توطئة

معرفة الرجال الذين بصموا تاريخ المغرب في مجالات شتى جهد المقل، يفتح للمتتبعين والمهتمين والباحثين نافذة  للتعرف على مسار تاريخي فريد ومتفرد، وينبئ على طينة من الرجال ندبوا أنفسهم لخدمة الإسلام والمسلمون، والمغرب والانتصار لقضاياه وحضارته. مولاي علي الكتاني رجل بأمة اجتمع فيه ما تفرق في غيره، قليلا ما تجد له نظيرا ويصعب حصر مجالات اشتغاله، اهتم بالفكر والدعوة الإسلامية، وبقضايا الأمة الإسلامية.

كتاب “رجل في أمة وأمة في رجل”.. مسار عالم

عن منشورات إفريقيا، صدر كتاب “رجل في أمة وأمة في رجل” سنة2001م يقع في 232 صفحة قدم له الدكتور عبد الكريم الخطيب. ولمدة طويلة، عملت منشورات إفريقيا على تخصيص إصداراتها الحركة المقاومة وجيش التحرير المغربي إسهاما منها في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، لكنها في هذا الكتاب آثرت أن تقدم لقرائها الكرام سيرة رجل عرفه الناس منتميا لعالم الفكر والدعوة الإسلامية. واعتبرت الدكتور مولاي علي الكتاني – إضافة إلى ألقابه – مجاهدا ومناضلا لا تختلف حياته عن أي مقاوم عظيم. اختاره الله إلى جواره وهو مرابط على ثغر من ثغور الإسلام ببلاد الأندلس الإسلامية. وعرف قبل ذلك من الذين باعوا أنفسهم لله يبتغون فضله في الدار الآخرة. لا يكاد يخرج من معركة في سبيل الله إلا ليدخل في أخرى ارتبط اسمه بالجهاد الأفغاني وبالمسلمين في البوسنة وسراييفو وكوسوفا، والشيشان ومقدونيا، والكتاب ما هو إلا محاولة أولى لتكريم هذا الرجل الله الذي يذكرنا بأبطال الفتوحات الإسلامية… وبلادنا مدعوة إلى تخليد ذكرى هذا الرجل العظيم الذي رفع اسمها عاليا في كل بقاع العالم، وإن لم تنتبه إلى شخصيته الكبيرة في حياته فأحرى بها أن تكرمه وهو إلى جوار ربه. (الكتاب ص 3-4)

مولاي علي الكتاني شعلة من نور الإيمان

يقول الدكتور عبد الكريم الخطيب: “قليلا ما يجود الزمان على أبنائه برجل عظيم مثلك يا أخي علي الكتاني. كنت طول حياتك الجندي المجند الخدمة الإسلام والمسلمين والإعلاء كلمة الله رب العالمين. لقد ختم الله حياتك بضم شتات الأقليات في العالم بأسره، وكنت أحد رجال الصحوة الإسلامية الأخيرة بمحبتك، وكنت شاهد عيان على أعمالك العظيمة التي يسرك الله لها. كافحت منذ صباك في الأندلس التي أنشأت فيها الجامعة الإسلامية بمدينة قرطبة عاصمة الخلافة الغربية، وبذلك أردت إحياء مجد أرض أعطت للعالم أحسن نموذج في الرقي والتسامح.

لقد قدمت لديننا الحنيف خدمات سيعترف لك بها التاريخ. إذ أيقظت من جديد شعلة ونور الإيمان وهدى الله على يديك كثيرا من الخلق في بلدان عديدة وفي أقصى المعمور كأستراليا وكاليدونيا الجديدة، وغيرها… وتركت بصماتك في كل مكان وأرض زرتها ، فبنيت مساجد وأسست منظمات وجمعيات إسلامية، وكنت أحسن من قرب بين المذهبين السني والشيعي، ووحدت كلمة المسلمين في كل مكان وخاصة في القطر الأسترالي.(الكتاب ص 5)

ولد علي الكتاني 21 شتنبر عام 1941 بمدينة فاس، وتربى ونشأ في أسرة متدينة، فوالده محدث الحرمين الشريفين سيدي محمد المنتصر الكتاني، الذي كان من أبرز علماء الوقت، والدته هي أم هانئ سليلة العلامة الخطيب سيدي عبد السلام سليل آل الفاسي الفهري.

نشأ في هذه البيئة يرتضع معاني الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية، ثم انتقل إلى سلا ثم طنجة، ومنها إلى الرباط. ثم رحل مع والده وأسرته إلى دمشق في سوريا. ومن هناك أنهى دراسته التعليمية المدرسية. حيث أراد والده أن يعده الإعداد الديني، والإعداد الفقهي، والإعداد التثقيفي، وأن يرسله إلى دول أوروبا حتى تتلقح أفكاره، ويأتي بجديد الوقت.

