مقدمة

تمثل حالة أندري أزولاي صورة مصغرة ولكنها أيضا حية، عن الوضعية التي كانت تعيش فيها الجماعات اليهودية في المغرب طيلة تاريخه الطويل، فقد كان دائما هؤلاء المغاربة اليهود أو اليهود المغاربة، جزءا أصيلا من النسيج الديني والثقافي والإجتماعي والإقتصادي في المملكة المغربية، كما تفاعلوا مع ساكنته بمختلف مكوناتها الأمازيغية والعربية. ورغم بعض حالات الشك والقلق التي كنت تعيشها هذه الجماعات في علاقتها بالدول المغربية المتعاقبة وباقي مكونات المجتمع المغربي خلال بعض فترات تاريخ البلد، فإن مساهماتهم في تشكيل كيان الأمة المغربية منذ أقدم العصور، كانت بارزة، ولا زالت آثارها الثقافية والإجتماعية حاضرة في مغرب اليوم. ومن تجيليات مساهتهم تلك استمرار ثلة من اليهود المغاربة وأبناءهم في العيش ببلدهم، ومشاركتهم في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية للبلد، وحفاظهم على عدد من المؤسسات الأساسية والتي أثرت بدرجات متفاوتة ومتباينة عبر تاريخهم الطويل في البلد وفي مجريات عدد من الأحداث التاريخية، وساهموا بحظ غير يسير في إثراء الرصيد الحضاري المتعدد للبلد. وإذا كان أندري أزولاي، كمستشار ملكي في عهد ملكين، يمثل حالة استثنائية من نوعها في خريطة العالم العربي والإسلامي، فإن ذلك لم يخرج عن عادة عدد من السلاطين المغاربة الذين قربوا عددا من المغاربة اليهود للعمل بجانبهم سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الإقتصادي. وقد تم تتويج ذلك كله في المغرب المعاصر بالإعتراف دستويا بالرافد العبري إلى جانب الروافد الإفريقية والأندلسية والمتوسطية كروافد للهوية الوطنية[1].

النسب والنشأة

رأى الطفل أندري النور في يوم 17 أبريل 1941 بمدينة الصويرة المغربية –موكادور- . وينتمي أندري أزولاي إلى أسرة يهودية مغربية عريقة وكثيرة الأعلام، ولقبها: أزولاي، مقتبس من كلمة تازولت الأمازيغية، وهي مادة الكحلة التي تكتحل بها النساء أعينهن. وبرز في هذه الأسرة العديد من الأحبار أصحاب الكتابات والمؤلفات الأدبية اليهودية، وقد هاجر أجدادهم الى المغرب قادمين من اسبانيا على إثر النكبة الأندلسية سنة 1492م، واستوطنوا مدينة فاس واشتغلوا في المناصب الدينية العليا، وانتشر عدد من أفرادها في عدة مدن مغربية وخاصة في مدن: صفرو وسلا ومراكش والصويرة. ومن الأسماء التي برزت في أسرة أزولاي اليهودية المغربية نذكر: أبراهام أزولاي وابنه مردخاي وحفيده أبراهام بن مردخاي، ومسعود أزولاي، وحيون يوسف أزولاي وهو أحد حفدة أبراهام أزولاي، كما نجد شلوم أزولاي وصامويل أزولاي وإسرائيل أزولاي وغيرهم كثير[2]. أما والده أندري أزولاي فقد يشغل وظيفة داخل ميناء الصويرة قبل أن يتم طره من قبل سلطات الإحتلال الفرنسي لكونه بسبب انتماءه اليهودي[3].

وقد تلقى أزولاي تعليمه في مدرسة الرابطة الإسرائيلية العالمية فرع الصويرة ثم في ثانويات مراكش والجديدة ومركز تكوين الصحفيين بباريس الفرنسية. وقد تابع، من جهة أخرى، دراسته بأسلاك جامعية مختلفة في تخصصي الإقتصاد المالية والعلاقات الدولية بباريس وبروكسيل، بعد اللإستفادة من منح دراسية ممنوحة من طرف “صندوق الودائع والأمانات” بباريس و”المفوضية الأوربية”.

