نسبه وتعليمه

هو السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي (سليمان أبو الربيع)، وهو أحد أبناء السلطان العلوي محمد بن عبد الله (1710-1790م). ولد بمدينة مراكش سنة 1766م/1180ه. وفي مدينة مراكش تلقى تربيته الأولى، حيث حفظ القرآن الكريم على يد الفقيه عبد الوهاب أجانا بدار الخلافة بالمدينة، كما درس علم القراءات وعلم التوحيد، ثم انتقل إلى إحدى الزوايا ببلاد أحمر قرب آسفي لتعلم رسم القرآن، وذلك قبل أن يقرر والده إرساله إلى مدينة القصر الكبير ليتتلمذ على يد الشريف محمد بن عبد الصادق الريسوني. وفي سنة 1197ه/1782-1783م أمره والده بالإستقرار بمنطقة تافيلالت مع إثنين من إخوته، حيث عين له والده فقيها يشرف على تعليمه. كما أرسل ألمع علماء فاس لتعليم أبنائه في تافيلالت، منهم عبد القادر بن شقرون، ومحمد ابن الطاهر الهواري، ومحمد الطرنباطي، وحمدون ابن الحاج. وعلى يد هؤلاء تلقى تعليمه في العلوم الشرعية، فدرس تفسير القرآن الكريم والحديث ومبادئ التصوف من خلال كتاب إحياء علوم الدين للغزالي. أما تعليمه في مدينة فاس فلم تدم إلا مدة قصيرة، وتم ذلك بعد وفاة والده سنة 1790م/1204م، والذي كان حريصا على تعليم ابنه في منطقة تافيلات بعيدا عن الحواضر الكبرى وما تعج به من الانشغالات السياسية، وهذا ما يفسر ضعف اهتمام المولى سليمان بالأمور المخزنية وأمور الحكم، حيث لم يتقلد أي منصب سياسي  إلا بعد أن تولى أخوه اليزيد حكم البلاد في سنة 1790م/1204، والذي عينه خليفة عنه بمدينة مراكش. ولم يستمر في منصبه إلا مدة قصيرة قبل أن يعتذر بداعي رغبته في أداء مناسك الحج، لكنه في حقيقة الأمر عاد لمدينة فاس لمواصلة دراساته، حيث حضر مجالس أشهر علماء المغرب آنذاك، وخاصة شيخ الجماعة محمد التاودي ابن سودة وولده أحمد، ومحمد الطيب ابن كيران، وعبد القادر بن شقرون. وسيكون للتربية والتعليم التي تلقاها المولى سليمان في هذه الفترة من حياته الأثر البالغ على اختياراته السياسية والفكرية عندما سيولى شؤون البلاد كسلطان [1].

تولي السلطنة والحكم

رغم أن المولى سليمان كان هواه في طلب العلم، ولم تكن له خبرة في المجال السياسي وتدبير شؤون الناس، “حتى كان الناس يظنون أنه لا يحسن ركوب الفرس”، فإنه طلب منه في مارس من سنة 1792م/1206ه تولي زمام أمور المملكة الشريفة. وخلال توليه المسؤولية السياسية تلك، تأثرت قرارته كسلطان بالتربية التي تلقى وهو طالب علم في تافيلالت وفاس. فقد كانت الشريعة مرجعا دائما لقرارته، وكان وقافا عند الحدود التي تفرضها أحكام الشريعة. فألغى المكوس ومنع زراعة التبغ. كما كان يعقد كثير من مجالس العلم لمناقشة القضايا الشرعية، ويحض بشكل متواصل العلماء على قراءة كتاب “إحياء علوم الدين” للغزالي وتدريسه، أو الكتابة في مواضيع معينة، أو إسهامه هو بنفسه بالتأليف في بعض القضايا كمسألة السماع واستعمال الغناء من طرف بعض الصوفية، كما ألف رسالة في مسألة الكسب والتي بين فيها التزامه بالعقيدة الأشعرية[2].

السياسة الداخلية للمولى سليمان

كانت أهم مميزات السياسة الداخلية للسطان المولى سليمان هو التعامل مع القبائل بسياسة فيها الكثير من التشدد والصرامة مع المركزة الشديدة للقرار، وذلك في الوقت الذي كان فيها الجهاز المخزني محدود القوة والنفوذ، الأمر الذي جر على الدولة كثير من المتاعب والصراعات سواء في علاقته مع القبائل أو القوى التقليدية ذات التأثير في المجتمع كالشرفاء والزوايا والأعيان المحليين. وقد قضى المولى سليمان بداية حكمه زهاء خمس سنوات  في تمهيد البلاد وإخضاعها لسلطته.

