سيرا على نهجه الذي بدأه من مدة غير يسيرة، عمل الدكتور محمد ناجي بن عمر على ترجمة كتاب “الحياة الإجتماعية والسياسية للبربر” (La Vie sociale et la vie politique des Berbères 1930) لمؤلفه الفرنسي روبير مونطاني (Robert Montagne). والترجمة التي بين أيدينا ليست الأولى للأستاذ ناجي بن عمر، بل هي حلقة من حلقات أخرى عمل المترجم عليها بتأني منذ سنوات، كان من ثمراتها ترجمة عدد من الأدبيات التاريخية والإثنوغرافية والسوسيولوجية لعدد من الإثنوغرافيين والسوسيولوجيين والأنثربولجيين الفرنسيين الذي اشتغلوا على المغرب والمجتمع المغربي. فقد سبق للدكتور محمد ناجي بن عمر أن ترجم للويس أرنو كتاب “زمن المحلات السلطانية أو مغرب ما بين 1860-1912” ولإمدوند دوتي كتابي “مراكش، الشاوية ودكالة والرحامنة سنتي 1901-1902″ و”الصلحاء، مدونات عن الإسلام المغاربي خلال القرن التاسع عشر” ولرينولد لادريت دو لاشاريير كتاب “رحلة إلى المغرب 1910-1911” وللرائد كورني كتاب “رائحة البارود، في طريق احتلال الجنوب المغربي مع طابور مانجان جوانب من مقاومة الرحامنة وتادلة وزيان والقصيبة” ولماركيز سيكونزاك كتاب “في قلب الأطلس، بعثة إلى المغرب (1904-1905)”.وقد جعلت هذه التجربة الطويلة للمترجم في التعامل مع الكتابات الفرنسية تلك أن يصبح مترجما بارعا ومتمرسا يمكن أن يطمئن القارئ لترجمته ويستمتع بقراءة الترجمة كأنه يقرأ النص الأصلي باللغة الفرنسية.

يقع كتاب “الحياة الإجتماعية والسياسية للبربر” بفصوله الخمسة في 119 صفحة من الحجم المتوسط، وهو من منشورات أفريقيا الشرق –الدار البيضاء (المغرب)، وقد نشر الكتاب سنة 2014 بدعم من وزارة الثقافة المغربية. وقد وقدم لهذه الترجمة الأستاذ أحمد صابر. والكتاب عبارة عن محاضرات ألقاها روبير مونطاني بكلية الآداب بجامعة باريس – معهد الدراسات الإسلامية في الفترة بين نونبر ودجنبر 1930. أما صاحب الكتاب فهو الضابط المكلف بمهمة بمديرية الشؤون الأهلية، وهو أيضا مدير الدراسات بمعهد الدراسات العليا المغربية.

وقد جاء الكتاب المترجم في شكله النهائي متضمنا لخمسة فصول، بعد تقديم الأستاذ والعميد أحمد صابر والتقديم الأصلي للكتاب، وكذا الخاتمة، والفصول الخمسة نقدمها كما يلي:

  • الفصل الأول: “الإمبراطورية، البربر الغربيون وتكون الدولة الشريفة”
  • الفصل الثاني: “الدول البربرية، بنية الدولة وتحالفاتها في الحرب والسلم”
  • الفصل الثالث: ” الجمهوريات البربرية، المؤسسات السياسية والإقتصادية”
  • الفصل الرابع: “نشأة سلطة القياد وتطورها”
  • الفصل الخامس: “تحول البربر”

وعبر مختلف هذه الفصول سعى روبير مونطاني إلى تقديم عمل عبارة عن دراسة لتاريخ المجتمع الأمازيغي في تلك الفترة، وذلك عبر التجول بالقارئ بين عدة قضايا ووفق مقاربات متعددة. فناقش قضية الإزدواجية اللغوية بين العربية والأمازيغية وتفاعلهما على أرض الواقع وكيف تمكن الأمازيغ من الحفاظ على لغتهم وثقافتهم الأصلية، كما وقف عند ما يمكن تسميته بانزواء الأمازيغية في فترة معينة من تاريخ المغرب في المناطق الجبلية وفي واحات الصحراء والمناطق العميقة، وحلل الدور الإجتماعي للمرأة في محافظتها على اللغة الأمازيغية وتعريب بعض القبائل الأمازيغية، فضلا عن الدور الذي لعبه الإسلام في نشر اللغة العربية الفصحى بين الأمازيغ. وقدم الكاتب أيضا قراءته لنشأة سلطة القياد وللعلاقة بين القبائل الأمازيغية بمختلف تحالفاتها (تحكات وتاكوزولت نموذجا) من جهة والمخزن والزوايا من جهة أخرى، ونجده أيضا يتطرق بتدقيق كبير إلى الأدوار التي لعبها العنصر اليهودي مثلا في المجتمع الأمازيغي، وعن المملكات والإمبراطويات التي تشكلت على أنقاض ما يسميه بالجمهويات البربرية. ويخلص صاحب الكتاب إلى الحديث عن ما يسميه بالتراث الموحد للمجتمع الأمازيغي.