مولد ونشأة امحمد العثماني

يعتبر الفقيه والمفتي امحمد  (تنطق باللهجة المحلية بتسكين جميع الحروف) بن عبد الله بن محمد العثماني من أعلام الفقه والفكر البارزين في منطقة سوس (وسط المغرب)، وهو سليل أسرة العثماني السوسية الشهيرة والمنتشرة في المنطقة بعدة أماكن. وقد خصص لها العلامة محمد المختار السوسي أكثر من مائة وستين صفحة في الجزء السابع عشر من كتابه “المعسول”، وذكر أن هذه الأسرة تسلسل فيها العلم والصلاح في سوس منذ القرن السادس إلى الآن. وأضاف: “لم أعرف في المغرب أسرة تسلسل فيها العلم أبا عن جد في زهاء ألف سنة إلا هذه، والأسرة الفاسية بفاس التي عرفت أول منها في أواخر القرن الخامس وهي ميزة انفردت بها الأسرتان وحدهما”، كما وصفها في مؤلفه “”سوس العالمة” بأنها أعظم أسرة علمية سوسية، وأنها لم تزل في جميع أجيالها منذ ذلك القرن (القرن السابع) تطفح بالعلماء، بل وبالأدباء إلى الآن. وأورد المختار السوسي من رجالاتها المعروفين بالعلم والتدريس والصلاح قريبا من مائتي شخصية[1].

وقد عرف عن امحمد العثماني تعدد وتنوع اهتمامته وإنتاجاته العلمية فشملت، بالإضافة إلى مجالات الفقه والعلم الشرعي والفتوى، مجالات التاريخ والإجتماع ومجالات الأدب[2].

ولد امحمد العثماني بقرية أسكّاور بتافراوت (إقليم تزنيت) عام 1340هـ / 1922م، ووالده هو الفقيه والمؤرخ عبد الله بن محمد السوسي الكرسيفي أصلا، وكان إماما ومدرسا خصوصا في مسجد “تازكا” نواحي تافراوت، التي أمضى بها 45 سنة متصلة[3]. أما والدته فهي عائشة بنت محمد بن الحسين. ويقول عنها، حفيدها الدكتور سعد الدين العثماني –رئيس الحكومة المغربية السابق-: “وكانت حافظة لأجزاء من القرآن الكريم، تحسن القراءة على الرغم من أنها لا تتكلم اللغة العربية، وكان عندها بعض كتب الفقه والأذكار بتاشلحيت (الأمازيغية)، وكانت تعلم منها النساء… ولها موهبة في ارتجال قرض الشعر بالأمازيغية في الأمداح والوعظ والزهد أساسا”[4].

الدراسة وطلب العلم

وعن والده عبد الله العثماني أخذ امحمد العثماني مبادئ الكتابة والقراءة وحفظ القرآن ودرس بعض مبادئ العلوم الشرعية، كما درس على علماء آخرين في منطقة سوس. وفي سن 15 سنة التحق امحمد العثماني بمدرسة “تنالت” بمنطقة أيت صواب بإقليم شتوكة آيت بها عند الشيخ محمد الحبيب ابن إبراهيم البوشواري (الحاج الحبيب التنالتي)، وقد لازم هذا الأخير ما يزيد عن 16 عشر سنة، أي في الفترة بين 1936م إلى سنة 1952م. وعلى يديه درس مختلف العلوم التي كانت تدرس بمدارس سوس آنذاك.[5] ثم التحق السيد العثماني بمدرسة تازموت فقرأ على شيخها الفقيه عبد الله بن الطاهر بن ياسين الواسخيني مدة سبعة أشهر. ثم التحق بجامع القرويين وحصل منها على شهادة العالمية سنة 1958م حتى إذا تأسست دار الحديث الحسنية بالرباط، كان ضمن فوجها الأول سنة 1964م وحصل منها على دبلوم الدراسات العليا تحت إشراف العلامة علال الفاسي سنة 1971م. ببحثه الذي طبع ونشر تحت عنوان: “ألواح جزولة والتشريع الإسلامي[6].

نضاله ضد الإستعمار

وغم صغر سنه، فقد انخرط بشكل فعال، وهو لا يزال تلميذا، في النضال الوطني والتعبئة ضد الإستعمار الفرنسي. فقد ترأس إحدى خلايا المقاومة الوطنية في منطقة أيت صواب. ونتيجة لذلك نفته سلطات الحماية الفرنسية إلى مسقط رأسه بتافراوت (إقليم تزنيت) حوالي 1950، كما فرضت عليه سلطات الحماية بعد عوته إلى مدرسته بتنالت حراسة ومراقبة حتى لا يتصل بأحد[7].

