مقدمة

إذا كانت ظاهرة المدارس التعليمية بالشرق قد ظهرت في القرن الخامس الهجري إبان العصر العباسي مع الوزير نظام الملك الذي أسس مدرسته العلمية ببغداد، وهي أول مدرسة في الشرق، فإنها تواجدت في المغرب حسب عبد الله كنون في نفس القرن في عهد المرابطين مع مدرسة أكَلو التي تأسست قرب تزنيت بسوس،[1] أي مدرسة وكَاك بن زلو اللمطي التي تتلمذ فيها عبد الله بن ياسين مؤسس الدولة المرابطية.[2] ويذهب بعض الباحثين إلى أنها ظهرت في العصر المريني في القرن السادس الهجري كما نجد ذلك عند صاحب “روض القرطاس” الذي يرجع بداية تأسيسها إلى يعقوب المنصور الموحدي الذي ينسب له بناء الكثير من المدارس في كل من إفريقيا والمغرب والأندلس.

ومما يؤكد هذا التضارب حول تاريخ تأسيس المدرسة، أن بعض المصادر التاريخية تنفي ظهورها بالمغرب قبل القرن السابع الهجري، ويأتي محمد المنوني بدوره ليثبت تاريخ تأسيس المدارس بالمغرب في العهد الموحدي، وبالضبط على عهد الخليفة المرتضى، الذي أسس مدرستي القصبة، وجامع المرتضى وهو جامع ابن يوسف بمراكش.”[3]

إلا أن المدارس كمؤسسات تعليمية، عرفت في العهد المريني ازدهارا واسعا واهتماما كبيرا من لدن السلاطين الذين أسسوا عدة مدارس في المدن المغربية، وخاصة مدينة فاس التي عرفت في هذا العهد ازدهارا ثقافيا كبيرا، فأصبحت قبلة للعلماء، ولم يقتصر مشروع بناء المدارس على مدينة فاس وحدها، بل استفادت منه مدن أخرى كسلا ومكناس ومراكش وغيرها.

لكننا نرى أن المدارس العتيقة ذات المنحى الشرعي ظهرت في المغرب مع الفتوحات الإسلامية مع عقبة بن نافع، وحسان بن النعمان، وموسى بن نصير. وكان الهدف من هذه الفتوحات هو نشر الدين الإسلامي في المغرب والأندلس وتفقيه الناس في العلوم الشرعية وأصول الدين و اللغة العربية. وكانت المساجد والجوامع بطبيعة الحال فضاءات للتوريق (الوعظ والتذكير والاستغفار والإستتابة) والتدريس والتعليم.[4]

الفتح الإسلامي للمغرب وبروز المدارس العتيقة

حينما يطلق المغرب قديما فإنه يراد به المغرب الإسلامي الكبير من القيروان إلى طنجة، ولقد بدأ التفكير في فتح المغرب منذ خلافة عمر رضي الله عنه، إذ تروي كتب التاريخ أن عمرو بن العاص والي عمر بن الخطاب على مصر، استشاره في فتح إفريقية فمنعه من ذلك وقال له : تلك المفرقة وليست بإفريقية،[5] حيث أمر القائد بن أبي سرح بغزوها فتمكن من فتحها سنة 27 هـ، ولكن الجيش الإسلامي لم يستطع التوغل فيها نظرا لكثرة أهلها إلا بعد أن وصلهم المدد من عثمان رضي الله عنه، وكان على ملك إفريقية يومئذ ملك اسمه جرجير يملك ما بين طرابلس وطنجة تحت ولاية هرقل، فتمكن المسلمون من التغلب عليه وقتله،[6] وبهذا تم فتح إفريقية.

