توطئة

يعتبر علال الفاسي واحدا من الأعلام القلائل الذين شغلوا الساحة العلمية والفكرية والسياسية منذ منتصف القرن العشرين ولا يزال، ومرد ذلك إلى كونه شخصية جمعت مقومات فريدة تشهد بنبوغه وحنكته وريادته ونضاله.

وبالرغم من حضور علال الفاسي الوازن في مغرب القرن العشرين، إلا أن الرجل لم يحض بما يكفي من الاهتمام والالتفات إلى عطائه الفكري، ونضاله الوطني، وحضوره السياسي، ولعل الخصومات السياسية أهم مسببات هذا الإعراض و ودوافع هذا التجاهل، حتى إن الباحث في ما صُنّف عن الرجل ليكاد يجد فقرا لا يليق بالرجل ولا بتاريخه وعطائه.

ولعل كتاب ” علال الفاسي عالما ومفكرا” للدكتور أحمد الريسوني الصادر عن دار الكلمة للنشر والتوزيع سنة 2012 يُرتب – اليوم – على رأس قائمة ما صنّف عن الرجل، ومن أهم الأعمال التي سدّت فراغا بتقديم الرجل، والتعريف بأصول فكره، ومعالمه، ومقوّماته التي تفرّد بها.

وقد اختار الدكتور أحمد الريسوني أن يعرض لهذه الشخصية من بعدين اثنين: العلم والفكر، وإلا فإن تعدد شخصية الرجل تسمح بتناولها من زوايا متعددة تبعا لهذا التعدد الذي عرف به الزعيم علال.

محتوى الكتاب

الكتاب من 259 صفحة، يحتوي مقدمة وفصلين اثنين وخاتمة.

المقدمة:

استهلّها المؤلف بالمقولة القديمة: ” لولا  “عياض” لما عُرف المغرب. لينسج على منوالها قائلا: “لولا علال ما ذُكر المغرب، وهي عبارة تشي للقارئ -منذ البداية- أن الدكتور الريسوني قدّم حكم قيمة، يترجم من خلالها موقفه من علال الفاسي، وللقارئ بعد ذلك أن يتابع أو  يتوقف.

في ثنايا مقدمة الكتاب سيواصل الدكتور الريسوني تفكيك معالم شخصية علال الفاسي من خلال حضوره الوازن عالميا عبر مشاركاته العلمية والسياسية، وترحاله المتواصل، واتصالاته المتعددة التي جعلت المغرب “مذكورا بدرجة ومكانة لولا علال لم تكن”. ثم يعلق أن “عناية الناس بعلال الفاسي الزعيم السياسي الوطني، هي أضعاف عنايتهم به بوصفه عالما ومفكرا”، مستعرضا سياق شهرته بـ “الزعيم علال” أو “الرئيس علال” معتبرا أنهما صفتان سياسيتان، قلصتا من صورته العلمية والفكرية. ويبرر انصرافه إلى اقتصاره على العناية بـ “علال الفاسي العالم والمفكر” وذلك من أجل إعطاء هذا الجانب من شخصيته وجهاده بعضا من حقّه، وإخراجه من الدائرة السياسية الضيقة، ومن الدائرة الحزبية الأضيق.

الفصل الأول:

أما الفصل الأول من الكتاب فاختار له عنوان: علال الفاسي: حياته وفكره، وجعله من مبحثين كبيرين: الأول: حياته وجهاده، وخصه للتعريف بحياة علال الفاسي التي وطّأ لها بالحديث عن حالة المغرب يومئذ، ثم عرّف بمولده ونسبه ودراسته وشيوخه ونبوغه المبكر ثم وفاته. وخص المبحث الثاني: علال الفاسي: آراؤه واجتهاداته، لعرض نماذج من أفكاره واجتهاداته العلمية التي تخبر بعلوّ كعبه منذ شبابه، وهي أفكار واجتهادات تعقبها المؤلف في مواضع من كتبه وبحوثه ومحاضراته.

الفصل الثاني:

أما الفصل الثاني:  فخصه لعرض مؤلفات علال الفاسي، مع تقديم خلاصات ومحتويات أحد عشر كتابا يعتبرها المؤلف أهم ما صنّف علال الفاسي، “لأنه ألفها قاصدا ونشرها في حياته”. وقسّمها إلى قسمين: قسم خاص بمؤلفاته في العلوم الشرعية، وقسم خاص بمؤلفاته الفكرية.

الخاتمة:

أما الخاتمة فضمنها عددا من الخصائص والسمات التي ميّزت فكر علال الفاسي، وتتبّع فيها بعض ما يشهد لمكانته الفقهية واجتهاده في علوم الشريعة، وحصر  سمات فكر الرجل في العناوين الخمسة التالية:

1- التمسك بالثوابت واعتبار المتغيرات 2 – فكر مقاصدي تجديدي  3 – الجمع بين العلم والسياسة 4 – فكر مقارِن مُوازِن 5 – فكر واقعي ميداني.

وكأني بالخاتمة جاءت “عودا على بدء”، لأنه قدّم فيها ما يشهد لنبوغ علال الفاسي الذي أهّله ليكون شخصية علمية عالمية حق للمغرب أن يفتخر بها، ويعيد إلى ذهن القارئ مقولته في حق علال الفاسي “لولا علال ما ذكر المغرب” الذي استهل به مقدمة الكتاب.