النشأة والمسار الدراسي و العلمي

ينتمي الشيخ أحمد الريسوني إلى أسرة الريسوني أو ابن ريسون، وهي أسرة علمية شريفة تنحدر من الجد الجامع للشرفاء العلميين يونس بن أبي بكر عم القطب عبد السلام بن مشيش. يعود الموطن الأصلي للأسرة إلى قرية تازروت بقبيلة بني عروس على مقربة من جبل العلم، وهي حاليا منطقة  ضمن إقليم العرائش المغربي. ومن هذه المنطقة انتقل الريسونيون إلى مختلف قبائل ومدن الشمال الغربي للمغرب. تأسست هذه الأسرة على يد الشيخ مولاي علي بن عيسى المتوفي سنة 963ه/ 1556م، والذي كان أول من حمل كنية إبن ريسون نسبة إلى أمه ريسون. وقد كان كذلك أحد مشايخ الطريقة الشاذلية الجزولية[1].

ولد أحمد بن عبد السلام بن محمد الريسوني سنة 1953م بقرية أولاد سلطان بمنطقة ثلاثاء ريصانة، نواحي مدينة القصر الكبير بإقليم العرائش، بشمال المغرب.  وكغيره من أبناء جيله بدأ مساره التعليمي بالتردد على “المسيد” لحفظ القرآن الكريم، قبل أن يبدأ تعليمه النظامي خلال الموسم الدراسي 1960/1961 بالمدرسة الابتدائية في مدرسة سوق ثلاثاء ريصانة، ليستكمله بمدينة العرائش. وفيما بعد شد الرحال إلى مدينة القصر الكبير لمواصلة دراسته الثانوية، وهناك حصل على شهادة الباكلوريا في تخصص الآداب العصرية سنة 1972.

بعد الحصول على الباكلوريا اضطرب المسار الدراسي للتلميذ أحمد الريسوني، فالتحق أول الأمر لسنة واحدة بكلية الحقوق (شعبة العلوم القانونية)، قبل أن يقرر ترك الدراسة هناك بسبب بعض القناعات الفكرية المتشددة التي كان الريسوني آنذاك يتبناها، حيث كان يعتقد أن دراسة الحقوق والقانون تفضي به إلى الحكم بغير ما أنزل الله قاضيا أو محاميا وغيرهما[2]. ثم التحق  بكلية الآداب والعلوم الإنسانية لدراسة الفلسفة، لكنه لم يستطع مرة أخرى أن يستكمل الدراسة بهذه الشعبة، فتوقف للبحث عن العمل، وقد كان الزواج هو الدافع الأساسي الذي استعجل الطالب أحمد الريسوني للبحث عن العمل. ونحج بالفعل في الالتحاق بوزارة العدل كمحرر قضائي، وفي سنة 1976 حقق رغبته في الزواج.

وبشكل مواز لعمله في وزارة العدل التحق بكلية الشريعة التابعة آنذاك لجامعة القرويين العريقة بفاس، وحصل منها على شهادة الإجازة سنة 1978م. وفي سنة 1984 التحق بسلك تكوين المكونين بمدينة الرباط، فأتيحت له الفرصة لمواصلة دراساته العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة محمد الخامس) بالرباط، فحصل منها على شهادة الدراسات الجامعية العليا سنة 1986م، ودبلوم الدراسات العليا (ماجستير) في مقاصد الشريعة سنة 1989، ثم دكتوراه الدولة في أصول الفقه سنة 1992، في موضوع: نظرية المقاصد عند الشاطبي. وساهم في تأسيس جمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا بالمغرب، وانتخب أول أمين عام لها.

المسارات المهنية للريسوني

عمل في بداية حياته العملية محررا قضائيا بوزارة العدل بين سنة 1973 وسنة 1978، وعين رئيسا للقسم الإداري بالمحكمة الابتدائية بمدينة سوق أربعاء الغرب بين سنتي 1976 و1977، التابعة لإقليم القنيطرة المغربي، كما عمل بقسم النيابة العامة بمحكمة القصر الكبير، وذلك قبل أن يقدم استقالته. ليلتحق بسلك التعليم والتربية، فعمل أستاذا بالتعليم الثانوي الأصيل بثانوية الإمام مالك بمدينة مكناس بين سنة 1978 وسنة 1984.

وبين سنتي 1986 و 2005 عمل أستاذا لعلم أصول الفقه ومقاصد الشريعة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، وفي دار الحديث الحسنية ـ بنفس المدينة، وخلال عمله في الجامعة أشرف على أزيد من مائة أطروحة دكتوراه والماستر، وأشرف على العديد من الدورات العلمية المنهجية للباحثين في العلوم الشرعية.

