مقدمة

ابن آجروم، أو أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي، نابغة لغوي، ونحوي مغربي، وعالم قراءات متميز، يمكن وصفه بفريد زمانه في مجال النحو العربي، وهو صاحب أهم الأعمال اللغوية التي خلدت إسمه عبر الزمان وخلدت معه إسم المغرب ونبوغ أبناءه في مجال اللغة العربية ونحوها، وخاصة منهم الأمازيغ، وهي: “المقدمة الأجرومية في مبادئ علم العربية” المشهورة ب”الآجرومية” أو “المقدمة الأجرومية“، والتي قيل أنه ألفها تجاه الكعبة في مكة المكرمة. وقد جعلت هذا المتن شهرة ابن آجروم تخترق الآفاق، حيث تحولت عبر القرون إلى أهم كتاب ينصح به في مجال دراسة اللغة العربية ونحوها، إلى جانب ألفية ابن مالك، وذلك بالنظر إلى صغر حجمه ودقة منهجه وفي نفس الوقت بساطته، لذا فقد أصبحت الأجرومية العدة الأساسية، سواء في المشرق أو المغرب، إلى يوم الناس هذا لتعليم اللغة العربية ونحوها سواء للكبار أو الأطفال. “فقد عبر زمن طويل على العالم العربي لا يبتدئ أحد فيه دراسة علم النحو إلا ويجعل المقدمة الأجرومية أول ما يدرس وفاتحة ما يتلقى من هذه الدراسة”، كما قال صاحب “النبوغ المغربي” العلامة عبد الله كنون.[1] ونظرا لأهميتها للمقبل على تعلم اللغة العربية ونحوها فقد نالت حظا وفيرا من الدراسة والشرح، بل والترجمة إلى عدد من اللغات العالمية. وقد طبع الكتاب أول مرة في روما سنة 1592م، وطبع مترجما إلى اللغة اللاتينية سنة 1610م[2]، وغيرها من اللغات الأخرى

نسبه ونشأته

ابن آجرّوم، هو: أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي، المعروف بآجروم أو أكَروم (أكُرام)، وهي كلمة أمازيغية تعني في اللغة الأمازيغية المرابط أو المتصوف، ويقال أن أول من أُطلق عليه لقب آجروم هو جده داود. تعود أصوله –كما هو ظاهر في اسمه – إلى قبيلة صنهاجة، أما أسرته فتعود جذورها إلى من منطقة صفرو في سفوح الأطلس المتوسط المغربي، لكن مولده كان بمدينة فاس بعدوة الأندلس سنة 672ه/1273م، وهي نفس السنة التي توفي فيها ابن مالك الإمام النحوي المشهور وصاحب “ألفية ابن مالك”، لذلك قيل: توفي نحوي وولد نحوي.[3]

نشأ ابن آجرّوم في مدينة فاس، لكن لا تتوفر معلومات مهمة حول دراسته وأساتذته، ما عدا ما ذكر عن تتلمذه علي يد أبي حيان التوحيدي النحوي صاحب التفسير الكبير المعروف بالبحر المحيط. ورغم شح المعطيات حول مساره العلمي، إلا أنه له تكوين متين في علم القراءات والنحو اللذين نبغ فيهما واشتهر بهما. كما له تكوين في علم الفرائض والحساب والأدب. وقد رحل إلى المشرق العربي حاجا، وفي مصر لقي أبا حيان التوحيدي وروى عنه.[4] كما ذكر هو نفسه أخذه عن الشيخين: أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحق القصاب (توفي 690ه)ن وأبو القاسم محمد بن أبي العافية المكناسي.[5]

نبوغه في مجال النحو

ولما عاد إلى المغرب من رحلته من المشرق، درس في جامع القرويين وبجامع الأندلس في فاس، فدرس العلوم القرآنية، وعلوم اللغة العربية.[6] وبفضل نبوغه في مجال النحو والقراءات وشهرة مؤلفه، أصبح ابن آجروم قبلة لكل من تاقت نفسه إلى التحصيل العلمي خاصة في ميدان اللغة، وهو الذي قال عنه صاحب “نثير الجمان” إسماعيل ابن الأحمر الأندلسي الغرناطي: “أبو عبد الله محمد كان فقيها متفننا، أستاذا، نحويا، لغويا، مقرئا شاعران بصيرا بالقراءات. ولم يكن في أهل فاس في وقته أعرف منه بالنحو”[7]. وقد تتلمذ وخرج على يديه كثيرون منهم: الأستاذ المقرئ النحوي محمد بن علي الغساني الغرناطي، وكذلك ابنه أبو المكارم محمد ابن آجروم المعروف بمنديل، والذي كان أديبا وشاعرا، والشيخ أبي العباس أحمد الجزنائي، والأستاذ الفقيه والنحوي عبد الله بن عمر الوانغيلي الضرير، والقاضي أبي عبد الله محمد الحضرمي، والفقيه الأستاذ المقرئ أبي العباس أحمد بن محمد بن حزب الله الخزرجي، كما أخذ عنه ولده الآخر عبد الله ابن آجروم، وأبو عبد الله الخراز.[8]

وفاته وآثاره

توفي -رحمة الله عليه- يوم الأحد 20 صفر من سنة 723ه/1323م، ودفن بباب الجيزيين (باب الحمراء) بمدينة فاس، وقد خلف عددا من المؤلفات:

  • “فرائد المعاني في شرح حرز الأماني ووجه التهاني”، والمعروفة بشرح الشاطبية.
  • المقدمة الأجرومية في مبادئ علم العربية“، وهي إيجاز لكتاب الجّمَل في النحو لابن اسحاق الزجاّجي.
  • نظم “التبصير في نظم التيسير”.
  • أرجوز “البارع في أصل مقرإ الإمام نافع”.
  • نظم “الإستدراك على هداية المرتاب”.
  • نظم “ألفات الوصل”.
  • “روض المنافع”.

المراجع
[1] كنون عبد الله، ذكريات مشاهير المغرب في العلم والأدب والسياسة، مركز التراث الثقافي المغربي ودار ابن حزم، ط1، 2010، ص 425.
[2] العمراني عبد الله، معلمة المغرب، ج1، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 1989، ص143.
[3] كنون عبد الله، ذكريات مشاهير المغرب في العلم والأدب والسياسة، مرجع سابق، ص 423.
[4] كنون عبد الله، ذكريات مشاهير المغرب في العلم والأدب والسياسة، مرجع سابق، ص 423.
[5] عزوزي حسن، فوائد المعاني في شرح حرز الأماني لابن آجروم، مجلة "دعوة الحق، عدد 319، مايو –يونيو، 1966.
[6] العمراني عبد الله، معلمة المغرب، ج1، مرجع سابق، ص 143.
[7] بن الأحمر إسماعيل الغرناطي، أعلام المغرب والأندلس، تحقيق محمد رضوان الداية، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1976، ص 418.
[8] كنون عبد الله، ذكريات مشاهير المغرب في العلم والأدب والسياسة، مرجع سابق، ص 424-425.