المولد والنشأة[1]

الشيخ محمد بن التهامي الصمدي ولد سنة 1355هـ / 1936م، بقرية “الخِربة” من قبيلة “بني يّسف” بين العرائش وشفشاون. نشأ في أسرة اشتهرت بالعلم والعناية بحفظ القرآن.

التحق بكتّاب والده الذي كان يتعاطى مهنة التدرير، فحفظ  على يديه القرآن الكريم ولما يتجاوز سن العاشرة، ولم يكن والده – رحمة الله عليه – من أهل العلم ولم يطلبه في حياته كلها، وإنما كان يحفظ كتاب الله برواية ورش عن نافع و رواية أبي عمرو البصري، لكنه كان يتحسر على نفسه ندما على التفريط في طلب العلم أيام التحصيل، لذلك وجه ابنه هذا التوجه بعد أن فطن لملامح الذكاء والنباهة وسرعة الحفظ لديه، فحفّظه عددا من المتون منها: مختصر خليل، الأجرومية، وألفية ابن مالك ولامية الأفعال في النحو والصرف، والجمل في الإعراب للمجرادي، ومنظومة الاستعارة في البيان للشيخ الطيب بنكيران، كما حفظ السلم في المنطق للأخضري، وفي الفقه أيضا تحفة ابن عاصم الأندلسي ولامية الزقاق في التوثيق والمعاملات، ومنظومة ابن عاشر في العقيدة والعبادة.

الرحلة في طلب العلم

سهر الوالد الفقيه التهامي على تحفيظ ابنه هذه المتون بعد أن حفظ كتاب الله عليه مباشرة. ثم أرسله بعد ذلك لأخذ العلم عن الشيخ الجليل والعالم الفاضل السيد عبد الرحمن البَرّاق أحد أصهاره، فدرس عليه “متن الأجرومية“، ومتن الألفية في النحو، ومنظومة ابن عاشر. وبعد أن ختم عليه -رحمه الله- ختمة في ألفية ابن مالك وسلكة أخرى إلى الإضافة، انتقل للدراسة على العلامة الفقيه “المرابط”، حيث ختم عليه أيضا ألفية ابن مالك بالمكودي، ومنظومة الاستعارة في البيان للشيخ الطيب بنكيران، وختمة في منظومة السلم للأخضري في المنطق بشرح القوَيسِنِي.

ثم تنقل لطلب العلم على أحد أبناء عمّهم العالم الفاضل السيد عمر الصمدي، حيث ختم عليه الألفية مرتين بشرح المكودي، ومتن ابن عاشر في العقيدة والعبادة، ومنظومة الاستعارة في البيان، والجزء الأول من مختصر خليل بشرح الدردير في فقه العبادات وفقه الزكاة، وأبوابا من تحفة ابن عاصم، ولامية الزقاق، والمنطق بشرح القويسني.

ثم رحل إلى تطوان فأخذ بها عن الفقيه التجكاني صحيح البخاري بشرح القسطلاني، ومقدمة ابن السبكي في الأصول على العلامة الفقيه الفحصي، والعلامة المرابط مفتي الرابطة سابقا، كما درس على هذا الأخير أبوابا من فقه البيوع بشرح الدريدير على خليل، وعلى العلامة السيد العربي اللّوه فن المعاني من التلخيص بشرح السعد، ودرس على العلامة الأصولي الشيخ الحراق مقدمة ابن السبكي من جمع الجوامع في الأصول، وفن البديع من التلخيص بشرح السعد.

وانتفع كثيرا بدراسته على العلامة المحقق الشيخ محمد الزمزمي ابن الصديق حيث درس عليه التفسير للبغوي حتى سورة التوبة، ومنها إلى الناس بتفسير ابن كثير، كما درس عليه الخلاف العالي من كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد، و درس عليه أبوابا من المستصفى للغزالي في الأصول، كما درس عليه أيضا أجزاء من موطأ الإمام مالك بشرح التمهيد إلى ما يقرب من الجزء السابع، ودرس عليه كتابه في الأصول “المحاذي بجمع الجوامع”.