أما المغرب الأقصى فلم يتم فتحه إلا في خلافة يزيد بن معاوية وذلك على يد عقبة بن نافع سنة 62هـ الذي نشر الإسلام في أقاصي المغرب من سوس إلى درعة إلى طنجة، وكان أول أمير للمسلمين وطئت خيله المغرب الأقصى،[7] ولكن المغاربة لم يثبتوا على الإسلام طويلا بعد فتح عقبة، إذ سرعان ما انقلبوا عليه واستغلوا  فرصة تسريحه الجيش، وقتلوه ومن معه من الصحابة على يد قائدهم كسيلة،[8] فأظهر هذا الحدث أن الإسلام لم يستقر بعد في المغرب، وأن ما قام به عقبة بن نافع ما هو إلا مجرد غزو تعرف فيه الأمازيغ إلى العرب ودينهم وآفاقهم ونظام حكمهم وتناقلوه فيما بين قبائلهم،[9] ولم يكف ذلك لاستقرار الأوضاع فيه، بل بقي أمر الإسلام فيه مضطربا إلى أن قدم إليه موسى بن نصير سنة 88هـ، فيتلافى أمره ويلم شعثه.[10]

برزت المدارس القرآنية إلى الوجود بالمغرب كما قلنا سابقا مع الفتوحات الإسلامية مع عقبة بن نافع أولا، وحسان بن النعمان ثانيا، وموسى بن نصير ثالثا. فأهم تنفيذ فعلي لتشييد هذه المدارس الدينية وتنشيطها وتفعيلها بدأ في عهد حسان بن النعمان الحساني، أحد ولاة أفريقية من قبل عبد الملك بن مروان. فإنه كان من الممهدين السبيل لتقدم الثقافة العربية واستقرار الحضارة الإسلامية بالمغرب. فدون الدواوين، ورسًم اللغة العربية، أي جعلها لغة الدولة الرسمية، فأوجب بذلك تعلمها على السكان، المسلمين وغير المسلمين. ثم بعد ذلك، أنزل عمر بن عبد العزيز بإفريقية والمغرب عشرة من الفقهاء يعلمون الناس القرآن ويفقهونهم في الدين.[11]

ويقول عبد الله كنون في هذا الشأن: “إن المغاربة لم يعادوا الإسلام في أول الأمر. ولم يقاوموه تلك المقاومة العنيفة إلا لجهلهم بحقيقته، وعدم إحاطة علمهم بمحاسنه ومزاياه. وقد فطن لذلك الولاة العرب بعد حين؛ فرتبوا لهم الفقهاء والقراء يلقنونهم العربية ويبصرونهم بالدين. فلما اكتنهوا كنهه، وعرفوا حقيقته، وتمرسوا بتعاليمه السامية وآدابه العالية، أصبحوا من أكبر دعاته وأحمى أنصاره. فجاهدوا في سبيله الجهاد الأكبر، وبذلوا النفس والنفيس لإبلاغ دعوته إلى أقاصي البلاد. فهم الذين فتحوا الأندلس وسهلوا طريقها للعرب، ومازالوا بعد ذلك حاميتها وذادتها إلى آخر العهد بها. وهم الذين اقتحموا مجاهل إفريقية، وحملوا الهداية الإسلامية والثقافة العربية إلى السًوادين كما هو معلوم”.[12]

ومن الجوامع الدينية الإسلامية التي تأسست إبان تأسيس دولة الأدارسة بالمغرب جامع القرويين الذي يعد أقدم جامعة إسلامية في العالم، فقد بني في فاس سنة 245ﻫ من قبل سيدة كريمة فاضلة هاجرت مدينتها القيروان متجهة نحو المغرب، فاستقرت بفاس، وتسمى هذه المحسنة أم البنين الفهرية. كما تأسس في المغرب العديد من المدارس التعليمية والمؤسسات التربوية الدينية التي تعنى بمدراسة الفقه المالكي وتعليمه وشرح مؤلفاته وتفسير متونه على يد مجموعة من العلماء الذين ارتحلوا إلى الأندلس والحجاز ومصر من أجل الحج أونهل العلم أو التفقه في المذهب المالكي. ومن المعروف أن جامع القرويين منذ عهد الأدارسة أخذ على عاتقه مهمة تدريس المذهب المالكي وتقييد شروحات مدوناته وهوامشه وحواشيه. ولما عاد العلماء الرحالون إلى المغرب بدأوا في نشر المذهب المالكي وتفسيره والحكم به في الفتيا والقضاء والعدالة والتوثيق، وقاموا بتأسيس قواعد العلم ومعاهد الدين في مختلف أنحاء البلاد.[13]

