الاسم والنسب[1]

الفقيه العلامة المطلع القاضي العدل أبو عبد الله محمد الهاشمي بن عبد الله بن الهاشمي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي النازل بسلا، وهو من عائلة “أولاد بن خضراء” (الخضراويون) إحدى العائلات الكبيرة المشهورة بالعلم والفضل والدين بمدينة سلا، تنتسب إلى القرية الخضراء، إحدى قرى الساقية الحمراء بالصحراء المغربية. ومن القرية الخضراء هذه، انتقل بعضهم إلى السكنى بسلا في حدود منتصف القرن 18م، ,اعلى جدِّ لهم بسلا يعرف اسمه بعلي ابن خضراء[2]. كما انتقل بعضهم إلى فاس ومكناس وبعضهم بجبل العلَم بشمال المغرب بجبال غمارة، واستقر آخرون بأرض فلسطين وآخرون بالحجاز. وهي أسرة معدودة من الشرفاء الأدارسة كما صرح العلامة عبد الله بن خضراء والد مترجمنا، قال الشيخ محمد بن الفاطمي عن هذه الأسرة: “بيتهم عريق في الحسب والنسب، والنبل والعلم، فلا يسمع فيه إلا العلامة ابن العلامة وهكذا، أما التعدد فينبئ عن فضيلة النسب الإدريسي الشريف، وعن فضيلة العلم”[3].

المولد والنشأة

ولد مترجمنا بمدينة سلا سنة 1298ه/ 1880م، نشأ في كنف والده العلامة عبد الله ابن خضراء، قاضي فاس في وقت كان صاحب هذا المنصب يمثل الشخصية الأولى في مجال العدالة، كما كان المستشار المؤتمن للسلطان المولى عبد العزيز؛ وعبد الله هذا أشهر شخصيات هذه الأسرة علما وفضلا ومجدا. تربى مترجمنا في أحضان العلم والفضيلة، ألحق بالكتّاب فقرأ القرآن الكريم على الفقيه ابن عبد الرحمان السلاوي بمكتبه الكائن قرب المسجد الأعظم، ثم قرأ القراءات السبع على الفقيه الحاج محمد بريطل.

التحصيل العلمي

أخذ مترجمنا بداية بمدينة سلا عن والده علوما كثيرة فصار عمدته، كما أخذ عن علماء منهم: شيخ الجماعة أبو العباس أحمد ابن الجريري الذي درس عليه النحو بالأجرومية وبالجمل وبطرف من الألفية؛ والعلامة أبو الفضل الطيب بن المدني الناصري الذي درس عليه النحو بالأجرومية والألفية، والفقه بالمختصر والمرشد المعين؛ حتى إذا تولى والده القضاء بفاس، تاقت نفسه إلى الانخراط في سلك القرويين، فكانت الفرصة للأخذ عن شيوخ مشهورين أمثال: العلامة أحمد بن الطالب ابن سودة الذي أجازه إجازة عامة، والشيخ عبد السلام بن محمد الهواري، والشيخ مَحمد بن الشيخ قاسم القادري، والشيخ أحمد بن محمد ابن الخياط الزكاري، والشيخ أحمد بن الجيلالي الأمغاري، والشيخ الحاج مَحمد كنون والشيخ خليل بن صالح الخالدي الحسني وآخرون، وقد دام مقامه بفاس حوالي ستة أعوام من 1316إلى 1322هـ / 1898م إلى 1904م.

الرحلة إلى المشرق

رحل مترجمنا إلى الحجاز لأداء فريضة الحج سنة 1322هـ/ 1904م، فاغتنم هذه الفرصة للقاء عدد من علماء الشام ومصر وسورية ولبنان وتركيا نذكر منهم: الشيخ حسين الحبشي الباعلوي، وحسب الله المكي الشافعي، والشيخ أحمد البرزنجي عالم المدينة المنورة، والشيخ عبد الله القدومي شيخ الحنابلة بالحجاز، والشيخ سليم البشري الأزهري ويوسف بن إسماعيل النبهاني عالم بيروت وغيرهم كثير، وقد لقيهم مترجمنا خلال رحلتيه إلى الحجاز وأجازوه إجازة عامة شفوية ومكتوبة، وأغلب هذه الإجازات لازالت محفوظة في مكتبته.

