مقدمة

تعتبر مدينة وزان واحدة من أهم وأعرق المدن التاريخية بالمغرب، فموقعها وسط قبائل مصمودة ورهونة وبني مسارة وغزاوة والغرب، ومجاورتها لمعظم قبائل الريف أعطاها تفردا ثقافيا وعمقا اجتماعيا ذو طابع خاص. هذا بالإضافة إلى كونها معقل للزاوية الوزانية التي أسسها مولاي عبد الله الشريف بن إبراهيم الوزاني الحسيني حوالي 1017ه (القرن السابع عشر الميلادي)، والذي عرفت معه المدينة اتساعا عمرانيا ونبوغا حضاريا وعلميا وثقافيا كبيرا، موازاة مع الشهرة المتنامية لزاويته، وتحولها إلى منارة للعلم ومحجا لمريدي الطريقة من كل أنحاء العالم الإسلامي. كما أن المدينة ومحيطها يشكل بحق مجالا للاستقرار والتعايش المتوازن والمتكافئ بين الإنسان والبيئة، فجدلية التأثير بين الإنسان والمجال والعلاقات التفاعلية التي تنتظم داخله لتشكل لنا فسيفساء إنسانية طبيعية معبرة عن حالة التأثير والتأثر بينهما[1].

أصول تسمية المدينة بوزان

يرجع تاريخ مدينة وزان إلى أواسط القرن الحادي عشر  الهجري (السابع عشر الميلادي)، وهو مرتبط  بتأسيس الزاوية الوزانية على يد الولي الصالح مولاي عبد الله الشريف، شيخ الطريقة الوزانية[2]. إلا أن الحسم في هذا، والجزم به يتطلب منا العودة إلى كل الآراء والفرضيات التي أعطيت لأصول المدينة وزمن تأسيسها وهو الأمر الذي يستدعي منا عرض الآراء كلها كالتالي:

الفرضية الأولى:

تأسست المدينة في العهد الروماني وكانت تعرف باسم “بابا جوليا كامبيستديس” وقد لعبت دورا هاما وأساسيا كحلقة وصل بين قطبي موريطانيا الطنجية، طنجة في الشمال ووليلي في الجنوب. أما اسمها الحالي فقد اتفق على أنه لاتيني بتفخيم واو الكلمة، ويعود أصلها إلى أن أحد أباطرة الرومان قد أطلق عليها اسم ولي عهده الذي كان يعرف بهذا الاسم[3].

الفرضية الثانية:

عودة إلى ما كتبه المؤلف عبد الله بن الطيب الوزاني في مؤلفه “الروض المنيف في التعريف بأولاد مولاي عبد الله الشريف” والذي يوضح فيه، أن مئذنة مسجد مولاي عبد الله الشريف بنيت على أصل  صومعة بناها موسى بن نصير، مما يستنتج منه أن المدينة نشأت في العهد الأموي[4]. كما أن هناك من يقول أن المدينة بنيت في العهد المريني، نظرا لوجود حي يسمى ببني مرين، يقال بأنه سكنه بعض من كان في الجيش المريني بقيادة أبي فارس بن أبي عنان المريني، الذي كان مارا بهذه المنطقة لمحاربة بعض المتمردين بقبائل غمارة، وقد نزل بها بجيشه من أجل الراحة، فعملوا على حفر بئر من أجل شرب الرجال والجياد، فسميت هذه العين باسمه ومازالت إلى حدود اليوم وتقع في حي يسمى باسمها ألا وهو عين أبي فارس. ويعتبر أصل التسمية من الأمور التي ظلت غامضة وغير معروفة بالتدقيق وحولها روايات متعددة ومتضاربة في بعض الأحيان، ويحكي الفقيه التهامي جواهري المساري في مذكراته المنقولة عن مخطوطات فقهاء بني مسارة: أن المكان الذي توجد به المدينة، كان في السابق عبارة عن سوق كبير في وسط قبائل رهونة ومصمودة وبني مسارة والغرب، وكان رجل بذلك السوق له ميزان كبير يزن به الصوف للناس، ولأن الميزان لا يوجد إلا عنده، لقب الرجل بالوزان، فانتقل اللقب إلى السوق وأصبح يدعى سوق الوزان، ولما تأسست المدينة في هذا المكان سميت بإسمه. وهي في الأصل فرضية كما أسلفنا من أصل ثلاث أو أربع فرضيات مرتبطة بأصل المدينة ورمزية اسمها.