الصراع مع القبائل:

وإذا كانت سياسة والده السلطان محمد بن عبد الله تتسم  المرونة في التعامل مع القبائل، والتي منحها نوعا من الإستقلال الذاتي، أو مجالا أوسع للعيش في نوع من “السيبة المحدودة”، وذلك لتجنب الاصطدام بها، خصوصا وأن هذه السياسة لا تمس بشكل كبير بالصالح الحيوية للمخزن المركزي. وتقترن هذه السياسة بتخفيف الأعباء والضغوط الجبائية على تلك القبائل مع البحث عن مصادر دخل أخرى، فإن المولى سليمان اختار إلغاء المكوس، وبدل الإعتماد على التجارة البحرية، اختار أن يعتمد على جباية القبائل، الأمر الذي يتطلب جهودا لمراقبة العصيان القبلي[3]. وقد أدت به هذه السياسة المتصلبة والمتشددة بشكل كبير إلى السقوط في مطبة مواجهات وإصطدامات خطيرة مع عدد من القبائل كاتحادية أيت أومالو المكونة من قبائل زيان وبني مكَيلد وأيت يوسي بالأطلس المتوسط والتي جرت عليه هزيمة في مناسبتين إثنتين، أولهما موقعة أزرو سنة 1811م/1226ه، وثانيهما موقعة زيان في مايو  سنة 1819م/1234ه، والتي أسر فيها السلطان من طرف قبائل بني مكَيلد[4]، وأصيب فيها ابنه مولاي إبراهيم والمرشح للخلافة بجراح قاتلة، وتوفي على إثرها.

وقد ازدادت معاناة المولى سليمان مع القبائل خصوصا وأنه أخفق في استغلال التناقضات القبيلة لصالحه، كما أخفق في الحفاظ على الحلفاء التقليديين للدولة “كبرابرة” السهول والدير (برابرة الوطا)، والذي كان يسميهم أبو القاسم الزياني ب” برابرة الدولة” أو “برابرة المخزن”، وذلك في مواجهة “برابرة الجبل”، كما كان نهج ملوك الدولة العلوية منذ السلطان المولى إسماعيل، بل أكثر من ذلك فقد نظم ضدها حملات عسكرية، كما هو الشأن مع بني مطير وكُروان، كما أنه كان يحجم عن مؤازرتها عندما تتعرض لاكتساح “بربرة الجبل”. وقد كان من نتائج هذه السياسة أن ارتمىت هذه القبائل المتحالفة تقليديا مع المخزن في أحضان المرابط أبي بكر أمهاوش الذي استطاع أن يوحد معظم هذه القبائل الأطلسية تحت زعامته وأن يسدد الضربة القاضية لمخزن المولى سليمان في ربيع 1819م/1234ه[5].

المواجهة مع الزوايا والشرفاء والأعيان:

أما فيما يتعلق بعلاقته مع القوى المحلية الأخرى كالشرفاء والزوايا والأعيان المحليين، فقد اختار المولى سليمان مرة أخرى أن يسير في الاتجاه المعاكس لنهج والده السلطان المولى محمد بن عبد الله و الذي كان يفوض لهذه القوى صلاحيات مخزنية عدة وذلك من أجل تخفيف أعباء الدولة وإشراك تلك القوى في تسيير الشؤون المحلية. فقد قرر المولى سليمان الدخول في مواجهات مع عدد من الزوايا كما هو الشأن مع الزاوية الوزانية، فحرمها من الإمتيازات التي كانت تتمتع بها، الأمر الذي دفع هذه الزوايا إلى معاداته. كما همش أيضا عدد من أعيان الحواضر وخاصة بمدينة فاس[6]. وهكذا تحالفت ثلاثة أطرف في السنوات الأخيرة من عهد المولى سليمان على خلعه، وهي: أعيان مدينة فاس وتجارها، والقوى الدينية التقليدية (الزوايا والطرق الصوفية)، وكذا اتحادية أيت أومالو الجبلية. فأقدموا على مبايعة المولى إبراهيم بن اليزيد ثم أخيه المولى سعيد، ووقفت في وجه المولى سليمان بقوة السلاح في الفترة الممتدة ما بين نونبر 1820م وأبريل 1822م، لكنه تمكن من استرجاع حكمه بفعل دعم جيش الوداية، وذلك قبل أن يتم هزمه من طرف الزاوية الشرادية قرب مراكش في يوليوز 1822، والتي أسرته مرة أخرى قبل أن تطلق سراحه وهو في غاية الإحباط[7].

