توطئة

التطبيع مصطلح قديم يمارس منذ عقود من الزمن سواء بشكل علني أم سري، مباشر أم غير مباشر، فالعلاقات العربية مع “إسرائيل” بدأت بشكل مباشر وعلني عندما وقع الرئيس المصري أنور السادات عام 1979 “معاهدة السلام” بين مصر و”إسرائيل”، تلتها خطوة ثانية جاءت من منظمة التحرير الفلسطينية عند توقيع اتفاق “أوسلو “عام 1993، والتي نصت أن تعترف “إسرائيل” بمنظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، مقابل اعتراف منظمة التحرير بالدولة العبرية على 78% من الأراضي الفلسطينية، ولاقت هذه الاتفاقية، والتي تلتها، رفضا كبيرا في الشارع الفلسطيني والعربي حتى هذه اللحظة، حتى بين أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية التي وصفوها بأنها إهانة للقضية الفلسطينية وبأن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قد تم خداعه والضغط عليه وإعطائه وعودا كاذبة بالسلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، الأمر الذي لم يحدث إلى الآن. بعد ذلك توالت الاتفاقيات والمعاهدات بين “إسرائيل” والدول العربية، وكان من أبرزها معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، أو ما يعرف باتفاق “وادي عربة”، التي تضمنت اعتراف كلا الطرفين بسيادة الأخر، وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الطرفين، وتوزيع مياه نهر الأردن وأحواض وادي عربة الجوفية بشكل عادل بين البلدين، بالإضافة إلى حرية تنقل الأفراد والسلع بين البلدين. وتناسلت اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني، بمزيد من الانبطاح والتنازل، مما ساهم في ترسيخ وجود وتأثير “إسرائيل” في المنطقة العربية، وزعزعة التمسك بالثوابت العربية والإسلامية، وبالتالي التخلي عن القضية الفلسطينية وعن حق الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال من الاحتلال الإسرائيلي. وقد شكل التطبيع خطرا ليس على فلسطين وإنما على الأمة الإسلامية. وقد جاء كتاب “وجاء دور التطبيع دراسة وثائقية في الاختراق الصهيوني الحديث” للدكتور مصطفى الحيا، بعد كتابه “العلاقة بين الصهيونية والشيوعية” لينبه إلى خطورة التطبيع، انطلاقا من دراسة وثائقية تبرز الاختراق الصهيوني للأمة الإسلامية وتفكيكها.

مضامين الكتاب

كتاب “وجاء دور التطبيع دراسة وثائقية في الاختراق الصهيوني الحديث” للدكتور مصطفى الحيا، صدرت طبعته الأولى سنة 1995م، عن منشورات الجمعية المغربية لمساندة مسلمي البوسنة والهرسك، يقع في 175 صفحة. أكد فيه المؤلف حاجة الأمة الإسلامية إلى إعادة قراءة قوله تعالى : “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم” (البقرة / 120)، وقوله سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين” (المائدة/ 53)، وقوله عز من قائل: “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا” (المائدة 82)، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ “لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشير، وذرعا بذراع، حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله : اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!” رواه مسلم . وحذر من النفاق والمنافقين وتوجسهم، وأن على المسلمين التحقق من الرؤية القرآنية والاعتبار بالواقع العملي في السيرة النبوية ليكونوا على بينة من أمرهم، ويحذروا من اليهود ومكرهم وخداعهم. (الكتاب ص 3)

وكلما فقد المسلمون البوصلة صاروا ضحية المكر الصهيوني، فقد أخرج اليهود المسلمين الفلسطينيين من ديارهم وظاهروا على إخراجهم من لبنان، وتكرر ذلك مرات عديدة فكان الخروج الأول عام 1948 والخروج الثاني عام 1956 والخروج الثالث عام 1967 والخروج الرابع عام 1970 والخروج الخامس عام 1982 .

إنه بعد الطرد والاحلال بمسرى النبي صلى الله عليه وسلم، أرادوا إحكام قبضتهم على كل فلسطين، وتأمين محيطهم وإذلال العرب المسلمين فشرعوا في اعتماد ورقة التطبيع، وإشاعة الفكر اليهودي والصهيوني لتخريب الأمة،  يقول حاييم بن شاهار: “لقد أصبت بخيبة أمل عندما زرت مصر فلم أجد كتابا واحدا عن تاريخ اليهود وحضارتهم وثقافتهم، بينما وجدت مئاتا لكتب التي تحرض المصريين ضد اليهود مستندة إلى ما ورد في القرآن من اتهامات ضد اليهود”. (الكتاب ص 6/7)

بتاريخ 30 – 31 – أكتوبر وفاتح نونبر 1994 قال  إسحاق رابين، بعد أن أكد على رؤوس الأشهاد في القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال افريقيا المنعقد بالبيضاء، بأن القدس ستظل العاصمة الأبدية لإسرائيل: «إن عدونا ليس هو سوريا، ليس هو لبنان، إن عدونا هم المتطرفون الإرهابيون الخمينيون: حماس وحزب الله»، هكذا تكلم كأنه جنرال قادم لتوه من حرب يونيو 1967 . ولا غرابة فقبله قال ابن غوريون: “نحن لا نخشی الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلا، وبدأ يتململ من جديد” .

وها هو الكيان الصهيوني يقسم الحرم الإبراهيمي ولا من يحرك ساكنا، وها هو رابين يعلن في الدار البيضاء بكل صراحة بأن: “القدس ستظل عاصمة أبدية لإسرائيل فمتى ينهض المسلمون ليحرروها؟ “ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا” (الأسراء/ 51) -صدق الله العظيم-.

