مقدمة

صدر عن منشورات وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع الثقافة، كتاب للدكتور يحيى شوطى تحت عنوان “الأمازيغية من خلال وثائق مرجعية: مساهمة في تعزيز الوعي الثقافي والقانوني من أجل تملك واع للقضية”. وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف دكتور في اللسانيات الاجتماعية والتخطيط اللغوي، وسبق أن اشتغل مستشارا لرئيس الحكومة (سعد الدين العثماني) مكلفا بملف الأمازيغية، ولعل هذا الاشتغال هو الذي ولّد لديه الرغبة في جمع مواد هذا الكتاب، قصد توفير مادة تاريخية أرشيفية ستنفع كل مهتم بالأمازيغية. كما يؤكد المؤلف في تقديم الكتاب أن مهمته بجانب رئيس الحكومة هي التي حدت به أن يلاحظ أن أول عقبة تعترض أي مهتم بالأمازيغية ومساراتها، هو افتقادها، للأسف الشديد، لأي كتاب يضم مختلف الوثائق الرسمية التي تشكل مرجعيات في مختلف المجالات ذات الصلة بالأمازيغية، وهو ما شجع الباحث لخوض هذا التحدي، وهو نفس التحدي الذي سبق ودفع الكاتب إلى  تأليف الكتاب الأول الذي وُسِم ب “ئيژنژارن ن ؤوغانيب: دراسات في الأمازيغية والثقافة”.

فكرة الكتاب ومنهجية إعداده

إن الأمازيغية من اللغات التي صمدت آلاف السنين على الرغم من التحديات السياسية والثقافية والاجتماعية التي عرفها المغرب عبر تاريخه الطويل. قد يعود ذلك جزئيا إلى كونها لغة سكان المغرب الأصليين، لكنه يرتبط أيضا بامتلاك الأمازيغية لمؤهلات تجعلها قابلة للاستمرار والتجدد، دون القفز على حقيقة ما بات يتهدد الأمازيغية من تهديدات ليس أقلها تصنيفها ضمن اللغات المهددة بالانقراض. ولكل هذه الأسباب وبالنظر لما تعيشه الأمازيغية من فترة تأسيسية بعد دسترتها بموجب دستور 2011، فإن الحاجة لتوفير مراجع قانونية وأرشيفية مسألة تطرح نفسها بقوة خاصة لترصيد المكتسبات والبناء عليها لخلق التراكم الإيجابي. وللإشارة؛ فالكتاب يعتبر أول مرجع توثيقي لجل الوثائق الرسمية التي لها علاقة بالأمازيغية ما بين سنة 1914 إلى سنة 2021، ويقع الكتاب في زهاء 500 صفحة ويضم 58 وثيقة قانونية وتنظيمية تتوزع ما بين ظهائر وخطب ملكية ومراسيم ومناشير وقرارات، إضافة لمذكرات وزارية، بالإضافة لمخططات حكومية ومواثيق ومناهج تربوية. وقد اعتمد الكاتب في تأليف الكتاب على منهج الجمع والترتيب دون الانتقال لمستوى التحليل، الأمر الذي اعتبره المؤلف مرحلة مهمة ليستكمل الكتاب أهدافه، موجها الباحثين، خاصة في الدراسات العليا، للاشتغال على الوثائق وتحليل سياقاتها التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية. وقد اعتمد الكاتب في جمع وثائق الكتاب على كل مواد الجريدة الرسمية للمملكة المغربية من سنة 1914، إلى آخر عدد لسنة 2021، إضافة إلى أرشيفه الخاص وبعض المواقع الرسمية للقطاعات الحكومية. ومما لفت انتباه الباحث في سياق إعداد الكتاب هو عدم توفر قطاعات رسمية لوثائق صادرة عنها، مما يطرح وفق وجهة نظر الباحث إشكالية كبرى تسائل الفلسفة الأرشيفية وحفظ الذاكرة للأجيال المستقبلية.

