مقدمة

المدرسة البوعنانية، واحدة من أهم المدارس العلمية التي أنشئت خلال فترة الحكم المريني، فإضافة إليها أسسوا بمدينة فاس: مدرسة الحلفاويين، ومدرسة دار المخزنن ومدرسة الصهريج، ومدرسة السبعيين، ومدرسة الوادي، ومدرسة العطارين، والمدرسة المصباحية. وسميت المدرسة بالبوعنانية أو العنانية نسبة إلى مؤسسها السلطان المريني أبو عنان فارس (1351م-1356م) المعروف بشغفه وحبه للعلم والعلماء[1]. وتعرف أيضا هذه المدرسة بالمدرسة المتوكلية نسبة إلى لقب نفس السلطان الذي كان يلقب ب”المتوكل على الله”. وتعتبر المدرسة البوعنانية أو المتوكلية أول مدرسة تم تأسيها من قبل أبو عنان المريني، واختار لها موقعا وسطا بين فاس الجديد مقر السلطان والمدينة القديمة حيث يتواجد جامع القرويين. وبالنظر إلى أهمية المدرسة بالنسبة إلى مؤسسها فإنه وفر كل الإمكانيات المادية الضرورية لبنائها رغم ارتفاع تكاليف ذلك، كما أوقف عليها عددا مهما من الحمامات والأرحبة والأفران والحوانيت وغيرها، وذلك لتوظيف ريعها للإعتناء بالمدرسة وتوفير مرتبات المدرسين وتوفير سبل العيش الكريم للطلبة المقيمين بها.

تأسيس المدرسة البوعنانية بفاس

تتحدث  المصادر التاريخية عن الدوافع التي كانت وراء إقدام أبو عنان المريني على بناء هذه المدرسة، فذكرت أن أبو عنان كان يريد أن يكفر عن فاحشة ارتكبها تجاه أبيه أبي الحسن فاهتدى إلى بناء مدرسة فخمة للتكفير عن ذنبه كما ذكر الجزنائي صاحب “جني الآس”. وأرجع البعض الآخر الأمر إلى رغبة السلطان في تكريم السلطان لأحد قضاته المشهورين، محمد المقري التلمساني كاتب عقد بيعته بتلمسان.[2]

وقد شرع في بناء المدرسة المتوكلية يوم 28 رمضان 751هـ/ 29 نونبر 1350م تحت إشراف ناظر الأحباس أبو الحسن ابن أحمد بن الأشقرن واختير لها مكان قريب من قصر الحكم المريني؛ في سوق القصر الذي يحمل اليوم اسم الطالعة الكبرى. وقد دامت عمليات البناء خمس سنوات حيث تم الإنتهاء منها في آخر شعبان من عام 756هـ/ 08 شتنبر 1355م.[3]

مكونات المدرسة البوعناني بفاس

تتوزع بنايات المدرسة البوعنانية حول صحن كبير مربع الشكل طول كل ضلع منه 18 مترا، وتكسو أرضيته قطع من المرمر الأبيض تتوسطه بركة ماء مربعة الشكل (5مX5م) ومغطاة بالمرمر الأبيض. وتنتصب على جانبي الصحن قاعتان كبيرتان متاقبلتان ومربعتا الشكل (25مX25م) تنفتح كل واحدة منهما على الصحن بباب مزخرف في قسمه الأعلى بنقوش جصية وفي قسمه الأسفل بقطع الزليج المختلفة الألوان. أما بيت الصلاة فتقع شمال الصحن، تفصل بينه وبين هذا الأخير قناة مكشوفة تتغدى من مياه “واد فاس”. وتتخذ بيت الصلاة شكلا مستطيلا، وتتكون من بلاطين أفقيين موازيين لجدار القبلة، وتتوسط هذا الأخير محراب زينت جدرانه بنقوش جصية تجمع بين عناصر نباتية الشكل، وأخرى هندسية، وكتبات قرآنية.[4]