التجربة المرابطية والموحدية.. الرباطات كتمهيد لتأسيس الدولة

رغم أنه لا شيء يؤكد بالمطلق التأسيس الفعلي لدولتي المرابطين والموحدين من داخل الأروقة التعليمية، إلا أن كل المؤشرات تؤكد على الدور البارز الذي لعبه الجهاز التعليمي في إرساء القواعد الإيديولوجية للدولة، بل والتهييء للقتال لدحر البنيات السياسية القائمة.[14]

وتشير الوقائع التاريخية إلى بعض المراكز التعليمية كفضاء لإنطلاق دعوات سياسية ودينية جديدة أخذت تسمية الرباطات، وترد  أخبار من قبل المؤرخين حول “رباط أكلو” على الساحل الأطلسي بضاحية تيزنيت بسوس، الذي جلس فيه للعلم لدى “وجاج (وكاك) بن زلو اللمطي”، “عبد الله ابن ياسين” الزعيم الروحي للمرابطين. قبل أن ينشأ رباط له في الصحراء بعدما أخذ عن أبي عمران الفاسي بالقيروان نصيبا من العلم، حيث عاد إلى سوس بالمغرب وبنى بها دارا لطلبة العلم وقراءة القرآن سماها “دار المرابطين”.[15]

وبعد أن وطد المرابطون أسس الحكم اهتموا كثيرا بالعلوم والفنون والآداب، وأسسوا عدة مدارس لتلقين المعارف والآداب وتدشين الجوامع الدينية لتدريس العلوم الشرعية والفقهية. كما تحققت في هذا العصر أيضا نهضة فكرية وفلسفية يشهد بذلك المؤرخون العرب والأجانب. ومن أهم المنجزات في هذا العهد توسيع جامع القرويين وتزيينه والاهتمام به اهتماما كبيرا، كما تم تأسيس جامع ابن يوسف بمراكش ليكون مثل جامع القرويين بفاس. ويعد عصر المرابطين عصر انبثاق المدارس الإسلامية الأصيلة وانتشار المراكز الثقافية في فاس ومكناس ومراكش وفي جميع ربوع سلطنة حكام الدولة المرابطية وخاصة في عهد يوسف بن تاشفين وأبنائه. وقد خرجت المدارس التي بناها المرابطون في المدن والبوادي وخاصة في منطقة سوس مجموعة من العلماء النابهين في تخصصات عدة رفعتهم إلى مصاف رجال الفكر في العالم الإسلامي. وقد بلغت مدارس سوس نحو أربعمائة مدرسة، تحدث محمد المختار السوسي في كتابه: «سوس العالمة» عن خمسين مدرسة منها، وفي «مدارس سوس العتيقة » عن مائة مدرسة منها. وكانت القبائل هي التي تمول هذه المدارس عن طريق تخصيص بعض أعشار محصولاتها الزراعية لها، وتحبيس بعض الأملاك من أجل الصيانة والتموين وتحمل تكاليف المدرسة، وكانت القبائل السوسية تتنافس في بناء المدارس بالجبال والسهول، وكانت لكل قبيلة مدرسة أو مدرستان أو ثلاث مدارس.[16]

ومن أبرز المدارس التي شيدت في عصر المرابطين إضافة إلى ما سبق نذكر: “مدارس سبتة”، ويذكر ابن الآبار عدة مدارس أخرى كانت بطنجة، وأغمات وسجلماسة، وتلمسان، ومراكش. وكانت هذه المدارس تأوي علم القيروان وثقافة الأندلس المشهورة، حيث نبغ فيها أعلام كبار، منهم في علم الفقه والحديث أبو علي كما نبغ منها القاضي عياض، وأبو الوليد ابن رشد مؤلف كتاب المقدمات الأوائل للمدونة، والبيان والتحصيل، إلى آخر كتبه القيمة”. وهكذا، يتبين لنا بأن عصر المرابطين هو عصر انبثاق المدارس العتيقة التي بدأت تعتمد على طرائق عدة في مجال التعليم والتدريس كالطريقة القيروانية، والطريقة الأندلسية، والطريقة المشرقية، والطريقة المغربية.[17]

