فقيه حامل لكتاب الله ومقاوم ساهم في تأسيس جيش التحرير، وسياسي، رافق الدكتور عبد الكريم الخطيب في تأسيس حزب الحركة الشعبية، ثم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وصولا إلى حزب العدالة والتنمية.

النشأة والتكوين

ولد الأستاذ بنعبد الله الوكوتي في شهر ذي الحجة سنة 1431هـ/ يوليوز 1923 من عائلة علمية وصوفية كبيرة، بمدشر يبعد عن مدينة بركان ب15 كيلومترا في منطقة بني يزناسن، في أقصى شمالِ شرقِ المملكةِ المغربية.

حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ودرس الفقه ومبادئ اللغة العربية في المسجد العتيق ببركان، ثم التحق بجامع القرويين بفاس سنة 1944م ودرس فيها لمدة تسع سنين. وانخرط في هذه الأثناء في الحركة الوطنية، مع تحولاتها التي أهمها تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال. فالتحق بحزب الاستقلال، وكان مؤسسا ومسيرا لخلاياه بمدينة فاس ومنطقة بني يزناسن.

من القرويين إلى الكفاح المسلح 

بعد تخرج الوكوتي من جامعة القرويين سنة 1953 أسهم مع مجموعة من الوطنيين في تأسيس منظمة “اليد السوداء”، وذلك ردا على ارتفاع وتيرة انتهاكات سلطات الحماية الفرنسية ضد المغاربة ثم نفي السلطان محمد الخامس. نفذت المنظمة سلسلة عمليات ضد سلطات الحماية والمتعاونين معها. وهو ما انتهى إلى اعتقاله بمدينة القنيطرة وترحيله إلى مدينة بركان. وخضع للاستنطاق والتعذيب، ثم حوكم من بين حوالي خمسين وطنيا، وحكم عليه سنة 1954م بسنتين سجنا وخمس سنوات نفيا، بتهمة تأسيس خلية “إرهابية”. وصدرت في حق الآخرين أحكام متفاوتة من حيث المدة الزمنية وبرئ بعضهم. وقد استطاعت بعض خلايا المقاومة تدبير عملية تهريبه من سجن بركان إلى الناضور، حيث التحق بمدينة ”رأس كبدانة” التابعة لقبيلة كبدانة الريفية الأمازيغية. وهي تابعة لمنطقة كانت تخضع للاحتلال الإسباني. وهناك أسهم في الاتصالات الأولى مع القبائل الريفية وفي الاجتماعات الأولى لتأسيس جيش التحرير المغربي وتفجير الثورة المسلحة ضد الاستعمار إلى جانب قادة كبار من طينة الحسين برادة وأوجار محمد المانوزي (المعروف بسعيد بونعيلات) والحسن صفي الدين (المعروف بالحسن الأعرج) وغيرهم.

 مرحلة العمل السياسي

بعد عودة السلطان محمد الخامس واصل الوكوتي نضاله على الواجهتين السياسية والحقوقية، وأسهم في عملية إدماج جيش التحرير في القوات المسلحة الملكية، وهي العملية التي تمت مع نهاية سنة 1956. وكان قد عين قائدا ممتازا رئيسا لدائرة أحواز وجدة في فجر الاستقلال، ثم نقل إلى عمالة الشاوية بالدار البيضاء.

