مقدمة

من المعلوم أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وهو يمتلك من الصلاحية ما يجعله قادرا على تقديم الإجابات لكل ما استجد في حياة الإنسان عامة والمسلم خاصة، ولا يتحقق ذلك إلا بإعمال العقل والتأمل في روح هذا الدين واستنباط خزائنه العلمية والمعرفية، وهنا تأتي مهمة العلماء الباحثين والدارسين، فهم الذين يَنْفِرُونَ من أجل التفكر في الإسلام قصد استخراج ما تضمنه من أجوبة على قضايا الإنسان المعاصرة. والكتاب الذي بين أيدينا جهد من جهود إعمال الفكر في الإسلام بغاية البحث عن إجابات لقضايانا السياسية المعاصرة. فما هي أهم الإشكالات والقضايا التي تناولها الكتاب؟ وما الهدف منه؟ وما المنهج الذي سار عليه الكتاب؟ وما هي أهم مزاياه؟ وهل من ملاحظات حوله؟.

صدر كتاب “الفكر الإسلامي وقضايانا السياسية المعاصرة” –لصاحبه الدكتور أحمد الريسوني– في طبعته الأولى سنة 1431ه/ 2010م، وهو من منشورات دار الكلمة للنشر والتوزيع، مصرـ

إشكالية الكتاب

بإمعان النظر في الكتاب يقال إنه كتاب إشكالات وليس كتاب إشكال واحد، فقد بحث الكتاب جملة إشكالات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الدين والسياسة، والعمل السياسي الإسلامي والاشكالات العملية، والمسلمون اليوم واشكالات الوحدة والتعدد.

محتويات الكتاب

بين دفتي الكتاب جملة من المحاور، ومنها:

  • الإسلام والفكر الإسلامي: وفيه تمييز بين الإسلام والفكر الإسلامي حيث قدم المؤلف تعريفا خاصا بالإسلام وتعريفا خاصا بالفكر الإسلامي ووقف عن وظيفة الدين وحقيقته مبرزا وجهات نظر الناس حول وظيفة الدين بين من يرى فيه الوجه الإيجابي ومن يرى فيه وجها سلبيا. وبين أسباب هذا الاختلاف والتضاد بين وجهات النظر.

وفي هذا الصدد يشير صاحب الكتاب إلى أن استعماله لعبارة “الفكر الإسلامي” هو تعبير من صاحبه عن اجتهاد وفهم للدين لا يدعي فيه مطلق الصواب، كما أن هذا الاستعمال لا يعني أنه تعبير عن آراء المنتسبين للإسلام وإنما هو اجتهاد يخص صاحبه ولا يتعداه إلى غيره.

