اختلاف في أصل التسمية وجمالٌ لا يُتخَلَف بشأنه

تطوان؛ مدينة مغربية الأصل والموقِع، عالمية التشكُّل والتطوّر، إنسانية الامتداد في الزمن الماضي والحاضر، ومتوجِّهة نحو المُستَقبل. اختُلِفَ في تسميتها والنّطق بها، ومن ثمَّ فيُنطَق اسم المدينة بعدة ألفاظ: (تطوان، تـطّاون، تطاوين، تيطاوين، تيطوان..)، ويُذكَر أنَّ ثمة مدينة في الجنوب التونسي وهي بوابة الصحراء تحمل اسم (تطاوين). ، يبرز فيها ذلكم التلاقح الثقافي والحضاري[1] الذي راكَمَتْهُ مِن زمنِ بعيد، وتتجلَّى في معمارها وعمرانها مظاهِر وأمارات المشْتَرَك الإنساني، إذ يُطالعك عُمرانها بحضور الإرث الأندلسي والإضافات التركية واللّمسة اليهودية والخُصوصية المغربية الفريدة، مما يدلُّ على تجدُّر التَّواصل الحضاري فيها وقُدرتها الكبيرة على استيعاب كل التّشكيلات الأخرى وانفتاحها على مُختلف الأطياف والتّعبيرات المُجتمعية[2] والثقافية والسياسية التي قبِلت بها في حدود احترام الهوية العامة للمدينة وخصوصية سكّانها وطِباعِهم.

أُخت غرناطة وبِنتُ الأندلس

يَرى الزائر للمدينة التأثير الأندلسي في الميدانين العُمراني والمِعماري، ويَلْمَحُ تأثيرات الهجرات الأندلسية إلى المغرب، وبالأخص أدوار الأندلسيين في بناء وتجديد مدينة تطوان، وتأثيراتهم في الميادين المعمارية والثقافية والهندسية والعِلمية، ومقدُراتهم العالية على طَبْعِ حياة أهل البلد بطباع قاطني غرناطة الضائعة، لا مِن حيث المأكل والمَشرب والمَعيشة وطقوس الأفراح والأتراح، ولا مِن ناحية البُعد الجمالي في الحياة الخاصّة بالدُّورِ والمنازِل؛ إلى ما غير ذلك مِن الطِباع والخصال التي أضحت مع الزمن ميزة المُجتمع التطواني الكبير. فضْلاً عن تفرُّد المدينة دون سواها مِن مدن البلد بخصائص هَمــَّت كُلاًّ مِن (مجال الطبخ واللباس والجَمال والطَّرز التقليدي واللغة والعادات والاحتياط والاقتصاد وعوائد المعاش) وأحوال أخرى للمجتمع الذي انْصَهر في بوتقة واحدة شَكَّلت كُتلة مجتمعية مغربية-أندلسية، مما يُعزّز الترابط المثير بين العمل التجاري للمدينة والإشعاع الثقافي والديني والحضاري والرّوحي[3] لها.

