مقدمة

سيدي حمو الطالب، أو سيدي حمو لْباب ن أو مارك ؛ أي سيدي حمو منشئ الشعر، من رواد الشعر الأمازيغي عبر العصور، وخاصة في منطقة سوس. وإسمه هو حمو بن عبد الله، وقد ورد في المصادر بصيغ أخرى غير ما ذكر: كالطالب سيدي حمو الراسلوادي، وسيدي حمو الزكَموزي، وسيدي حمو كَوتفنوت، وسيدي حمو كَوتغكَالت. وكلها أسماء وألقاب تشير إما إلى شاعريته أو ثقافته، أو المناطق التي ينحدر منها.[1] وبالإضافة إلى شعره الذي كان ينبض حكمة، فإن سيد حمو كان أيضا عالما ومتصوفا ومن صلحاء المنطقة، وكان من تلامذة العلامة الحسين الشرحبيلي تلميذ الزاوية الناصرية.[2]  ولقد أهله بنبوغه في شعر الحكمة ليفتح أمام الشعر الأمازيغي آفاقا عالمية دفعت عددا من الباحثين الأجانب منذ القرن التاسع عشر إلى التنقيب عن شعره وتوثيقه وترجمته إلى عدد من اللغات العالمية؛ حيث صدرت أول ترجمة لمنتخبات من شعره بالألمانية في مدينة لايبزيغ الألمانية سنة 1895م، وصدرت الترجمة الإنجليزية في لندن سنة 1907، ثم أول ترجم إلى اللغة الفرنسية سنة 1905م…[3]

مولده ونشأته

اختلفت المصادر التاريخية حول مسقط رأس الشاعر سيدي حمو الطالب. فقد أورد الأستاذ والباحث عمر أمرير عددا من تلك الأماكن كما وردت في تلك المصادر، وهذه الأماكن هي[4]:

  • مدشر “تاغ كَوالت”، في قبيلة آزكروز (بمنطقة راس الواد بسوس
  • آزكروز؛ وهي مجموعة مداشر، تكون جزءا من قبيلة ” تيفنوت”،
  • قبيلة “تيفنوت” في المنطقة المعروفة في سوس ب”راس الواد”،
  • منطقة “مولاي ابراهيم” (نواحي مدينة مراكش) والقائلون به يعتبرونه مدفن الشاعر،
  • قبيلة “سكتانة” في منطقة واد النفيس وليس “سكتانة” نواحي مدينة تارودانت،
  • “أولوز”، وهي ليست قبيلته ولكنه فُتح عليه في دوار (مدشر) “تامكَوت” التابعة لأولوز.
  • وادي “زاكَموزن” بإقليم تارودانت.

وقد رجح الباحث أن تكون ولادته في قرية “تاغكَالت” بقبيلة تيفنوت بإقليم تارودانت في السفوح الجنوبية للأطلس الكبير الغربي، غير بعيد عن قمة توبكال أو بوتقال.[5]

وكما اخْتُلف حول مسقط رأسه، فقد اخْتُلف أيضا حول تاريخ ولادته، حيث لم تذكر المصادر التي تحدثت عنه تاريخا محددا لميلاد الشاعر سيدي حمو الطالب. وقد أوردت تلك المصادر معلومات تنسب الشاعر إلى عصور مختلفة، فنسبه بعضهم إلى ما بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، وبعضهم الأخر إلى القرنين الميلاديين السابع عشر والثامن عشر.[6]

بعد مناقشته لمختلف تلك التخمينات حول عصر الشاعر، أكد عمر أمرير أنه من رجالات القرنين السابع عشر والثامن عشر، كما ذهب إلى ذلك العلامة المختار السوسي والذي اعتبره من علماء النصف الأخير من القرن الثاني عشر الهجري إلى أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وهي الفترة التي توافق الربع الأخير من القرن السابع عشر الميلادي، إلى بداية الربع الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي. وهكذا يعتقد عمر أمرير أن الشاعر من مواليد 1706م/1118ه، قبلها أو بعدها بقليل.[7] وهذه الفترة توافق فترة حكم السلطان المولى إسماعيل العلوي وما بعد، أي فترة حكم المولى عبد الله ابن إسماعيل والتي تميزت بالاضطراب الشديد لأحوال البلاد وكثرة المتمردين والثوار وخاصة في منطقة سوس، وكذا فترة حكم محمد بن عبد الله وبعده المولى يزيد. وقد عاصر خلال هذه الفترة كثيرا من المتاعب والمصاعب من إضرابات سياسية ومجاعات مهلكة وجفاف مدمر وزحف الجراد على المنطقة.