  • قضية نظام الحكم في الإسلام: يرى المؤلف أن قضايا الحكم تندرج ضمن صنف الأحكام الشرعية المرتبطة بالعادات والشؤون الدنيوية والاحوال المتغيرة، وجماع أمر هذا العنوان أنه لما كان الإسلام صالحا للزمان والمكان فإنه لم يرسم وصفة نمطية لنظام الحكم يمكنها أن تعم جميع الإنسان في الزمان والمكان. ومنه فالكاتب يؤكد على أن نظام الحكم في الإسلام يخضع للاجتهاد المتجدد في كل في حين بناء على قواعد كبرى، ومنها: الشورى، والمرجعية العليا للشريعة، وإقامة العدل بين الناس، وتصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، وقد فصل المؤلف القول في كل قاعدة من القواعد السالفة الذكر.
  • أحكام الدين وأحكام الدنيا: ويندرج ضمنه محاور فرعية وهي: التمييز بين ما هو ديني وما هو دنيوي، والضروريات الخمس: دين ودنيا، وتقسيم الشريعة إلى عبادات وغيرها، وحقوق الله وحقوق العباد، وتصرفات الرسول بالرسالة وتصرفاته بالإمامة، والأحكام الشرعية والسياسة الشرعية، وحاصل الأمر مما سبق ذكره أن الشريعة ليست فيها أحكام من نوع واحد بل هي على أنواع متعددة مختلفة، وهذا أمر ضروري المراعاة لفهم الشريعة الإسلامية فهما سليما.
  • الدين والسياسة: أبرز المؤلف وجهات نظر الناظرين في علاقة الدين بالسياسة بين معتقد بالتنافر والصراع بينهما فلا يرى ما يجمع بينهما وبين من يريد إدخال الدين في كل شيء فيرى أن السياسة توجد في الدين بشكل مفصل ومدقق، وبعدها يقدم الكاتب وجهة نظر وسط بين الاتجاهين إذ يرى أن الدين يشمل السياسة، وضرب لذلك مثالا ببعض الفلاسفة المسلمين وكيف أنهم جمعوا بين الفقه والفلسفة والطب بشكل متناغم لا تعارض فيه ومن هؤلاء أبو الوليد بن رشد، كما وقف المؤلف عند سير الأنبياء وعدها في عمومها سياسة بكل أوجه معاني السياسة.
  • الدين والسياسة تخوفات وتحفظات: يعرض الكاتب في هذا الصدد أسباب اعتراض المعترضين عن ربط السياسة بالدين وقسمهم إلى صنفين، ثم بين تخوفاتهم في ارتباطها ب ” شبح الدولة الدينية” في الدول الغربية ومخاوف إعادة الوقوع في النتائج السلبية لذلك النموذج، وتناول قضية الظلم حيث اعتبر أن ” الظلم لا دين له والدين لا ظلم له” وهو في هذا السياق يقر بإمكانية وقوع الظلم من قبل المسلمين كما الحال ما غيره من المسيحين وما شاكلهم، ولكن ذلك كله لا يسوغ لأحد نسبة الظلم إلى الدين الإسلامي تحت هذا المبررات والتصرفات المشينة التي تصدر أحيانا عن أهله هنا وهناك، وأبرز في ذلك جهود الفقهاء في حمل الحكام على العدل بل وحمل بعضهم بعضا على تجنب الوقوع في الظلم.
  • العمل السياسي الإسلامي والاشكالات العملية: ومن بين أهم ما ورد في هذا المحور عرض لبعض الإشكالات العملية التي ترتبط بالعمل السياسي الإسلامي ومنها: تسخير الدين لأهداف سياسية، واستعمال خطاب ديني سياسوي، واستغلال المساجد والمنابر الدينية. وبالنسبة للكاتب فكل ما ذكر من الإشكالات يعد حقيقيا بنسب معينة، ولكنه ينبه على ضرورة العدل بين التيار الإسلامي وغيره ممن يخوضون هذه الغمار إذ هم أنفسهم يسلكون طرقا معينة في ربح رهان العملية السياسية والانتخابية وقدم على ذلك أمثلة واقعية.
  • العلماء والسياسة خيار التلاقي وخيار التنائي: وفيه يقدم الكاتب موقف العلماء من السياسة بين مقبل عليها ومشارك للقائمين على شؤونها، وبين مدبر إدبارا مؤبدا أو موقتا على مجالس الحكم والساسة، فترى بعضهم يقبل تارة ويحجم أخرى بحسب الواقع والحال وما تقضيه المصلحة الشرعية من إقبال أو إدبار. وضرب لكل صنف من العلماء بأمثلة مبينة.
