مقدمة

دأب عدد من الملوك وزعماء الدول في التاريخ على إحاطة أنفسهم بحرس من خارج دائرتهم العصبية أو حتى الدينية، كشأن الأباطرة الرومان الذين شكّلوا فرقا خاصة من الجرمان أو الإيبيريين لحمايتهم، أطلق عليها الحرس البرايتوري (Praetoriani)، وكذلك الشأن بالنسبة لبعض خلفاء الدولة العباسية الذين أحاطوا أنفسهم بالجنود الأتراك. أما في تاريخ المغرب فتخبر المصادر عن استعمال السلطانين أحمد المنصور السعدي ومولاي إسماعيل العلوي لمجندين من إفريقيا جنوب الصحراء في حراسة القصر، والأمر سيان بالنسبة للجنرال فرانسيسكو فرانكو (حكم إسبانيا بين 1939-1975)، الذي تعمّد أن يكون حرسه مغاربة، لغاية سنحاول الكشف عنها في مضامين هذا المقال.

الحرس الموري واستنساخ التقاليد المخزنية

تأسس الحرس الموري (La Guardia Mora) لفرانكو مع بداية الحرب الأهلية الإسبانية 1936، وهي حامية عسكرية تشكلت من جنود مغاربة مع مشرفين إسبان، تم انتقاؤهم من جيش إفريقيا (El Ejército de África)، كان الهدف وراء تشكيل هذه الوحدة الفريدة هو حراسة الجنرال فرانكو، ومرافقته في الخرجات الرسمية التشريفية[1]، فالوثائق والصور التي تعود إلى فترة حكمه تؤرّخ لمشاركة الوحدة العسكرية المغربية في خرجاته الرسمية، كما رافقته أثناء استقبال بعض الوفود الدبلوماسية بمحيط القصر الرئاسي[2].

ما من شك أن الاحتكاك الكبير للجنرال الإسباني فرانكو بالثقافة المخزنية كان له تأثير على توجهه في تأسيس حرسه الخاص، فما “الحرس الموري” إلا نسخة شبه مطابقة للمحلّة[3] الخليفية التي أنشئت بمدينة تطوان سنة 1913، وكانت مهمتها حماية خليفة السلطان بمنطقة الشمال، والوقوف كقوة تشريفات خلال المناسبات الرسمية، داخل نطاق نفوذ الإدارة الاستعمارية الإسبانية[4].

وما يعزّز فكرة استنساخ فرانكو للمحلّة الخليفية في إسبانيا هو اختيار عناصرها من المغاربة، ومحافظته -فرانكو- على الشكليّات المميّزة لها، كامتطاء هؤلاء الحرس للأحصنة، وتزيّيهم بالزي المغربي المطابق لزي المحلّة الخليفية، وكانت عناصر هذه الأخيرة تتكون من بذلة وسروال، مع عمامة بيضاء من الخيط أو القطن بنفس لون السلهام، بالإضافة إلى أحذية عالية[5]، ومن أجل أسبنة زي “الحرس الموري” أضيف إليه لون العلم الإسباني (الأحمر والأصفر).

احتفظ فرانكو بالحرس الموري إلى سنة 1957، وذلك تطلّب إدراجه ضمن وحدات الجيش الإسباني، حيث استحدث إطارا قانونيا لهذه الوحدة العسكرية بتاريخ 9 شتنبر 1940، فانتقلت تبعيتها من الجيش الإفريقي إلى حرس رئيس الدولة الإسبانية الذي مقره بقصر البارادو (EL Parado) بمدريد[6]، ثم جرى تعديله بعد تسع سنوات، مع الاحتفاظ بهذه الوحدة الخاصة، التي استمرّ عملها إلى سنة 1957.

حرب إفني و تفكيك الحرس المغربي

ارتبطت نهاية هذه الوحدة العسكرية بنشوب حرب إفني (12 دجنبر 1957)، إذ قام فرانكو على وجه السرعة بحلّ هذه الوحدة بعد 72 ساعة من بداية الحرب[7]، وهو أمر نجد تفسيره في كتاب: حرب إفني، حينما أنهى فرانكو خدمة الحرس الموري (La Guerra de Ifni. Cuando la Guardia Mora abandonó a Franco)، حيث اعتبر الباحث الإسباني غوستافو أدولفو أردونيو مارين (Gustavo Adolfo ORDOÑO MARÍN) أن إقدام فرانكو على حلّ هذا الحرس الشخصي سببه الخوف من انتقام أحد عناصر حرسه الخاص -المغاربة- في ظل الحرب التي يخوضها الجيش الإسباني ضد المقاومة الصحراوية بمدينة إفني.

خاتمة

إن تمسك فرانكو بهذه الوحدة العسكرية مدة عقدين، له أسباب قد تكون موضوعية: تتمثل في الحضور الرمزي والمتعمّد للجندي المغربي في الواجهة، بما يجسّده من دلالات استناد النظام الفرنكوي على الجنود المغاربة (Los Moros) الذين اكتسبوا سمعة الشدّة والعنف خلال الحرب الأهلية الإسبانية 1936-1939، فكان حضورهم الدائم رسالة تهديد إلى اليسار الإسباني المعارض، حتى على مستوى التسمية (La Guardia Mora) ذات الدلالة القدحية، فاستعمال كلمة (Mora) التي تربط الجنس المغربي بالهمجية والتوحش عوض كلمة المغربي (Marroquí)، هو إمعان في  سيميائية التهديد، كما أن الأفراد المغاربة الذين يشكلون “الحرس الموري” كانوا بعيدين عن التفكير في أي رهان سياسي داخل إسبانيا، ووفاؤهم للزعيم العسكري فرانكو أضمن من غيرهم. وقد تكون تلك الأسباب ذاتية، وتتجلى في تأثر فرانك وبالثقافة المخزنية المغربية في اختياره للحرس الموري كفرقة عسكرية مرافقة، وهو الذي كان يتابع عن قرب خرجات خليفة السلطان الحسن بن المهدي وبرفقته المحلّة الخليفية التي تعطي لموكبه هالة وأبهة، فعلِقت تلك الصور في ذهنه ملتحمة بمعاني الكاريزمة وقوة السلطنة، فأفضى ذلك إلى معاكسة القاعدة الخلدونية -نسبة إلى ابن خلدون- القائلة بأن المغلوب مولع باتباع الغالب، فأمسى المستعمر (الغالب) متبِعا للمستعمر في عادة من عوائده وإن كانت قيمتها ليست ذات شأن كبير.

المراجع
[1] موقع وزارة الدفاع الإسبانية على الرابط: http://tinyurl.com/4s5f988f (تاريخ الاطلاع: 07/09/2023).
[2] الوثيقة 593/13، بتاريخ 05/03/1938، موقع المكتبة الرقمية الإسبانية، أنظر:  https://bdh-rd.bne.es/viewer.vm?id=0000227055&page=1  (تاريخ الاطلاع: 14/09/2023).
[3] اسم الذي كان يطلق في الماضي على قوات جيش السلطان.
[4] ماريا روسا دي مادارياغا، مغاربة في خدمة فرانكو، ترجمة كنزة الغالي، سلسلة ضفاف، الدار البيضاء، 2006، الطبعة الأولى، ص، 67.
[5] أنظر: ماريا روسا دي مادارياغا، مغاربة في خدمة فرانكو، مرجع سابق، ص، 70.
[6] أنظر: موقع وزارة الدفاع الإسبانية https://www.defensa.gob.es/
[7]- José María Pérez Arias, "Ifni y La Tercera Presencia Española en el Territorio", Resvia Ejército nº932, noviembre 2018, p, 8.