مقدمة

إذا كان المصابون أو المبتلون، كما يحب أن يسميهم الشيخ مصطفى بنحمزة –صاحب الكتاب-، فئة من فئات المجتمع ولبنة من لبناته، فإن التراث الإسلامي حافل بالكتابات التي تحدثت عن هذه الفئة وحقوقها في الإسلام. ومن الكتب المهمة ذات الصلة بالموضوع، كتاب: “حقوق المعوقين في الإسلام “-منشورات مطبعة طوب بريس بالرباط، ط2،  سنة 1431ه/ 2010م-. فما هي أهم محتويات الكتاب؟ وما هدفه ومنهجه؟ وما هي أهم المزايا التي يتميز بها؟ وهل من ملحوظات حوله؟ تلك الأسئلة هي ما سيحاول المقال مقاربتها.

محتويات الكتاب

تضمن الكتاب الذي بين أيدينا مقدمة، وتقديما، وثلاثةأبواب، ومقترحات، وفهارس.

– مقدمة الطبعة الثانية: وفيها بيان لتمايز الحضارات واختلافها في النظرة إلى الإنسان، بين نوع أول ممجد لقوة الجسد لا يرى من الإنسان سوى قوته الجسدية وطبيعته المادية، ونوع ثان هو على خلاف ذلك الأول لا ينظر إلى المعوق نظرة دونية. وضربت المقدمة الأمثلة على كل نوع بثقافات، بحيث تجد النوع الأول عنيت وعرفت به حضارات مثل اليونان وغيرها، فيما مثلت النوع الثاني حضارة الإسلام وتاريخه.

– تقديم: تناول التقديم أهم خاصية من خصائص الإسلام وهي شمول أحكامه لجميع قضايا الإنسان في العاجل والآجل، وبين عناية الإسلام بالمعوق من خلال الأحكام الخاصة به، والتي نجدها في كتب العلم الشرعي والفقه وفي أحكام القضاة خاصة.

– الباب الأول: التعويق: تعريفه: هذا الباب فيه تبين وبيان لتعريف التعويق، وأنواعه التي حصرها المؤلف في قسمين هما: المعوقون عقليا وجسديا، ثم أعقب ذلك بالحديث عن المعوقين عقليا، مبرزا في هذا السياق عناية المسلمين بالمعوق عقليا، وذلك بالعديد من التآليف في هذا الباب، ذكر بعضا منها المؤلف، ومن ذلك ما كتبه ابن أبي الدنيا (ت 181ه) في كتابه” العقل وفضله”.

وفي معرض حديثه عن ” تحديد المرض العقلي”، وقف المؤلف عند تسمية المرض العقلي، وتصنيف الأمراض العقلية، حيث جعلها تصنيفين هما: التصنيف السلوكي والتصنيف المظهري، ثم بين درجات التخلف. فبالرجوع إلى التسمية ذكر أن المرض العقلي يعني الجنون والعته، أما تصنيف المعوقين الذي قسمه إلى قسمين فقد ذكر في التصنيف الفيزيولوجي أنواعا من الإعاقة مثل: المنغولية، والقماءة والقزامة، وغيرها من الأنواع. وفي التصنيف السلوكي عرض أقساما منها المافون، والأبله، وغيرها من الأنواع.

وعند الحديث عن درجات المرض العقلي، أشار المؤلف لهذه الدرجات وجعلها كالآتي:

  • الجنون ضمنه تعريفه ومنشؤه وأحكامه.
  • العته: تعريفا وتمييزا له عن الجنون.

– الباب الثاني: حقوق المعوقين عقليا: في الباب الثاني حديث مفصل عن بعض حقوق المعوقين في الإسلام، وقد حصرها المؤلف في ستة حقوق، هذه الحقوق كالآتي:

  • حقهم في الكرامة وألا يتميزوا سلبيا عن أفراد المجتمع بإطلاق ألقاب أو توصيفات تمس كرامتهم.
  • حقهم في التمتع بوجود معنوي لا يختلف عن وجود الأسوياء.
  • حقهم في الانخراط في المجموعة البشرية التي ينتمون إليها.
  • حقهم في التربية والتأهيل المناسبين.
  • حقهم في التمتع والاستقرار العائلي قبل البلوغ وبعده
  • حقهم في حفظ أموالهم وممتلكاتهم.