  • حرية التعبير في الإسلام، فطرة الله التي فطر الناس عليها: وهنا يجد القارئ تَبَينا وبيانا من الكاتب لفكرة أساسية ودفاعه عنها، وهي حرية التعبير في الإسلام، فكما يظهر من العنوان حرية التعبير فطرة الله التي فطر عليها الناس وليست أمرا مكتسبا وخارجا عن الفطرة والدين. والعنوان الذي نناقشه تناوله الكاتب في كتابه ” مقالات في الحرية ” يمكن الرجوع إليه والاطلاع على تفاصيل أوفى وأعمق.
  • حرية الاعتقاد وقضية الردة في الإسلام: وفيه بيان لموقف الإسلام من حرية الاعتقاد، بحيث أكد الكاتب على الحقيقة الشرعية القاضية بعدم الإكراه في الدين مستدلا على ذلك بالأدلة الشرعية المناسبة، ثم بين قضية الردة من خلال تقديم مجموعة من البيانات الفقهية التوضيحية لهذه القضية، ليختم حديثه بموقفه منها.
  • الإسلاميون والديموقراطية: وخلاصة القول من كلام الكاتب في هذا المحور أنه يرى الديموقراطية وإن كانت نبتت في بلاد أخرى غير بلاد الإسلام، إلا أنه لا مشكلة في العمل بها ذلك أن الديموقراطية عنده وعاء والوعاء قابل للملء بكل مادة، وما دام الأمر كذلك فلا ضير في القبول بها وسيلة لتدبير شؤون الإنسان السياسية خاصة، كما لم يفته مقارنة الديموقراطية بالشورى حتى يقرب العقل المسلم من وجه العلاقة بين المفردتين.
  • العمل بالأغلبية: يذهب الكاتب إلى القول بالعمل بالأغلبية ويستند في ذلك إلى مجموعة من الأدلة منها: الترجيح بالكثرة عن الفقهاء والمحدثين، ومن خلال السيرة النبوية حيث عمل فيها بالأغلبية في أحداث منها غزوة أحد والأحزاب وكيف كان اتخاذ القرار فيهما بالأغلبية.
  • مفهوم الشريعة قبل تطبيق الشريعة: يرصد الكاتب بعض أوجه التوجس من تطبيق الشريعة، ومنها حصر البعض للشريعة في القصاص والحدود والسيوف والدماء، ما حمل آخرين على رفض كل دعوة إلى تطبيق الشريعة، وبعد ذلك قدم الكاتب تعريفا دقيقا للشريعة يدفع الغبش عن كل لبس في فهم معنى الشريعة، ثم بعدها يمكن الحديث عن تطبيق الشريعة بالمعنى الذي وضحه الكاتب.
  • شريعة بلا حدود: وفيه مزيد بيان وتوضيح وتشريح لمعنى الشريعة، بعدما حرر الكاتب هذا المفهوم في المحور السابق.
  • تطبيق الشريعة بين الدولة والمجتمع: من خلال العنوان ومن تصفح الكتاب، يذهب المؤلف إلى التأكيد على أن مسألة تطبيق الشريعة مسؤولية جماعية يشترك فيها أفراد المجتمع من جهة، والدولة من جهة أخرى، ويقدم على ذلك من التوضيحات والبيانات التي تعزز رأيه وموقفه. ومن الأمثلة التي ساقها لبيان مسؤولية الأفراد في تطبيق الشريعة ذلك العمل الفريد الذي قامت به فاطمة الفهرية من بناء لجامع القرويين في فاس.
  • البرنامج السياسي لأبي الحسن الماوردي: عرف الكاتب بأبي الحسن أحد العلماء العاملين، وذكر بعض مؤلفاته، وبين تصوره للإصلاح، فالماوردي يرى أن الصلاح والإصلاح فردي وجماعي، ولكل منهما قواعد خاصة ذكرها الريسوني في هذا المحور وفصلها تفصيلا شافيا وافيا.
  • قضية تطبيق الحدود: تطرق الكاتب إلى التخوف الذي راوده وهو يريد تناول هذا الموضوع لما يجده من تهويل من يطالبون بتطبيق الحدود وعويل من يتخوف من هذا التطبيق لما يرونه من تهويل القوم لهذا الأمر، ثم ذكر أسباب تناول هذا الموضوع وحصرها في سببين اثنين هما : مقام الوضوح الذي يتطلب التفصيل والإيضاح الوافي للموضوع والسبب الثاني حملة الترهيب الفكري من مناقشة وطرح مثل هذه المواضيع، لينتقل المؤلف إلى تعريف الحدود من خلال الرجوع بالمفهوم إلى أصله القرآني الشرعي حيث توصل إلى أن الحدود تتجاوز أن تكون محصورة في العقوبات التي شرعت في حق الزاني والسارق وما إلى ذلك بل إن الحدود أوسع من ذلك. وذكر الحدود عند الفقهاء حيث حصرها في ست على الإجمال وهي: حد السرقة، وحد الحرابة، وحد الزاني الأعزب، وحد الزاني المتزوج، وحد القذف، وحد الخمر. ثم بين ثلاثة مسائل لها علاقة بموضوع الحدود وهي؛ الأولى: إن عقوبات الحدود أحيطت بشروط محددة، والثانية: بعض مميزات تلك العقوبات، ومنها: قلة عددها، وفاعليتها وتحقيقها لمقاصد العقوبات، وكون أثرها يرجع أساسا إلى هيبتها، وسهولة تنفيذها وانعدام كلفتها ونصف هذه الحدود عقوبته الجلد.  والثالثة: رد فيها على الاتهامات الموجهة للعقوبات بكونها شديدة وقاسية ووحشية همجية.
