بين يدي الكتاب

كان علم السيرة النبوية وما يزال من أشرف العلوم وأنفعها، لا يضاهيه قدرا وشرفا إلا علوم القرآن وعلوم الحديث النبوي، وقد شرف الأخيران بشرف ارتباطهما بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما جعلهما موضوع عناية الباحثين، وإقبال الدارسين عبر العصور الإسلامية. ففي السيرة النبوية اطلاع على حياته صلى الله عليه وسلم، وبسط لأخلاقه، وبيان لصفاته، وتعرف على خصائصه ودلائل نبوته، وأحواله وآدابه مع أصحابه و أبنائه وأحفاده وأصهاره وخصومه… إنها سيرة رجل فوق العادة، إنه النبي الخاتم، سيد ولد آدم.

ومن صور اهتمام الرعيل الأول بهذه السيرة قول زين العابدين بن علي بن الحسين: “كنا نُعلَّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نُعلَّم السورة من القرآن”. وقول ابن الجوزي: “رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يُمزج بالرقائق والنظر في سيرة السلف الصالح، وأصلح سيرةٍ سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم”، وقول سفيان بن عيينة: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر، فعليه تعرض الأشياء، على خُلقه وسيرته وهديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل”.

ثم إن عجائب هذه السيرة لم تنقض بالرغم من الثروة الهائلة من الكتب والمؤلفات التي صُنّفت في مولده، وسيرته، وشمائله، وفضائله، ومعجزاته، وأخلاقه، وآدابه، وأزواجه، وخدمه ومرضعاته.. ولعل ما يفسّر هذا الغنى، تعلق هذه الأمة بنبيها صلى الله عليه وسلم، والعناية بآثاره. ولعل تقديم كتاب “المصنفات المغربية في السيرة النبوية” يعرض صورة من صور العناية بهذه السيرة العظيمة عِظم صاحبها عليه الصلاة والسلام.

تقديم صاحب الكتاب

الأستاذ الدكتور العميد محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، أحد أشهر الوجوه العلمية بالمغرب، وأشهر المختصين في السيرة النبوية وأبرز مدرسيها، ولد سنة 1934م بـ (بني لنت) نواحي تازة، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي بمدينتي آزرو وفاس، ثم تابع تعليمه العالي بجامعة القرويين التي حصل منها على شهادة الدكتوراه في الشريعة. ثم التحق بجامعة محمد الخامس بالرباط وحصل منها على الإجازة في الحقوق، ثم دكتوراه الدولة من دار الحديث الحسنية.

وشغل محمد يسف مناصب عدة، منها:

أستاذ في التعليم الثانوي، ورئيس جائزة الحسن الثاني للوثائق والمخطوطات بوزارة الثقافة، إطار ملحق بديوان وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة – مدير مركزي بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – وأستاذ للسيرة النبوية بدار الحديث الحسنية – أستاذ الحضارة الإسلامية بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية – أستاذ بمدرسة استكمال أطر وزارة الداخلية بالقنيطرة – أستاذ زائر في كل من المدرسة الإدارية نواكشوط بموريتانيا والمعهد الإسلامي في العاصمة البلجيكية بروكسيل. عُيّن محمد يسف عضوا في هيآت ومؤسسات منها: هيئة التقريب بين المذاهب الإسلامية المشكلة من علماء المملكة المغربية وعلماء جمهورية إيران – اللجنة الدائمة لمهن التعليم والتكوين والتدبير بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي – الكاتب العام لجمعية العلماء خريجي دار الحديث الحسنية – عميد كلية الشريعة بفاس – الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى – الأمين العام لنفس المجلس. وله مؤلفات عدة نذكر منها: المصنفات المغربية في السيرة النبوية – رواية صحيح مسلم بالغرب الإسلامي – الحقوق العلمية في الإسلام – طفولة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصباه – المرأة في الإسلام.