السياسة الدينية

رغم حفاظ المولى سليمان على إرث والده في الرغبة بإصلاح الشأن الديني المغربي، فإن الإختيارات الدينية التي اتبع كل واحد منهما اختلفت بشكل واضح. فإذا كان والده المولى محمد بن عبد الله سعى إلى الإإصلاح في إطار المذهب الحنبلي، فإن المولى سليمان كان اختياره المذهبي اختيارا مالكيا في الفقه وأشعريا في العقيدة. وقد كانت كتب ومؤلفات المولى سليمان خير مرآة لاختياراته المذهبية والعقدية تلك. فبخلاف والده كان المولى سليمان متشبعا بروح المذهب المالكي، ولم يخرج عن التقاليد المغربية فتبنى العقيدة الأشعرية ودافع عنها[8].

وبدافع الرغبة في إصلاح الحقل الديني من خلال الرجوع إلى سنة السلف، قاد المولى سليمان ابتداء من سنتي 1226-1227ه/1811-1812م حربا ضد البدع الشائعة في أوساط العامة خاصة. كما شجع العلماء على التنديد بالعديد من الممارسات الشعبية التي تخالف الدين، كما كتب خطبا موجهة ضد بدعة المواسم واجتماع المتصوفة للغناء والرقص، وذلك رغم كونه لم يكن معاديا للتصوف بل كان يعارض التصوف كما تمارسه بعض الطرق الشعبية، بل وكان يحث على تصوف سني[9]، خصوصا وأن المولى سليمان عرف عنه صفات الزهد والتقشف وبساطة نمط عيشه ونفوره من مظاهر الترف، لذلك فقد كان مؤهلا لتقبل القيم الصوفية على نمط العلماء وليس الطبقات الشعبية[10].

ورغم كونه تقاطع مع الدعوة الوهابية في مسألة محاربة البدع ونهي العامة عن بعض الممارسات المتعارضة مع العقيدة السنية، فإنه لم يتبنى المنطلقات والأسس التي بنى عليها الوهابيون مذهبهم؛ كمسألة تكفير مرتكب الكبائر، وإنكارهم لكرامات الأولياء وعدائهم للتصوف والمتصوفة. وبسبب مواقفه الإصلاحية تلك، وقفت العديد من الطرق الصوفية والشرفاء ضده وأعلنوا عداءهم لتوجهاته الإصلاحية. لذلك فلا غرابة في أن نجد في مقدمة من أقدم على خلعه في سنة 1820م/1236 شيخي الزاويتين الوزانية والدرقاوية وأقطاب العديد من الأسر الشريفة[11].

السياسة الخارجية للمولى سليمان

رغم الظروف الخارجية الصعبة التي كانت تحيط بالمغرب، وخاصة التدخل الإسباني في الشؤون الداخلية للبلد والذي أدى إلى تقسيم المغرب بين المولى سليمان وأخيه المولى هشام بالجنوب وأخيه المولى مسلمة بالشمال، وأخر توحيد المغرب تحت حكم واحد[12]، فإن المولى سليمان أبقى باب المغرب مفتوحا أمام التجارة الخارجية. ولكن تزايد النفوذ الإنجليزي والفرنسي في حوض البحر الأبيض المتوسط صعب على التجار المغاربة التجارة مع الخارج، الأمر الذي أضعف الإتصال بالعالم الخارجي[13]. وإذا أضيف إلى ذلك الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية الصعبة التي عاشها المغرب بعد سنة 1816 بسبب توالي سنوات الجفاف ومجاعة 1817-1818م وطاعون 1818-1820م، فإن حركة التبادل التجاري مع الأسواق الخارجية لم تتطور بشكل إيجابي، رغم إدارة المولى سليمان في تشجيع التجارة مع العالم الخارجي[14].

وعلى مستوى العلاقات الخارجية مع القوى الأجنبية تميزت سياسته إلى حد كبير بالتوجه الإحترازي، إذ حرص على أن يبقى ” مع جميع أجناس النصارى على الصلح والمهادنة” خصوصا وأن المغرب لم يعد في موقع يسمح له بالانخراط في التصدي للأوروبيين، فوقع على سلسلة من معاهدات الصلح مع الدول الغربية، وهي المعاهدات التي عززت مصالح هذه الدول ودعمت امتيازاتها في المغرب. وقد تعززت سياسة المهادنة تلك بأقدام المولى سليمان في السنوات الأخيرة من حكمه على إبطال القرصنة (الجهاد البحري)[15].