  • الإسلام بين الوحدة والتعدد: يحاول الكاتب تقديم جواب حول سؤال أو أسئلة في مجموعها حول هل الإسلام أم متعدد، وفي جوابه عن هذا السؤال يقرر الريسوني حقيقة شرعية وهي أن الدين واحد هو دين الإسلام فهو دين الرسل والأنبياء السابقين قبل خاتم المرسلين محمدا عليه السلام ويضيف  صاحب الكتاب مظاهر دالة على وحدة الدين ومنها إقامة الصلاة وأداء الحج وصيام رمضان وغيرها من الشعائر التي يقوم بها كل مسلم، فكل ذلك دليل على وحدة الإسلام، وبجانب هذه الوحدة هناك اختلاف وتعدد لا ينافي الوحدة ومنه اختلاف الصحابة والفقهاء مثلا. وضمن هذا العنوان بسط المؤلف محاولة دولة الموحدين توحيد الخلافات وحمل الناس على وجهة واحدة لكن محاولتهم هذه باءت بالفشل وبقي الناس يسيرون على الاختلاف والتنوع فيما يسوغ فيه الاختلاف
  • المسلمون اليوم وإشكالات الوحدة والتعدد: يطرح الكاتب مجموعة الإشكالات من بينها علاقة الإسلام بالوطنية والقومية والعالمية والمحلية، ويقارب الجواب عنها من خلال ثلاثة مسائل وهي: أولها: المرونة العلمية والمرونة العملية في الإسلام وهو في ذلك يقصد أن الإسلام يتسع للاختلاف والتنوع ويستدل على ذلك مثلا ب ” ما لا نص فيه ” والمسكوت عنه” وكذا اختلاف العلماء في الفهم العلمي لنصوص الشريعة. وثانيها: الإسلام والانتماء القومي والوطني، وهو في هذا يرى ألا تعارض بين القومية الوطنية والانتماء للإسلام. وثالثها: المسلمون في الغرب: ومن بين ما تناوله الكاتب في هذا الصدد دعوته المسلمين إلى الحفاظ على أخلاقهم الدينية في بلاد الغرب فذلك خير تمثل للدين في تلك البلاد.
  • السنة والشيعة امتحان الأخوة والتعقل: في هذا المحور ينبه الكاتب إلى خطورة الخلاف الشيعي السني الذي يمكن أن يتطور إلى حروب بين الفريقين، ويدعو إلى بذل جهود في سبيل تحقيق التقارب التفاهم والحوار بين الطرفين في ظل توفر الوسائل والطرق الكفيلة ببلوغ ذلك، تفويتا لكل الفرص على المتربصين بالسنة والشيعة على حد سواء، كما أبرز في نفس المحور موضوع إيران والعلاقات السنية الشيعية، وقضية التبشير المذهبي بين السنة والشيعة وحصول ذلك من قبل الشيعة في بلاد السنة بشكل أكبر مقارنة بالتيار السني الذي لم يسجل عليه شيء من ذلك إلا ناذرا وعلى كل حال لا ينبغي اتخاذ هذا الامر ذريعة لتوسيع دائرة الخلاف والصراع بين الطرفين، وعرض الكاتب الملف النووي الإيراني وشدد على ضرورة دعم ومساندة هذه الدولة في ملفها لأنها وكما هو معلوم تشتغل فيه بدوافع علمية لا حربية قتالية تشكل خطرا على غيرها، على العكس مما يقترفه غيرها من المجازر في دول أخرى ولا أحد ينكر عليها ذلك.
  • المرأة والرجل بين المساواة الفطرية والتسوية القسرية: وجماع الأمر في هذا المبحث تأكيد الكاتب على أن خلق الله للذكر والانثى إنما غايته إحداث التكامل بين الزوجين، وأن أي دعوة من دعوات المساواة بين الرجل والمرأة من قبيل ما يدعو نفي التمايز بين الجنسين، ويؤكد في ختام هذا المحور على أنه ” مع المساواة الطبيعية الفطرية الواسعة، لكنني ضد التطرف والتعسف في المساواة التي تتحول إلى تسوية قسرية “.