تكوين سيد حمو الطالب

تدل كلمة الطالب التي أطلقت عليه على أن له تكوينا علميا مهما أساسه إتقان حفظ القرآن الكريم مع افتتاح بعض العلوم والتعمق في فهمها واستيعابها. وهذا يعني أن سيدي حمو الطالب تلقى تكوينه الأول في المسجد وهو طفل وفيه حفظ القرآن، في الختمة الأولى، وقد كان ذلك في مسقط رأسه تاغكَالت بقبيلة تيفنوت. وبعدها سافر إلى منطقة أولوز في سفح الجبل ليواصل حفظ القرآن الكريم بختمات أخرى حتى تمكن من إجادة حفظ القرآن الكريم، مع شروعه في استظهار بعض المتون مثل الآجرومية، والألفية، والمرشد المعين، وقد كان ذلك في مدشر (دوار) تامكَوت بأولوز حيث استضافته أسرة ميسورة بنظام “تارتبيت”[8]… وقد استمر تكوين سيدي حمو الطالب من حوالي 1711م/1123 إلى حوالي 1728م/1141ه.[9]

إن كلمة “الطالب” إذن تعني من بين ما تعنيه أن سيدي حمو الطالب كان عالما أيضا، حيث كانت تطلق في عموم المغرب وإلى عهد قريب على “العالم”. كما أن الشاعر استقر أخيرا في زاوية مولاي إبراهيم حيث صار أستاذا في مدرستها.[10]

شاعرية سيد حمو الطالب

لقد اخترقت شهرة سيدي حمو الطالب الآفاق في مجال الشعر الأمازيغي، وانتشرت أشعاره بين الناس، ومارست تأثيرها في أجيال عدة من النساء والرجال، الأمر الذي وجد صداه لدى عدد من الباحثين الأجانب الذين اهتموا بجمع تراثه الشعري، منذ أواخر القرن التاسع عشر، من أمثال: الدكتور شتوم (H. Stumme)  والكاتب الإنجليزي جونصون (R.L.K.N Johnston) والفرنسيان جيستِنار أو “القبطان الشلح” (L.Justinard) وروكس (Roux.A). وقد اعتبر هؤلاء سيدي حمو أعظم الشعراء الأمازيغ. وقد دفعت شهرته ونبوغه الشعر وتميزه البعض إلى وصفه ب”الكبريت الأحمر” أو ما يسمى ب “الإكسير” الذي يحول المعادن إلى الذهب، حيث كان يحول الألفاظ العادية إلى الأشعار السامية.[11]

وقد بدأت رحلة نبوغ سيدي حمو في الشعر الأمازيغي في قرية تامكَوت بأولوز، وهو النبوغ الذي جاء نتيجة رغبة الشاعر في الإنتقام لبنت الأسرة التي استضافته والتي كانت ضحية هجاء قاسي وجارح من قبل أحد شعراء المنطقة يسمى “باعلّا”.[12] وهي نفس الفترة التي التقى خلالها مع أحد كبار علماء سوس في القرن الثامن عشر وهو العلامة سيدي احساين/حسين الشرحبيلي (توفي 1142ه) والذي أعجب بنباهته ونبوغه الشعري خاصة لما ألقى على مسامعه الأبيات الآتية بالأمازيغية:[13]

إيوا ضيف لّاه نْ سيدي حساين كَادّ أفوس،

أنّكَا غْ إيمي، أننسلّام، أنغر تيبراتين،

لموختاصار نْ شيخ خليل أغد نقّلغ،

ألوقت نْ طازالّيت أدّاك إزوارن دكمّين،

إيغ إيتّاوكلّاف يان إيلازمت الهم نْ طزالّيت،

أر إيتعلام لفرض أولا سّونت إيدوم كَيسنت

وترجمتها العربية ما يلي:

من فضلكم يا سيدي احساين مدوا يدكم،

لأقبلها. وأقرأ الرسائل

نقلت من “مختصر الشيخ خليل”:

إن الصلاة إذا حل وقتها فهي أول ما يؤدى،

وأن على الراشد الاعتناء بالصلاة

يتعلم فرضها وسنتها، ويحافظ على أدائها

وفور سماع الشيخ سيدي احاسين للأبيات دعا له بالتوفيق وقال له: “أذنا لك معاشرا أهل الظاهر كما أذنا لك أهل الباطن”.[14]

وقد تنوعت الموضوعات التي نظم فيها سيدي حمو الطالب شعره، وشملت أغراض عدة، عن الدين والحياة والأخلاق النبيلة، وعن المرأة والحب والزواج، وحول قضايا المجتمع، وحتى عن قيام الساعة والآخرة والبعث أطوارهما، والجنة….[15]