تتميز إذن المدرسة البوعنانية عن باقي المدارس الأخرى بمدينة فاس بكونها تتوفر على مسجد كبير وجامع، أي أن المدرسة تجمع بين وظيفتي التدريس ووظيفة الجامع. وقد كان جامعها يتوفر على أحد أجمل منابر الخطبة لما تميز به من الإتقان والإبداع في الصنعة، كما أن الجامع زود بصومعة (مئذنة) عالية تمكن المؤذن من رؤية كل من صومعة جامع القرويين وصومعة جامع الأندلس، الأمر الذي أهل المدرسة وجامعها لتصبح ثالث الجوامع الرئيسية بمدينة فاس، تحمل نداء الصلاة وإشارات الصيام والإفطار في رمضان إلى سكان ألحياء العليا من المدينة.[5]

كما تتضمن المدرسة البوعنانية عددا هاما من المكونات المعمارية؛ فنجد قاعتين للتدريس وقاعة كبرى للصلاة، وكذا غرف لإيواء الطلبة، ومقصورة الإمام. أما جامع الجنائز فيوجد وراء جدار القبلة، ينزل إليه من بيت الصلاة بدرج من عدة درجات. ويقع بيت الوضوء الداخلي في الزاوية الشمالية للمدرسة. كما تضم المدرسة كتاب صغير لتعليم القرآن الكريم للأطفال في الجهة الجنوبية الغربية. كما بنيت تحفة معمارية بارزة مقابل البناية الرئيسية للمدرسة، وهي بيت الوضوء الخارجي ويفصل بينها وبين البناية الرئيسية للمدرسة زقاق الطالعة الكبرى، وهو الزقاق الذي ينفتح عليه بابان متلاصقان للمدرسة في الجهة الشمالية للمدرسة، في حين ينفتح باب ثالث على زقاق الطالعة الصغيرة في الجهة الجنوبية. ويحادي بيت الوضوء المذكور الساعة الجدارية العظيمة المعروفة بالمكانة، وهي ساعة مائية عجيبة.[6]

وتحتوي المدرسة أيضا على مجموعة كبيرة من الغرف لسكنى الطلبة شيدت على مستويين؛ مستوى أرضي، وآخر بالطابق العلوي. كما بنيت مجموعة أخرى من البنايات كأحباس على المدرسة وهي عبارة عن مجموعة من الحمامات والدور والحوانيت والأراحي… وكلها موقوفات توجد بالقرب من المدرسة مباشرة مما يميزها عن غيرها من المدارس الأخرى.[7]

خاتمة

رغم التأثيرات السلبية للزمن على المدرسة معمارية وثقافيا، فإن المدرسة استمرت إلى عهد قريب في القيام بأدوارها العلمية، حيث استمرت في استقبال الطلبة، كما أنها مازالت تستعمل كمسجد للصلاة. كما خضعت لترميمات عدة منذ القرن 11هـ/17م، وخاصة في فترة حكم المولى سليمان العلوي بعد تعرض مدينة فاس لهزة أرضية، بحيث تم إصلاح أجزاء بكاملها. وفي القرن العشرين عرفت المدرسة أعمال ترميم هامة في البنية الحاملة وفي الزخارف الجصية والخشبية وفي الزليج. وفي سنة 2017 خضعت المدرسة للترميم بإشراف من “وكالة التنمية ورد الإعتبار لمدينة فاس”، وتم إعادة افتتاحها وإلحاقها بجامعة القرويين لتأوي طلبة السلك النهائي بجامعة القرويين إضافة إلى طلبة سلك “العالمية العليا”بنفس الجامعة.

المراجع
[1] الناصريي أحمد، الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج3، تحقيق وتعليق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، ص 205-206.
[2] مزين محمد، معلمة المغرب، ج6، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 1992، ص 1808.
[3] عثمان إسماعيل، على هامش نداء اليونسكو -2-،مجلة دعوة الحقن ع209، أنظر الرابط: https://tinyurl.com/bdebc2ah.
[4] مزين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 1810.
[5] عثمان إسماعيل، على هامش نداء اليونسكو -2-،مجلة دعوة الحقن ع209، أنظر الرابط: https://tinyurl.com/bdebc2ah / مزين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 1809.
[6] مزين محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 1809-1810.
[7] ابراهيم القادري بوتشيش/السعيد المليح، الوقف العلمي بالمغرب الأقصى ودوره في تأسيس المدارس خلال القرن _هــ/14م (أوقاف مدينة فاس نموذجا)، مجلة "عصور الجديدة"، ع 11-12، 2013-2014، ص 60-61.