القمر الأحمر سيرة ذاتية

يدخل فيلم “القمر الأحمر” لمخرجه حسن بنجلون (2013) في سياق أفلام دراما السيرة الذاتية والفنية لعبد السلام عامر، الموسيقي المغربي الضرير الذي آمن بموهبته ولحن أغاني خالدة في تاريخ الأغنية المغربية. استطاع المبدع عبد الفتاح نكادي أن يجسد سيرة عبد السلام عامر، حياة حافلة بالأحداث والتحديات لطفل نشأ يتيما، والده فارق الحياة، كفلته أمه، بالرغم من إصابته المبكرة بفقدان البصر، إلا أن طموح الفتى في تحدي الصعاب جعل منه تلميذا نبيها حافظا للنص القرآني، ومتفوقا في دراسته على أقرانه، تتفتق عبقرية عبد السلام عامر، وتنتج عبقريا وفنانا تجاوز إعاقته.

اعتمد الفيلم الحكي وسرد الأحداث، حيث سافر بنا إلى معركة “الزلاقة”، والإستعمار الإسباني والفرنسي، ومعاناة المغاربة مع المرض، وذكرى نفي محمد بن يوسف، وانطلاق الاحتجاجات من السينما، والمطالبة بإرجاع الملك محمد الخامس إلى عرشه، وبداية المقاومة وثورة الملك والشعب. والتنسيق بين حركات المقاومة بين الشمال والجنوب، وبسط الفيلم أسماء ودور الأغنية في تأجيج الشعب وتأليبه على المستعمر الغاشم. صدحت الأصوات: بن يوسف إلى عرشه والاستعمار إلى قبره. وبدايات تصفية الخونة. كما جسد الفيلم عودة محمد الخامس والأسرة الملكية إلى أرض الوطن، وخطاب طنجة الشهير. والاستماع إلى خطابات جمال عبد الناصر، ليؤكد أن عامر ”كان ناصريا“ محبا لتجربة الرئيس المصري السابق. وقد  واجه بسبب ذلك تضييقا في المغرب وصل إلى درجة التعتيم أحيانا، نظرا لأن القاهرة كانت تقف بجوار الجزائر في النزاع الذي نشب بين الجزائر والمغرب في بداية الستينيات. لم يكن هناك ما يؤهل الفتى الضرير عبد السلام عامر (1939ـ 1979) المنحدر من مدينة القصر الكبير (شمال المغرب) للغناء والتلحين. لكنّ عشقه للأغنية وذكاءه الحاد، جعلاه يعتمد السماع لأداء الأغنيات، وبعدها إيجاد إيقاع موسيقي والتلحين لاحقاً. عبد السلام عامر أو «القمر الأحمر». كما اعتبره حسن بنجلون من طينة الفنانين العصاميين. يصاب عامر بداء السل، ويتمتع بقراءات شعر شوقي، ويخطو نحو النجومية. لقد فقد البصر لكن بصيرته كانت حادة إذ عشق الموسيقى وتقصى الفن كلما وجد إليه سبيلا.. من العاصمة المغربية إلى القاهرة التي جاءها محبا وغادرها محبطا بعد حرب 1967، وهزيمة العرب أمام العدوان الصهيوني. حالفه الحظ حين جاء إلى القاهرة التي تتسع لموهبته وخياله وقدم أعمالا في دار الأوبرا المصرية واستمع إليه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وحثه على الحفاظ على التراث الموسيقي الأندلسي الذي يتميز به المغرب. وكان يخطط للتعاون مع عدد من المطربين لولا حرب 1967 وما تلاها من إعلان عبد الناصر ،قدم عبد الناصر خطابا أكد فيه التنحي عن الحكم فقرر عامر العودة إلى بلاده وترك زوجته المصرية. ولكن المغرب كان يدخر له مفاجأة كبرى تعزز الاتهام السابق بأنه ”ناصري الهوى“ إذ تصادف وجوده في الإذاعة يوم ”انقلاب الصخيرات“ الذي قاده الجنرال أمحمد أعبابو في يوليو تموز 1971 وتحت تهديد السلاح أجبر عامر على قراءة بيان يؤكد ”الإطاحة بالحكم الملكي“ وما ترتب عليه من اعتقال وانتزاع اعتراف بالضلوع في الأمر ثم الإفراج عنه بعد ثبوت براءته ولكنه يظل ضحية التهميش.

تحديات واجهت الفيلم

لا يخلو الفيلم من بعض التنميط، وخصوصا في المشاهد التي يفترض أنها وقعت في مصر ومنها عدم الدقة في نطق اللهجة المصرية في حوارات تجري على ألسنة نساء أو عامل المقهى الذي يصر الفيلم على إنطاقه بعبارات نمطية اشتهرت بها الأفلام ”وعندك واحد شاي وصلحه“ فضلا عن عدم دلالة الديكور على الأجواء القاهرية. اعتمد مخرج الفيلم ممثلين بعضهم هواة، وأماكن وتفاصيل أوقعت الفيلم في بعض الأخطاء والمغالطات التاريخية، لا تنتمي للحقبة التاريخية سواء في الخمسينات والستينات. ولم يصور المشاهد المصرية في العاصمة القاهرة بسبب الأوضاع السياسية المضطربة. واستثمر المخرج مهارة المبدع عبد الهادي بلخياط صاحب “القمر الأحمر”. يبقى الفيلم وثيقة تعيد تجربة مبدع غيب عن ذاكرة المغاربة، يعتمدها  الباحثون في فهم الأحداث التي حفل بها الفيلم، وتكشف عبقرية فنان كانت بصمته جلية في بروز صاحب “راحلة” محمد الحياني، و” الشاطئ” و” قصة الأشواق” التي تعتبر من الأغنيات الخالدة في الطرب المغربي المعاصر.

فقبل سنوات تناول المخرج حسن بنجلون في فيلم “درب مولاي الشريف” جانبا من ضحايا ذلك المعتقل السري سيء السمعة في المغرب خلال حكم الملك الحسن الثاني وهو ما يعرف بسنوات الرصاص. وفي فيلمه “القمر الأحمر” تناول السيرة الذاتية والفنية لعبد السلام عامر الموسيقي العصامي الضرير الذي آمن بموهبته ولكن السياق الفني والسياسي كان يعاند. وينتهي الفيلم بوفاة عامر الذي أعيد الاعتراف به كجزء من الذاكرة الفنية المغربية وأحد أبرز المجددين في الموسيقى العربية. كما شارك الفيلم في مسابقة “أفلام الحريات” التي تنافس فيها 11 فيلما من فنزويلا والدنمارك وهولندا ونيجيريا وكينيا والسويد وإيران وتونس وسوريا والعراق ومصر. وقد تم ترشيح الفيلم لتمثيل المغرب في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية في الدورة 87  (2015).