المولد والنشأة[1]

العلامة الأديب النحوي اللغوي الفقيه الورع الصوفي الشريف سيدي محمد المختار بن الشيخ سيدي إبراهيم البصير بن أمبارك الموذني الرقيبي رحمهم الله. ولد سنة 1356هـ/1938م، بزاوية والده الشيخ سيدي إبراهيم البصير، ببني أعياط إقليم أزيلال. توفي والده وله من العمر سبع سنوات، تعلم مبادئ القراءة والكتابة بمدرسة زاوية والده على يد كل من الفقيه سيدي الحسن أبريّيم رحمه الله، والفقيه العلامة سيدي احماد السوسي الهشتوكي رحمه الله.

يذكر أنه ساح مع والده وهو طفل صغير السياحة الصوفية على الدواب في قبائل تادلة وبني عمير والشاوية وورديغة كانت تدوم الشهور الطوال، وقد كان والده حريصا على تربيته ومراقبته عن كتب، حيث كان يتابع حضوره وحضور إخوانه للصلوات الخمس مع الجماعة، ويوقظهم في الصباح الباكر ويسوقهم إلى المسجد لحضور صلاة الصبح وحضور مجلس الذكر الذي يعقد في الزاوية كل صباح قبل شروق الشمس.

الترحال لحفظ القرآن الكريم

أرسله والده إلى مدينة الدار البيضاء وله من العمر ست سنوات إلى الفقيه العالم سيدي عبد السلام العامري رحمه الله الذي كان وقتئذ يدرّس بفرع زاوية والده بالدار البيضاء بدرب اليهودي سابقا حي الداخلة حاليا. وبعد وفاة والده سنة 1945م انتقل سيدي محمد المختار بصير إلى مدينة مراكش، فأتمّ بها حفظ القرآن الكريم.

مرحلة التحصيل العلمي

كانت البدايات الأولى بزاوية الرميلة بمراكش مع الشيخ الجليل سيدي بوجمعة الهواري، ثم أخذ عن الأستاذ سيدي أحمد توفيق الوفقاوي دروسا في النحو، وعن الأستاذ النفاعة سيدي أحمد عفيف الباعمراني الصرف والنحو والإعراب، وعن العلامة الفقيه سيدي عبد الرحمان الدرقاوي التحفة، ثم واظب على دروس العلامة محمد المختار السوسي في مساجد مراكش وخاصة مسجد باب دكالة، وجامعة ابن يوسف، فدرس عليه الأجرومية والألفية والزواوي ولامية الأفعال والبلاغة والأدب والفقه والتفسير والحديث. وتأثر به غاية التأثر في علمه وأدبه. وبعد تضييق سلطات الاستعمار الفرنسي على جامعة ابن يوسف والفقهاء الذين كانوا يعلمون في المدارس والرباطات الخاصة، غادر العلامة محمد المختار السوسي مراكش إلى الدار البيضاء، فالتحق به مترجمنا لإتمام بغيته ونصيبه من العلم على يده، فتابع الدروس التي نظمها الشيخ في المسجد المحمدي بحي الأحباس، ومسجد بنجلون بدرب بن العالية، ومسجد ولد حبيبة بشارع الفداء، وفي الدار التي يسكن بها، إلى أن لاحقته أيدي الاستعمار من جديد سنة 1952م، فنفته إلى تنجداد ثم إلى أغبالو نكَردوس، وتفرقت جموع الطلبة من حوله.

ونظرا للظروف السياسية والمادية، اضطر سيدي محمد المختار بصير خلال هذه المرحلة إلى البحث عن عمل، فزاول العديد من المهن اليدوية فترة من الزمن، ثم عاد إلى زاوية والده الشيخ سيدي عبد الله بصير فأقام هناك سنتين يخدمه ويعينه على أمور الزاوية، ولم ينقطع خلالها عن المطالعة والتحصيل.

المهام الوظيفية والدعوية

انخرط مترجمنا في سلك التعليم الابتدائي سنة 1957م، وعمل بمدينة بني ملال والفقيه بنصالح، ثم حل بالدار البيضاء ودرّس بعدد من مؤسساتها، ثم اجتاز امتحان البكالوريا ليلتحق بعدها بالتعليم الثانوي، ويشتغل بثانوية “لارميطاج” التي كان يديرها المجاهد السيد الهاشمي الفيلالي بمساعدة المرحوم السيد عبد اللطيف بناني سميرس. ثم تاقت همته لمواصلة التعليم العالي الرسمي، فحصل على الإجازة في الشريعة من جامعة القرويين في فاس سنة 1976م، وهناك درس على كل من السادة العلماء: عبد الجواد الصقلي، وعبد الله الداودي وأخيه العلامة عبد الكريم الداودي، والعلامة سيدي عبد العابد الخرشفي، والعالمة عائشة بنت الشاطئ رحمهم الله أجمعين. ثم أصبح فيما بعد مدرسا لمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية بمركز تكوين المعلمين بشارع غاندي بالدار البيضاء. واشتغل أستاذا بالمعهد الإسلامي الذي أنشئ بالدار البيضاء سنة 1971م، إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1997م.

