مقدمة

تعد زينب النفزاوية واحدة من بين أشهر نساء المغرب، وارتبط ذكرها أساسا بمدينة أغمات، وبالزواج من عدة زعماء وسلاطين. فقد كانت زينب بنت إسحاق قبل استيلاء المرابطين على المدينة متزوجة من شيخ المدينة يوسف بن علي بن عبد الرحمان بن وطاس، وذلك قبل أن يتزوجها زعيم المغراويين لقوط بن يوسف المغراوي بعد وقوع المدينة في يد الإمارة المغراوية. كما اشتهرت بقوة ذكائها وفطنتها، الأمر الذي أهلها لتصبح زوجة ومستشارة لواحد من أهم أمراء الدولة المرابطية، وهو الأمير يوسف ابن تاشفين، حيث ساهم وجودها إلى جانب زوجها في تسيير شؤون البلد في تحقق كثير من النجاحات خلال في فترة حكمه، فكانت آراؤها خير معين له في تجاوز الصعوبات التي كانت تعترضه حتى استتب له أمر ملك المغرب كله. وقد كان ابن تاشفين لا يقطع كثيرا من أمور البلاد إلا ويستشيرها، “وكان يقول لبني عمه إذا خلا بهم وورد ذكرها: إنما فتح البلاد برأيها” كما أورد ابن عذاري المراكشي.[1] ولأنها “كانت بارعة الجمال والحسن، وكانت مع ذلك حازمة لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور” فإنها كنت توصف بالساحرة.[2]

نسبها ونشأتها

هي زينب بنت إسحاق الهواري الشهيرة بالنفزاوية، فهي تنحدر –كما يظهر من لقبها- من قبيلة “نفزة” أو “نفزاوة” الزناتية الأمازيغية، وتعود أصول أبيها إلى مدينة القيروان في المغرب الأدنى (تونس الحالية) حسب المصادر التاريخية، وقد انتقل إلى مدينة أغمات بالمغرب من أجل الأعمال التجارية، خاصة وأن المدينة كانت من المراكز التجارية النشيطة جدا في المغرب حيث كانت نقطة بارزة في خريطة المسالك التجارية الإفريقية المتوسطية خلال القرنين 11-12م/5-6ه.[3] وبفضل ذلك أصبح من كبار تجار المدينة وأوفرهم مالا. وقد رجحت بعض المصادر التاريخية أن تكون ولادتها بهذه المدينة في الفترة ما بين 430ه و440ه،[4]، أي في الفترة التي سبقت استيلاء عبد الله بن ياسين زعيم الحركة المرابطية وأبي بكر بن عمر اللمتوني على المدينة سنة 450ه/1058م، وقب بناء مدينة مراكش.

ففي مدينة أغمات المزدهرة علميا وثقافيا واقتصاديا، ووسط أسرة ميسورة، ولدت وترعرعت زينب النفزاوية. وفي شبابها وبفضل جمالها اشتهرت بين الناس وذاع صيتها في أرجاء المنطقة. وقد روى حولها ابن عذاري المراكشي في “البيان المغرب..” قائلا: “وكانت بها  (يقصد أغمات) امرأة جميلة تعرف بزينب النفزاوية: قد شاع ذكرها وأمرها بين قبائل المصامدة وغيرها، فكان يخطبها أشياخهم وأمراؤهم فتمتنع لهم وتقول: لا يتزوجني إلا من يحكم المغرب كله، فكانوا يرمونها بالحمق”[5]. وقال عنها أيضا: “وكانت هذه المرأة موسومة بالجمال والمال، وكان لها محاسن وخصال محمودة ورَوِيَّةٌ مسْتَطْرَفَةٌ، فقيل-والله أعلم- إن الجن كانت تخدمها”.[6]

زينب النفزاوية زوجة الأمراء والملوك

وقد كان زواجها الأول بيوسف بن علي بن عبد الرحمان بن وطاس شيخ أغمات أوريكة سنة 449ه/1057م، وبعد مقتل زوجها على إثر استيلاء بنو يفرن على المدينة تزوجت بزعيم المغروايين لقوط المغراوي، والذي قتل بدوره في إحدى المعارك مع المرابطين في تادلا. وبعد دخول المرابطين إلى أغمات خطبها الأمير المرابطي أبي بكر بن عمر اللمتوني فتزوجها. وهذه الزيجات الثلاثة الأولى هي أشار إليها ابن خلدون في تاريخه بقوله: “وتزوج (يقصد أبو بكر بن عمر) امرأته زينب بنت اسحق النفزاوية، وكانت مشهورة بالجمال والرياسة، وكانت قبل لقوط عند يوسف بن علي بن عبد الرحمن بن وطاس”[7].