وخاض في هذه المرحلة مع رفيقيه الدكتور عبد الكريم الخطيب والمحجوبي أحرضان نضالا ضد ما أسموه “نظام الحزب الوحيد”، وأعلنوا تأسيس “حزب الحركة الشعبية” في أكتوبر1957. وفي هذا الجو المشحون وقع حادث اغتيال عباس المساعدي أحد القادة المرموقين في جيش التحرير في 27 يونيو 1956، الأمر الذي زاد الأوضاع توترا. وفي ذكرى انطلاق جيش التحرير أكتوبر 1958، قام الدكتور الخطيب وعدد من أعضاء جيش التحرير -ومعهم الوكوتي- بنقل رفات عباس المساعدي من محل دفنه بفاس إلى أجدير بقبيلة جزناية لدفنه إلى جانب بقية الشهداء، وهو ما أدى إلى سجن الخطيب رفقة المحجوبي أحرضان وبنعبد الله الوكوتي بسجن عين قادوس بمدينة فاس، قبل أن يفرج عنهم بعد حوالي 60 يوما من الاعتقال. وحسب الوكوتي فإن ردود الفعل العنيفة- التي تجاوزت جبال بني يزناسن، إلى مختلف جبال الريف والأطلس –كانت عاملا أساسيا لانتزاع ذلك الإفراج، مع إقرار ظهير الحريات العامة الذي نص على التعددية السياسية في المغرب.

وقد عقد حزب الحركة الشعبية مؤتمره التأسيسي بعد ذلك في 9 نوفمبر 1959. وفي شهر ذي القعدة 1378هـ/ يونيو1959م بدأت جريدة (المغرب العربي) لسان حال الحزب بالصدور، وكان بنعبد الله الوكوتي رئيس تحريرها، ثم المدير المسؤول بها. وواصل الوكوتي في هذه المرحلة وفي التي تليها، نضاله لصالح المناطق المهمشة تنمويا واقتصاديا، وعمل من أجل استرداد الأراضي التي استولى عليها المعمرون الأجانب في فترة الحماية، وطالب بتوزيعها بالعدل على الفلاحين المستحقين، وانتقد في كتاباته الصحفية المحسوبية واستغلال الحزبية والقرابة في امتلاك أجود الأراضي. كما دافع عن القيم المغربية الأصيلة وعن السياحة التي تحترم الهوية الوطنية والدينية للبلاد.

وقد شارك حزب الحركة الشعبية في أول انتخابات عرفها المغرب سنة 1963، فانتخب الوكوتي ممثلا عن دائرة أحفير. واختير نائبا لرئيس مجلس النواب، وهو أول مجلس نواب في تاريخ المغرب، ولم يكن الرئيس آنذاك إلا رفيقه الدكتور عبد الكريم الخطيب.

وبقي الرجلان – الخطيب والوكوتي – بعد ذلك متلازمين في مواقفهما ومواقعهما. ففي سنة 1965 ساند الوكوتي موقف الخطيب في معارضته التدخل العنيف والدموي ضد مظاهرات الدار البيضاء، وتحفظه على قرار إعلان حالة الاستثناء ورفضه قرار حل البرلمان. وفي يناير 1967 أعلن الخطيب مفارقة المحجوبي أحرضان وتأسيس “حزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية”، وكان الوكوتي الرجل الثاني في الحزب الجديد.

ثم أسهم الوكوتي إلى جانب الخطيب وشخصيات وطنية أخرى –ببيت الدكتور الخطيب–  في تأسيس “جمعية مساندة الكفاح الفلسطيني”، ثم تأسيس “جمعية مساندة مجاهدي أفغانستان” و”جمعية مساندة مسلمي البوسنة و الهرسك”.

كما قام الوكوتي إلى جانب الدكتور الخطيب سنة 1996 باحتضان أعضاء فصيل من التيار الإسلامي (حركة التوحيد والإصلاح)، وفتح باب حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية أمامهم. وبقي الخطيب أمينا عاما للحزب والوكوتي رئيسا لمجلسه الوطني. وأسهما معا في التحولات التي عرفها الحزب في المرحلة الموالية، وخصوصا تغيير اسمه ليصبح “حزب العدالة والتنمية” سنة 1999.