المآثر الفكرية والعلمية للمولى سليمان

رغم انشغال المولى سليمان بأمور السياسة والحكم لمدة طويلة، مع ما رافق ذلك من متاعب ومصاعب، فإنه في نفس الوقت لم ينسى حبه الأول، وهو طلب العلم ومجالسة ومناقشة العلماء والكتابة والتأليف في المسائل العلمية، وتوجيه العلماء إلى التأليف في بعض المسائل والقضايا. وهذه العناية بالعلم طلبا وإنتاجا ليسب غريبة عنه بالنظر إلى التكوين العلمي الرصين الذي تلقاه في تافيلالت وهو لا يزال في سن مبكرة، كما كان يحضر –وهو ملك- دروس بعض العلماء بالقرويين بين الفينة والأخرى[16]. وقد انعكست الشخصية العلمية للمولى سليمان في المؤلفات العلمية التي ألفها مسهما بدوره في حركة التأليف والنشر العلمي في عصره، وقد تنوعت آثاره العلمي المكتوبة بين الكتب والرسائل والخطب[17]:

  • حاشية على شرح الخرشي لمختصر خليل (في مجلد واحد ضخم وهو مخطوط بالخزانة الملكية بالرباط)
  • حاشية على الزرقاني شارح المواهب اللدنية
  • تفسير الآية الكريمة: (ومار أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) –الأنبياء/25
  • إمتاع الأسماع بتحرير ما التبس من حكم السماع (مخطوط بالخزانة الملكية بالرباط)
  • عناية أولي المجد بذكر آل الفاسي بن الجد
  • تعاليق على الموطأ
  • تعاليق على كتاب المواهب
  • “جواز التجمير بالقُسط في رمضان” (مخطوط بالخزانة الملكية بالرباط)
  • رسالة كتبها تعليقا على قصة موسى (ع س) مع الخضر (مخطوط بالخزانة الملكية بالرباط)
  • رسالة في مسألة الكسب (ألفها مع الطيب بن كيران، وهي مخطوط في الخزانة العامة بالرابط)
  • رسالة عن حال متفقرة الوقت
  • خطبة وعظية ضد البدع
  • جوابه إلى سعود بع عبد العزيز
  • هذا بالإضافة إلى مجموعة الرسائل الشخصية والقصائد الشعرية

توفي السلطان المولى سليمان بن عبد الله بمدينة مراكش يوم 13 ربيع الأول عام 1238ه/ 28 نونبر 1822، عن عمر ناهز خمسة وخمسين سنة، وبعد حكم دام اثنين وثلاثين سنة.

المراجع
[1]  المنصور محمد، المغرب قبل الإستعمار: المجتمع والدولة والدين 1792-1822، ترجمة محمد حبيدة، منشورات المركز الثقافي العربي، ط2، 2012، الدار البيضاء، ص 218-219.
[2] محمد المنصور، معلمة المغرب، ج15، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2002، ص 5096.
[3] محمد المنصور، معلمة المغرب، مرجع سابق، 5096.
[4] تاريخ المغرب: تحيين وتركيب، إشراف وتقديم محمد القبلي، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011، ص 451.
[5] محمد المنصور، معلمة المغرب، مرجع سابق، 5096.
[6] محمد المنصور، معلمة المغرب، مرجع سابق، 5097.
[7] تاريخ المغرب: تحيين وتركيب، مرجع سابق، ص 453- 454.
[8] المنصور محمد، المغرب قبل الإستعمار: المجتمع والدولة والدين 1792-1822، مرجع سابق، ص 218.
[9]محمد المنصور، معلمة المغرب، مرجع سابق، 5097.
[10] المنصور محمد، المغرب قبل الإستعمار: المجتمع والدولة والدين 1792-1822، مرجع سابق، ص 223.
[11] محمد المنصور، معلمة المغرب، مرجع سابق، 5097 -5098.
[12] تاريخ المغرب: تحيين وتركيب، مرجع سابق، ص 451.
[13] محمد المنصور، معلمة المغرب، مرجع سابق، 5097.
[14] محمد المنصور، معلمة المغرب، مرجع سابق، 5097.
[15] تاريخ المغرب: تحيين وتركيب، مرجع سابق، ص 454.
[16] مجلة " دعوة الحق"، عدد 96، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، أنظر الرابط: https://bit.ly/3ENyj8K .
[17] مجلة " دعوة الحق"، عدد 96، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، أنظر الرابط: https://bit.ly/3ENyj8K / ، وعدد 296، على الرابط: https://bit.ly/3D72Tc5 .