مقدمة

ينظر غالب المهتمين والباحثين للمذاهب الثمانية على أساس وجود جوانب الاختلاف الكثيرة بينها، وهناك من يرى الحاجة الماسة إلى البحث عن جوانب الائتلاف والتلاقي بين تلك المذاهب، والكتاب الذي بين أيدينا –لصاحبه الدكتور أحمد الريسوني– محاولة علمية في هذا السياق، رام صاحبه من خلاله رسم منهج يقوم على تقريب المسافات بين المذاهب المتعددة المختلفة. فما أهم القضايا التي تناولها الكتاب؟ وما الهدف منه؟ وما المنهج الذي اعتمده الكاتب؟ وهل من مزايا تفرد بها الكتاب؟ وما هي الملاحظات التي يمكن إجراؤها حوله؟. وصدر الكتاب في طبعة الأولى سنة 2021م/1442 عن دار الكلمة للنشر والتوزيع –جمهورية مصر العربية-، ويقع في مجلد واحد بحجم متوسط، وفي 144 صفحة.

محتوى الكتاب

يتضمن الكتاب: تقديما بين يدي الكتاب وقسمين، تحت كل قسم فصول ومباحث، وخاتمة وفهرسا للمحتويات.

وفيما يلي تقديم مختصر لأهم ما جاء في كل عنصر من العناصر السالفة الذكر:

بين يدي الكتاب:

فيه أشار الكاتب إلى الامتداد الزمني والمكاني للإسلام بحيث وكما هو معلوم لدى المسلمين وغيرهم أن تاريخ الإسلام يرجع إلى ما يزيد عن أربعة عشر قرنا منذ بعثته عليه السلام إلى يوم الناس هذا، أما الامتداد المكاني فيظهر من خلال اتساع رقعة الإسلام في كثير من البلدان والقارات.

ويرى الكاتب أن هذين الامتدادين لم يكن لهما تأثير على الإسلام إذ بقي هو الإسلام مع بعض الاختلاف والتنوع، وأرجع الكاتب سبب هذه الوحدة بين المسلمين أساسا إلى القرآن الكريم، وبقائه محفوظا بحفظ الله له، ثم ذكر أسبابا أخرى عبارة عن اختيارات هي ثمانية مذاهب منها:

  • المذاهب الفقهية الأربعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي)
  • المذاهب العقدية الثلاثة (الحنبلي، والاشعري، والماتريدي)
  • الاختيار السلوكي التربوي، أي التصوف (وأهم مدارسه التأسيسية: مدرسة أبي القاسم الجنيد، ومدرسة أبي نصر الطوسي).

وذكر مواقف المتأخرين من تلك المذاهب الثمانية، مشيرا في هذا الصد كذلك إلى مسألة أساسية تتعلق بما لاحظه المؤلف من تركيز المهتمين بالمذاهب السالفة الذكر على جانب مواطن الاختلاف بينها ولذلك فهو يرسم منهجا مخالفا إذ يرى أن البحث في هذه المذاهب ينبغي أن ينصب على جوانب الاتفاق والائتلاف بينها.

وبين يدي هذا التقديم عرض المؤلف غرضه من هذا البحث، وهي أمور ثلاثة:

  • النظر في هذه المذاهب من حيث أسباب الانتشار والقبول.
  • النظر في انحصار هذه المذاهب وكيف حصل ذلك.
  • النظر في مواقف علماء المسلمين ودعاة المسلمين اليوم، من هذه المذاهب والاختيارات الثمانية.
القسم الأول: الاختيارات الثمانية:

وضمنه الفصل الأول الموسوم ب “المذاهب الأربعة” وفي هذا الفصل أبرز الكاتب جملة أمور وهي: المذاهب الفقهية الأربعة بحيث نسب كل منها إلى صاحبه: فالمذهب المالكي نسبة إلى الإمام مالك، والمذهب الحنفي نسبه إلى أبي حنيفة، والمذهب الشافعي نسبة إلى الإمام الشافعي، والمذهب الحنبلي نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل. ثم طرح المؤلف سؤالا وهو كيف ظهرت المذاهب الأربعة؟   اعتبره منطلقا لتفصيل القول في الموضوع. حيث بين أنه في زمن وعهد الصحابة كان الناس يأخذون الفقه والفتوى عن كبار الصحابة وذكر بعضهم. ثم تطرق لمرحلة التابعين وكيف وقع انتشار الإسلام وكثر طلبة العلم وناشروه إلا أن هؤلاء لم تكن لهم ضوابط محددة ولا مذاهب محددة وإنما كانوا يفتتون من محفوظهم عن الصحابة الكرام، ومع اتساع رقعة الإسلام وكثرة طلاب العلم والمفتين كثرة المذاهب حتى أنهم وصلت إلى ما يزيد عن ثلاثة عشر مذهبا وكلها مذاهب مقلَّدة، وفي هذا السياق من تعدد المذاهب الكثيرة السالفة الذكر ستظهر المذاهب الأربعة ويلتف الناس حولها يرجعون اليها دون غيرها من المذاهب الأخرى. وخلص المؤلف إلى مجموعة من الاستنتاجات وهي: أن نشأة هذه المذاهب الفقهية كانت تلقائية، و أن الاحتياجات التشريعية والقضائية للدولة هي نفسها كانت تتطلب فقها موحدا، وان أئمة هذه المذاهب وكبار فقهائها قد اصلوا وقعدوا القواعد ….، وخامس استنتاج وهو ان هذه المذاهب قد ضيقت الاختلاف.

وفي المبحث الثاني: المذاهب الأربعة من الانتشار إلى الاستقرار: وفيه فصل الكاتب القول في المناطق الجغرافية التي انتشر واستقر بها كل مذهب من المذاهب الأربعة، ثم بين أسباب هذا الانتشار والاستقرار، التي يمكن إجمالها في الاحتضان القوي من قبل عموم أهل الامصار لكل مذهب ، وكذا الدعم السياسي وتبني بعض الدول لمذهب ما، وهنا يطرح الكاتب تساؤلا حول ما إذا كانت الدولة أو المذهب أحدهما الأقوى ، ويجيب    مرجحا قوة المذهب على قوة الدول ويضرب لذلك مثلا على دول تسقط وتأتي أخرى على أنقاض سابقتها ومع ذلك تحافظ على مذهب الدولة المنتهية مما يؤكد فرضية قوة المذهب على قوة الدولة، ولم يفت الكاتب الوقوف على أسباب ضعف انتشار مذهب الإمام أحمد بن حنبل، بحيث نجده عزا ذلك إلى التأخر التاريخي لتشكل هذا الأخير فقد سبقه غيره من المذاهب التي تلقاها الناس بالرضا والقبول.

وينتقل المؤلف إلى الفصل الثاني من القسم الأول: والذي وسمه ب” المذاهب الثلاثة “، في هذا السياق وقف الكاتب على المذاهب الثلاثة بحيث نسب كل مذهب منها إلى صاحبه، وخلص إلى القول بأنها كلها مذاهب عقدية كلامية.

ثم عرض لتعريف علم الكلام مبنيا حقيقته ودواعيه في المبحث الأول من هذا الفصل معرجا في ذات السياق على كيفية نشأة علم الكلام، والدواعي الخارجية لعلم الكلام المتمثلة أساسا في المناوشات العقدية بين المسلمين وغير المسلمين التي عرفتها بعض الأقطار الإسلامية، وخاصة بعد ترجمة كتب الفرس والروم واليونان والهند. ثم ختم هذا المبحث بذكر مجمل فوائد علم الكلام، والتي لخصها فيما يلي: (فوائد علم الكلام)

وفي المبحث الثاني المعنون ب: في مواجهة التطورات الفكرية بالمجتمعات الإسلامية، وقف المؤلف في هذا الصدد على ما كان عليه جمهور علماء المسلمين من اعتماد على مذهب أهل الحديث في أمور العقيدة، وما حدث من تطورات سياسية واجتماعية منذ أواخر القرن الأول حتى الثاني والثالث الهجري، حيث قام المعتزلة بدور هام في الدفاع عن العقيدة خلال هذه المرحلة، ولكن أمرهم آل إلى الاستبداد السياسي الذي ظهر في أسوأ صوره في قضية خلق القرآن.