معالم وحصون وأبواب.. شاهدة على تاريخ عريق

تتنفّس المدينة التاريخَ وتعيش الثقافة، وتكثُر بها المساجد التي ما تزال تلعب أدواراً هامة في التنشئة الدينية وإصباغ المدينة ببعد روحي خالص، ومن مداخلها المتعددة، شمالاً وغرباً وشرقا، تُطالِع الزائر معالم وآثار وبنايات شاهدة على قِدَم المدينة، وقُدرتها على المحافظة على خصوصيات تاريخية وحضارية في زمن العولمة الحداثة، حيثُ ما يزالُ بها الموقع الأثَري تمودة ويَعود تاريخ هذا الموقع الفريد إلى 300 قبل الميلاد، وحصِن سيدي المنظري الكائن بالجزء الشمال الغربي لمدينة تطوان. حاليا؛ الحِصن أو القصبة عبارة عن سور يبلغ طوله خمسة وستين مترا ويرتفع على علو سبعة أمتار، كما تلتصق به ثلاث أبراج. الجهة الشمالية والجهة الجنوبية للسور تتميز بوجود برجين مربعي الشكل. كما يتواجد وسط السور برج متعدد الأضلاع. الأبراج ترتبط فيما بينها عبر ممر حراسة يتم الدخول إليه عبر درج بجانب باب القصبة. كانت القصبة مكانا لمراقبة كل التحركات الخارجية والممرات التجارية  انطلاقا من احد أبراجها. القصبة بنيت خلال القرن 15 من طرف مؤسس المدينة الأول أبو الحسن علي المنظري. تحتوي قصبة سيدي المنظري على مختلف الحاجيات الاجتماعية بما في ذلك منزل وحمام ومسجد للصلاة والعبادة وقلعة للمراقبة الخارجية.  قصبة سيد المنظري كانت مقرا لسكنى مؤسس المدينة أبي الحسن علي المنظري، كما أنها مقرا للحكم والسلطة وقاعدة عسكرية لتوجيه مختلف التحركات العسكرية. وباب التوت Puerta de Cid  التي بُنِيَت في القرن 16، وباب العقلة Puerta de Rrina الشّهير، وباب الجياف الذي كانت تمرُّ به الجنائز اليهودية ذات زمنٍ، وباب المقابِر ويُطلَق عليه أيضاً (باب سيدي المنظري)، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس عشر للميلاد، وباب النّوادر Puerta de Fez، وباب الرّْمــوز العائدة بأصل تسميتها إلى أسرة آل الرموز الأندلسية، وكذلك ثمَّة باب سيدي الصّعيدي الولِيّ الـمِصري الصالح، وساحة الإنساتشِّي المصنَّفة ضمن التراث العالمي من طَرف منظمة اليونسكو. تضمّ المدينة فضاءات خضراء مُتعة للسائحين والـمُقيمين، كحديثة مولاي المهدي (رياض العشاق) العريقة. ومن المآثر الثقافية والأثرية بالمدينة؛ المكتبة العامة والمحفوظات ومعهد سرفانتيس وسينما إسبانيول وقصر الخليفة، ودار الصَّنعة، ومتحف السقّالة الإثنوغرافي، والكاتدرائية الإسبانية، والمتحف الأثري، ومركز الفنّ الحديث، والنصّب التذكاري (دار الطّير) في ساحة المشور، وعلى مسافة قريبة من المكان الذي أعلن في محمد الخامس استِقلال المغرب عن إسبانيا في 7 أبريل 1956. فضلاً عما تحتويه المدينة من رِباطات وزوايا كــ: زاوية سيدي علي بن ريسون، وزاوية سيدي علي بركة، والزاوية البوتشيشية، والزاوية القادرية. ومساجد في مختلف أحياء المدينة، ناهيك عن المعاهد الدينية كــ: مدرسة لوقش، ومعهد لوقش الديني وهو الأوّل من نوعه في المغرب الراهن، تديره وتشرف عليه المندوبية الإقليمية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. ويُعد من أعرق المؤسسات الدينية والتعليمية في شمال المغرب. وجامع القصبة، ومسجد الجامع الكبير الذي بُنِيَ على عهد السلطان المولى سليمان (1766 – 1822)، وغيرها من المعالم العمرانية والمآثر الدينية والثقافية والسياحية التي تُقدِّم للزائر وللباحث وللمهتم بالتاريخ وللجغرافي مدينةً تنبِضُ تاريخاً وثقافةً ومَزْجاً بين الماضي والحاضر

المراجع
[1] تطوان؛ حاضنة الحضارة المغربية الأندلسية.. وأبحاثٌ أخرى، أحمد الشريف.[2] العائلات الجزائرية في تطوان، للدكتور إدريس بوهليلة، أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان - عائلات تطوان و وموسوعة تاريخ تطوان، محمد داود.
[3] العمارة الروحية الإسلامية بمدينة تطوان، التشكيل وإعادة التشكيل، الدكتور خالد الرامي.