مقدمة

أُوسْمَانْ (كلمة أمازيغية تعني “البرق”)، من المجموعات الموسيقية الأمازيغية التي تنتمي إلى ما يسمى في الميدان الموسيقي بقرق الأجيال، وهي من المجموعات الفنية التي كان لها السبق في تطوير الموسيقى الأمازيغية على مستويات عدة وفتح عوالم جديدة أمامها، فكانت رائدة في إنتاج الأغنية الأمازيغية العصرية بآلات عصرية. فرغم قصر مدة استمرارها فإن ذلك لم يمنع فرقة “أوسمان” أن تتحول إلى أيقونة في الميدان الفني بالمغرب خلال سبعينيات وبدايات ثمانينيات القرن العشرين، سواء في صفوف الناطقين بالأمازيغية أو بغيرها. وكانت أول مجموعة موسيقية أمازيغية تطرب الجمهور الواسع على أمواج الإذاعة الوطنية، وعلى شاشة التلفزة المغربية. كما كانت أول فرقة موسيقية أمازيغية تنشط سهرة موسيقية على خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط ومسرح “الأولمبيا” بباريس. كما كانت من المجموعات الغنائية السباقة للغناء باللغة الأمازيغية بتعبيراتها الثلاثة: تشلحيت، تمزيغت وتريفيت.

تأسيس مجموعة “ياه” أو “أوسمان”

تعود فكرة تأسيس مجموعة “أوسمان” إلى الأستاذ الراحل إبراهيم أخياط –رحمه الله-، الذي كان يترأس آنذاك “الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي” ذات التوجه الثقافي الأمازيغي، بعد أن تعرف على الفنان الشاب مبارك عموري سنة 1973، وفي السنة الموالية، وفي حضن الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، تأسست المجموعة. وكانت المجموعة تحمل في بدايتها إسما آخر هو: “ياه” (كلمة أمازيغية تعني “نعم”)، وذلك قبل أن تقرر نفس الجمعية تغيير إسمها إلى “أوسمان”. وقد ترأس المجموعة الأستاذ إبراهيم أخياط. أما باقي أعضاء الفرقة المؤسسين الذين كانوا إلى جانب أخياط في هذه المغامرة الفنية فهم: الراحل مبارك عموري (توفي 2015)؛ وهو الملحن والمغني الرئيسي للمجموعة وهو أيضا عازف القيثارة، وبلعيد العكاف؛ وهو موزع موسيقي وعازف القيثارة الكهربائية والباص، وطارق المعروفي؛ وهو عازف الأورغ، واليزيد كورفي؛ عازف الأكورديون وضابط الايقاع، والراحل ضابط الايقاع سعيد بوتروفين (توفي 2014)، وأخيرا سعيد بيجعاض؛ وهو عازف الكمان.[1]

وفي بداية مسار المجموعة كانت التداريب الموسيقية تُجرى بمنزل عضو الفرقة سعيد بيجعاض، وذلك قبل أن يخصص ابراهيم أخياط منزله للمجموعة قصد القيام بتداريب مكثفة. وفيما بعد وفر للمجموعة فضاء خاصا بشركة “فامام” لصناعة الأثاث الخشبي والتي كان مسؤولا عنها.[2] وقدمت المجموعة أولى عروضها الموسيقية ابتداء من سنة 1975 في أعراس وحفلات زفاف عدد من العائلات الأمازيغية الغنية؛ كالحاج عمر التيسير الملقب ب”نص بلاصة”، والسيد عبد الله أباعقيل، والسيد أمهال، وهي عروض تتماشى ما دأب عليه الأمازيغ منذ القدم، حيث ركزت المجموعة في البداية على ما هو تراثي قبل أن تنتقل بجمهورها إلى عوالم عصرية ملتزمة.[3]

وقد اتخذت المجموعة لها شعارا دالا، يعبر عن هويتا ورسالتها وهو: “الموسيقى شجرة تتغذى من التراث الشعبي الأصيل وتستنشق هواءها من التيارات الموسيقية العصرية”.