شعر سيدي حمو.. من المحلية إلى العالمية

لقد دفعت جودة شعر سيدي حمو  وانتشار تداوله بين الناس، عددا من الباحثين الأجانب إلى ترجمة مقاطع منه إلى عدة لغات عالمية. وقد كان كتاب “الشعر والشعراء الأمازيغ” للألماني “ه.شتوم” (H. STUMME) أول عمل علمي يترجم شعر سيدي حمو إلى الألمانية سنة 1895م في مدينة لايبزيغ. وقد ترجم فيه شتوم 239 بيتا من شعره إلى اللغة الألمانية. كما قام الباحث بنشر مقالة بعنوان: “سيدي حمو كجغرافي”، وفيها دون ما وصله من أخبار الشاعر، كما أورد فيها 24 بيتا شعريا أمازيغيا  من قصيدة طويلة لسيدي حمو اسمها باللغة الأمازيغية “تاوادا” (الرحلة).[16]

أما الترجمة الثانية فهي الترجمة الإنجليزية لأشعار سيدي حمو من طرف الكاتب البريطاني “ر.ل.ك. ن جونصون” (Johnston R.L.K.N)، في كتابه “أغاني سيدي حمو”، وهو من الكتاب الذين عاشوا وسط المغرب؛ خاصة في الأطلس الكبير عدة سنوات ودرس الشعر الأمازيغي دراسة وافية خاصة وأنه من الباحثين البريطانيين القلائل الذي ن تعلموا اللغة الأمازيغية والعربية.[17]

وفي سنة 1919م صدر للعقيد الفرنسي ليبولد جوستينار (L. JUSTINARD) كتاب عن الأمازيغية أورد فيه 93 بيتا شعريا لسيدي حمو. ونسب في كتاب آخر، نشره سنة 1928، 46 بيتا شعريا إلى سيدي حمو. [18]

كما أن عددا من الباحثين والرحالة الأجانب أوردوا وترجموا عدة منتخبات من شعر سيدي حمو؛ كما هو الشأن مع الطبيب الفرنسي الفرنسي “ب. شاتينيير”(Dr.p. CHATIERES) ، والباحث الفرنسي “ه. باسي” (H. BASSET) وغيرهما.[19]

وفاته

تشير عدد من المصادر التاريخية إلى أن الشاعر كان من المعمرين الذين تجاوز سنهم الثمانين إلى التسعين سنة؛ أي أنه توفي مسنا، لذلك فمن المرجح أن تكون وفاته في أواخر القرن الثامن عشر، في حوالي 88-1789م (1203ه)، وقد كانت وفاته في قرية مولاي إبراهيم نواحي مدينة مراكش، حيث دفن هناك، لكن قبره يظل مجهولا.

المراجع
[1] أمرير عمر، الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب، جامعة الحسن الثاني -بالدار البيضاء، ص 11.
[2] أمرير عمر، الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب، مرجع سابق، ص 26.
[3] أمرير عمر، سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد1706، دار النشر سوماكرام، ط1، الدار البيضاء،2017، ص8.
[4] أمرير عمر، الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب، مرجع سابق، ص 12-13.
[5] أمرير عمر، سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد 1706، مرجع سابق، ص 17.
[6] أمرير عمر، الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب، مرجع سابق، ص 13
[7] أمرير عمر، الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب، مرجع سابقا، ص 13-16
[8] أمرير عمر سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد 1706، مرجع سابق، ص 45.
[9] أمرير عمر، الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب، مرجع سابقا، ص 21-22.
[10] أمرير عمر، سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد 1706، مرجع سابق، ص 18.
[11] أمرير عمر، الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب، مرجع سابقا، ص 26-27.
[12] أمرير عمر، سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد 1706، مرجع سابق، ص 46-49.
[13] أمرير عمر، سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد 1706، مرجع سابق، ص 50-51.
[14] أمرير عمر، سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد 1706، مرجع سابق، ص 51.
[15] أمرير عمر، الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب، مرجع سابقا، ص 59 وما بعدها.
[16] أمرير عمر، سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد 1706، مرجع سابق، ص 118-119.
[17] أمرير عمر، سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد 1706، مرجع سابق، ص 119-120.
[18] أمرير عمر، سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد 1706، مرجع سابق، ص 123.
[19] أمرير عمر، سيدي حمو الطالب شاعر أمازيغي عالمي من مواليد 1706، مرجع سابق، ص 125-127.