توطئة

تعتبر  قضية الصحراء المغربية من أطول الخلافات الترابية التي عرفها التاريخ الحديث، وذلك لتداخل خيوط أطراف الصراع فيها، ونوعية العداء والتصدي لحق المغرب التاريخي في صحرائه. ولم يتوقف الصراع على الصحراء المغربية على مدى أربعة عقود من الزمن، دون حصول أي تقدم ملموس في اتجاه إيجاد حل نهائي. وقد انطلق الصراع على الصحراء المغربية منذ الستينات من القرن الماضي إلى اليوم بسبب تدخل أطراف ليس من مصلحتها حل هذه القضية التي عمرت طويلا.

إن جزءا من هذا التاريخ مغيب عند جيل ما بعد المسيرة الخضراء، وجيل القرن الحالي، وفي محاولة متميزة اجتهد الأستاذ بوسلهام عميمر في اعتماد الحكي للتواصل مع الشباب لبسط أحداث واقعية عرفتها الصحراء المغربية. إنها قصة وطنية لفئة الشباب شخوصها متخيلة بأسلوب أدبي سلس. فلماذا هذه القصة بالذات؟ ليتعرف، حسب الكاتب، أبناؤنا وشبابنا على تاريخ وحاضر منطقتنا الصحراوية، ويقفوا على أطروحة جبهة الانفصال المتهافتة، ويتعرفوا على الأيادي الظاهرة و الخفية التي تتولى النفخ في نار النزاع المصطنع، كلما ظهر بصيص أمل في اتجاه حلحلته، ودور حكام الجزائر وإصرارهم، على إطالة أمد هذا المشكل المفتعل. ولبيان العلاقة بين صحرائنا بالجنوب المغربي، وبين المدينتين السليبتين بشماله، وفضح  وتعرية موقف نخبة من الإسبان وتناقضهم السافر بدعمهم لجبهة الانفصال بصحرائنا، ورفضهم القاطع لأي شكل من أشكال الاستقلال الإقليمي لكاطلانيا والباسك ببلادهم.

مضامين الكتاب

يبدأ المؤلف في شد انتباه الشباب بسرد قصة جمانة ابنة السابعة عشرة ربيعا، سليلة قبيلة صحراوية عريقة، ما بالها اليوم تعود إلى منزل العائلة من مدرستها الثانوية على غير عادتها، وكانت لا تسلم على ذويها، حتى محفظتها نالت حظها من حالها المتوترة، إذ رمت بها عند عتبة الدار. ثم هرولت رأسا صوب مكتبة الدار العامرة والتي تضم بين أجنحتها من كل فن بعدد وافر، من أمهات الكتب والمراجع والمخطوطات. لقد أثارت انتباه أفراد أسرتها، إنهم يعرفون رزانتها وهدوءها، فأخذوا يتبادلون النظرات مستغربين، ولسان حالهم يتساءل: عما تبحث جمانة، وهي التي ناذرا ما تلقي التحية، في هذه المعلمة الغنية بالنفائس والدور الثمينة؟ ما الذي دفعها لتبحث في ثناياها متلهفة، وبالضبط في الجناح المتعلق بتاريخ الصحراء، ورجالاتها، وجغرافيتها، وعاداتها، وتقاليدها العريقة؟.

عودة مباركة:

من هنا تبدأ الحكاية، فتح صفحات من التاريخ المجيد للصحراء المغربية وجهاد سكانها وصبرهم، إنها رحلة العودة للوطن الأم وفي أحضانه، وتوافد صحراويون مغاربة على بلدهم الأصلي، قاطعين مع مرحلة حاولت فصلهم عن هويتهم وحضارتهم، وأرضهم ، وأهلهم، بسبب سوء اختياراتهم الراديكالية، يسارية كانت أو يمينية، بعد أن كانوا سجناء تصورات وهمية، ودعم انفصالي لكل من الجزائر وليبيا، بكل ثقلهما البترولي والغازي، ومعهما اسبانيا وكوبا ومن يدور في فلكها.

اعتراف منقطع النظير:

لم يعد العدد اليوم (سنة 2014م) يتجاوز الثلاثين دولة، وهو مرشح للانخفاض مع تبين زيف أطروحة الانفصال، والحراك الشعبي المبارك الذي أطاح بأحد أعمدتها، وعودة المغرب لاستعادة مكانته التاريخية في إفريقيا عبر بوابة الاقتصاد بمنطق “رابح رابح”، والدينية عبر إقبال أكثر من دولة إفريقية على الاختيار المغربي السديد في التدين؛ متمثلا في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، وتصوف الجنيد. (الكتاب ص 6)