تضمن الكتاب بعد المقدمة خمسة فصول، الأول :التطبيع من اللغة إلى الاصطلاح، الثاني: التطبيع بين الرفض الإسلامي والقبول العلماني، حماس ومنظمة التحرير نموذجين، الفصل الثالث: التطبيع وحكاية الدعم الأمريكي لإسرائيل من ويلسون إلى كلينتون، الفصل الرابع: التطبيع وتاريخ الاتصالات المغربية الإسرائيلية، الفصل الخامس: التطبيع والدور المطلوب للحركة الإسلامية، وخاتمة.

خلاصات

انتهى المؤلف إلى خلاصات عشرة أراد أن ينبه الأذهان إليه:

  • أولها: أن التطبيع، ولو تحمس له الحكام – لا يمكن أن تجتمع عليه الأمة، لأنه ضلال، والأمة لا تجتمع على ضلال، ولكن مع ذلك ينبغي تضييق الخناق عليه ما أمكن.
  • ثانيها: إن ما أثبته المؤلف من حقائق ووقائع ليس تهويلا لأمر “إسرائيل” وليس تضخيما لها فوق حجمها الواقعي بل إن ما خفي أعظم.
  • ثالثها: إن قضية فلسطين قضية وجود وليست قضية حدود، وإنها القضية المحورية لأمتنا العربية الإسلامية، بل إنها قضية محورية بالنسبة للعالم أجمع، فمعروف عبر التاريخ أن الذي يحكم فلسطين يحكم العالم.
  • رابعها: إن «إسرائيل» وجدت لتفنى وليس لتبقى، كما يريد الأعداء أن يرسخوا في نفوسنا وعقولنا، فالأيام دول، “وتلك الأيام نداولها بين الناس”  ( آل عمران / 140).
  • خامسها: إن الأمة الإسلامية أمة رائدة شاهدة فلا بد أن تأخذ بكل أسباب القوة والتمكين فتعبأ كل طاقاتها وإمكاناتها لخلاصها وخلاص البشرية من حولها.
  • سادسها: إن اليهود أهل جشع وغرور وهم – كما وصفهم القرآن الكريم – (قوم لا يعقلون) – فاليهود اليوم في “إسرائيل” كلما اتسعت رقعة دولتهم أصابتهم النشوة والحبور، تماما كالطفل الصغير الذي يفرح وينشرح كلما انتفخ بالونه الناعم أكثر فيزيده نفسا بعد نفس حتى إذا بلغ منتهى قدرته على استيعاب الهواء انفجر فجأة بين يديه، فطفق يبكى بكاء مريرا، وبذلك قدرته تنطفئ أحلامه، وتنطفئ معها أماله.
  • سابعها: إن الغرب كله مـدان ومسؤول عما يجري في فلسطين، فقد أقال ضميره وإنسانيته وجلس يتفرج على الشعب الفلسطيني وهو يتعذب صباح مساء، “لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون” (التوبة / 10). إن حضارة الغرب تموت يوميا في فلسطين والبوسنة والشيشان وغيرها من أرض الإسلام، وإن قيمه وهيئاته تحتضر كل لحظة فلا عدالة ولا مساواة ولا حرية ولا إخاء ولا ديمقراطية، ولا أمم متحدة ولا مجلس أمن، فالكل قد عبثت به الأهواء والأطماع والأنانيات .
  • ثامنها: إن أمتنا الإسلامية أمة جهاد إلى يوم القيامة، وتؤمن أنه «ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا”، وهي أمة أنفة وكبرياء وليست أمة تكفف وتسول… والجهاد كما أنه طريق العزة والمنعة هو أيضا طريق الرزق.
  • تاسعها: إن العقود المقبلة عقود ابتلاء لهذه الأمة كما يقول الدكتور المهدي المنجرة ستقدم فيها ملايين الأرواح في كل بقاع المعمور من المحيط إلى الخليج فجل ما يصطلح عليه “بؤر التوتر » و إن شئت “أفران الص”ر »موجودة في العالم الإسلامي بدءا بفلسطين ومروراً ببورما والفليبين وطاجكستان وانتهاء بالبوسنة والشيشان، والمسلمون يشكلون خمس العالم لكن لاجئبهم يشكلون ثلاثة أخماس لاجئي العالم فمن كل خمسة لاجئين في العالم هنالك ثلاثة لاجئين مسلمين.
  • عاشرها: إن تحرير فلسطين من اليهود شرف عظيم لا يمكن أن يكتبه الله للمتخاذلين وإنما سيكتبه لعباده الصالحين الذين تحققت فيهم العبودية لله، فاستحقوا تبعا لذلك أن ينسبهم الله عز وجل إلى نفسه نسبة تشريف في قوله تعالى (عبادا لنا) وهو نفس الوصف الذي ورد في الحديث النبوي الشريف: «يا مسلم يا عبد الله”. فيوم يكون الفلسطينيون وغيرهم من العرب والمسلمين عبادا لله فعلا فسيجعلهم الله ستارا لقدره وسيحررون فلسطين من جديد كما وعد الله ورسوله في الآيات والأحاديث المبشرة . وإذا لم يكونوا كذلك فسوف يذهبهم الله ويأت بآخرين مصداقا لقوله سبحانه: “وإن تتولوا يستبدل قـومـا غـيركم ثم لا يكونوا أمثالكم” (محمد / 38).