تقديم

يأتي هذا الكتاب للدكتور أحمد كافي في سياق مغربي يشهد نقاشا مجتمعيا حول مدونة الأسرة، وقد شهد الواقع في هذه الأيام التشكيك في كل شيء، وحيث سعى بعض المناوئين للمرجعية الإسلامية في العالم الإسلامي وفي المغرب خاصة إلى الانتقاص من كمال الشريعة الإسلامية ومن سبقها في تكريم الإنسان بنوعيه الذكر والأنثى، ليعلو صوت أهل التخصص ومن بينهم أحد رواد الانتصار للشريعة الإسلامية، فارس من فرسان العلم الدكتور أحمد كافي ليقرر بالأدلة القوية قاعدة التضعيف في الميراث، وليكشف عن بعض حكمها وعللها، ويرد على دعاة المساواة في الإرث.

ويقع الكتاب في 198 صفحة، أصدره مركز المقاصد للدراسات والبحوث ومؤسسة محيط والدار المغربية للنشر والتوزيع، وهو كتاب من خبير متمرس بمسائل الميراث، يبين مقاصد الشرع وأحكامه في مسألة تتعلق ببعض قطعيات الشريعة، ويؤكد لكل منصف أن قاعدة التضعيف في الميراث بين الذكور والإناث صادرة من عليم بأحوال عباده، خبير بما يصلحهم. وعسى أن يزيل هذا الكتاب كثيرا من اللبس، ويحقق الفهم السليم لها، والترافع العلمي حولها، ضد من يحاول نقدها ونقضها.

دواعي وأهداف التأليف

قدم للكتاب نور الدين بن مختار الخادمي‎ أستاذ ورئيس وحدة البحوث بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، خلافا لما جرت به عادة اطردت في الغالب، بتقديم كتاب وتقريظه؛ حيث تناوله من زاوية غير زاوية تأليفه، وربما غبر زوايا أخرى تتعدد فيها‎ ‎الأنظار وتعمر بها الأفكار.‎

ومما حمله على ذلك رغبة شخصية في التطوير‎ ‎والتجديد، ومراكمة وممارسة ومدارسة، يُفيد مجموعها ضرورة التحصيل‎ ‎والتجديد البحثي والتطوير المؤسسي بمنهج التفاعل التداولي في الرأي والموقف‎ ‎الذي يمثل إحدى فرائض الإسلام الموسومة بالشورى بفهم محرر ونظر فسيح‎ ووصل بالواقع متين مكين (الكتاب ص5).

كما أن موضوع الكتاب؛ الإرث ومتعلقاته، أحد الموضوعات العلمية الجوهرية في السنوات الأخيرة على‎ صعيد قضايا الأسرة المسلمة والدولة المعاصرة ومؤسسات الفكر والفقه ومواثيق الأمم‎ المتحدة ‎والسياسات الدولية…، كما يُمثل “ادعاء المساواة في الإرث بين الذكور والإناث‎” أحد القضايا ‎الفكرية والعلمية والتشريعية الجدلية بتحدياتها وإشكالياتها وملابساتها. إلى جانب أن المؤلف ‎الدكتور أحمد كافي يعد أحد الفقهاء المعاصرين الفاعلين‎ ‎في الأكاديمي الجامعي، والمسار المؤسسي الإفتائي الاجتهادي، والمسار‎ الأهلي والاتصالي والخطابي، ‎وتناوله للموضوع بمقتضى مخرجات هذه المسارات‎ ‎يمثل ‎أداء يستجيب لمتطلبات النظر والعمل، ويمكنه أن يضيف به ما يقتضيه تجديد الباب‎ ‎الفقهي الإرثي، وإثراء مدونته الأسرية وحراكه الجدلي وتداوله بين الناس وتوافقاته البينية حسب ما تجود به الإرادات وتنتهي إليه المآلات (الكتاب ‎ص 6).

يستوقفنا المؤلف للاعتزاز بنظام الإرث في الإسلام‎ ‎والقائم على الآيات الثلاث من سورة النساء، وهي الآيات: 11، 12 ، والآية 176، و‎‎هو مما يجب على الأمة المسلمة والإنسانية كلها أن تفتخر به. ومبعث الفخر بنظام الإرث الشرعي القائم على هذه الآية أساسا ثلاثة:‎ ‎الأولى: أن هذا من الإعجاز إذ ورد نظام الإرث كله بقواعده وكلياته ومقاصده في‎ ‎هذه الآيات الثلاث.‎ الثاني: أن هذا النظام الإرثي الخالد، يتميز بالعلم والحلم والحكمة والبيان، وهي‎ ‎صفاته التي وردت في آيات المواريث، في قوله تعالى: ﴿فريضة من الله إلى الله كان عليما‎ ‎حكيما﴾ [النساء : 11]، ﴿ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء : 12)، وبين الله لكم أن تصلوا والله‎ ‎بكل شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النساء: 176].‎الثالث: أنه لا يفهم نظام الإرث وأحقيته وجماله إلا من خلال هذا النظام البديع‎ ‎ومن خلال النظام الإرثي بالمقارن؛ إذ بضدها تتميز الأشياء.‎