ومنذ سنة 2006، ترك الوظيفة العمومية كأستاذ جامعي، ليتفرغ لأعمال البحث العلمي، فعمل بصفة “خبير أول” لدى مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، في مشروع “معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية”، ثم عين نائبا لمدير المشروع، ثم مديرا له إلى نهايته سنة 2012، وهي الموسوعة التي صدرت سنة 2013 في 42 مجلدا. كما نال عضوية مجلس الأمناء والمجلس العلمي لجامعة مكة المكرمة المفتوحة، وعضو مجلس أمناء الجامعة العالمية للتجديد بتركيا، وعمل مستشارا أكاديميا لدى المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وأستاذا زائرا في جامعة زايد بالإمارات العربية، وبجامعة حمد بن خليفة بقطر، وهو مدير منذ سنة 2012 لمركز المقاصد للدراسات والبحوث في المغرب.

التجربة الدعوية والفكرية

مرحلة بناء القناعات الفكرية الإسلامية:

دخل الدكتور أحمد الريسوني العمل الإسلامي مبكرا، فقد دفعه الوجود المكثف للفكر الماركسي في المرحلة الثانوية من دراسته إلى قراءة الكتب الإسلامية والبحث عن الإسلام بجدية، وكذا الإنكباب على الإطلاع على قضايا الإسلام والفكر الإسلامي. وقد شكلت قراءته لعدد من الكتابات الإسلامية، خصوصا كتابات: سيد قطب ومحمد قطب وحسن البنا وأبي الأعلى المودودي، منعطفا كبيرا في شبابه، حيث اكتشف فكر جماعة الإخوان المسلمين. وقد ساهم تعرفه على أمير “جماعة الدعوة التبليغ” في المغرب السيد البشير اليونسي من تعميق إتجاهه الفكري داخل المدرسة الإسلامية، حيث شارك في مختلف التظاهرات الثقافية والتربوية لجماعة التبليغ[3]. ففي الثانوية المحمدية بمدينة القصر الكبير درس على يد الأستاذ البشير اليونسي أحد أبرز الوجود البارزة في جماعة الدعوة التبليغ، فتعرف على من خلاله على الجماعة فانخرط فيها وعمل في صفوفها وشارك في خرجاتها الدعوية، لكن في نفس الوقت كان يقرأ كتب الإخوان المسلمين، فكانت أفكار وتوجهات هؤلاء أكثر تأثيرا عليه، رغم أنه من الناحية العملية كان منخرطا في أعمال وأنشطة جماعة التبليغ. وقد استمر على هذه الحالة إلى أن تعرض للاعتقال في يوليوز من سنة 1976[4].

وقبل ذلك، وفي الفترة بين سنتي 1973 و 1975 تعرف الأستاذ أحمد الريسوني على فكر الشبيبة الإسلامية عبر مؤسسها وزعيمها الأستاذ عبد الكريم مطيع. ورغم ذلك فإنه لم ينخرط في الشبيبة الإسلامية، بسبب المواقف السلبية لعبد الكريم مطيع من جماعة التبليغ، وكذا بسبب تداعيات اغتيال الزعيم الاتحادي عمر بنجلون. يشار أيضا، إلى أن الريسوني، أعجب كثيرا برسالة الأستاذ عبد السلام ياسين التي وجهها إلى الملك الحسن الثاني، وبشجاعة خطوته في مخاطبة ملك البلاد وهو في أوج قوته وانتصاره على اليسار الثوري في المغرب[5].

مرحلة بناء المسار الخاص في العمل الإسلامي:

في دجنبر 1976 بمدينة القصر الكبير، وبعد تجربة الاعتقال، ساهم بشكل فعال في تأسيس “الجمعية الإسلامية” بالمغرب، وكان أول رئيس لها سنة 1978. كما ترأس فيما بعد رابطة المستقبل الإسلامي بالمغرب بين سنتي 1994 و 1996. وهذه الأخير تأسست في ربيع 1994 نتيجة عملية توحيدية واندماجية بين عدة حركات وجمعيات ومجموعات إسلامية هي: “جماعة الدعوة بفاس” تأسست سنة 1976م على يد الشيخ: عبد السلام الهراس، و”الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير” والتي تأسست على يد الدكتور أحمد الريسوني سنة 1976م كذلك، و”جمعية الشروق الإسلامية” والتي تأسست سنة 1977م بالرباط؛ وهي من بقايا حركة الشبيبة الإسلامية التي كانت تنتظر التبيّن من الانشقاقات التي لحقت بالشبيبة الإسلامية، و”مجموعة التوحيد”، وهي عبارة عن مجموعة من الأفراد لم يشكّلوا تنظيما، وهم أيضا من بقايا انشقاقات حركة الشبيبة الإسلامية، ومجموعة المشكاة بمدينة وجدة[6].