أوسمان.. من المحلية إلى العالمية

وفي سنة 1975 قدمت مجموعة “ياه” (أوسمان) أول عرض موسيقي رسمي لها بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، ولقي العرض نجاحا باهرا، فاعتبرت “ياه” (أوسمان) أول مجموعة موسيقية أمازيغية تصعد على خشبة محمد الخامس. وفي سنة 1976 أنتجت المجموعة اسطوانتها الأولى من صنف “45 لفّة” وتضمنت أغنيتي: “تاكْنْداوْتْ” و”غسّادْ مَا يُوفَا وُولْ”، وفي ذات السنة تم إنتاج الأسطوانة الثانية من نفس الصنف تضمنت أغنيتي “تيلاّس” و”ياغاغ إيريفي”. وقد قامت المجموعة بتسجيل الأغنتين للتلفزة المغربية في برنامج “زايد ناقص” الذي كان يبث باللغتين العربية والفرنسية في آن واحد، فكانت هذه اللحظة بداية شهرة أوسمان.[4]  وكان الإعلامي والكاتب العربي بن تركة أول من استضاف أعضاء مجموعة أوسمان في برنامج تلفزيوني يحمل عنوان “مجلة الثقافة والفن”، وكان ذلك سنة 1976. كما توالت بعد ذلك عروض المجموعة في عدد من مدن ومناطق المغرب: كالرباط، والدار البيضاء، ومدينة أكادير، ومراكش، والقنيطرة، وآسفي، والصويرة، وتارودانت، وسلا، وموسم بيوكرة. كما كانت المجموعة تقدم عروضا موسيقية في نوادي ليلية مختلفة، وفي كلية الطب بالدار البيضاء سنة 1978.

وفي سنة 1977 قامت المجموعة بجولة فنية في فرنسا وبلجيكا صحبة مجموعة ناس الغيوان والأخوين يونس ومحمود ميكري، وتوجت المجموعة جولتها بتسجيل حي لأسطوانة من فئة “33 لفّة” بالمسرح الشهير بباريس “الأولمبيا”، وكان ذلك يومي 05 و 06 فبراير من سنة 1977. كما شملت العروض مدن: ليون الفرنسية، وبروكسيل البلجيكية. وازدادت شهرة المجموعة بعد هذه الجولة فانتشرت أغانيها لدى جميع الفئات سواء بين الناطقين بالأمازيغية أو غير الناطقين بها، وكذا في صفوف الأجانب. لكن المجموعة توقفت سنة 1978 وذلك قبل أن تستأنف عملها الفني سنة 1983. وبمناسبة عودتها سجلت المجموعة شريط “كاسيط” بعنوان “عودة أوسمان”، لكن هذه العودة لم تدم طويلا إذ توقفت المجموعة بشكل نهائي في عام 1984.[5]

وفي فترة التوقف تلك، أسس بلعيد العكاف وطارق المعروفي صحبة عناصر أخرى مجموعة ثانية تحمل إسم “أوسمان 2” وقدمت عروضا موسيقية متعددة في عدة مهرجانات وتظاهرات فنية، كما سجلت ألبومين غنائيين على شكل “كاسيط”، وذلك قبل أن تتوقف بعد عودة مجموعة أوسمان الأصلية وتتابع المسار الفني.[6]

أوسمان.. تثوير الموسيقى الأمازيغية

لقد شكل ظهور مجموعة أوسمان لحظة تحول كبير في الموسيقى الأمازيغية المعاصرة سواء من حيث الشكل أو المضمون، حيث اعتبر ظهور المجموعة بداية مرحلة تاريخية جديدة في تاريخ الأغنية الأمازيغية. فقد تمكنت المجموعة من الخروج بالموسيقى الأمازيغية من رقعتها الجغرافية الضيقة ومن الطابع الفولكلوري المحلي لتفتح لها آفاقا عالمية أرحب، وذلك ببنائها على أسس علمية قويمة، وباستعمال آلات موسيقية عصرية، كل ذلك مع الحفاظ على المقامات الموسيقية الأمازيغية الأصيلة،[7] فقد لجأ أفرادها مثلا إلى استخدام الآلات التراثية؛ كالفرقية والناقوس، مثلما اعتمدوا بعض الآلات العصرية؛ كالارغن، والقيثار الكهربائي والكمان، والأكوديون، إلى جانب آلة “البامبو” الإيقاعية.[8] كما اعتمدت المجموعة مقاربة جديدة تمثلت في تقديم، ولأول مرة، أغاني أمازيغية قديمة لكبار الروايس الرواد من أمثال: الحاج بلعيد، احماد أمنتاك، عمر واهروش، بوبكر أنشّاد، بوبكر أزعري، محمد الدمسيري وغيرهم. كما قدمت موروثا غنائيا من منطقة الريف ولأطلس المتوسط والذي حافظت عليه ذاكرة الساكنة المحلية. لقد تم تقديم كل ذلك في قالب عصري بشكل يجمع بين الحفاظ على الأصالة وتوظيف توزيع موسيقي علمي يخضع للتقنيات الفنية المتعارف عليها عالميا. [9]