وبسبب ضغط سلطات الحماية الفرنسية على العثماني اضطر الشيخ الحبيب التنالتي إلى بعثه عند الشيخ محمد الإمام بن الشيخ ماء العينين بمدينة إفني، والتي كانت تحت الحماية الإسبانية. ولم يستمر مقام الطالب امحمد العثماني إلا مدة قصيرة، حيث وشى به أحدهم للسلطات الإسبانية فاعتقلته وأرجعته إلى منطقة الحماية الفرنسية[8].  ورغم ذلك، فقد استمر في نضاله فترة تواجده بمدينة إنزكان (نواحي أكادير) لما كان إماما بالمسجد الكبير، من خلال القيام بدور التنسيق بين خلايا المقاومة ضد الإستعمار الفرنسي، وعبر دعم طلبة العلم في الإلتحاق بالمدراس في مدن أو مناطق أخرى حتى يتمكنوا من الإفلات من مراقبة سلطات الحماية لهم[9].

الوظائفه والمهمات التي شغلها العثماني

شغل امحمد العثماني وظائف عديدة؛ حيث اشتغل بداية إماما وأستاذا في عدد الجوامع والمدارس العلمية بسوس، بجامع إنزكان منذ 1952م ، ثم انتقل إلى مدرسة سيدي ميمون بقصبة الطاهر بآيت ملول (نواحي أكادير) سنة 1956م والتي لم يمكث فيها إلا بضعة أشهر ليغادرها رفقة طلبته إلى مدرسة “إيداو منّو” بإقليم اشتوكة آيت بها فبقي هناك من يناير 1956م إلى 30 شتنبر 1961م. لينتقل في أكتوبر من نفس السنة إلى مدينة تارودانت أستاذا بالمعهد الإسلامي الذي درّس فيه مجموعة من المواد منها: اللغة العربية والنحو والمنطق والتفسير والتربية الإسلامية والتربية الوطنية وغيرها. وفي سنة 1962 ثم ألحق برئاسة جامعة القرويين إلى سنة 1968م. ثم عيّن مرشدا للطلبة الأفارقة بتارودانت وفاس ومكناس بالمعاهد الأصيلة منذ فاتح دجنبر 1969م، ليكلف بعدها بمراقبة المدارس العتيقة بسوس وحاحا من 1971م إلى غاية 1974م، فأستاذا مساعدا بكلية اللغة العربية بمراكش ابتداء من 1973م، ثم أستاذا محاضرا ابتداء من 1975م، ثم أستاذا محاضرا بكلية الشريعة بأيت ملول ابتداء من 1982م إلى حين وفاته[10].

وإلى جانب تلك الوظائف، كان الفقيه العثماني يقوم بمهمة الوعظ والإرشاد والتوجيه التربوي والديني والإفتاء بالأمازيغية (تشلحيت)، في المساجد والمنتديات ومن خلال بعض البرامج الإذاعية[11].

التراث العلمي والفكري للعثماني[12]

  • ألواح جزولة والتشريع الإسلامي“، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
  • معالم من تاريخ سوس: حلقات إذاعية باللغة العربية موجّه إلى الطلبة والباحثين في التراث العلمي والثقافي الفكري لسوس، استمر أزيد من أربع سنوات ابتداء من شهر غشت 1979م، أذاع خلالها ما يقرب 200 حلقة.
  • برنامج للفتوى بالإذاعة الوطنية (قسم تشلحيت) تحت إسم: ئسْقسيتن نْ ـ دّين (أسئلة الدين): وهو برنامج إذاعي أسبوعي بالأمازيغية كان يذاع كل يوم جمعة يجيب من خلاله على أسئلة المستمعين، وقد أستمر البرنامج أكثر من 15 سنة.
  • البرنامج الإذاعي “حديث الدين”، وهو عبارة عن دروس دينية باللغتين العربية والأمازيغية، كانت تذاع عبر أثير الإذاعة الجهوية بأكادير.
  • كما شرع ابتداء من سنة 1974 في تقديم برنامج إذاعي بالأمازيغية تحت إسم “ءاسْماقْلْ خْ تُودْرْتْ ئيرْكَازْنْ” (نظرات في حياة الرجال)، وكان موضوعه حول حياة وتاريخ رجالات المغرب.
  • مذكرات مفتش المدارس العتيقة بسوس: أرخ فيها لرحلاته عبر حواضر وقرى ومداشر سوس على مدى أربع سنوات، تضمنت مادة علمية مهمة عن سوس تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا ودينيا[13].
  • تقارير التفتيش: وهي تقارير أعدها خلال تفقده لحوالي 220 مدرسة عتيقة بسوس[14].
  • مجمع الحكم والأمثال “البربرية” والصرف والقواعد النحوية: أشار إليه ضمن لائحة المصادر والمراجع من كتاب ” ألواح جزولة والتشريع الإسلامي” لكن لم يتبق منه سوى بضعة أوراق[15].
  • نظام الزكاة: مخطوط[16].