كما عرض الكتاب في هذا الباب لوضع المعوق عقليا في المجتمع الإسلامي من خلال الحديث عن المعوقين عقليا في حياة الرسول عليه السلام وكيف تمت العناية بهم وبحياتهم، وكذا عن اهتمام المسلمين في حياتهم بهذه الفئة من المعوقين، حيث كان العنوان الأبرز لهذه العناية هو عدم اعتبار الإعاقة وصفا ينتقص من المعوق شيئا.

– الباب الثالث: المعوقون جسديا وحقوقهم في الإسلام: بين المؤلف العناية التي أولاها الإسلام لهذه الفئة من المعوقين، وفي هذا الصدد نبه المؤلف إلى أن التكريم الإلهي للإنسان ليس مرتبطا إلا بالتقوى. فالتقوى أساس التكريم، ثم تناول عددا من حقوق المعوق جسديا ومنها:

  • الحق في تيسير مزاولة المعوق للنشاط اليومي، بحيث لا يمكن اعتبار الإعاقة مانعا لكثير من الممارسات والأنشطة اليومية للمعوقين، ومن تلك الأنشطة البيع وغيره من المعاملات التي ترتبط بالحياة اليومية.
  • حق المعوقين في توجيههم وفي تطوير ملكاتهم، ولا شك أن هذه المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الإسلامي.
  • حقوق المعوقين في الكفالة الاجتماعية، فهي خير طريق للعناية بالمعاق.
  • حقوق المعوقين في الاستفادة من مورد الزكاة، وفي هذا الصدد يرى المؤلف أن هذه الفئة أولى بالاستفادة من الزكاة نظرا لوضعيتها.
  • حق المعوقين في الاستفادة من منفعة الوقف.
  • حق المعوقين في الاستفادة من الإقامة بالمؤسسات المخصصة لهم.

وبعد الأبواب الثلاثة السالفة الذكر، وفي العنوان الموسوم بــــــــــ” مقترحات”،أعاد المؤلف التأكيد على ضرورة تضافر الجهود لضمان حياة أفضل للمعوقين، كما قدم خطوات ضرورية لبلوغ غاية العناية بهذه الفئة.

هدف الكتاب ومنهجه

– هدف الكتاب: يفهم من عنوان الكتاب ومتنه وما تضمنه من القضايا والتفاصيل، أن الكاتب يروم  من خلال ما كتبه بيان حقوق المعوقين في الإسلام، حتى يستنير بها مختلف الفاعلين والعاملين المهتمين بالمعوقين.

– منهج الكتاب: ينبني العمل البحثي العلمي على مجموعة من المناهج البحثية الدقيقة، ومن المناهج التي يلاحظ اعتمادها في البحث ما يلي:

  • المنهج التوثيقي: يظهر من خلال كون الكاتب جمع مادة الكتاب من كتب أخرى وعمل على إعادة تركيبها تركيبا متناسقا، والدليل على ذلك ما تجده من قائمة المصادر والمراجع المختلفة التي استقى منها المؤلف معارف الكتاب الذي بين أيدينا.
  • المنهج التحليلي الوصفي: يلاحظ أن المؤلف جمع بين عرض المادة العلمية المستلة من كتب أخرى، والعمل على تحليل وتفكيك مضامينها، وكذا إعمال منهج المقارنة عند الاقتضاء والنقد لما يحتاج إلى نقد.