وبالانتقال إلى التجربة الموحدية، نجد أن استراتيجية “محمد ابن تومرت” (المهدي بن تومرت) زعيم الموحدين لا تختلف كثيرا عن النهج الذي سلكه ابن ياسين، فبعد عودة ابن تومرت من المشرق حيث أخذ قسطا وافرا من العلم، نزل بلاد المغرب يدعو إلى العقيدة الأشعرية، وقد مر في كل من تونس والجزائر قبل أن ينتهي به المطاف بالمغرب في ايكلي (إكيليز) في بلاد هرغة بسوس حيث قومه، “فبنى هناك رابطة للعلم والعبادة واجتمع اليه الطلبة والقبائل يعلمهم المرشدة في التوحيد باللغة الأمازيغية… وكان ابن تومرت يسمي أصحابه “الطلبة” وأهل دعوته “الموحدين”.[18]

يعد عصر الموحدين عصر انتشار العلم ورواج الثقافة ونهضة الفكر والفلسفة وبناء المعاهد والمدارس الدينية وظهور بيت الطلبة الذي كان يسهر عليه رئيس متميز منتقى من الطلبة المجتهدين المتفوقين تدبيرا وتسييرا وإشرافا. وهذا البيت كان بمثابة مجمع علمي يؤمه الطلبة من كل حدب وصوب، كما كان يدرس فيه فقهاء راسخون في العلم لهم صيت كبير في الدولة بمؤلفاتهم المشهورة ومصنفاتهم الموسوعية العديدة. ومن هنا، فقد عرف هذا العصر بناء: «عدة مساجد ومدارس في كل من أفريقية والأندلس والمغرب، ومنها المسجد الأعظم بمدينة سلا ومدرسته الباقية إلى الآن شاهدة بأن هذا المسجد يضاهي القرويين في الضخامة والجفوة كان من معاهد العلم المقصودة حتى احتيج إلى بناء مدرسة حوله. ويعد بناء المدارس في هذا العهد من مظاهر التقدم العلمي، وقد أصبح تقليدا متبعا حتى من أفراد الشعب. ونشير هنا بالخصوص إلى مدرسة الشيخ أبي الحسن الشاري من أعلام هذا العصر التي أنشأها في مدينة سبتة وكان لها صيت بعيد.[19]

العصر المريني.. تزايد المدارس والمراكز التعليمية، وتنوع في العلوم والمناهج

من المعلوم أن الدولة المرينية اهتمت اهتماما كبيرا بالعلماء والفقهاء والأدباء وطلبة العلم، وبنت مدارس وجوامع عديدة إلى درجة التخمة، أخضعتها للزخرفة والنقش والتزيين والتوسيع والمساعدات المادية والمعنوية. كما اهتمت هذه المدارس والجوامع والروابط بأنواع ثلاثة من العلوم وهي: العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير، والعلوم الأدبية التي تتمحور حول الشعر وروايته، والعلوم الكونية من فلسفة ومنطق ورياضيات وفلك… وامتاز هذا العصر بتفريع العلوم والتوسع فيها تبسيطا وتحشية وتقييدا واختصارا وتدوينا واستنباطا. أضف إلى ذلك أن الطلبة في هذا العصر، كانوا لايستنكفون من الطلب ولو بعد بلوغ المرتبة العليا في التحصيل. فقد كانت هناك طبقة منهم لايمكن أن يقاس بها أكابر علمائنا الآن، لاتفتر عن الطلب، وهي بعد من كبار العلماء. واعتبر بما حكي عن الكانوني، وكان من أئمة الفقه، الذين لايشق لهم غبار، أنه كان يدرس المدونة بالقرويين، ويأتي عليها بأبحاث وتعاليق وشروح مستجدة، فكان يجلس إليه أكثر من مائة معمم، وهم حفاظ المدونة إذ ذاك. وهذا حافز قوي لما ذكرناه كان من نتيجته أن اتسعت دائرة هذه العلوم اتساعا عظيم.[20]