كان من أثر ذلك تمسك أهل الحديث بالنصوص الشرعية ورفضهم المنهج الكلامي، إلا أن بعضهم رأى أهمية إعمال هذا المنهج من أجل التصحيح والتوضيح، وكان من رواد هذا الاتجاه الإمام مالك، في نفس السياق تفقد المعتزلة الدعم السياسي من العباسيين ومع ذلك لم تفقد قوتها، هذا كله نتج عنه بروز تيار وسط يجمع بين الحديث والمنهج الكلامي مثل هذا الاتجاه الوسط الإمام أبو الحسن الأشعري الذي كان له دور في التصدي للمعتزلة ومحاورتهم، وقد لقي هذا الخيار الوسطي قبولا لدى عموم أهل السنة والجماعة ولدى أهل الحديث،

إضافة إلى ما سبق تناول الكاتب التوسع الجغرافي للمذاهب الثلاثة في ارتباط بالمذاهب الفقهية الأربعة، وذكر أن عموم الحنفية ما تريدون، وعموم المالكية أشاعرة، وعموم الحنابلة في الفقه غالبا حنابلة المعتقد.

وفي المبحث الثالث والمعنون “المذاهب الثلاثة بين الائتلاف والاختلاف”، بين الكاتب في هذا الصدد جملة عناصر الوحدة والوفاق بين المذاهب الثلاثة. فهم كما ذكر الكتاب متفقون في أصول الدين على: التوحيد، وتقدير الخير والشر، …….وغيرها. وكذا الاختلاف المنهجي بين المدارس الثلاث: والذي حصره المؤلف في امرين اثنين هما التأويل والعقلنة.

ويختم الكاتب هذا المبحث بالقول بأنه وإن تعددت المسالك والحجج، بين من يعمل النقلي من الأدلة وبين من اختار العقلي منها، فان العقيدة واحدة لا تفرق فيها بين هذه المذاهب الثلاثة.

وعندما يقف القارئ مع الفصل الثالث من القسم الأول يجد الكاتب تناول في المبحث الأول مجموعة من الجزئيات نجملها في سؤال لماذا ظهر التصوف؟  وفيه بين الكاتب ان مواجهة ما طرا على حياة المسلمين من تغيرات، وما كان من ذبول وفتور في تدين عامة المسلمين كلها من أسباب ظهور التصوف.

وفي المبحث الثاني: ” التصوف حقيقته ووظيفته” ، تناول الكاتب مجموعة من التعاريف المختلفة للتصوف ووقف عند تعدد اتجاهاته إذ بين أن هذا الأخير ومع تعدد اتجاهاته وذكر في هذا السياق بعض رواده وهم الإمامان الجنيد والطوسي، مع ذلك التعدد إلا أن الجامع بين تلك الاتجاهات استنادها واعتدادها بالقرآن الكريم والسنة النبوية باعتبارهما أساس كل تصوف صحيح ، وألمح المؤلف إلى مسألة الانتشار الجغرافي للتصوف وقرر أنه من الصعب ضبط هذه المسألة لعدم وجود دراسات مسحية شاملة في هذا الباب، ولكن مع ذلك صرح بأنه ومع نذرة هذا المسح فإن غالب المسلمين كانوا على نهج التصوف على الأقل الخامس الهجري والقرن الرابع عشر. ثم قدم بعض التنبيهات بخصوص التصوف وبخاصة ما يتعلق بما أصابه من بعض الانحراف، وذهب المؤلف في الأخير إلى أن التصوف الفلسفي الذي بعضهم أمثال الحلاج وغيره لسنا في حاجة لسبين هما: لكونه قد ضيع المحجة البيضاء، ولكون هذا اللون من التصوف ظل تصوفا نخبويا خاصا….