هدف الكتاب ومنهجه

من خلال عنوان الكتاب ومتنه، يستطيع القارئ التوصل إلى هدف الكتاب، هذا الهدف هو محاولة الكاتب مقاربة قضايا معاصرة انطلاقا من الفكر الإسلامي، فالعمل الذي قدم الكاتب جهد في سبيل إيجاد أجوبة عن القضايا المعاصرة.

وقد جمع الكتاب بين مناهج متعددة، نذكر منها: ـ

  • المنهج التوثيقي: ويمكن التعبير عنه بالقول إن الكتاب جمع المادة العلمية المتعلقة بالقضايا السياسية المعاصرة وعمل على إعادة تركيبها تركيبا علميا متناسقا بحسب ما تقتضيه طبيعة البحث.
  • المنهج التحليلي: ومنه النقد؛ ولا أدل عليه من الكتاب ما تناوله المُؤَلَّف من نقد لدعوات المساواة بين الرجل والمرأة ونفي التمايز.

كما أن التفسير بما هو تفكيك حاضر بقوة في المؤلَّف، وهذا أمر ليس بعزيز على عالم من حجم الريسوني الذي جمع من العلم ما جمع وحاور وناظر وكل ذلك يحتاج إلى حسن تفكيك بغية إفهام الآخر وإقناعه، ويكاد يكون جميع ما تضمنه الكتاب عملية تفكيكية.