ويهدف أحمد كافي إلى وضع منظومة الإرث المختلفة والمتباينة التي عرفتها البشرية موضع مساءلة،‎ ويرى أنها جديرة بأن توضع جميعها‎ ‎في الميزان، لمعرفة المتقدم من المتأخر منها، والفاضل من المفضول، والصواب من الخطأ.‎ ‎ولعل من أهم ما وجهت إليه السهام نظام الإرث الشرعي، ووضعت الشبهات والأهواء أمامه‎ ‎لزعزعة الثقة به. ومن هذه الشبهات الجلبة الكثيفة في موضوع التضعيف الواردة في‎ ‎هذا النظام الشرعي (الكتاب ص 11). وتناول الكتاب ما يقدمه الفضلاء‎ ‎من ترسيخ فهم، يتركز حول بيان أن التضعيف في نظام الإرث الشرعي ليس أصلا،‎ ‎وأنها إذ ترث أكثر منه، أو مثله، أو ترث ولا يرث أخوها الذكر. وهذا دليل عندهم على‎ أن عدم التضعيف ليس أصلا في نظام الإرث الشرعي.‎

وهذا فساد كبير، وعبث بنظام الإرث الشرعي كما بينه المؤلف وإنما أسلم هذا‎ ‎القول إلى الفساد والعبث أن مورست الضغوط عليه من المشمئزين منه، والاجتهاد في‎ محاولة تجميل صورة هذا النظام.‎ ‎كما أن في هذا الكتاب رد على دعاة المساواة ببيان مرجعيتهم التي ينطلقون منها‎، والوقوف عند جملة من المقارنات التشريعية التي تؤكد أحقية نظام الإرث في الإسلام‎ على جميع النظم التي تتعامل بها البشرية اليوم.‎ وبه تتجلى عبقرية هذا النظام، وأنه من عليم حليم حكيم. (الكتاب ص 12)

محتويات الكتاب

بعد التقديم جاءت فصول ومباحث الكتاب على الشكل التالي:

1- الفصل الأول: دعوى المساواة في الإرث،

  • المبحث الأول: مقدمات بين يدي دعوى المساواة في الإرث.
  • المبحث الثاني: مع السياسيين وغيرهم في دعوى الإرث.
  • المبحث الثالث: المساواة والعدل في الإرث عند المعاصرين.
  • المبحث الرابع: المساواة في الإرث عند أهل الكتاب وقوانين الدول الغربية.
  • المبحث الخامس: مدونة الأسرة بين المرجعية الوطنية والمرجعية الكونية.
  • المبحث السادس: المساواة في الإرث عند أصحاب المرجعية الكونية والافتراء على آيات الوصية.
  • المبحث السابع: المساواة في الإرث عند أصحاب المرجعية الكونية والتسلل من باب الوصية.

2- الفصل الثاني: قاعدة التضعيف في الميراث بين الذكور والإناث نظرات في القاعدة والعلة.

  • المبحث الأول : قاعدة الميراث ” للذكر مثل حظ الأنثيين”.
  • المبحث الثاني: الأدلة على أن ” للذكر مثل حظ الأنثيين” قاعدة وأصل وليس استثناء أو حالة من الحالات.
  • المبحث الثالث: قاعدة الميراث ” للذكر مثل حظ الأنثيين”.
  • المبحث الرابع: أسس المفاضلة بالذكورية في الإرث.
  • المبحث الخامس: الفارق بين قسمة الشرع وقسمة المساواة.

3- المصادر والمراجع.

4- فهرس الكتاب.

خاتمة

حرص كل من مركز المقاصد للدراسات والبحوث ومؤسسة محيط على نشر هذا الكتاب، وتوفيره بين يدي الباحثين خلال معرض الكتاب الدولي بالمغرب لشهر يونيو 2023م، لأنه ذو قيمة علمية، وفائدة مجتمعية، ويجيب عن قضية حساسة من قضايا الميراث، والتي سال بشأنها مداد كثير، سواء من أنصار المشروع الإسلامي أو من المعادين له .