القسم الثاني: مواقف المعاصرين من مذاهب المتقدمين:

هذا القسم خصص لعرض وتقييم مواقف المعاصرين من مذاهب المتقدمين، وفي الفصل الأول من هذا القسم والموسوم ب “موقف الحركة الوهابية” وفيه بحث الكاتب في تسمية هذه الحركة وذكر مجموعة من المسميات ومنها “النجدية” ورجح في الأخير اسم ” الوهابية” موضحا أسباب هذا الترجيح، كما أنه عد هذه الحركة من حيث المضمون والمسمى فهي عنده فرقة كلامية جديدة ، أما عن موقفها من المذاهب السابقة فهو يختلف بين موقفهم من المذاهب الفقهية الأربعة إذ لا يختلف في الغالب عن موقف العلماء قديما وحديثا، وبين موقفهم من المذاهب الثلاثة التي يطبعه الطعن والمعاداة، وأشار في الأخير إلى أن هذا ليس موقف كل الحركة الوهابية فهناك علماء آخرون منها لهم مواقف معتدلة ومستقلة ومنهم العلامة عبد الرحمان بن ناصر السعدي.

في المبحث الأول من الفصل الأول من القسم الثاني: توقف الكاتب عند الأشاعرة والماتريدية في ميزان الوهابية وخلاصة القول في هذا السياق أن الوهابية معادون لهذين المذهبين ويظهر ذلك من خلال ما ساقه المؤلف من تفتيش عقدي للعلماء من قبل بعض أفراد هذه الحركة وممن فتشوا عنه الإمام النووي فتعقبوا كتبه وعلقوا وردوا على بعض ما كتبه وخلفه من العلم، هذا التفتيش لم يصدر عن علماء الحركة فقط بل إن عامتهم كذلك ممارسون لمهمة التفتيش للعلماء. ولكي يبين الكاتب فساد هذا الموقف الذي يصدر عنهم أورد قبسات منسية من كلام ابن تيمية الذي يعد المرجع الأعلى للمذهب الوهابي، وذلك للرد عليهم وبيان مخالفتهم لنهج هذا المرجع.

أما البحث الثاني: والموسوم ب”موقفهم من التصوف” بين المؤلف ان موقفهم هذا لم يكن بعيدا عن موقفهم من المذاهب الثلاثة بل يسير في نفس الاتجاه المعادي للتصوف.

المبحث الثالث:” مخاض التقويم والإصلاح في المدرسة الوهابية”، سبق الحديث فيما قبل عن موقف الحركة الوهابية من المذاهب الثلاثة والذي اتسم في الغالب بالرفض لها ، وهنا يبسط المؤلف بعض مواقف شيوخ سعوديين لهم آراء تميل إلى الاعتدال والموضوعية ومنهم الأستاذ عبد العزيز بنعبد الفتاح، وآخرون معه، حيث يرى هؤلاء في الأشاعرة والماتريدية وإن خالفوا الصواب في جانب تأويل صفات الله تعالى إلا أنهم ـ  كما يقول الكاتب ـ من أهل السنة والجماعة، ولكن هذه المواقف الإصلاحية المعتدلة لم تكن لتجد قبولا عند كثير من أتباع هذه الحركة الذين قاموا بالرد والتعقيب عليها .