وبعد الوحدة الاندماجية بين “رابطة المستقبل الإسلامي” و”حركة الإصلاح والتجديد” تم تكوين “حركة التوحيد والإصلاح”، فانتخب أحمد الريسوني رئيسا لها لمدة سبع سنوات (1996-2003)، وترأس كذلك بين سنتي 2000 و 2004 إدارة جريدة التجديد اليومية التي تصدرها “حركة التوحيد والإصلاح” المغربية.

كما انتخب أول رئيس لرابطة علماء أهل السنة، ويوم 7 دجنبر  2013 انتخب نائبا لرئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو حاليا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منذ 7 نونبر 2018 خلفا للعلامة الدكتور يوسف القرضاوي، وهي المهمة التي استقال منها يوم 28 غشت 2022. وشغل عضوية رابطة علماء المغرب، سابقا. وشارك في تأسيس وتسيير عدد من الجمعيات العلمية والثقافية.

الإنتاجات والمؤلفات العلمية:

بالإضافة إلى إلقاء مئات المحاضرات العامة والمشاركة في الندوات العلمية، وتقديم عدد من الحوارات والحلقات الإعلامية، فقد ألف الشيخ أحمد الريسوني عددا مقدرا من المؤلفات العلمية والأكاديمية:

  1. نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي (ترجم إلى اللغات: الفارسية، والأردية، والإنجليزية، والبوسنية)؛
  2. نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية؛
  3. من أعلام الفكر المقاصدي؛
  4. مدخل إلى مقاصد الشريعة؛
  5. الفكر المقاصدي قواعده وفوائده؛
  6. الاجتهاد: النص والمصلحة والواقع؛
  7. الذريعة إلى مقاصد الشريعة؛
  8. الأمة هي الأصل؛
  9. التعدد التنظيمي للحركة الإسلامية ما له وما عليه؛
  10. ما قل ودل، ومضات ونبضات (مجموعة مقالات)؛
  11. الوقف الإسلامي، مجالاته وأبعاده ( نشرته منظمة الإيسيسكو وترجم إلى الإنجليزية والفرنسية)؛
  12. الشورى في معركة البناء (ترجم إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية)؛
  13. الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية (ترجم إلى الفرنسية والألمانية)؛
  14. محاضرات في مقاصد الشريعة؛
  15. الفكر الإسلامي وقضايانا السياسية المعاصرة؛
  16. أبحاث في الميدان؛
  17. مراجعات ومدافعات (مجموعة مقالات)؛
  18. علال الفاسي عالما ومفكرا؛
  19. فقه الثورة مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي؛
  20. بحوث عديدة ضمن موسوعة (معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية)؛
  21. التجديد والتجويد، تجديد الدين وتجويد التدين
  22. التجديد الأصولي، نحو صياغة تجديدية لعلم أصول الفقه (مؤلف جماعي)؛
  23. القواعد الأساس لعلم مقاصد الشريعة؛
  24. الجمع والتصنيف لمقاصد الشرع الحنيف؛
  25. دراسات في الأخلاق؛
  26. معجم المصطلحات المقاصدية (مؤلف جماعي)؛
  27. علم أصول الفقه في ضوء مقاصده؛
  28. المختصر الأصولي؛
  29. الاختيارات المغربية في التدين والتمذهب؛
  30. مقصد السلام في شريعة الإسلام؛
  31. قواعد المقاصد؛
  32. النظر المقاصِدي في حكم تولي بعض الولايات العامة والمناصب المهمة؛
  33. الاختيارات الدينية الكبرى للأمة الإسلامية.
  34. مقاصد المقاصد؛ الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة.
  35. ذكريات أحمد الريسوني: من رعي الغنم إلى رئاسة اتحاد علماء المسلمين. إسهام في التأريخ للحركة الإسلامية المغربية (إعداد وتحرير الحاج محمد الناسك).

وله بحوث كثيرة منشورة في المجلات العلمية، وضمن أعمال الندوات والمؤتمرات، ومقالات في الصحف، والمواقع الإلكترونية، وأعد وقدم عددا من البرامج والحلقات والحوارات التلفزيونية[7].

المراجع
[1] عمراني محمد، معلمة المغرب، مادة ابن ريسون، الجزء 14، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، 2001، ص 4514-4515.
[2] التليدي بلال، ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية الجزء الرابع، منشورا التجديد، مطبعة طوب بريس، 2010، ص 8.
[3] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, faculté des lettres et des sciences humaines Rabat, 2015, p 501.
[4] ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية الجزء الرابع، مرجع سابق، ص 9.
[5] ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية الجزء الرابع، مرجع سابق، ص 13.
[6] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, faculté des lettres et des sciences humaines Rabat, 2015, p 501.
[7] https://raissouni.net/.