبيض منهم. ويبقى المشترك بين هاتين النظرتين هو صدورها عن حافز سياسي، سواء كان عن حسن نية أم كان إرادة تبرير الإستيطان. وعلى العموم، ورغم تعدد الإفتراضات التي ظلت لصيقة بموضوع أصل سكان شمال افريقيا الأمازيغ، فإن الدراسات الأركيولوجية والانثروبولوجية واللسنية الحديثة تؤكد أن سكان افريقيا الشمالية والمغرب الحالي في جملتهم لهم صلة وثيقة بالإنسان الذي استقر بهذه المنطقة منذ ما قبل التاريخ، أي منذ ما قدر ب 9000 سنة. لذلك فمن العبث علميا البحث للأمازيغ عن مواطن أصلية غير التي نشأوا فيها منذ ما يقرب مئة قرن[6].

التوطين الجغرافي للسكان الأمازيغ

ينتشر السكان الأمازيغ في مناطق واسعة من منطقة شمال إفريقيا والصحراء الكبرى. فد تحدثت المصادر التاريخية القديمة على مناطق انتشار هذه المجوعات البشرية القديمة، كما هو الشأن بالنسبة دوزانج Desanges  و كامبس Camps، فحددت تلك المناطق في كل بلاد شمال إفريقيا من أرض موريطانيا غربا إلى ليبيا شرقا، مرورا بنوميديا وأفريكا (تونس الحالية تقريبا). ومع مرور الزمن ازداد مدى انتشار الأمازيغ. الأمر الذي جعل بعض الكتاب يطلقون هذا المصطلح على كل السكان الأصليين في شمال إفريقيا، يشمل حتى المناطق التي لا نجد فيها الأمازيغية اليوم، وخاصة المناطق التي عربت نتيجة استقرار بعض القبائل العربية بها كوسط الجزائر وسهل الغرب بالمغرب[7].

ما الذي يميز الأمازيغ عن بقية الشعوب الأخرى؟

إن من الصفات التي حاولت كثير من الكتابات الأوربية خاصة إلصاقها بالأمازيغ، واعتبارها جزءا من طبيعتهم، هو الميل الدائم إلى الفوضى، وبالتالي التخلص من قبضة كل سلطة تريد تنظيم أمورهم. فينتج عن ذلك تتابع الثورات والفتن واللاستقرار الدائم في مناطقهم، مما يعرضهم دائما للغزو من الخارج. وتعود هذه النظرة، إلى أن نمط العيش السائد في منطقة شمال إفريقيا هو النمط الإنتجاعي القريب من البداوة منه إلى التمدن والتحضر الذي فرضته الظروف الجغرافية والمناخية للمنطقة، والذي أدى بدوره إلى استمرارية النظام القبلي في جل مناطق إفريقيا الشمالية، لأن النظام القبلي هو الأنسب لحياة الترحال الجماعي. وكنتيجة، فقد ترتب عن النظام القبلي الخصوصيات الإجتماعية والنفسية للأفراد والجماعات. من تلك الخصوصيات مثلا الميل إلى التقشف ورفض حياة البذخ والتنعم، وكذا الحرص على إقرار مبدأ المساواة بين أفراد العشيرة، وبين العشائر، وعلى إقامة أعراف يتعارف عليها في التعايش والتساكن والتعامل في سياق الإنتجاع والترحال المستمر، ثم على مراعاة العصبيات التي هي ضمان القدرة على الدفاع عن المصالح المشتركة، ومن هذا كله يحصل توازن إجتماعي نسبي وغير قار يكون في أغلب الحالات هو الحائل دون قيام نظام سياسي مركزي قوي وممتد في الزمان، الأمر الذي كان سيسمح بإنشاء حضارة مادية رفيعة متميزة. ومن هذا المنطق يفسر الإهتمام الذي تتمتع به أسس الديمقراطيات الأمازيغية المحلية القائمة على مبدأ المساواة، والبحث في سر قدرة الأمازيغ على مواجهة القوى الأجنبية بعدم الاستسلام لها حتى عند توالي انتصاراتها الحربية أو السياسية[8].

ومن الخوصيات التي ميزت الأمازيغ، هو الجنوح إلى التمسك بالراديكالية في الإختيار والسلوك والنظر، ومنها نتج تبني الدوناتية المسيحية في العصر القديم، ثم مذهب الخوارج في العصر الوسيط، والإنفراد بالمالكية؛ وبها يمكن أيضا تفسير صرامة المهدي ابن تومرت وصرامة تلامذته من الموحدين الأولين، ويمكن تفسير ميل أفراد إلى الصلاحية والنسك المفرطين وميل آخرين إلى الشعوذة والنصب والسطو والشغب[9].

المراجع
[1] أعشي مصطفى، المصطلحات الأمازيغية في تاريخ المغرب وحضارته، الجزء 2، إشراف محمد حمام، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2006، ص 41.
[2] شفيق محمد، ثلاثة وثلاثين قرن من تاريخ الأمازيغيين، ص 8.
[3] أعشي مصطفى، مرجع سابق، ص 42.
[4] شفيق محمد، مرجع سابق، ص 10.
[5] شفيق محمد، مرجع سابق، ص 16-17.
[6] معلمة المغرب، محمد شفيق، مادة إمازيغن، الجزء الثالث، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر 1989، ص 676.
[7] أعشي مصطفى، مرجع سابق، ص 42-43.
[8] معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 677.
[9] معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 679.