عيّن رحمه الله خطيبا للجمعة بمسجد الساقية الحمراء بحي سباتة بالدار البيضاء سنة 1983م، ثم خطيبا بمسجد الحسنى منذ تدشينه يوم 14 جمادى الأولى عام 1412هـ / 22 نونبر 1991م، وواظب فيه على إلقاء الدروس إلى أن لقي ربه. كما عيّن رحمه الله تعالى سنة 2006م عضوا في فرع المجلس العلمي بعمالة آنفا بالدار البيضاء.

وقد عرض عليه رحمه الله في السبعينات منصب باشا في مدينة العيون، نظرا لما له ولعائلته هناك من شفوف وسمعة حسنة، غير أنه رحمه الله فضّل البقاء في ميدان التربية والتعليم. ومن بين أعماله في الميدان الجمعوي، أنه كان عضوا نشيطا في مكتب فرع رابطة علماء المغرب بالدار البيضاء، وانتخب غير ما مرة نائبا للرئيس، كما كان عضوا في مكتب جمعية رعاية مدرسة الرحمان لتحفيظ القرآن منذ تأسيسها، وكان يحضر اجتماعات المكتب بانتظام وفعالية.

عرف المترجم رحمه الله بتمسكه بالدين والدفاع عنه في جميع المحافل، كما اشتهر بورعه الشديد وإحسانه الكثير رغم قلة ذات اليد، وبدعوته الوسطية الناجحة، وكان رحمه الله يكثر من زيارة الفقراء وإجابة دعواتهم لإدخال السرور عليهم، كما عرف في الأوساط الخاصة والعامة بدفاعه المستميت عن الثوابت الوطنية. عاش متمسكا بسمته وحسن خلقه، راعيا لأمور زاوية والده سيدي إبراهيم البصير الدرقاوية، يساعد إخوانه الذين استخلفوا شيوخا للزاوية، يزورهم المرة تلو المرة، غير مالّ من كثرة الذهاب والإياب، يدرّس ويعظ وينصح ويوجه في كل الأوقات، ويجيب عن أسئلة وفتاوى المريدين، كما أنه كان يساعد الفقراء واليتامى المتجردين بالزاوية، وله معهم ذكريات جميلة، كان يقوم بكل هذا رحمه الله رغم كثرة مهامه العلمية بالدار البيضاء، وكان يتنقل بين المدرسة والمعهد والمسجد والجمعيات الخيرية، ويجيب دعوات الناس ولا يميز بين فقيرهم وغنيّهم. وعنما يجمعه الله بأبناء العائلة يعجبه كثيرا أن يسردوا عليه الكتب في مختلف العلوم الإسلامية، وكانت له معهم وقفات وتصحيحات نحوية ولغوية.

وفاته

وفي صباح يوم الجمعة الذي توفي فيه، طلب من الأخ مولاي إسماعيل الخليفة الحالي للزاوية، أن يسرد عليه شرح الحكمة العطائية التي يقول فيها سيدي ابن عطاء الله رحمه الله: ” لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عمّا سوى المذكور، وما ذلك على الله بعزيز”.

ومن كرامات سيدي محمد المختار بصير، أنه أذن بتسجيل هذه النبذة من سيرته وأشياء أخرى، في آخر ليلة من حياته وهو في أتم نشاطه، وقال لابن أخيه الأستاذ عبد المغيث بصير: ” أسأل المولى عز وجل أن يختم لنا بالحسنى وزيادة”[2]، ووافق يوم وفاته الجمعة 4 شوال 1427هـ / 28 أكتوبر 2006م، على الساعة الثامنة والنصف مساء، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته آمين.

المراجع
[1] أنظر كتابنا: الإدريسي مولاي أحمد صبير. (2020). مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء. دار الرشاد الحديثة. الدارالبيضاء. صص: 292-296.
[2] الموقع الإلكتروني للطريقة البصيرية على الرابط: https://bit.ly/3ZpAg2q .