كان يتحدث بتسع لغات منها؛ اللغة الإنجليزية، واللغة العربية، واللغة الأمازيغية، واللغة الإسبانية، واللغة الفرنسية، واللغة الإيطالية، واللغة السويدية، واللغة الألمانية، واللغة البرتغالية. ولكن كان يتقن أربع لغات من تلك اللغات؛ وهي: اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، واللغة الفرنسية، واللغة الإسبانية. كان يؤلف بها ويخاطب بها، ويشارك بها، وتستجوبه الإذاعات بهذه اللغات.

كان يسافر إلى مختلف دول العالم من أجل تنظيم الأقليات الإسلامية ويحل مشاكلها. وأفاد كثيرا، حتى إنه نظم المسلمين في أستراليا، وعدد هم الآن يقارب 800 ألف مسلم، وتواصل مع السكان الأصليين في نيوزيلندا ونيوكاليدونيا. فأبدع علم الأقليات الإسلامية في العالم، وألف كتابه «المسلمون في أوروبا وأمريكا» الذي هو كتاب علمي فلسفي إخباري تاريخي رحلاتي، وهو يعد من أهم رحلات المغاربة في العالم. بحيث يذكر أخباره وشأنه مع المسلمين في مختلف المدن والدول الأوروبية، والأمريكية والأسترالية. كما اهتم بالأندلس بالنظر إلى جذوره الموريسكية، ففي سنة 1973 وخلال زيارته لإسبانيا في إطار إعداده لدراسته حول «المسلمون في أوروبا وأمريكا». وقد كان اهتمامه ذاك تأثرا أيضا بوالده الذي كان له اهتمام خاص بالأندلس والبحث في تاريخها، وإحياء الإسلام فيها.

وقد ترك الكاتب حوالي مائتي مصنف، منها المؤلف الكبير، ومنها البحث الذي نشر في عدد من المجلات المحكمة في العالم، سواء في علوم التكنولوجيا والتنمية، أو في علوم الطاقة، أو في علم الأقليات الإسلامية، وفي فن الشعر؛ وله في ذلك له ديوان شعري باللغة الفرنسية وباللغة الإنجليزية، وله كذلك بعض الأشعار كتبها في طفولته باللغة العربية. وألف كذلك في التاريخ مؤلفات عديدة؛ من أهمها كتاب: «انبعاث الإسلام في الأندلس»، وفي الأنساب جمع نسب وشجرة العائلة الكتانية، ولم يكد يترك فيها شاذة ولا فاذة سوى القليل مما حصره في كناش الشجرة الكتانية.

مضامين الكتاب

تضمن الكتاب: مقدمة  الناشر بقلم محمد الخليدي، وتقديم الدكتور عبد الكريم الخطيب، وقد تعرض لنشأة وتكوين لمولاي علي الكتاني ولادته، الهجرة إلى المشرق، دخوله المجال المهني، مولاي على الكتاني في الظهران، مولاي علي الكناني في جدة، مشاريع أخرى في جدة، العودة إلى المغرب، مولاي علي الكناني والقضايا القضايا الإسلامية، مولاي على والأندلس، مولاي علي الكتاني و والثقافة، مؤلفات مولاي علي الكتاني  وأبحاثه، مولاي علي الكتاني: الزوج والأب، مولاي علي الكتاني عالم الطاقة، مولاي علي الكتاني داعية التكنولوجيا الإسلامية، نشاطاته من حيث مؤلفاته وأبحاثه .مولاي علي الكتاني خبير الأقليات الإسلامية في العالم. مولاي على الكتاني يفتح الأندلس من جديد، مولاي علي الكتاني وفقه الدعوة في الخارج، الدعوة بين الأقليات الإسلامية بقلم الدكتور مولاي علي الكتاني رحمه الله تعالى، الأعمال الثقافية للدكتور مولاي علي الكتاني. الآثار القديمة في المغرب خاصة، جوانب من شخصية الدكتور مولاي علي الكتاني (حوار) وأخيرا شهادات .

خاتمة

يعتبر كتاب “رجل في أمة وأمة في رجل” مولاي علي الكتاني، محاولة للتعريف بأحد أعمدة الفكر والدعوة المغاربة الذين قاموا بمجهود كبير في التعريف بالإسلام بدول العالم والدفاع عن الأقليات الإسلامية. وقد حاول الناشرون تقريب هذه الشخصية الفذة للمغاربة اعترافا ووفاء للمجاهدين بعلمهم وأقلامهم في سبيل تحصين الأمة والحفاظ على حضارتها وتراثها. ولعل مما ساعد الفقيد مولاي علي الكتاني في تقديم هذا المنجز الفكري المتميز تعدد اهتماماته وتمكنه من لغات كثيرة، وتخصصه في علوم عدة مكنته من التواصل مع حضارات أخرى، وجعلت منه رائدا في مجالات عدة.