وفي سنة 2004 قدم الأستاذ الوكوتي أمام المجلس الوطني الخاص بإعداد المؤتمر الوطني الخامس للحزب اعتذاره عن مواصلة رئاسة المجلس الوطني بسبب ظروفه الصحية، في الوقت نفسه الذي اعتذر الدكتور الخطيب عن الاستمرار في منصب الأمين العام.  وتضمن البيان الختامي للمجلس الوطني أنه على إثر ذلك الاعتذار عن الاستمرار في المسؤولية، ونظرا للظروف الصحية لكل من الدكتور الخطيب والوكوتي، فإن المجلس الوطني يوصي المؤتمر بالمصادقة على الأول رئيسا مؤسسا للحزب ورئيسا عاما لجميع هيئات الحزب الوطنية والمركزية، وعلى الثاني رئيسا شرفيا للمجلس الوطني. وهو ما ثبت في القانون الأساسي الذي صادق عليه المؤتمر بعد ذلك.

الوكوتي: شخصية صلبة ومعطاءة

هناك عوامل عدة أثرت في تكوين الوكوتي وفي شخصيته. فهناك أولا انحداره من منطقة بني يزناسن الأبية، المعروفة بشدة بأسها في مقاومة الاستعمار. ثانيا نشأة بنعبد الله الوكوتي في أسرة مقاومين، فكثير منهم سجنوا في فترات مختلفة وكانوا أعضاء في جيش التحرير المغربي.

لهذه العوامل وغيرها تميز الوكوتي بشخصيته الصلبة، وبكونه أبيا عزيز النفس، جريئا في التعبير عن رأيه دون تردد ولا مواربة. لذلك جلب عليه الكثير من المضايقات والمعاكسات. وكان يبث مواقفه النقدية للأوضاع في جريدة “المغرب العربي”، فكانت كثير من أعدادها تصادر بمجرد طباعتها وتمنع من التوزيع. وهو ما أدى مع مرور الوقت إلى تراكم ديونها وبالتالي توقيفها نهائيا. وبقي يكتب المقالات في بعض الجرائد الوطنية الأخرى ينتقد فيها ممارسات يعتبرها من مظاهر الفساد السياسي أو المالي أو الإداري أو الأخلاقي، ويجلي بعض جوانب تاريخ المقاومة وجيش التحرير.

أصدر سنة 1996م كتابه “ذكريات مقاوم” تناول فيه الأحداث التي أدت إلى الاستقلال والمراحل السياسية التي عاشها المغرب بعد ذلك. وكان فيها قاسيا حتى على أقرب المقربين إليه مثل الدكتور الخطيب. كما صدر له (1999م): “صفحات من تاريخ جيش الحرير المغربي”، ثم(2000م) كتابه: “معركتنا ضد الحزب الوحيد”. وفيه يدافع عن المواقف التي أسهم في اتخاذها في السنوات التي تلت الاستقلال، في سبيل إقرار الحريات العامة والتعددية الحزبية. وأغلب ما في الكتابين الأخيرين تكرار لما ورد في كتابه الشامل “ذكريات مقاوم” مع بعض الإضافات.

توفي رحمه الله يوم الأحد 11 صفر 1432 هـ الموافق لـ 16 يناير 2011م بالرباط بعد معاناة طويلة مع المرض.

المراجع
[1] بنعبد الله الوكوتي، ذكريات مقاوم، ط1، الرباط، 1996.
[2] بنعبد الله الوكوتي، صفحات من تاريخ جيش التحرير المغربي، منشورات إفريقيا، 1999.
[3] بنعبد الله الوكوتي، معركتنا ضد الحزب الوحيد، منشورات إفريقيا، ط1، 2000.
[4] قدور الورطاسي، بنو يزناسن عبر الكفاح الوطني، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، 1396/ 1976.
[5] عبد الرحمان عبد الله الصنهاجي، مذكرات في تاريخ المقاومة وجيش التحرير المغربي من 1947 إلى 1956"، ط1، المحمدية، 1987.
[6] الحسين برادة، مسيرة التحرير، ط1، الرباط، 2000.