العثماني شاعرا

قرض العثماني الشعر، لكنه كان لا يحرص على نشره، بل إنه كان لا يريد أن يعرف بهذه الصفة، وقد ضاع كله تقريبا ماعدا قصيدتين طويلتين وما يقرب من 10 قصائد قصيرة، ومن أجمل ما حفظ من شعره، قصيدة بمناسبة ختم “صحيح البخاري” ومدح شيخه الحاج الحبيب البوشواري وعدد أبياتها 46 بيتا ومطلعها[17]:

خطاك لأهل الرشد أهدى اعتصاما *** وسيرك للضمير أوحى اعتزاما

وفاته

توفي -رحمه الله- بمدينة الدار البيضاء يوم الجمعة 27 جمادى الثانية 1404هـ/ 30 مارس 1984م، قبيل أذان المغرب بعيادة التعاضدية العامة بالدار البيضاء بعد مرض أصاب قلبه وأورث لديه ضيقا في التنفس، وتمت الصلاة عليه بمسجد عين الشق، ودفن بمقبرة الشهداء بتاريخ 1 أبريل 1984م[18]. وقد خلف امحمد العثماني من الأبناء: سعد الدين (رئيس الحكومة المغربية السابق)، وفريد زين الدين، وثريان وتوفيق، وخالد، وصلاح الدين.

المراجع
[1] معلمة المغرب، العثماني سعد الدين، ج 18، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2003، ص 5984.
[2] العثماني سعد الدين، شخصيات مغربية مسارات وذكريات، دار الكلمة للنشر والتوزيع (مصر) والدار المغربية للنشر والتوزيع، ط1، 2022، ص 51.
[3] العثماني سعد الدين، شخصيات مغربية مسارات وذكريات، مرجع سابق، ص 53.
[4] العثماني سعد الدين، شخصيات مغربية مسارات وذكريات، مرجع سابق، ص 55.
[5] معلمة المغرب،العثماني سعد الدين، مرجع سابق، ص 5986.
[6] الإدريسي مولاي أحمد صبير، مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء، دار الرشاد الحديثة، ط1، الدار البيضاء، 2020، ص 258.
[7] معلمة المغرب، العثماني سعد الدين، مرجع سابق، ص 5986.
[8] العثماني سعد الدين، شخصيات مغربية مسارات وذكريات، مرجع سابق، ص 59.
[9] العثماني سعد الدين، شخصيات مغربية مسارات وذكريات، مرجع سابق، ص 60.
[10] الإدريسي مولاي أحمد صبير، مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء، مرجع سابق، ص 258-259
[11] العثماني سعد الدين، شخصيات مغربية مسارات وذكريات، مرجع سابق، ص 61-62.
[12]  العثماني سعد الدين، شخصيات مغربية مسارات وذكريات، مرجع سابق، ص 62 وما بعدها.
[13] الإدريسي مولاي أحمد صبير، مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء، مرجع سابق، ص 259.
[14] الإدريسي مولاي أحمد صبير، مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء، مرجع سابق، ص 259.
[15] الإدريسي مولاي أحمد صبير، مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء، مرجع سابق، ص 259-260.
[16] الإدريسي مولاي أحمد صبير، مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء، مرجع سابق، ص 259-260.
[17] الإدريسي مولاي أحمد صبير، مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء، مرجع سابق، ص 260.
[18] الإدريسي مولاي أحمد صبير، مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء، مرجع سابق، ص 260.