لقد تمكنت إذن المجموعة من أداء رسالتها الفنية في تطوير الموسيقى الأمازيغية، ومنحها إشعاعا غير مسبوق بفضل جدية ومثابرة أعضاء المجموعة، وقيامهم بجهد توثيقي كبير في الميدان وذلك من أجل الحفاظ على الثقافة والهوية الأمازيغيتين، وتقريب الأجيال الناشئة من الإرث الفني الأمازيغي العريق.

خاتمة.. أفول نجم أوسمان

رغم الشهرة والإنتشار اللذين تحققا لمجموعة أوسمان فقد انتهى بها الأمر إلى التوقف، وأفل نجمها سنة 1984، مثلها كمثل عدد من فرق الأجيال كالمشاهب. وقد أرجع البعض هذا التوقف إلى أن أعضاءها لم يدركوا عمق المدلول الحقيقي للتعامل مع التراث، فوقعوا في أخطاء كثيرة؛ منها التقليد والإكتفاء بإعادة أعمال فنانين معاصرين كالحاج بلعيد وبوبكر أنشّاد، وسوء استخدام الآلات التراثية، والغلو في توظيف الآلات الغربية الحديثة.[10] الأمر الذي جعل بعض أعضاءها يؤكد أن أوسمان ظهرت قبل أوانها بثلاثين سنة، لأنها اختارت إبداع أغاني تساير الموجة الفنية العالمية، فظهرت كأنها تنتمي إلى زمن آخر غير الذي تعيش فيه.[11] ورغم هذا الاختفاء، فإنه بفضل مجموعة أوسمان تأسست مجموعات موسيقية أمازيغية كثيرة ما تزال تخدم الموسيقى الأمازيغية، وتولت إعادة إحياء أغاني أوسمان الشهيرة.

يشار أيضا، إلى أنه انتشرت عدة شائعات، مفادها أن أيادي خفية (أيادي السلطة) كانت وراء اختفاء أوسمان، لكن ذلك كان مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة، حسب أحد أعضاء المجموعة بلعيد العكاف، الذي أكد أنه رغم كون بعض أغاني المجموعة لها طابع سياسي ملتزم، فإن المجموعة لم يسبق لها أن كانت محل متابعة من السلطة، بل إن الملك الراحل الحسن الثاني –رحمه الله- كان من المولعين بأغاني أوسمان لدرجة أنه كان مرارا يطلب من “الجوق” الملكي أن يقوم بأداء الأغنية الأمازيغية المشهور للمجموعة: “تاكنداوت”.[12]

المراجع
[1] العكاف بلعيد، مجموعة أوسمان الأسطورة؛ حديث الصورة، منشورات أرشيف المغرب، 2021، ص 18-19.
[2] العكاف بلعيد، مجموعة أوسمان الأسطورة؛ حديث الصورة، مرجع سابق، ص 23.
[3] العكاف بلعيد، مجموعة أوسمان الأسطورة؛ حديث الصورة، مرجع سابق، ص 75.
[4] العكاف بلعيد، مجموعة أوسمان الأسطورة؛ حديث الصورة، مرجع سابق، ص 24.
[5] العكاف بلعيد، مجموعة أوسمان الأسطورة؛ حديث الصورة، مرجع سابق، ص 24.
[6] العكاف بلعيد، مجموعة أوسمان الأسطورة؛ حديث الصورة، مرجع سابق، ص 159-160.
[7] العكاف بلعيد، مجموعة أوسمان الأسطورة؛ حديث الصورة، مرجع سابق، ص 25.
[8] عبد العزيز بن عبد الجليل، معلمة المغرب، ج24 ملحق (ج1)، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا،  2008، ص 29.
[9] العكاف بلعيد، مجموعة أوسمان الأسطورة؛ حديث الصورة، مرجع سابق، ص 26-27.
[10] عبد العزيز بن عبد الجليل، معلمة المغرب، ج24 ملحق (ج1)، مرجع سابق، ص 29.
[11] العكاف بلعيد، مجموعة أوسمان الأسطورة؛ حديث الصورة، مرجع سابق، ص 23.
[12] العكاف بلعيد، مجموعة أوسمان الأسطورة؛ حديث الصورة، مرجع سابق، ص 37.