تحديات الأمازيغية وفق رؤية الكاتب والكتاب

يرى المؤلف في تقديم كتابه أن القضية الأمازيغية لابد له أن يكون في شموليتها كقضية هوية ثقافية وحضارية متكاملة الأبعاد. إن التنوع الثقافي واللساني حقيقة واقعة بالمغرب، لا تحتاج إلى إثبات، ولا أظن أن هناك من ينكر ذلك. لكن هذا التنوع في الوقت نفسه وحدة، وحدة نسجها التاريخ والتراث والدين… وفي إطار هذه الوحدة فإن تراث المغرب- ملك لكل المغاربة- والاعتناء به واجب على كل واحد منهم. كما أن الأمازيغية منذ تأسيس أول إطار مدني سنة 1967 إلى التوقيع على ميثاق أكادير سنة 1991، شهدت محطات هامة ومفصلية كانت بمثابة نقاط تحول هامة في مسار القضية. وقد شكل أرضية مهمة يمكن الوقوف عليها لرصد تحول الوعي والعمل على القضية الأمازيغية. وفي نفس السياق شهدت “الحركة الأمازيغية” تطورات وتموجات في عملها المطلبي، وأنتج العديدون من أبنائها أعمالا مهمة في المجال الثقافي والجمعوي والإعلامي وفي البحث الأكاديمي. لقد شكل مطلب دسترة اللغة الأمازيغية رهانا سياسيا في المقام الأول ضمن البرنامج النضالي للحركة الأمازيغية، وجاء النضال للنهوض بالثقافة الأمازيغية بوصفه جوابا طبيعيا على الوضعية التي عاشتها الأمازيغية هوية ولغة وثقافة. وفي المحصلة يمكن القول إن الأمازيغية استطاعت من خلال مسيرة ربع قرن ونيف أن تراكم عدد من المكتسبات من مختلف الجوانب، ولعل تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية 2001 وتأسيس القناة الثامنة (الأمازيغة) سنة 2010، وإدراج الأمازيغية في منظومة التعليم العالي منذ سنة 2006 بالنسبة لسلك الماستر، وبالمقابل انطلق العمل بمسلك الدراسات الأمازيغية منذ الموسم الجامعي 2007/2008، وغيرها من المسالك الجامعية بجامعات أخرى. هذا التراكم الذي أسفر عن دسترة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للدولة في دستور 2011، هذا المقتضى الدستوري الجوهري الذي جعل من الأمازيغية رصيدا مشتركا لكل المغاربة، مما يضع الجميع دون استثناء، أمام المسؤولية الوطنية المتمثلة في الحفاظ عليها.  كل هذه المكتسبات تعكس حجم التحول الايجابي تجاه الأمازيغية. وإن هذه الأمور التي تحققت رغم أهميتها، لا تنفي أن إعادة الاعتبار للأمازيغية باعتبارها ورشا وطنيا مهما، لا يزال في أمس الحاجة لتظافر جهود كل الخيرين والوطنيين من أجل تجاوز عثرات الماضي واستحضار تحديات الحاضر من أجل استشراف قوي ومتبصر لمستقبل أفضل للأمازيغية.

كما أن تقييم تطور خطاب الحركة الأمازيغية عبر العقود الأخيرة من الزمان شيء مهم وضروري، لتفادي ما يمكن أن يشوش على الأهداف والمقاصد التي رامت إلى تحقيقها عبر عملها المتواصل ونضالها المستميت. وهو ما يستلزم طرح عدد من الأسئلة الموجِّهة حول مستقبل الفكرة الأمازيغية في تطور وامتداد مسارها.

عود على بدء

لا مندوحة من القول، إن مستقبل الأمازيغية لا يمكن أن يصل مداه المنشود بدون مساهمة الجميع، من مؤسسات الدولة، وأحزاب ومسؤولين ومنظمات؛ كمسؤولية وواجب وطني استراتيجي لا مكان فيه للتمييز بين الناطقين بالأمازيغية وغير الناطقين بها، يروم تحقيق مجتمع متوازن تضمن فيه حقوق المواطنة والديمقراطية، ومن شأنه في نفس الوقت ضمان استمرار المغرب التاريخي والحضاري في انسجام خلاق مع هويته الجامعة وحضارته المتجذرة.

في الختام يمكن القول إن الأمازيغية اليوم في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى الالتفات إلى عمق الإشكالات الحقيقية التي تخدم جوهر القضية الأمازيغية، والابتعاد عن هوامش القضايا وحواشيها، للإسهام الجاد والقاصد لتعزيز وترصيد كافة المكتسبات التي حققتها الأمازيغة.