جهوده في التدريس والإقراء

عاد مترجمنا إلى مسقط رأسه سلا، فاشتغل بالتدريس وانتفع بعلمه خلق كثير، فدرّس بضريح الشيخ عبد الله بن حسّون السلاوي وبالمسجد الأعظم الأجرومية وطرفا من الألفية وطرفا من الهمزية، وكان يقرئ في شهر رمضان صحيح البخاري، وفي شهر ربيع الأول همزية الإمام البوصيري.

ثم انتقل إلى سلم الوظيف، فاختير برتبة العدالة بديوانة العرائش ثم بديوانة الدار البيضاء، ثم العضوية بالمجلس الحديثي الذي كان يعقده السلطان المولى عبد الحفيظ، ثم العضوية بمجلس الاستئناف الشرعي الأعلى بالمشور السعيد زمن الملك مولاي يوسف الذي كان يستشيره في بعض القضايا التي يعرضها عليه الفرنسيون ليتأكد من عدم مصادمتها للشرع. ثم تولى منصب النيابة عن رئيس مجلس الاستئناف، ثم رئاسة مجلس الاستئناف الشرعي الأعلى خلفا للعلامة عبد الرحمان بلقرشي بعد انتقاله إلى وزارة العدلية، ثم القضاء بفاس بأمر من الملك محمد الخامس.

الانتقال إلى الدار البيضاء

انتقل مترجمنا إلى الدار البيضاء عام 1350هـ/1932م، ليشغل منصب القضاء إلى حدود سنة 1373هـ/1955م، فكان فيها كما في غيرها مثال القاضي الورع الأعْدَل الذي أدى وظيفته بدون رشى ولا مداهنة، ولم تحدثه نفسه بامتلاك بعض ما كان تحت يده من عشرات الهكتارات الصالحة للبناء، ولقد مات رحمه الله وهو لا يملك دارا لا بالدار البيضاء ولا بسلا، ومن ورعه أنه رفض قدرا مهما من تركة أحد الأثرياء المدعو ابن عمرو بالرغم من كونه قدّم لورثته خدمات جليلة. وكان المغفور له محمد الخامس يستشيره في كبريات المسائل ويدعوه إلى القصر الملكي بالرباط لهذا الأمر، ومناقبه في العدل والنزاهة والتعفف مشهورة ليس هنا مقام إيرادها.

كفاحه الوطني

على غرار عدد من العلماء الأعلام، كانت مواقف مترجمنا من الاستعمار الفرنسي تخبر بمعدنه، فقد كان من الموقعين على العرائض التي قدمها حزب الاستقلال وبعض الوطنيين للمطالبة بالاستقلال سنة 1944م، ومن الموقعين الرافضين لمؤتمر الطرقيين المنعقد بفاس سنة 1952م والذي كان القصد منه الوقوف في وجه الملك محمد الخامس طيب الله ثراه. كما عرف عنه مقاطعته للحفلات التي كان الفرنسيون يدعونه لحضورها. وخلال تلك الفترة كان يزاوج بين القضاء والتدريس والوعظ في مسجد دار المخزن والجامع المحمدي. وعند نفي محمد الخامس، ترك مترجمنا وظيفته والتحق بمدينة زرهون ليجاور ضريح المولى إدريس الأكبر في انتظار عزل الفرنسيين له، حتى إذا تمّ له ذلك، سرّ به غاية السرور. وعند عودة المغفور له محمد الخامس، اتخذه مستشارا له، كما وشحه جلالة الملك الحسن الثاني بوسام الاستحقاق العلمي سنة 1965م.

آثاره العلمة

بالرغم من انشغاله بالقضاء، ترك مترجمنا أعمالا تحتاج إلى عناية منها:

  • إتمام شرح والده على همزية البوصيري وهو في سفرين اثنين.
  • ترجمة والده في مجلد.
  • مجموع فتاواه.
  • خطب جمع وأعياد.
  • مجموع أحكامه التي أصدرها على مدى 40 سنة.
  • شعر حسن في بعض المناسبات الدينية والوطنية.

وفاته

توفي رحمه الله بمدينة سلا في اليوم الرابع من محرم عام 1392هـ/ 19 فبراير 1972م، ودفن بضريح الشيخ محمد المفضل بطالعة سلا.

المراجع
[1] أنظر كتابنا: الإدريسي مولاي أحمد صبير. (2020). مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء. دار الرشاد الحديثة. الدارالبيضاء. صص: 307-312.
[2] حجي محمد، معلمة المغرب، ج11، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2000، ص 3743.
[3] محمد بن الفاطمي: إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين، ص 64.