إن تأسيس المدارس خارج أسوار فاس كان واقع يشهد به التاريخ، فبالإضافة إلى سلسلة المدارس التي تم تأسيسها في فاس، بداية بمدرسة الصفارين التي بناها السلطان المريني أبو يوسف سنة 1280م، وانتهاء بسبعة مدارس أخرى كان آخرها المدرسة البوعنانية. فقد أسس السلاطين المرينيين مدارس في كل من: مكناس، سلا، مراكش، طنجة، الرباط، سبتة، تازة، ومناطق أخرى بلغت في المجموع أحدى عشر مدرسة.[21] وإذا صح أن استراتيجية المرينيين بالنسبة للتعليم هي محاصرة القرويين والحد من معارضة العلماء للحكم، فان امتداد المدارس المرينية بعيدا عن القرويين سيكون من أجل تحويل الاهتمام بالقرويين وبمدينة فاس عموما، من خلال سياسة عدم تركيز الخدمة التعليمية في مدينة بعينها، مع الإشارة إلى أن عدد المدارس التي أسست في تلك المدن قد لا يتطابق مع مثيلاتها في فاس، حيث حظيت هذه المدينة بعدد كبير من المدارس أسست بمبادرة من المرينيين.[22]

عصر السعديين.. والوظيفة التعليمية للزوايا

على الرغم من قوة الدولة السعدية وقوة اقتصادها وعظمة حضارتها، إلا أن الجمود كان هو الطابع الغالب على الحياة الفكرية والمظهر الثقافي على غرار الشرق الذي دخل مرحلة الركود والانحطاط مع الوجود التركي في العالم الإسلامي. ومن ثم، فقد أصبح التعليم الشرعي في هذا العصر يعتمد على الشروح والمنظومات التعليمية والمختصرات العقيمة، والتلاعب بالمصطلحات والمفاهيم والتعمية في الحواشي والتقييدات، وتعقيد العلوم والمعارف والفنون. وهكذا، يتبين لنا أن السعديين اهتموا بدورهم بالمدارس العتيقة، وتخرج منها سلاطين الدولة كأحمد المنصور الذهبي إلا أن الوضع التعليمي بالدولة في تلك الفترة كان كاسدا بسبب الجمود والاجترار والتقليد وحشو عقل المتعلمين بالمنظومات والمختصرات العقيمة.[23]

واذا كان التعليم الديني قد عرف جمودا على المستوى الرسمي في عهد السعديين، فالأمر كان على العكس من ذلك على المستوى الشعبي. “وذلك من خلال الزوايا التي تناسلت في الفترة السعدية بشكل مثير للانتباه، فبروز الزاوية وحضورها المكثف كفضاء للتعليم، هو ما يميز التجربة التعليمية في هذه المرحلة. ومؤشرات هذه الملامح يمكن رصدها من خلال امتداد نفوذ بعض الزوايا خارج إطار وجودها الأول من الزوايا الأصل، وانشاء زوايا للتعليم والتصوف في مناطق أخرى”[24].

عصر العلويين.. تدخل السلاطين والاتجاه نحو المأسسة

يمتاز عصر العلويين بكونه عصر انتشار المدارس العتيقة وبناء المساجد والمعاهد الدينية والروابط التربوية والكتاتيب القرآنية، واتساع شأن الزوايا في التهذيب الروحي والتثقيف الديني. وقد شهد جنوب المغرب أيضا في عصره نهضة علمية في الآداب والعلوم واللغويات والفنون والشرعيات. أما السلطان محمد بن عبد الله العلوي فقد أدخل إصلاحا على التعليم، فركز على العلوم النقلية والتوجه العقائدي السلفي، والعناية بنشر كتب السنة وتعويضها عن كتب الفقه، ومنع تدريس الفروع والعلوم العقلية كعلم الكلام والفلسفة والمنطق وتصوف الغلاة والقصص الإخبارية. وتابع الملوك العلويون سياسة بناء المدارس العتيقة والمعاهد الإسلامية إلى يومنا هذا. إلا أنه في مرحلة الحماية الأجنبية على المغرب (1912-1956م) كان هناك نوعان من المدارس: مدارس عصرية تدرس فيها اللغات والعلوم الدنيوية الحديثة من آداب ورياضيات وفيزياء وفلسفة ومنطق وتاريخ وجغرافيا بمناهج أكثر حداثة وتخصصا وتعميقا وتدرجا في المعارف على ضوء معطيات علوم التربية ومقاييس السيكولوجيا، ومدارس تقليدية أصيلة تتمثل في جامع القرويين وجامع ابن يوسف والمساجد والجوامع والزوايا والروابط تتخصص في تدريس العلوم الشرعية واللغوية والأدبية بطرائق عتيقة أكل عليها الدهر وشرب. وبعد الاستقلال، أخذ المغرب يشيد المدارس العصرية العمومية على ضوء الفلسفات التربوية الغربية مع الاستفادة من تطور التعليم الفرنسي والإسباني. وفي نفس الوقت، ترك المدارس العتيقة لتقوم بأدوارها التربوية والدينية المعهودة إلى جانب إيجاد ما يسمى بمدارس التعليم الأصيل التي كانت تدرس فيها العلوم الشرعية واللغوية والأدبية واللغات والعلوم الحديثة.

