توطئة

لا يستطيع أحد أن يتجاهل تلك العلاقة الوطيدة والمريبة بين اليهود بصفة عامة، والحركة الصهيونية الحديثة بصفة خاصة، وبين الشيوعية. وقد جاء في بيان شهير لأحد المستشرقين الماسونيين الفرنسيين الماسوني عام 1904 م، ما يلي: “إن الماركسية واللاقومية هما وليدتا الماسونية، لأن مؤسساها كارل ماركس وانجلز هما ماسونيي الدرجة الحادية والثلاثين، ومن منتسبي المحفل الإنجليزي، وإنهما كانا من الذين أداروا الماسونية السرية، وبفضلها أصدرا البيان الشيوعي المشهور” (الكتاب ص 237). ويؤكد الصلة العميقة للشيوعية بالقيادات اليهودية العالمية أن معظم مؤسسي المنظمات الشيوعية في العالم، ومعظم زعمائها التاريخيين هم من اليهود،

فما الإضافة التي جاء بها كتاب “العلاقة بين الصهيونية والشيوعية” للدكتور مصطفى الحيا، وما القضايا التي طرحها لإبراز هذه العلاقة وخطورتها على القضية الفلسطينية؟

منطلقات أساسية

قبل الخوض في  الحديث عن العلاقة بين الصهيونية والشيوعية، قرر مصطفى الحيا أن يركز على منطلقات اعتبرها أساسية:

  • أولا: ليس من هم هذا البحث أن يركز على كل من الصهيونية والشيوعية بتفصيل، بحيث يدرسهما كمنظومتين فكريتين فيبين أسسهما ومحتواهما فهذا خارج عن مقامه، ولكنه سيركز أساسا على العلاقة التاريخية بينهما من حيث المواقف السياسية من قضية فلسطين، إلا أن هذا لن يمنع من إعطاء لمحة عامة عن كل من الصهيونية والشيوعية تساعد القارئ على متابعة البحث حين التطرق لمحاور العلاقة بينهما، وعليه فإن الموضوع بالذات هو الواقع التاريخي لكل من الصهيونية والشيوعية مقرونا بالقضية الفلسطينية .
  • ثانيا: لن يهتم البحث بالعلاقة بين الصهيونية والرأسمالية لأنها علاقة بديهية يعرفها الخاص والعام، فقد لعبت كل من إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة دورا هاما في قيام إسرائيل وتلعب اليوم دورا هاما في استمرارها .ولكن دور الكتلة الشيوعية يكاد يكون مجهولا عند الكثيرين. يقول نهاد الغادري في مقدمة كتابه “التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية :”رب سائل يسأل : ولماذا الاتحاد السوفياتي بالذات وليس الغرب وفي معرفتنا أن الغرب هو المسؤول؟ والجواب: ليس في العالم العربي من يجهل دور الغرب ومن لم يتحدث فيه ويكتب عنه، كلنا نعرفه وربما بأكثر مما هو فعلا، ولكن القلة القليلة هي التي تعرف دور الإتحاد السوفياتي، والذين كتبوا عنه أقل بل لست أعدو الصواب إذا قلت إن المكتبة العربية تكاد تخلو من كتاب أو نشرة عن دور الإتحاد السوفياتي، والصحف العربية في ضحالتها أو ارتباطها اليساري لا تكاد تشير إلى ذلك إلا نتفا وبغير تحقيق ولا تدقيق، حتى ليصح القول إن العالم العربي في جهله دور الإتحاد السوفياتي والشيوعية هو ضحية مؤامرة ضمت كبرى.[1]
  • ثالثا: إن القصد من هذا البحث ليس هو تشويه أو إحراج تكثل يساري بعينه أو منظمة ماركسية بعينها وإنما القصد منه هو تبصير الخاص والعام بدور الشيوعية عالميا وعربيا ووطنيا في سقوط فلسطين، فالبحث دعوة متواضعة إلى وضع قضية فلسطين في إطارها الصحيح والكف عن تعطيل مسيرة تحريرها الحقيقية.
  • رابعا: إن هدف البحث ليس هو تضخيم اليهود أكثر من حجمهم حيث يجعلهم وراء كل حدث أو جريمة وإنما الهدف هو أن نبين دورهم كما هو فعلا دون زيادة أو نقص.

مضامين الكتاب

تضمن الكتاب بعد المقدمة، ستة محاور لبيان مظاهر العلاقة بين الصهيونية والشيوعية؛ المحور الأول: علاقة كارل ماركس منظر الشيوعية بموسى (موشي) هس (Moes Hess) منشئ الفكرة الصهيونية .المحور الثاني: اعتراف الصهاينة في وثائقهم السرية بأنهم وراء نجاح كارل ماركس وأنهم دوما يتبنون الشيوعية.

المحور الثالث: وضعية اليهود في ظل روسيا القيصرية قبل قيام الثورة البُلشفية سنة 1917 ووضعيتهم بعدها. المحور الرابع: دور العنصر اليهودي في الثورة البُلشفية وفي قيام الأحزاب الشيوعية في الخارج عامة وفي العالم العربي خاصة. المحور الخامس: مواقف الاتحاد السوفياتي والدول الشيوعية السائرة في فلكه من إسرائيل منذ نشونها إلى اليوم. المحور السادس: مواقف الأحزاب الشيوعية في العالم العربي من قضية فلسطين. كما عرف الكاتب بإيجاز مفهومي الصهيونية والشيوعية ليساعد القارئ على تكوين فكرة عامة حولها .

خاتمة

ضاعت فلسطين وسقطت فريسة الصهيونية التي سخرت الشيوعية  والرأسمالية لأهدافها، ولعل من الغريب أن نجد الشيوعين اليوم يتاجرون بقضية فلسطين وهم المسؤولون هم ورفاقهم عن ضياع فلسطين أول مرة. كما أن استمرار الأحزاب الشيوعية في العالم العربي هو في الواقع تكريس وضمان الاستمرار إسرائيل. فما هو الحل إذن؟ فهل  هو الحل السياسي في هيأة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ؟ فقد اتضح مما سبق أنه لا أمل في استرجاع فلسطين عن طريق هيأة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لأن الصهاينة هم الذين يتحكمون في مثل اله المؤسسات التي يلهو بها الدولار . إن الحل هو الرجوع إلى الإسلام والجهاد والترفع عن الانتماءات الهزيلة .

فقضية فلسطين قضية مقدسة ولا يمكن أن يدافع عنها بإخلاص إلا المسلمون ولذلك كانت عبر تاريخها الطويل قضية إسلامية، فالشعب الفلسطيني المسلم هو الذي التف حول الشهيد عز الدين القسام الذي قاد الجهاد الإسلامي في فلسطين في منتصف الثلاثينيات، والتف كذلك حول الشيخ أمين الحسيني، والتف أيضا حول الشهيد حسين سلامة، فهؤلاء هم الذين استشهدوا مع طلائعهم المجاهدة في ساحة المعركة مع الصهيونية ولم ينظروا إلى قضيتهم الأولى والأخيرة نظرة طبقية وهؤلاء هم الذين يكرههم اليسار العربي وهم الذين كان يسميهم غروميكو في الأمم المتحدة بالغزاة العرب والعصابات العسكرية العربية، وهم الذين طالب الأمم المتحدة أن تنزل بهم أقسى العذاب وتعيدهم إلى الصواب .

المراجع
[1] الغادري نهاد، التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية، ص 8.