مزايا الكتاب

  • لغة الكتاب تتميز بالسلاسة والفصاحة، إذ جمع الكاتب بين رقي الأسلوب اللغوي وتسهيل القراءة والفهم لمحتوى الكاتب لكل قارئ له، بغية أن يستطيع كل من قرأ الكتاب أن يفهمه بيسر ودون حاجة إلى معجم ثان شارح لكلمات الكتاب في الأغلب الأعم.
  • يلاحظ في الكتاب أن الكاتب جمع بين التكوين الشرعي الرصين من جهة، والدليل على ذلك ما ساقه من المعارف ذات الصلة بحقوق المعوقين من خلال كتب العلوم الشرعية، ومن جهة أخرى اطلاعه وتوظيفه لعلوم ومعارف أخرى مثل إشارته إلى الثقافات الأخرى كاليونانية مثلا.
  • الحضور القوي للكاتب، حيث يكاد يجزم القارئ وهو يقرأ الكتاب أن أغلب ما جاء فيه من صياغة وبنات أفكار المؤلف. فتجد الكاتب يحلل ويناقش ويقارن ويرجح بعد عرضه للقضايا والمعارف التي أوردها في الكتاب.
  • الجدة والجودة في الكتاب، وتظهر تحديدا في المقترحات التي قدمها المؤلف في آخر الكتاب، فإذا كانت عادة بعض الكتاب في تناولهم لهذا الموضوع الجمع من الكتب الأخرى ما يكون خادما للموضوع، وربما مناقشة ما جاءوا به أو استنبطوا منه ما يرونه من الفوائد والنكت العلمية، فإن الكاتب اقترح خطوات عملية إجرائية على مستويات عدة من المسؤوليات ذات الصلة بالمعوقين، فيمكن القول بأن طريقة تناول الكاتب للموضوع تجاوزت التكرار والاجترار في مقاربة هذا الموضوع الذي عني به الكتاب.

ملاحظات حول الكتاب

  • ألمع الكتاب إلى أهم حقوق المعوق في الإسلام، ولاشك أن ذلك جزء من عموم نظرة الإسلام لهذه الفئة على أن من تمام الفهم استيعاب واجبات المعوق في الإسلام، ذلك أن النبي في معاملته لهذه الفئة لم يقف عند بيان حقوقهم فقط، بل تعداه إلى ما يجب عليهم شأنهم في ذلك شأن باقي المكلفين من المسلمين، كما نجده عليه السلام أسقط عليهم بعض التكاليف التي وجبت في حق غيرهم من الأسوياء، ويمكن في هذا الصدد الرجوع إلى الكتب التي عنيت بالحديث عن معاملة النبي عليه السلام للمعوقين. إن من شأن التعرف على معاملة النبي عليه السلام للمعوق تشكيل صورة متكاملة تجمع بين الحقوق والواجبات ذات التعلق بهذه الفئة. ولا يقصد من هذا الكلام النقض أو التقليل من الاجتهاد الذي عرضه الكتاب، وإنما الغاية الإشارة إلى بعض الجوانب الأخرى التي بدت غير متضمنة في الكتاب.
  • إذا كانت الخاتمة واحدة من هندسة البحوث العلمية والكتابات، فإنه يلاحظ غياب خاتمة للكتاب.
  • المتتبع لمتن الكتاب يجده لم يخل من بعض الأخطاء المطبعية البسيطة والقليلة ومنها “بسب” والصحيح ” بسبب”

خاتمة

لقد أبحر الكتاب في موضوع حقوق المعوقين في الإسلام تبينا وبيانا، ومن النتائج التي يمكن استخلاصها من قراءة الكتاب ما يلي:

  • الحاجة المستمرة المتجددة للنظر في هذا الموضوع بغرض صياغة قواعد لإنجاز تعاليم الإسلام المتعلقة بالمعوقين حقوقا وواجبات. ولعل المبرر في ذلك ما يستجد ويطرأ من التحولات في حياة الناس مما يتطلب نظرا متجددا يواكب ما استجد في حياة المعوقين خاصة.
  • بذل الجهد لعرض تعاليم الإسلام المرتبطة بحقوق المعوقين في الإسلام عرضا يكون أكثر إقناعا للناس في سياق التدافع الحضاري، فإذا كان الإسلام رسم أحكام المعوقين فإن الحاجة ماسة لمجهود علمي وفكري يقدم تلك الأحكام تقديما يجعل من القارئ والمتتبع لها يقتنع بها اقتناعا لا يدع مجالا للتعرض للدين الإسلامي بالطعن والتنقيص.