ومع ظهور الظهير الشريف 13. 01 في29 يناير 2002م، ارتأت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي أن تقوما بالإشراف على المدارس العتيقة تدبيرا وتسييرا وتأطيرا ومراقبة وتمويلا حسب الإمكانيات والظروف مع خلق جسور منفتحة بين التعليم العتيق والتعليم الأصيل والتعليم العمومي. ويلاحظ اليوم أن ثمة الكثير من المعاهد الدينية والمدارس العتيقة التي تتولى تدريس المواد الشرعية، وتقوم بتلقين العلوم القرآنية والدراسات الحديثية وعلوم اللغة من أجل تفقيه التلاميذ والطلبة في مجال الدين الإسلامي والشريعة الربانية لتكوين حفظة القرآن وأئمة المساجد والخطباء.

المراجع
[1] عبد الله كنون، "النبوغ المغربي في الأدب العربي". بدون دار النشر وبدون تاريخ (ص:75)
[2] المهدي السعيدي، "المدارس العتيقة وإشعاعها العلمي والأدبي بالمغرب: المدرسة الإيليغية بسوس نموذجا" منشورات وزارت الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب الرباط: 2006 . (ص:25), أنظر أيضا: محمد المنوني. "المؤسسات التعليمية الأولى بسوس"، مجلت المناهل عدد:34 (ص:36)
[3] جميل حمداوي. "تاريخ المدارس العتيقة بالمغرب" مجلة: دعوة الحق الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب. عدد 407 سنة:2014 (ص: 25)
[4] جميل حمداوي. "تاريخ المدارس العتيقة بالمغرب"، (ص:26)
[5] أحمد الناصري."الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى"، مطبعة دار الكتاب – الدار البيضاء: 1656  ج 1 (ص:36)
[6] أحمد الناصري."الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى"، مرجع سابق، (ص:37 )
[7]أحمد الناصري."الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى"، مرجع سابق، (ص: 81)
[8]أحمد الناصري."الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى"، مرجع سابق، (ص:81)
[9]ابن خلدون عبد الرحمان .''كتاب العبر وتاريخ المبتدأ والخبر"، دار الكتاب اللبناني، بيورت – لبنان: 1956 م (ج 4 ص:40)
[10]أحمد الناصري."الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى"، مرجع سابق، (ص:95)
[11]جميل حمداوي. "تاريخ المدارس العتيقة بالمغرب" مجلة: دعوة الحق الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب. عدد 407 سنة:2014 (ص: 26)
[12] عبد الله كنون، "النبوغ المغربي في الأدب العربي". بدون دار النشر وبدون تاريخ (ص:42)
[13] جميل حمداوي. نفس المرجع (ص:27)
[14] سعيدي محفوظ. المرجع نفسه (ص:18)
[15] أحمد الناصري نفسه (ج:2.ص:7) بتصرف عن سعيدي.
[16] جميل حمداوي. نفس المرجع (ص:31)
[17] نفسه (ص:32)
[18] الحسين أسكان. "تاريخ التعليم بالمغرب خلال العصر الوسيط" من منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ضمن سلسلة الدراسات والأطروحات. الرباط: 2004. (ص:159)
[19] جميل حمداوي. نفسه (ص:32-33)
[20]جميل حمداوي. نفسه (ص: 35)
[21] الحسين أسكان. نفس المرجع (ص:60)
[22] سعيدي محفوظ. نفس المرجع (ص: 21)
[23] جميل حمداوي. نفس المرجع. (ص:36)
[24] محمد ظريف. "مؤسسة الزوايا بالمغرب" منشورات الجمعية المغربية لعلم الإجتماع. الرباط:1982 (ص:89)