لم يدم زواج الأمير المرابطي من النفزاوية كثيرا، حيث سرعان ما اضطر أبو بكر بن عمر إلى الرجوع إلى الصحراء لوضع حد للفتنة التي نشبت بين قبائل صنهاحة هناك. “وكان أبو بكر بن عمر لما عزم على حركته تلك قال لزوجه زينب: إني مسافر منك برسم الفتن والحروب ولا يمكنني أن امشي عنك وأنت في عصمتي… والرأي أن أطلقك، فقالت له: الرأي السديد ما تراه، فطلقها، فذكروا أنه قال لابن عمه يوسف ابن تاشفين: تزوجها، فإنها امرأة مسعودة، وقيل: إنها هي التي طلبت منه طلاقها فأسعفها بذلك”،[8] وهو ما تم بالفعل، حيث تزوجها بعد نهاية عدتها.

زينب النفزاوية.. مستشارة الدولة

هكذا تم الزواج الرابع لزينب النفزاوية من خليفة أبي بكر بن عمر ابن عمه يوسف ابن تاشفين سنة 453ه/ 1062م، “ودخل بها، فسرت به وسر بها، وأخبرته أنه يملك المغرب كله فبسطت آماله وأصلحت أحواله وأعطته الأموال الغزيرة، فأركب الرجال الكثيرة، وجمع له القبائل أموالا عظيمة فجند الأجناد وأخذ في جمع الجيوش من البربر…”[9]. وقد أعجب ابن تاشفين ليس فقط بجمالها، ولكن بنبوغها وفطنتها، فكانت نعم المستشارة والمساعدة لزوجها، حيث دعمته حتى قويت شوكته، وخاصة بعد نهاية الفتة التي اشتعلت بين قبائل صنهاجة ورجوع أبي بكر بن عمر إلى مراكش[10]. فقد ذكرت المصادر التاريخية أن النفزاوية هي التي أشارت على زوجها أن يستقبل أبو بكر بن عمر الذي رجع ليستعيد زعامته على المرابطين، فنصحت ابن تاشفين أن يستقبله ليس كخليفة مؤقت له بل كأمير للمغرب قاطبة،  “فقالت له: إذا قدم عليك وبعث مقدمات رجاله إليك فلا تخرج إليه، ولكن بادره بهدية جليلة…فلا يقاتلك على الدنيا، فإن الرجل خيِّر لا يستحل سفك دماء… وتفوز بملكك إن شاء الله”.[11] وقد نجحت الخطة التي اقترحتها زينب النفزاوية على زوجها، حيث تنازل الأمير المراطبي أبو بكر عمر سنة 465ه/1073 عن الملك لابن عمه يوسف ابن تاشفينن، والذي أصبح ملكا على كل البلاد المغربية، فتحقق بذلك مرادها ومراده في الإحتفاظ بالملك، وكذا حقن دماء المرابطين ودفع الصراع والاقتتال عن البيت المرابطي. لقد “كانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب” كما قال أحمد بن خالد الناصري[12]. وقد بلغ نفذها في ظل حكم زوجها شأنا كبيرا، فأصبح رأيها محترما ومقدرا في كثير من قرارات الدولة، بما في ذلك تعيين وعزل المسؤولين في جهاز الدولة.

وفاتها

وقد استمرت زينب النفزاوية في القيام بأدواراها كاملة إلى جانب زوجها إلى أن توفيت في تاريخ لا يعرف بدقة، حيث اختلفت في ذلك الروايات اختلافا كبيرا، لكن يرجح أن يكون ذلك في الفترة التي تلت ولادة آخر أبناءها سنة 469ه/1076م، وقبل ولادة أحد أبناء يوسف بن تاشفين سنة 476ه-477ه/1083م-1084، وهو علي بن يوسف من امرأة أخرى (قمر) تزوجها ابن تاشفين بعد وفاة النفزاوية، وعلي هو الذي سيرث الحكم بعد وفاة أبيه سنة 500ه/1106م. وقد خلفت زينب النفزاوية من يوسف بن تاشفين ثلاثة أبناء أولهم: هو: “تميم”، والثاني سماه أبوه “المعز بالله”، وذلك قبل أن يولد لهما ولد آخر هو “الفضل”.

المراجع
[1] ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، ج3، تحقيق بشار عواد معروف ومحمود بشار عواد، درا الغرب الإسلامي، تونس، ج3، ص 24.
[2] الناصري أحمد بن خالد، الإستقصا لأخبار المغرب الأقصى، ج2، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، درا الكتاب، الدار البيضاء،  1997، ص 20.
[3] رابطة الدين محمد، معلمة المغرب، ج2، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ودار الأمان، ط2، 2014، ص 539.
[4] السعيدي عبد السلام، معلمة المغرب، ج14، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة ومطابع سلا، 2001، ص 4797.
[5] ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب...، ج3، مرجع سابق، ص 14.
[6] ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب...، ج3، مرجع سابق، ص 15.
[7] ابن خلدون عبد الرحمن، تاريخ ابن خلدون (العبر)، ج6، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2000، ص 244.
[8] ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب...، ج3، مرجع سابق، ص 17.
[9] ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب...، ج3، مرجع سابق، ص 18.
[10] السعيدي عبد السلام، معلمة المغرب...، مرجع سابق، ص 4797.
[11] ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب...، ج3، مرجع سابق، ص 19.
[12] الناصري أحمد بن خالد، الإستقصا لأخبار المغرب الأقصى، ج2، مرجع سابق، ص 23.