نشاطه العلمي والمهني

التحق مترجمنا ب”مركز تكوين المعلمين” بمدينة الرباط، وبعد تخرجه عمل بقرية وادي بهت، ثم مدينة  الخميسات إلى سنة 1965 تاريخ وفاة والديه. وبطلب منه، عينته وزارة التعليم في السنة نفسها بمدينة طنجة ليقوم على شؤون إخوانه اليتامى من أبيه. واشتغل مدرسا في مدينة البوغاز حتى سنة 1984 تاريخ حصوله على التقاعد النسبي. وبعد وفاة الفقيه العياشي المنصوري سنة 1985 بالديار المقدسة، خلفه المرحوم الصمدي على إمامة مسجد عمر بن الخطاب بحي الصدري بالدار البيضاء، حيث اشتغل إماما وخطيبا وواعظا ومدرسا لعدد من العلوم مثل: النحو والأصول والمنطق والبلاغة. وتخرج على يديه العشرات من الدعاة والأساتذة نذكر منهم الدكتور سعيد ربيع والدكتور سعيد بيهي والدكتور عبد الله قلو والدكتور طارق غافر والدكتور فريد الأنصاري الذي كان يجلس إليه كل أحد ليقرأ عليه كتاب “مذكرات أصول الفقه” للإمام الشنقيطي.

أخلاقه وشمائله

عاش الفقيه العلامة محمد بن التهامي الصمدي عفيفا أليفا مألوفا، تسبقه أخلاقه الكريمة، وسمعته الطيبة، وصيته الذائع، فكان يحج إليه طلاب الفتوى وطلبة العلم الشرعي من الدار البيضاء وخارجها. نعته الرابطة المحمدية للعلماء بأنه كان من المشايخ المبرزين في العلوم الشرعية واللغوية والفقه المالكي، وعرف بشيمه الأخلاقية، ومعدنه الإنساني الأصيل.

يقول عنه ابنه صلاح: مما أذكره من أخلاقه وشيمه أنه كان زاهدا ورعا راغبا في الآخرة معرضا عن الدنيا، عطوفا على  الأيتام والفقراء والأرامل، شفيعا لهم عند ذوي الجاه والمال، فكان بعضهم يأتيه، أحيانا بشيء من زكاته فينادي من عُرفوا بالمتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافا،  فيعطيهم إياها. وكان يردد دائما : “هؤلاء هم الذين أمرنا الله أن نعطيهم، يمنعهم حياؤهم وتعففهم من طلب الناس”، وكان يرفض أكل الصدقة لانتسابه بشجرة موثقة إلى بيت النبوة.

ومما خصه الله به: حرصه على الجمع بين الحركات الإسلامية وعدم التفريق بينها، ولذلك فقد تسارعوا إلى نعيه والتكفل بجنازته والقيام بأعبائها المادية والتنظيمية نظرا لضخامة الجنازة وكثرة المعزين.

وأما أخلاقه مع أهل بيته، فكان يطبعها اللين والتسامح، إلا أن تنتهك حرمات الله، فحينئذ كان يغضب غضبا شديدا لربه ولأجل دينه. ومن مواقف حرصه على الصدق وكرهه الكذب أنهم كانوا في بيت، فاستقبل أحدهم مكالمة، فذكروا الشيخ فقال المتصل سلم عليه (أي على الشيخ ، فقال المستقبل : إننا نسلم عليك والشيخ، فقال المستقبل : إننا نسلم عليك والشيخ كذلك، فرفع يده محتجا: “أنا لم أسلم على أحد”.”

وفاته

توفي الفقيد رحمه الله بالدار البيضاء يوم السبت 9 شوال 1431 موافق 18 شتنبر 2010، وكانت جنازته جنازة مشهودة حضرها جمهور عظيم من العلماء والدعاة والتلامذة والمحبين، ودفن بمقبرة الغفران بنفس المدينة، وأبنه قبل الصلاة عليه الدكتور أحمد العبادي رئيس الرابطة المحمدية للعلماء والشيخ الدكتور القاضي برهون.

المراجع
[1] أنظر كتابنا: الإدريسي مولاي أحمد صبير. (2020). مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء. دار الرشاد الحديثة. الدارالبيضاء. صص: 248-252.