بين يدي التقديم

كثيرة هي الكتب التي صنّفها أبناء عن آبائهم، فكانت كتاباتهم تلك، صفحات جديدة شكلت إضافات وازنة كمّلت ما نقص من تراجمهم، وكشفت الغطاء عن خفايا لم تكن معروفة عنهم. وها هي المكتبة العربية كما المكتبة العالمية، تزخر بمصنفات كتبها أبناء عن آبائهم، من أشهرها في العصر الحديث: “أبي طه حسين” لمؤنس طه حسين، “ما تركه الشاعر للريح” لكفاح محمد مهدي الجواهري، “أنت السبب يا بابا” لنوارة أحمد فؤاد نجم، “في بيت أحمد شوقي” لحسين أحمد أمين، “أبي شوقي” لحسين أحمد شوقي… والقائمة طويلة.

وإذا كانت وحدة الموضوع جمعت بين هذه المصنفات، إلا أنها ليست على نمط واحد، فقد تعددت فيها مناهج الكتابة، وتنوعت فيها الرؤى، وتباينت فيها زوايا نظرالأبناء/المؤلفين إلى آبائهم. وما كتاب “الحاج أحمد معنينو المجاهد” لمحمد الصديق معنينو إلا حلقة في هذه السلسلة، وجوهرة في هذا العقد، وخطوة في ذاك المسار ، وهو كتاب لن يكون آخر ما كتبه ابن عن أبيه، ولا آخر ما صنّفه ولد عن والده.

تقديم الكاتب

محمد الصديق معنينو الطنجي السلاوي، من مواليد طنجة سنة 1944م، والده هو المناضل السياسي والوطني الكبير والكاتب المشهور الحاج أحمد معنينو.

محمد الصديق معنينو صحفي وكاتب وإذاعي مرموق، يُعدّأحد أبرز وجوه الإذاعة والتلفزة المغربيتين، قدّم تغطيات ناجحة على مدى عقود لمؤتمرات قمم عربية وإسلامية وإفريقية، كما حضر عددا من دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة واللجنة الرابعة. ارتبط اسمه بتغطية أحداث عالمية في إفريقيا والشرق الأوسط، ورافق المغفور له الحسن الثاني إلى عدد من الدول، مكلفا بنقل مراسيم تلك الزيارات.

أجرى محمد الصديق معنينو لقاءات صحفية مع عدد من الشخصيات السياسية البارزة منهم رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء خارجية… حصل على عدة أوسمة، من داخل المغرب وخارجه. من مؤلفاته: كتاب “الحاج أحمد معنينو المجاهد”، كتاب: “أيام زمان – ج1 ، موكب السلطان”، كتاب: “أيام زمان – ج 2، الفتح المبين”، كتاب: “أيام زمان – ج 3، الخصم والصديق”، كتاب: “سلا في القرن السابع عشر… جمهورية القراصنة”، كتاب: “السلطان والأسير”.

تقديم الكتاب

صدر كتاب ” الحاج أحمد معنينو المجاهد” عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر في طبعته الأولى سنة 2013 في 500 صفحة من القطع المتوسط. وهو كتاب يتبادر إلى الذهن من خلال عنوانه أنه سيرة غيرية قدّم فيها الابن (محمد الصديق) سيرة والده (الحاج أحمد)، إلا أنه وبعد تمحيص وتدقيق، يظهر أنه إعادة إنتاج لمؤلف الحاج أحمد معنينو الضخم (ذكريات ومذكرات 11 جزءا) وتهذيبه برؤية خاصة ومنهجية دقيقة، أغنت عن كل التفاصيل والاستطرادات الواردة في المؤلف الأصل.