الصحفي أندري أزولاي وتجربة الإعتقال والمنفى

في سنة 1963-وهو في سن 22 سنة- تم اقتراحه لشغل مهمة رئيس تحرير اليومية الإقتصادية: Maroc-Informations، وهي الجريدة اليومية الإقتصادية الوحيدة في المغرب آنذاك، وقد استمر في مهمته تلك حتى سنة 1966. وخلال عمله في الجريدة تعرض للإعتقال بمكتبه ليلة 16 يوليوز من سنة 1963، وقد أتى ذلك في سياق حملة من الإعتقالات التي شنتها السلطات المغربية ضد حوالي 5000 من مناضلي حزبي الإتحاد الوطني للقوات الشعبية والحزب الشيوعي المغربي والذين تم اعتقالهم في عدد من المناطق المغربية؛ وخاصة في الدار البيضاء وسوس. وقد استمرت متاعبه مع الشرطة المغربية طيلة الفترة بين سنتي 1964 و1965. وعلى إثر هذه المتاعب  وضغوطات السلطات المغربية، خاصة وأنه كان عضوا بالحزب الشيوعي المغربي، اضطر أندري أزولاي إلى مغادرة المغرب في يوليوز سنة 1966 واختيار  مدينة باريس منفى له، وهناك بدأت علاقته مع المجموعة البنكية باري با (Parisbas)، وداخل هذه المجموعة تدرج في مختلف المسؤوليات حتى وصل إلى منصب نائب رئيس المجموعة، وذلك قبل أن يغادر المجموعة سنة 1990[4].

وقبل أن يتم تعيينه سنة 1991 من طرف الملك الراحل الحسن الثاني مستشارا ملكيا مكلفا بالملفات الإقتصادية والمالية، اقترح عليه هذا الأخير سنة 1986 العودة إلى المغرب وترأس إحدى المؤسسات البنكية المغربية[5].

المسؤوليات والوظائف

لقد شغل أندري أزولاي وظائف ومهمات عدة؛ رسمية وغير رسمية:

  • خلال فترة تزيد عن عشرين سنة، كان في عداد الأطر المسيرة لبنك “باريس والأراضي المنخفضة” (Parisbas) بباريس بين سنتي 1967و 1990، وشغل فيه عدة مناصب؛ حيث كان مديرا تنفيذيا مساعدا، ومديرا مسؤولا عن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (MENA) ، ومسؤولا عن العلاقات العامة.
  • شغل منصب مستشار ملكي منذ 1991 إلى اليوم، ومن موقعه كمستشار ملكي أشرف وواكب كثيرا من الاصلاحات الإقتصادية والمالية التي عرفها المغرب خلال بداية تسعينيات القرن العشرين، وخاصة ملف الإستثمارات الأجنبية بالمغرب، ومسلسل خوصصة عدد من المؤسسات العمومية. كما أنه اشتغل إلى جانب الملك بشكل نشيط في ملف ما سمي بمسلسل السلام في الشرق الأوسط.
  • في سنة 1996 اقترح على الملك الراحل الحسن الثاني تكوين مجموعة للتفكير (G 14) من أجل وضع وتنزيل التوجهات الإسترتيجية الكبيرة للمغرب، وقد كونت هذه المجموعة من عدد من خريجي المدارس الفرنسية الكبرى من أمثال: إدريس بنهيمة، و مصطفى التراب، ومراد الشريف، و محمد حصاد، وعبد السلام أحيزون، وكذلك عزيز أخنوش وغيرهم[6].
  • إلى جانب هذه المسؤوليات السياسية والمهنية، قام في باريس إلى جانب عدد من الشخصيات من أصول مغربية وعربية سنة 1973 بتأسيس جمعية “هوية وحوار”، واحدة من أولى جمعيات المثقفين اليهود المنحدرين من أصول مغربية وعربية، والتي دعت إلى الإعتراف بدولة فليسطينية.
  • يترأس أيضا “جمعية الصويرة موكادور”، التي أسسها سنة 1992، والتي تنظم: “مهرجان كناوة وموسيقى العالم” (منذ 1997)، و”مهرجان ربيع موسيقى الإليزي” (منذ 2001)، و”مهرجان الأندلسيات الأطلسية” (منذ 2003)، وتنظم جميعا بمدينة الصويرة.
  • يترأس “مؤسسة محمد السادس للبحث والحفاظ على شجرة الأركان”، والتي تم تأسيسها يوم 9 مايو 2004 بمدينة الصويرة.
  • كما يشغل عضوية المجلس الإداري لجامعة الأخوين المغربية –مدينة إفران– والجامعة الأورو متوسطية بفاس. كما أنه يشغل عضوية أكاديمية المملكة المغربية، وهو أيضا عضو الأكاديمية الملكية الإسبانية للعلوم الإقتصادية والمالية.
  • يشغل أيضا منصب الرئيس المنتدب ل”مؤسسة ثلاث ثقافات ثلاث أديان” بإشبيلية الإسبانية (أسست سنة 1997)، وأيضا العضو المؤسس لمنتدى دافوس لحوار الحضارات والأديان، وهو عضو لجنة الحكماء الخاصة بتحالف الحضارات بالأمم المتحدة.
  • وهو أيضا رئيس المجلس العالمي ل”مركز شيمون بيريز للسلام”. كما ترأس “المؤسسة الأورو متوسطية أنا ليندLingh   Anna  Lindh لحوار الثقافات”  (تأسست سنة 1995)، وهو عضو  المجلس الثقافي للإتحاد من أجل المتوسط بباريس، وعضوية مجلس متحف حضارات أوربا والمتوسط بمارسيليا، وعضوية اللجنة العلمية للدار المتوسطية لمهن الموضة بمارسيليا الفرنسية، وكذا عضوية المركز الجهوي لدراسات المتوسط بمارسليا،  وعضوية مجموعة التفكير  التي انشأها كل من البنك الوروبي للإستثمار والبنك الدولي لحماية المدن العتيقة بمدينة مارسيليا أيضا.
  • يشغل عضوية لجنة التوجيه السياسي لمعهد التوقعات الإقتصادية للعالم المتوسطي (IPEMED).
  • وهو أيضا من مؤسسي “مشروع علاء الدين” بباريس، الذي أطلق بمبادرة من “مؤسسة ذاكرة المحرقة” الفرنسية في مارس من سنة 2009.
  • يشغل بالإضافة كل ذلك عضوية المجلس الأعلى ل”الرابطة الإسرائيلة العالمية”، وعضوية مجلس منظمة يالا-يا قادة الشباب ( young arab leaders for peace in the middle east). وهو أيضا سفير النوايا الحسنة لإمارة موناكو.

الأوسمة والتكريمات والجوائز

بفضل المهمات ونشاطه المكثف خصوصا على واجهات حوار الثقافات والأديان والتعايش بين الشعوب، فقد راكم المستشار أندري أزولاي طيلة مساره إلى اليوم عدد كبيرا من التكريمات والجوائز والأوسمة المختلفة، ومن طرف جهات تتوزع على الجهات الأربع للكرة الأرضية:

  • في سنة 1989 تم توشيحه بالوسام الفرنسي جوقة الشرف برتبة فارس.
  • في سنة 2010 حصل أندري أزلاي على جائزة “ميديتيرانيو” التي تمنحها مؤسسة المتوسط في نابولي الإيطالية.
  • سنة 2012 منح أندري أزولاي جائزة “السلام” من طرف المؤسسة الإيطالية “دوتشي” اعترافا منها له بجهوده المبذولة من أجل السلام والحوار بين الثقافات.
  • حصل سنة 3013 في مدينة مارسيليا على “ميدالية السلام” بوصفه رئيسا لمؤسسة “آنا ليند”.
  • في 2014 بمدينة كولونيا الألمانية، مْنح أزولاي “جائزة التسامح” التي تمنحها سنويا “الأكاديمية الأوروبية للعلوم”.
  • في سنة 2014 حصل على “جائزة شمال -جنوب” التي يمنحها “مركز شمال جنوب” التابع ل”مجلس أوروبا”، ومنحت له لالتزامه العميق بحماية والدفاع عن حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية والتعددية، والتزامه من أجل تعزيز الشراكة والتضامن شمال -جنوب.
  • في سنة 2014 بمدينة نابولي الإيطالية، منحته مؤسسة الثقافات الثلاث للبحر الأبيض المتوسط باعتباره رئيسا لمؤسسة “آنا ليند” صفة “حامل رسالة السلام”، تقديرا لجهوده من أجل السلام والحوار بين شعوب في الفضاء المتوسطي.
  • في سنة 2016 حصل في مدينة واشنطن الأمريكية على “جائزة القيادة المتوسطية” (Mediterranean Leadership Award) الممنوحة من طرف “مركز التفكير للعلاقات عبر الأطلسية” التابع ل”جامعة جونز هوبكنز ” الأمريكية.
  • في سنة 2017 حصل أندري أزولاي في مدينة نيويورك الأمريكية على جائزة بومكَرانايت أوورد فور لايف تايم أتشيفمت” (Pomgranate Award for Lifetime Achievement) ، وقد منحت له الجائزة من طرف “إتحاد السفارديم الأمريكي” تقديرا لجهوده من أجل تعزيز العلاقات بين الإسلام واليهودية والتعايش والتبادل بين مختلف الأديان.
  • في 2020 منحته الحكومة المحلية لإقليم الأندلس الإسباني “الميدالية الذهبية لجهة الأندلس”، وقد منحت له بفضل التزامه الفعال من أجل قيم التضمن والتفاهم، وبفضل عمله المتميز على رأس “مؤسسة الثقافات الثلاث”.
  • حصل على جائزة «Award for lifetime service to Dialogue of cultures» جراء التزامه، وعرفاناً بجهوده المتواصلة في الحوار بين الثقافات والحضارات.ومنحت له من طرف مشروع علاء الدين بطنجة –يونيو 2022.
  • في شتنبر من سنة 2023 مُنح “ميدالية الشرف الرئاسية” من طرف “الرئيس الإسرائيلي” إسحاق هرتسوغ نظير “مساهمته الفريدة لدولة إسرائيل والشعب اليهودي والإنسانية، واعترافا بالدور الذي أداه في توقيع اتفاقات إبراهيم في دجنبر من عام 2020 بين المغرب وإسرائيل، وكذا التزامه التاريخي بالسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبحل الدولتن”.

كما يحمل أندري أزولاي عددا من الأوسمة والألقاب والتكريمات من مختلف أنحاء العالم؛ من إسبانيا، وإيطاليا، والبرتغال، وبلجيكا، والأرجنتين، والبيرو، والشيلي، والبرازيل وغيرها من البلدان.

يشار إلى أن أندري أزولاي متزوج من السيدة كاتيا ابنة مدينة الصويرة، والتي أنجب معها ابنته أودري أزولاي، التي تشغل حاليا (2022) منصب رئيسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم الثقافة (اليونسكو)، وقد سبق لها أن شغلت أيضا عدة مناصب حكومية في فرنسا.

المراجع
[1] تصدير دستور 29 يوليوز 2011: http://www.sgg.gov.ma/Portals/1/lois/constitution_2011_Ar.pdf.
[2] ليفي شمعون، معلمة المغرب،  منشورات دار الأمان، الرباط، ج 2، ط 2، 2014، ص 368-369.
[3] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, faculté des lettres et des sciences humaines Rabat, 2015, p 48.
[4]  Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, faculté des lettres et des sciences humaines Rabat, 2015, p 49-50.
[5]  Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, faculté des lettres et des sciences humaines Rabat, 2015, p 52.
[6] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, faculté des lettres et des sciences humaines Rabat, 2015, p 53.