سبق الحديث عن الفصل الأول من القسم الثاني، وفي الفصل الثاني منه والمعنون ب “موقف الجمهور”، بين الكاتب في هذا السياق المقصود من الجمهور وهم جمهور علماء المسلمين في هذا العصر. وأبرز ان موقفهم من المذاهب الثمانية هو القبول والتقدير والاحترام وان كانوا يرون أن هذه المذاهب قد أصابها ما أصابها من الاختلال والضعف ومع ذلك فإنها لا زالت منتشرة بين عموم المسلمين في بقاع الأرض.  لينتقل المؤلف الى المبحث الأول من هذا الفصل والذي جاء كالاتي ” الموقف العام المشترك من المذاهب الثمانية “فاعتبر أن الاستمرارية بدل القطيعة، والتعامل الإصلاحي مع التراث الإسلامي ومذاهبه، وان الانحطاط الذي عرفته المذاهب مسؤولية الجميع، والتعليم مدخل من مداخل الإصلاح، كل هذه العناوين تشكل ملامح موقف الجمهور بين المذاهب الثمانية. وفي المبحث الثاني والذي عنوانه ” المواقف الخاصة بكل مجال “عرض المؤلف موقف الجمهور من الفقه ومذاهبه وهنا توقف عند أسباب توقف الاجتهاد أو قُل تضاؤله، وبين موقفهم والذي أجمعوا فيه على رفض الجمود المذهبي، ورفض التوقف عن الاجتهاد، وتنادوا بضرورة فتح أبوابه وإعداد متطلباته. وعند حديثه عن الموقف من العقيدة وعلم الكلام تناول الكاتب بشكل مختصر تسمية علم الكلام وسياق نشأته وطرح سؤالا هو ” هل نحن اليوم بحاجة على علم كلام ” وفي سياق الجواب ذهب إلى أن الحاجة ماسة إلى علم الكلام أكثر من أي وقت مضى لمجموعة من الاعتبارات منها وجود شبكات عالمية لنشر الإلحاد ومحاربة الأديان، فليس للرد عليها سوى تجديد علم الكلام لينهض بوظيفة الدفاع والإقناع بالحقائق الدينية والإيمانية. أما في معرض بيان الموقف من التصوف فنجد الكاتب يطرح سؤالا من جديد حول حاجتنا الى التصوف وفي جوابه إجمالا يمكن القول بأنه يرى ضرورة وجود التصوف في عصرنا هذا لما له من أهمية في نشر الإسلام في بقاع الأرض بين الناس.

وختاما، وفي خاتمة الكتاب قدم المؤلف خلاصات البحث التي أكد فيها على بعض ما جاء في ثنايا الكتاب من القضايا التي طرحها، كما ضمن حديثه في هذا السياق توصية هي كما سماه الكاتب ” ضرورة تعميق النهج الجمهوري، ونهج الموافقات ” تقريبا للرؤى والمواقف بين كل المذاهب الثمانية.

هدف الكتاب ومنهجه

من خلال قراءة الكتاب يخلص القارئ إلى الهدف من هذا البحث كما أشار إلى ذلك المؤلف نفسه وهو “تقييم مواقف المعاصرين من المذاهب الإسلامية الموروثة، وكيف ينظرون إلى مكانتها ودورها في وحدة المسلمين ونهضتهم، اليوم وغدا”.

أما المنهج فنقصد به في هذا الصدد المنهج البحثي، ومنه:

  • المنهج التوثيقي: إذا كان هذا المنهج يقوم على أساس جمع المادة العلمية وإعادة تركيبها تركيبا متناسقا بما ينسجم وطبيعة الموضوع، فإن المؤلف عمد إلى جمع المادة العلمية ذات العلاقة بموضوع المذاهب الثمانية وبذل الجهد من أجل إعادة تركيبها تركيبا متناسقا بما يخدم ويحقق هدفه من هذا البحث.
  • المنهج التحليلي: يقوم هذا المنهج على التحليل والتفسير والتفكيك والمقارنة والنقد، والمتتبع للكتاب يجد حافلا بالتحليل والتفكيك لكثير من القضايا الواردة فيها، والعمل على نقد ما يحتاج إلى نقد.

مزايا الكتاب

يحفل الكتاب بجملة من المزايا التي يجعل منه مفيدا في بابه ومن ذلك:

  • عنوان الكتاب: وردت فيه عبارة ” الاختيارات” بما تحيل إليه من معاني الإرادة المنافية للإكراه والضغط، ومعنى ذلك أن هذه المذاهب الثمانية تلقتها الأمة بالقبول دون إلزام أو إكراه وأن ما وقع أو يقع أو سيقع من فرض مذهب من المذاهب بطريقة إلزامية يكون مآله الفشل.
  • من حيث الجدة، يكاد يكون هذا الكتاب ـ في حدود ما وقع في يدي ـ من الكتب التي تفردت بتناول هذا الموضوع بهذه الشكل والطريقة والمضمون الذي جاء فيه.
  • وضوح هدفه وموضوعه، وانسجام محتواه مع عناوين الأقسام والفصول والمباحث، فلم يسلك الكاتب مسلك” الإثارة الإعلامية ” ليلفت نظر القارئ إلى الكتاب وعندما يسبر القارئ أغوار الكتاب لا يكاد يظفر بشيء مما هو في العنوان إلا ناذرا، إن الكاتب ظل وفيا لكل عنوان من عناوين كتابه بما يطرح في متنها من المعارف والقضايا.
  • لغته السلسة التي يستطيع من خلالها كل قارئ للكتاب من أهل الباحثين والدارسين المهتمين وعموم القراء استيعاب مضمون الكتاب وفهم قضاياه التي يتناولها دون حاجة إلى وساطة كبيرة تكمل لهم الفهم.
  • حفاظ الكتاب على هندسة البحث العلمي، ويظهر ذلك في الترتيب التنازلي (القسم، ثم الفصل، ثم المبحث).
  • الناظر في الكتاب بتمعن يلاحظ حضورا قويا للكاتب، ويمكن قياس ذلك بطريقة عد كلمات الكاتب مقارنة مع النصوص المقتبسة والموظفة في الكتاب. ولا شك أن هذه المهارة لا يمكن امتلاكها إلا بوسائل منها كثيرة القراءة والمطالعة للكتب بما يمكن من تمرين الباحث على مهارة التحليل والتعليق على إنتاجات الآخرين.
  • في خاتمة الكتاب يقدم الكاتب مقترحا سماه ” تعميق النهج الجمهوري أو نهج الموافقات”، ومقترحه هذا إشارة يمكن للباحثين والمهتمين التقاطها وتصييرها موضوعا للبحث الأكاديمي في إطار أبحاث الماستر أو الدكتوراه وغيرها من أنواع البحوث العلمية.

ملاحظة حول الكتاب

بين الكاتب هدفه من الكتاب وهو بيان موقف المعاصرين من المذاهب الفقهية الموروثة، بهدف دعم جهود الوحدة بين المسلمين في  بقاع الأرض، والذي يظهر من حيث الامتداد الجغرافي لهذه المذاهب أنها تكاد تكون ضعيفة الحضور في بعض البلدان أو قل إن حضورها أقل مقارنة مع مذاهب أخرى لها السيادة الكبرى في تلك البلاد هاته المذاهب الأكثر سيادة في تلك البلدان لم يعتبرها الكاتب من بين المذاهب الثمانية، ولنمثل لذلك بدول ومذاهبها ومن ذلك ”  ـ      الجعفري في العراق والبحرين وشيعة الكويت وأذربيجان وإيران، والمذهب الزيدي في اليمن، والمذهب الإباضي في سلطنة عمان  وجربة التونسية، وواد مزاب في الجزائر، وجبل نفوسة في ليبيا، وجزيرة زنجبار في تانزانيا.

وفي هذا السياق يبقى السؤال المطروح كيف يمكن الوصول إلى تحقيق الوحدة بين المسلمين وغيرهم من مسلمي البلدان الأخرى المعتمد فيها مذهب من المذاهب الثمانية، أليس ذلك مما يعمق الفرقة والاختلاف أكثر منه السعي إلى الوحدة بينها.

خاتمة

صفوة القول، لقد بذل الكاتب وسعه بما قدمه من القضايا العلمية والمنهجية في محاولة إقناع الباحثين والمهتمين بمسالة غاية في الأهمية، وهي البحث في مواطن الاتفاق بين المذاهب الثمانية، وقدم ما يمكن اعتباره مقترح النهج الجمهوري، وعليه فهو يحمِّل كل من له قدرة على رسم معالم هذا المنهج مسؤولية علمية للمبادرة إلى سبر أغوار هذا النهج تبينا وبيانا له، لعل ذلك يكون مدخلا من مداخل مزيد من الوحدة بين عموم الأمة الإسلامية.