الكتاب إذًا،إعادة تركيب لسيرة الوالد (الحاج أحمد معنينو) من خلال صياغة جديدة لما عاشه ودوّنه بخط يده في مؤلفه (ذكريات ومذكرات)، وهي خطوة سبقتها خطوة أخرى، حاول فيها محمد الصديق الانصهار في عوالم (الحاج أحمد) من خلال التعرف على الفضاءات التي ولد وترعرع وعاش فيها والده، قبل الإقدام على إعادة الصياغة لهذا المؤلَّف. يقول محمد الصديق: “(…) ونتيجة لقراءاتي المتسلسلة لتلك الذكريات، والوقوف على أهم أحداثها، اتضحت لي ضرورة دمجها في محيطها الثقافي والاجتماعي، وذلك بانصهاري في البيئة التي وُلد وترعرع فيها الحاج أحمد والأجواء الخاصة التي طبعت حياته بسلا، تلك المدينة التي عشقها ودافع عنها بكل قوة وقناعة. هكذا وجدت نفسي أتجول في أزقة سلا ودروبها وساحاتها، أتوقف لحظات عند مساجدها وأضرحتها، أزور مدارسها وأسواقها، أتعرّف على عائلاتها ورجالاتها، وأكتشف حكّامها وقضاتها. وباختصار شديد حاولت أن أعيش نمط الحياة، كما عاشه والدي طيلة قرن من الزمان، داخل أسوار سلا العتيقة”[1].

إنه شكل متجدد في الإقبال على تراث الوالد، بدأه محمد الصديق معنينو باقتحام عوالم والده الحقيقية التي عاشها بمدينتي طنجة وسلا، ليستتبعه إقدام مدروس على معالجة ما دوّنه في أحد عشر جزءا ضمّت وقائع وأحداثا تحيل جميعها على تلك العوالم.

إنه منهج مخالف تماما لما درج عليه كتاب السيرة الغيرية، مغاير تماما لما تعارفنا عليه في هذا الجنس من الكتابة، ويظهر ذلك بجلاء من خلال عناوين مباحث الكتاب، فبدءًا بالمقدمة العامة ومرورا بـ 67 عنوانا، نجد أنها جميعا إعادة صياغة لما ورد في “ذكريات ومذكرات”، في حين بقي مبحثان اثنان خالصان لمحمد الصديق وهما على التوالي: رحم الله الحاج أحمد، وحفل التأبين.

على سبيل الختم

كتاب ” الحاج أحمد معنينو المجاهد” صيغة جديدة، وشكل متجدد من أشكال كتابة السيرة الغيرية، وصورة من صور العناية بتراث الوالد، وإعادة إنتاج هذا التراث وحفظه مختصرا دون إسفاف، مختزلا دون إخلال، لتكون النتيجة عمليْن اثنيْن بإخراجيْن مختلفيْن.

إنه إضافة نوعية لما كتبه بعض الأبناء عن آبائهم، وعنوان جديد ينضاف إلى قائمة ما كتبه الأبناء عن آبائهم برؤية ومنهج غير مسبوقين.

بقي أن نشير إلى أن عنوان الكتاب مر بمراحل أربعة قبل أن يستقر على العنوان الذي صدر به، يقول محمد الصديق معنينو: “عندما شرعت في الإعداد لهذا الكتاب، وقع اختياري على عنوان له وهو “الحاج معنينو …. عفوا والدي” (…) ثم ” ليصبح “الحاج معنينو …. شكرا والدي” ثم “معركة رجل” (…) إلى أن يقول: “فجأة، وأنا في غمار الأشواط الأخيرة من المراجعة توقفت عند برقية العزاء التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس إثر وفاة والدي، تلك البرقية التي وصف فيها الملك الحاج أحمد معنينو، بـ “المجاهد بالعمل والقلم” فوجدت أن تعبير البرقية الملكية جامع مانع يلخّص معركة رجل على امتداد مائة سنة، فأصبح العنوان المناسب هو ” الحاج أحمد معنينو .. المجاهد”[2].

المراجع
[1] محمد الصديق معنينو: الحاج أحمد معنينو المجاهد، دار أبي رقراق للطباعة والنشر في طبعته الأولى سنة 2013. ص 6.
[2] محمد الصديق معنينو: الحاج أحمد معنينو المجاهد، مرجع سابق، ص 7 – 8.