مزايا الكتاب

  • عنوان الكتاب الفكر الإسلامي وقضايانا السياسية المعاصرة: فالتعبير بالفكر الإسلامي بدل الإسلام ينبئ عن دقة علمية ومنهجية من الكاتب، فعبر بالفكر بما هو عمل بشري اجتهادي يدور بين الخطأ والصواب كما يتصف بالنسبية لا الاطلاق، بخلاف ما لو استعمل المؤلف كلمة الإسلام بما تعنيه من الوحي الذي له خاصية الاطلاق والعصمة، ولا يدور بين الخطأ والصواب كما الحال مع الفكر الإسلامي.
  • انسجام وتناغم عناوين الكتاب مع محتواها التفصيلي، إذ قد تجد أحيانا من الباحثين من يطرح عنوانا كبيرا عريضا يستهوي القارئ وتهوي إليه أفئدة القراء لكن عند الغوص في بحر كلمات لا تجد من رابط بين العنوان والمضمون، والكتاب الذي بين أيدينا وفق بشكل كبير إلى إحداث نوع من الوفاء بين العناوين ومحتواها التفصيلي.
  • تناوله لقضايا كتب فيها كثيرون، ومن ذلك قضية المساواة، لكن الكاتب تناول الموضوع تناولا مبنيا على الدليل العقلي أكثر من الدليل الشرعي، وذلك عين الصواب لأن المخاطب بعضه ليس ممن يدين ويعترف بالدليل الشرعي فاحتيج معه إلى هذا المسلك من الحجاج المبني على الدليل العقلي، وهو في ذلك ـ في نظري ـ كان مقنعا فيما قدمه من الحجج الناقضة لدعوى المساواة النافية للتمايز بين الجنسين.
  • لغة الكتاب سهلة سلسلة يستطيع أغلب القراء فهم الكتاب من خلالها، مع ما في الكتاب من العمق المعرفي.
  • حضور الاختلاف والاعتراف بالرأي المخالف مبدأ من المبادئ الشرعية، حاول الكاتب الالتزام به في أغلب متن الكتاب كلما كان ذلك ضروريا فلا يغمط المخالف حقه بل يقدم عرض آراءه بكل أمانة وعدل، ثم هو بعد ذلك يحللها ويناقشها وينتقدها بما يراه صوابا حسب رأيه.
  • الكتابة والمواطنة، لست أدري إن كان كل الكتاب يتعاملون مع أوطانهم تعامل مبينا إما على المدح الخالص بلا نقد ولا مراجعة لما يحتاج إلى مراجعة، أو على النقد العدمي الذي لا يرى إشراقة لوطنه، والكتاب ـ موضوع القراءة ـ يلاحظ أنه قام علة روح الوسطية يظهر ذلك ـ حسب رأيي ـ في المبحث المتعلق بتطبيق الشريعة بين الدولة والمجتمع، فالقارئ يجد الكاتب قد تحدث عن وطنه بنوع وما فيه من صور خدمة الإسلام من خلال بناء جامع القرويين، ولا شك أن ذلك تعبير عن المواطنة العادلة من قبل الكاتب تجاه وطنه، وليس ذلك بغريب عن عالم يرى في الاعتزاز بالوطن قيمة من القيم الدينية الأصيلة كما أشار إلى ذلك في سياق الحديث عن “المسلمون اليوم وإشكالات الوحدة والتعدد”.

تناول الكتاب إذن جملة من القضايا مثل حرية المعتقد وتطبيق الشريعة وغيرها من القضايا، والمتتبع لمحتوى بعض المقررات الدراسية يجدها تتقاطع مع ما جاء به الكتاب من قضايا، وإن من شأن قراءة الكتاب الإسهام في تعميق التكوين لكل فاعل تربوي بما يتحقق له من حسن نقل المعرفة للمتعلم انطلاقا من مضمون ومنهج تحليل الكتاب للقضايا التعليمية التَّعَلُّمية.

ملاحظات حول الكتاب

من الملاحظات التي بدت لي وأنا أطالع الكتاب، وغالبها شكلي، ما يلي:

  • من عناصر هندسة البحوث العلمية المقدمة والخاتمة، إلا أنه يلاحظ غيابهما في هذا الكتاب.
  • بعض الأخطاء المطبعية القليلة، نذكر منها: ما ورد في السطر الأخير من الصفحة 27 من الكتاب حيث جاء ” وأن أحكام العبادات” ولعل الصحيح الذي يقصده الكاتب هو ” أحكام العادات”، وكلمة “استفدة” في السطر التاسع من الصفحة 59 ولعل الصحيح هو ” استفادة”، وعبارة ” مفهوم السريعة” في السطر الأول من الصفحة 109، والصحيح ” مفهوم الشريعة”.

خاتمة

وختاما، ومن خلال قراءة الكتاب، يمكن القول إن قضايانا المعاصرة لا يمكن أن تنقطع، وحتى لو فرضنا انحصارها في مواضيع محددة، فإن الحاجة ماسة لامتلاك الباحثين والدارسين أساليب حجاجية متنوعة تمكنهم من حسن الرد على مختلف أنواع الحجج التي ترد عليهم، وكذا إتقان مختلف أنواع الخطاب بغية التمكن من إقناع وإفحام المخالفين ودحض حججهم وشبهاتهم حول الإسلام وموقفه من قضايا الإنسان المعاصرة.