الزاوية الوزانية: “شَايْلاه أَدار الضْمانة”

تحتل مدينة وزان مكانة دينية وروحية كبيرة داخل المغرب، فيكفي أن تلتقي بأحد سكان المدينة ويخبرك بأصله الوزاني حتى تردد عبارة “شايْلاه أَدار الضْمانة”.

ففكرة “الضمان” كانت أداة مركزية في تثبيت أسس الزاوية الوزانية، وآلية لكسب التأييد والتأثير في نفوس العامة، وهنا نورد العبارة التي اشتهر بها مولاي عبد الله الشريف (1596-1678م) في التعبير عن الفكرة بقوله “دارنا هذه كسفينة نوح من ركبها قد نجا”، الأمر الذي استجاب له مساكين ومريدي الزاوية تأثرا بفكرة الضمان، واستمر حتى فترة الاستعمار خصوصا مع الأدوار البطولية التي لعبتها الزاوية في مقاومة المحتل الفرنسي وقبله الاسباني، ولازالت خزانة الزاوية تحتفظ بكتب ومخطوطات لفقهاء وشيوخ الزاوية وتوضح بجلاء حجمها، وامتدادها الشعبي وسلطتها المعنوية[5].

ويشكل ضريح “دار الضْمانة”، مرقد مولاي عبد الله الشريف، أحد أهم المزارات بالمدينة ولوحة فنية تأسرك بفسيفساء الزليج المغربي، ودقة النقوش في الجدار الخارجي للضريح والمسجد المجاور له ومنمنمات الآيات القرآنية التي تبرز عمق ورصانة الصانع المغربي.

اقتصاد المدينة

يرتكز اقتصاد مدينة وزان بالأساس على الصناعة التقليدية والفلاحة والصناعة الفلاحية.

الصناعة التقليدية:

وتعتبر النشاط الاقتصادي الأساسي بالمدينة بالنظر إلى المكانة المهمة التي تحتلها في القطاع الإنتاجي بشكل عام، وبالنظر إلى عدد العاملين الذين يشتغلون بها. وتأتي “الدْرازة” وما يرتبط بها من أعمال تدخل في معالجة الصوف كالنسيج والغزل والحياكة على رأسها[6]. إن الجْلابة (أو ما يعرف بالخرقة الوزانية) نالت شهرة واسعة عبر ربوع المملكة بالنظر إلى جودتها وتنوعها. وقد ساهم الإقبال عليها منذ زمن بعيد في انتشار عدد كبير من محلات الدْرازة. وأهم أنواع الخرقة الوزانية هي: المحربلة – السلسة – الجربية – السدا في السدا.

بالإضافة إلى هذه الحرفة المميزة هناك حرف: الدباغة، النجارة، الخياطة: وهي كلها حرف تنشط غالبا في الصناعة التقليدية التي ما زالت مزدهرة إلى يومنا هذا، وتحظى بدعم رسمي على غرار باقي مدن المملكة العتيقة، وتشغل عددا لا يستهان به من اليد العاملة التي تجتهد في تطوير هذا التراث.

الفلاحة:

تعتبر شجرة الزيتون أهم ما يميز الفلاحة بمدينة وزان ونواحيها بالنظر إلى المساحات الشاسعة المخصصة لهذا النوع من الأشجار المثمرة، وبالنظر إلى جودة المنتوج سواء الزيت أو الزيتون[7]. وقد ساهمت فلاحة شجرة الزيتون في خلق وحدات صناعية متطورة ساهمت في خلق مناصب شغل مستمرة أو موسمية.

إلى جانب فلاحة شجرة الزيتون هذه، هناك فلاحة أشجار مثمرة أخرى، في مقدمتها شجرة التين التي تعتبر هي الأخرى خاصية من خصائص المدينة وناحيتها.

المراجع
[1] رحو محمد، معلمة المغرب، ج 22، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والنشر والترجمة، 2005، ص 7583.
[2] لطيفة الوزاني الطيبي، تحقيق مخطوط عبد الله بن الطيب الوزاني الحسني: "الروض المنيف في التعريف بأولاد مولاي عبد الله الشريف "، بحث لنيل شهادة الدكتوراه (بحث مرقون)، جامعة عبد المالك السعدي، 2008-2009.
[3]  رحو محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7583.
[4] مخطوط: تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وزان، أحمد بن محمد بن حمدون بن مسعود الجوطي: https://bit.ly/3TKbPdl .
[5] رحو محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7583.
[6] مونوغرافية مدينة وزان، الغرفة الفلاحية لجهة طنجة تطوان الحسيمة: https://bit.ly/3TPpq2K .
[7] مونوغرافية مدينة وزان، مرجع سابق.