تقديم الكتاب

أصل هذا الكتاب رسالة تقدم بها محمد يسف لنيل شهادة الدكتوراه من دار الحديث الحسنية تحت إشراف الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، بحضور لجنة للمناقشة تكونت حينئذ من الشيخ محمد المكي الناصري، والدكتور محمد فاروق النبهان، والدكتور إبراهيم حركات، وكانت الرسالة من أربعة أسفار، لتصدر سنة 1412ه، عن مطبعة المعارف بالرباط في مجلدين اثنين (309 صفحة و269 صفحة). والكتاب من قسمين رئيسيين: القسم الأول السيرة النبوية في المغرب، وهو من مدخل وثلاثة أبواب.

– المدخل: وفيه خلاصة موجزة لمراحل التطور التاريخي لعلم السيرة، من الرواية الشفوية إلى عصر التدوين انطلاقا من النصف الأول من القرن الثاني للهجرة.
أما الأبواب الثلاثة فجاءت على الشكل التالي:
– الباب الأول:  وهو من خمسة فصول، قدم فيها الكاتب مصنفات السيرة والمغازي: الفصل الأول: السيرة والمغازي وعرض فيه نحو 29 مصنفا. الفصل الثاني: الأقضية والأحكام، وعرض فيه ثلاثة مصنفات في أقضيته صلى الله عليه وسلم، مع سوقه المبرر الذي دفعه إلى إدراج هذا النوع من المصنفات ضمن السيرة النبوية. الفصل الثالث: المولد النبوي، وقدّم فيه خمس مصنفات. الفصل الرابع: خصصه للمصنفات في للحرمين الشريفين المكي والمدني وعرض فيه لكتب ثلاثة. الفصل الخامس: السيرة الشعرية والمنظومة وعرض لقصائد ومنظومات منها الشقراطسية.
– الباب الثاني: خصصه الكاتب للدلائل والأعلام والمعجزات والشمائل والخصائص، وهو في ثلاثة فصول: الفصل الأول: الدلائل والأعلام وذكر فيه ثمانية كتب. الفصل الثاني: المعجزات وذكر فيه ثمانية كتب. الفصل الثالث: الشمائل والخصائص وقدم فيه ستة وأربعين مصنفا.
– الباب الثالث: الصحابة: الكنى والأنساب، وتضمن ثلاثة فصول: الفصل الأول: الصحابة وعرض فيه اثنين وعشرين مصنفا. الفصل الثاني: الكنى وعرض فيه خمسة مصنفات. الفصل الثالث: الأنساب وعرض فيه ما مجموعه ستة عشر مصنفا.
وقد تم التركيز في هذه الأبواب وفصولها على عطاء علماء السيرة المغاربة، من طبقة الرواد، إلى نهاية القرن السادس الهجري.
أما القسم الثاني  فخاص بالسيرة المغربية عند المشارقة. وهو من تمهيد وباب واحد من أربعة فصول.
في التمهيد تمّ التركيز على موضوع رحلة الكتاب المشرقي إلى المغرب، ثم رحلة الكتاب المغربي إلى المشرق.
أما الفصول الأربعة، فضمّنها أربعة نماذج للكتاب المغربي في السيرة النبوية بالمشرق. وخصّ الفصل الأول منها لكتاب (الاستيعاب) للحافظ ابن عبد البر. وخص الثاني (القصيدة اللامية الشقراطسية)، كمثال للسير الشعرية. أما الفصل الثالث فكان لكتاب (الشفا) للقاضي عياض. والرابع لكتاب (الروض الأنف) للإمام السهيلي.
وفي الخاتمة عرض ما توصل إليه من نتائج.

على سبيل الختم

ستظل السيرة النبوية نبعا ثرّا لا ينضب معينه، يكرع منه الدارسون والباحثون مع تجدد المناهج وزوايا النظر في التناول والكتابة، وتتعدد أشكال الغوص على الصدفات والجواهر المكنونة، فيكون الناتج دائما متجددا مبهرا، غنيا مفيدا، كيف لا وصاحبها هو من هو، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.