بتعجب، تساءلت أم جمانة التي كانت بجانبها وهي تتابع حالها: من سبعين دولة إلى أربعين؟ واليوم ازداد الملتحقون بالاعتراف بأحقية المغرب في أراضيه، إلى تاريخ كتابة الكتاب، من سبعين إلى أقل من ثلاثين. وليس بينها واحدة من الدول الكبرى أو دائمة العضوية في مجلس الأمن، أو عربية، تعترف بوجودها، باستثناء الجزائر راعيتها الرسمية. وبكل تأكيد العدد مرشح للنقصان في المستقبل. اليوم تحمل لنا الأخبار سحب ثامن دولة اعترافها بجمهورية الوهم خلال السنتين الأخيرتين من منطقة الكاريبي. كما سحبت دولة الباراغواي اعترافها، معتبرة إياها حركة انفصالية مسلحة. إنه رجوع إلى الحق والحقيقة ونبذ مشروع تجزيء المجزئ وخلق دويلات قزمية، يسهل على أي كان اختراقها، والتحكم في مصائرها، ومن تم تسخيرها لخدمة أجنداتها؛ إن إقليميا أو قاريا.(الكتاب ص 7)

حوار الحكماء:

بين ذاكرة البيت، ويقظة أستاذ، تجلت الحقيقة وبزغ فجرها، بالحوار الهادئ نبسط تاريخ أمة عريقة ابتدأت منذ استقبال المولى إدريس في المملكة الشريفة العلوية، شاهدة على الروابط الوشيجة بين المغاربة. إن كل ما يحتاجه شباب اليوم هو “فن حسن الإصغاء” لبعضهم البعض حتى يتبين، لمن بعينه غبش، الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بخصوص جميع قضايانا؛ فكرية كانت أو سياسية، أو دينية، أو وطنية من قبيل هذا المشكل المفتعل. (الكتاب ص 10)

مسار التحرير الطويل:

كان لزاما إثبات الحقائق والوقائع ووضعها على المشرحة، للرد على كل تفاهات الانفصاليين ومعاونيهم، وبسطها والرد عليها بالحجج الدامغة والبراهين، دون مزايدة أو افتراء. فالحديث عن “جمهورية عربية صحراوية ديموقراطية” وهمية، مسيجة بسياج الذل والعار تعيش الفقر والفاقة، ويتمتع قادتها بأفخم الفنادق في دول المؤيدين، ويجند أطفالها وشبابها لخوض معركة لم يولدوا من أجلها، فمكانهم الأصلي المدارس والتحصيل العلمي. لقد ملئوا رؤوس الشباب والأطفال بعدم ارتباط الصحراويين بالمغرب، ومن تم فالمغرب دخيل على الصحراء، ولا علاقة تاريخية به. ويقولون بأن الصحراء آخر مستعمرة في إفريقيا لا بد من تحريرها. ومن المهازل يتحدثون عن دور الجزائر البطولي على موقفها الشجاع الداعم ل “الشعب الصحراوي الحر” بدون قيد. (الكتاب ص 12).

إنه الكيل بمكاييل مختلفة، فمن ينسى موقف الجزائر المناهض لحق شعب كوسوفو المسلم، في تقرير مصيره؟و من ينسى دفاعهم المستميت عن الوحدة الترابية لصربيا؟ ومن ينس تفاخر الرئيس نفسه بدعم بلاده، لانفصال تيمور الشرقية عن أندونيسيا، لتتحول إلى شبه قاعدة عسكرية استرالية، تتربص الدوائر بأكبر دولة إسلامية، إثر هذا الانفصال البغيض؟. (الكتاب ص 13)

وتحدث السارد عن زعماء الانفصال بعد أن بسط أسبابه ومسبباته، بدءا من المدعو عبد العزيز المراكشي الآبق والعاق لوالده الذي تبرأ منه، وكان أحد أعضاء جيش التحرير، والولي السيد الركَيبي المؤسس لجبهة الانفصال، ومحمد ولد السالك “وزير الشؤون الخارجية للكيان الانفصالي”، وفئة تملك الشرعية القبلية والجغرافية، وممنوع عليها أن تتولى المناصب العليا داخل القيادة الانفصالية، منهم السيد مصطفى ولد سلمة، والبخاري أحمد، وجزء منهم مندمجون في النسيج السياسي والثقافي والاقتصادي الوطني. (الكتاب ص 17/25)

واستمرت الرحلة بسرد بطولات جيش التحرير بالجنوب واسترداد المغرب لأقاليمه الجنوبية من المستعمر الاسباني الغاشم، بضم طرفاية عام  1958 وسيدي إفني 1969 وباقي الأراضي الصحراوية بمسيرة خضراء سلمية.

خاتمة

كتاب “صحرائي في عيوني” للأستاذ بوسلهام عميمر صدر سنة 2014 م، يقع في 207، كان الهدف من تأليفه، أنه موجه بالخصوص إلى فئة الشباب لكونهم ثمرة الغد و رجال المستقبل، لذا يجب عليهم أن يكونوا عارفين بوطنهم وتاريخ بلدهم وصحرائهم، والوقوف على مكائد الجارتين الجزائر وإسبانيا في صحرائنا، وطمعهما في أراضينا وعدم رغبتهما أن يستكمل المغرب وحدته، وينمي أقاليمه الصحراوية، وغايتهما أن يصبح تابعا للمعسكر الشيوعي البائد، وتنكرهما لما قام به المغرب تجاه الجزائر لما استعمرت من طرف الفرنسيين. بأسلوب سلسل وسرد جميل يشد القارئ أبدع الكاتب الذي بسط الخطاب واختار الكلمات، ووظف الحكي والسرد والحوار ليشد إليه انتباه القارئ الشاب.